خارطة التنافس الاستراتيجي الأمريكي ـ الإيراني بعد الاصطدام بالقاطرة السورية
الجمل: تقول التحليلات السياسية الجارية بأن فعاليات الحدث السوري قد أدت إلى تزايد حضور دمشق القوي في كافة بنود معادلة الحسابات الشرق أوسطية والإقليمية والدولية، وفي هذا الخصوص تحدثت تحليلات كبار الخبراء قائلة بأن تأثيرات ملف دمشق قد دفعت باتجاه تحولات نوعية جديدة، في ملفات الصراع على خط واشنطن ـ طهران: فما هي حقيقة هذه التحولات النوعية الجديدة. وبفعل تأثيرات ملف دمشق ما هي معطيات الموقف الأمريكي إزاء طهران، وما هي معطيات الموقف الإيراني إزاء واشنطن؟
* شبكة العنكبوت الدمشقي: حيرة واشنطن الجديدة
برزت خلال اليومين الماضيين المزيد من وجهات النظر الأمريكية التي تحدثت عن تحولات جديدة في الإدراك الأمريكي إزاء أزمة الملف الإيراني، وذلك بفعل تأثير التطورات السياسية الشرق أوسطية الجارية، وأشارت هذه المعطيات إلى عوامل التأثير، وذلك على النحو الآتي:
• عامل التأثير الثانوي: وتمثل في انهيار نظام الرئيس حسني مبارك، الأمر الذي أدى إلى انهيار معادلة ملف المعتدلين العرب المتعلقة بتعزيز أمن إسرائيل.
• عامل التأثير الرئيسي: تزايد تداعيات ملف الحدث السوري، وذلك لأن معادلة واشنطن الافتراضية ظلت أكثر اهتماماً خلال الفترة الماضية بالضغوط على دمشق من أجل إبعادها عن طهران بما يؤدي بدوره إلى إضعاف حزب الله، وبعد ذلك تتم عملية حسم حزب الله وحسم طهران، ولكن في ظل عدم نجاح واشنطن وحلفائها في إحراز أي تقدم في عملية إبعاد دمشق عن إيران، فإن الأكثر أهمية يتمثل في ضرورة اعتماد معادلة جديدة، أو تعديل بنود المعادلة القديمة.
أشارت التحليلات إلى أن واشنطن أصبحت أكثر إدراكاً لواقع أن دمشق يصعب التعامل معها وفقاً للنماذج الشرق أوسطية التي حدثت في تونس ومصر، وتحدث الآن في ليبيا واليمن والبحرين، وذلك لعدة أسباب، من أبرزها:
ـ العامل الجيوستراتيجي: ويتمثل في موقع سورية الجغرافي الحاكم في المنطقة، بحيث أن دول الجوار الإقليمي الخمس ترتبط بحدود مشتركة مع سورية.
ـ العامل الجيوبوليتيك: ويتمثل في أن دول الجوار الإقليمي الخمس تحتاج إلى التعاون مع دمشق، أكثر من احتياج دمشق للتعامل معها.
أدى ازدواج تأثير العامل الجيوبوليتيكي مع الجيواستراتيجي إلى تمتع دمشق بالمزيد من الخيارات والبدائل، إضافة إلى أن دمشق، ووفقاً لمعطيات البعد الاستراتيجي للشرق الأوسط، أصبحت تقبع في موقع بؤرة شبكة عنكبوت توازنات نسيج علاقات الصراع والتعاون الجارية في المنطقة طوال الفترة الممتدة من لحظة انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وبالتالي فإن مصداقية قيام واشنطن وحلفائها باستخدام الضغط الخارجي كآلية لإسقاط وتغيير النظام في دمشق هو أمر يتسم بالمزيد من الشكوك واللايقين، وفقدان المصداقية.
* التحولات النوعية الجديدة في صراع خط واشنطن ـ طهران:
خلال الفترة الممتدة من عام 2005م وحتى شهر تموز يوليو 2011م الماضي، ظلت المعطيات الميدانية والمتعلقة بالصراع الإيراني ـ الأمريكي تقدم على الآتي:
• تقوم واشنطن بالإمساك بزمام المبادرة والسيطرة، لجهة قيادة الهجوم بالوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية من أجل تضييق الخناق على طهران، إضافة إلى وضعها تحت خطر الاستهداف العسكري الأمريكي ـ الإسرائيلي الأمر الذي أدى إلى معادلة تقول بوضوح أن طهران في موقع الدفاع وأن واشنطن في موقع الهجوم.
• أدى اندلاع الاحتجاجات السياسية البحرينية، والاحتجاجات السياسية اليمنية إلى تهديد واشنطن وجعلها تواجه احتمالاً لسيناريو تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة.. وهو التراجع الذي بدأ بسقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس والذي أعقبه مباشرة سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك. الأمر الذي ترتب عليه نشوء ظاهرة فراغ قوة النفوذ الأمريكي في مصر وتونس، إضافة إلى احتمالات المزيد من هذه الظاهرة في كل من البحرين واليمن. والأمر الذي سوف يهدد بدوره النفوذ الأمريكي في السعودية والأردن وبلدان الخليج العربي، إضافة لذلك، فإن عدم نجاح واشنطن بإنفاذ مخطط تغير النظام في دمشق، مضافا إليه الخروج الأمريكي الذي أصبح وشيكاً من العراق، فإن العديد من الخبراء الأمريكيين أصبح يفهم هذه التحولات ليس باعتبارها تراجعاً في النفوذ الأمريكي وإنما باعتبارها مؤشرات لاحتمالات أن تتقدم طهران لملئ ظاهرة فراغ القوة الأمريكية في المناطق التي تشهد فراغ قوة النفوذ الأمريكي.
تأسيسا على فشل مشروع استهداف دمشق، فقد بدأ عامل الحدث السوري يشكل نقطة انقلاب حقيقية في مفهوم الإدراك الاستراتيجي الأمريكي إزاء طهران، وبكلمات أخرى:
• انتقلت طهران من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم.
• نافذة الفرصة الإستراتيجية المتاحة أمام طهران أصبحت الآن أكبر من نافذة الانكشاف الاستراتيجي التي ظلت تعاني منها إيران خلال الفترة الماضية
يقول معظم الخبراء، بأن الخيار المتاح حالياً أمام واشنطن، هو تغيير مفهوم الخط الوظيفي الإيراني بمفهوم الخط الاستراتيجي الإيراني، وذلك على أساس اعتبارات أن فعاليات الحدث السوري ونتائجه التي أصبحت معروفة قد أدت حكماً إلى نشوء مفهوم التنافس الاستراتيجي الأمريكي ـ الإيراني في المنطقة:
* طهران في مرحلة ما بعد الحدث السوري: توصيف المقاربات الجديدة.
برغم تعدد وجهات النظر المتعلقة بمستقبل الإدراك الأمريكي قيد التشكيل إزاء مفهوم إستراتيجية إيران، فمن الممكن الإشارة إلى الآتي:
• مقاربة الخبير أنطوني كوردسمان: تطرق إلى منظور التنافس الاستراتيجي الإيراني ـ الأمريكي، مؤكداً على أن منظومة العقوبات الأمريكية الأوروبية الغربية لن تجدي نفعاً في القضاء على صعود القدرات الإيرانية، وذلك لسبب بسيط هو أن صعود هذه القدرات ترتبط إلى حد بعيد بقوة علاقات التعاون الإيراني ـ الروسي، الإيراني ـ الصيني، إضافة إلى قوة رابط علاقات خط دمشق ـ طهران، مع التأكيدات الواضحة بأن قوة النفوذ الإيراني في الواقع هو أمر واضح يصعب استئصاله. وبالتالي، فإن رهان إضعاف القدرات الإيرانية يجب أن يركز أولاً وقبل كل شيء ليس بالضغط على دمشق، وإنما على موسكو وبكين.
• مقاربة الخبير مايكل أيزنشتات: سعى مايكل أيزنشتات لجهة القيام بتفكيك مكونات القدرة الإيرانية، لجهة وجود جانبين هما: جانب القوة الخشنة وتتمثل في القدرات العسكرية الإيرانية، وجانب القوة الناعمة، وتمثل في الروابط الإيرانية مع بلدان الشرق الأوسط وحلفاء إيران الدوليين. وخلص أيزنشتات إلى أن تلازم القوة الخشنة مع القوة الناعمة قد أتاح لطهران التمتع بثقافة إستراتيجية متفوقة في المنطقة، وبالتالي فإنه لا سبيل أمام واشنطن سوى السعي أولاً لجهة مكافحة القوة الناعمة الإيرانية، وثانياً لجهة مكافحة القوة الخشنة الإيرانية أو على الأقل تحيدها، عن طريق استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق، واستمرار الوجود العسكري في أفغانستان، إضافة إلى تكثيف الوجود العسكري في منطقة الخليج. مع البحث عن موطئ قدم في بلدان أسيا الوسطى والقوقاز المتاخمة لإيران، وعلى وجه الخصوص تركمانستان وأذربيجان.
حتى الآن، ماتزال هذه المقاربات في طور التشكل ومن المتوقع أن تتحول قريباً إلى ثوابت تقوم على أساسها معطيات خارطة طريق السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية الجديدة، وعلى الأغلب أن تظهر هذه الخارطة بشكلها النهائي بعد أن ينقشع غبار صدام القاطرة السورية.. والذي أصبح وشيكاً.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد