أدونيس: كيف أكون لا ديني وشيعياً معاً؟!
عقدت لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر لقاءا فكريا مفتوحا مع المفكر والشاعر السوري أدونيس بمناسبة صدور طبعة جديدة من كتابه "ديوان الشعر العربي" عن سلسلة "آفاق عربية" بهيئة قصور الثقافة، أعقب اللقاء حفل توقيع للكتاب، اللقاء حرك مياه الساحة الثقافية بتناول قضايا مثل علاقة الدين بالثقافة، وتأويل النص الديني، مساءلة التراث العربي بشكل حقيقي..إنها قنابل فكرية ألقاها أدونيس دون ان يعيرها اهتماما..
بدأت الندوة بكلمة للأستاذ أحمد مجاهد رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية بالمجلس الأعلى للثقافة والأستاذ بجامعة عين شمس، والذي بدأ حديثه قائلا أن ادونيس هو علم من أعلام الحداثة في النقد والشعر، قام بإهداء طبعة شعرية من كتابه "ديوان العرب" للمجلس الأعلى للثقافة، وهو الكتاب الذي يمثل علاقة الحداثة بالتراث وفقا لأدونيس، فأدونيس كما يصفه مجاهد لم يكن متعاليا فقط ولكنه متصوف أيضا.
أدار الندوة الدكتور أحمد درويش وهو مقرر لجنة الدراسات بالمجلس الأعلى للثقافة، قال أن تواريخ الميلاد تكثر في حياة أدونيس فهو لم يولد مرة واحدة، ولكن حياته شهدت أكثر من ميلاد اسمه تغير، ومكان الولادة تغير..وغيرها من العلامات الفارقة في حياته والتي تعد جميعها ميلاد جديد لأدونيس واصفا إياه بأن الثابت والمتحول أصبح طريقة من طرائق تغير الزمن، فتواريخ الميلاد في حياته تتغير وتتكرر، فهو محب للتراث ورافض له أيضا.
إنه مفكر الفلسفة عنده تزاحم الشعر والنقد يزاحمهما معا، وهموم الفكر عنده تزاحم الجميع. هذا التراث الذي يتهم بأنه ليس من أنصاره قد قتله بحثا، قدم الدرس وتحرك، هذا الشعر الذي يتهم بأنه يثور عليه كان أول عاشقيه، أول من دعا إلي إلقاء أحجار في بحيرته وتحريك أمواجه، ولكن التساؤل الذي يثور هنا هل كانت كل الأحجار تلقي في المكان الصحيح أم أن بعضها أصاب رؤوس الحيتان والمتطلعين خارج البحيرة؟.
نعم هو ادونيس عاشق العربية حتى ولو أخذ هذا العشق شكل الخصام، ادونيس الذي يحمل صوت العربية إلي اللغات الأخرى، أدونيس الذي يتخطى عنده الشعر حدود اللغات.
إن الحداثة علي يديه تثير قضايا في الفكر والدين والعلاقة بالماضي، تثير تساؤلات حول الهزة التي أراد أن يحدثها في الماضي وهل أعادت إلي الماضي شبابه، أم أنه جعله أكثر وهنا؟، هل تفيد الأحجار أن تكسب الحضارة صلابة أكثر أم ازدادت وهنا؟، إنها تساؤلات سيجيب عليها الشاعر والناقد والفيلسوف أدونيس.
بدأ أدونيس كلمته قائلا " لا أستطيع أن أرد علي كل هذا الحب الكبير"، أصارحكم جميعا أيها الحضور أنه ليس في رأسي ما يخص القضايا العربية إلا القضايا المعقدة التي لم أجد إجابات نهائية لها، وسأطرح بعضها عليكم ورأيت أن أوجزها في أربع نقاط جاءت خلاصة لأربع محاضرات ألقاها الشاعر بالإسكندرية من خلال برنامج الباحث المقيم.
- تمثلت النقطة الأولي كما أشار أدونيس في العلاقة بين الكاتب وكتبه وتمثلت هذه العلاقة في كتابه "الثابت والمتحول" ويجيب فيها علي تساؤلات مثل ماذا لو قام صاحب كتاب الثابت والمتحول الصادر جزؤه الأول عام 1974 بقراءة التراث العربي اليوم؟ هل كان سيكتب الثابت والمتحول بالطريقة ذاتها بعد مرور 30 عاما علي صدوره أم كان سيكتب بطريقة أخري، كيف ولماذا؟ هل أزيد أو احذف منه؟، ومن ثم هل يحق للكاتب أن يغير كتاب كتبه منذ القدم في ظروف وأوضاع مختلفة؟.
كانت الإجابة نعم لأن الكتاب هو أفق ممتد، ولو كان متاحا لي- وفقا لأدونيس- كتابته اليوم كنت أضفت إليه نقاط عدة منها: الربط سلبا أو ايجابا ، نظرا وتحليلا بين قضايا التراث والحداثة، في الثقافة العربية، مثل العلاقة بين الذات والآخر، في تاريخنا العربي وبشكل خاص في الفلسفة نجد أن الآخر لم يكن طرفا فقط في الحوار ولكنه عنصر في الذات، فالذات الفكرية العربية تتكون من عنصر أساسي فيها وآخر مقتبس، إذا فالفلسفة هي التوفيق بين العقل وفي رأي أدونيس أن ثقافة التكفير التي تنتشر اليوم وهي نوع من فزع الإنسانية عن الإنسان والتي هي تبعا لذلك تجرد الإنسان من خاصية العقل والفكر أدت تاريخيا إلى ثقافة الامتناع عن التفكير وهذا يعني النظر إلي النص الديني بوصفه لا يرقي إلي مستوي الحرية، مؤكدا علي أن حامل الحقيقة هو الإنسان لا النص الذي تتعدد وجوهه بعدد قراءاته، فهذه الظاهرة هي ظلم للإسلام وللدين كله بشكل عام.
ويشير أدونيس إلي أن الظاهرة العنفية والإقصائية التي رافقت تأسيس الخلافة الأولي كيف انحصرت هذه الخلافة في قريش، وكيف تحولت الخلافة الدينية إلي نظام سياسي،ثم إلي سلطة وتحولت السلطة إلي غاية في حد ذاتها، وتحول من خلالها الإنسان إلي مجرد أداة.
- وتمثلت النقطة الثانية كما أوضح أدونيس في "الشعرية العربية" والتي تحدث عنها الشاعر معتمدا علي كتابه "ديوان الشعر العربي" وهو المبحث الذي أثار فيه نقطة التضاد الشعري ذاكرا أنه قام بتقديم الشعراء القدامى إلي الشعراء الجدد لينفي التضاد الشعري بين الشعر القديم والحديث، قائلا أنه وجد نفسه يخوض معركتين الأولي هي معركة الذاتية من أجل أن أغير أبعاد الشعر العربي حيث كان كما ذكر أدونيس يتمحور حول الوجود بوصفه كتلة وليس حول القبيلة، إنها معركة من أجل تخليص الذاتية من الأسر، قائلا : كان يبدو لي في ستينيات القرن الماضي كأننا من المحيط إلي الخليج مجرد محيط ليس لنا ذاتية، وبالتالي لم نكن نوعا مثل ما كنا كما.
وعلي هذا المستوي وفي هذا الإطار تحديدا يتعذر علي الشاعر العربي أن يكون حديثا حقا ومرتبطا بالحداثة دون الارتباط بذاتية الشعر واللغة، ودون ذلك سيظل مجرد زيا ضمن الأزياء التي تبتكرها الحداثة وسرعان ما تلتهمها، سيصبح شاعرا يفتقد إلي الكينونة والماهية.
وضمن هذا المبحث تحدث أدونيس عن الذائقة الشعرية، والتي في رأيه ترتبط بالجواب لا بالسؤال، إن الذائقة كما يصفها أدونيس هي مرحلة تؤكد علي المشاهدة مجرد المشاهدة فيما يتعلق بالصورة وتحويل القصيدة إلي أغنية لا تحتاج إلي سؤال أو استفسار .
إن الذائقة الشعرية تغرق في الخبر والصورة البصرية والأغنية وتبعد عن الواقع، فها هي الصورة البصرية تطغي علي صورة البصيرة.
واستشهد أدونيس بأبيات لأبو نواس يقول فيها:
غير أني قابل ما اتاني من*** ظنوني مكذّب بالعيان
آخذ نفسي بتأليف شيء ****واحد في اللفظ شتّي المعاني
قائم في الوهم حتي اذا ***ما رمته رمت معميّ المكان
وكأني تابع حسن شيء * * * من أمامي ليس بالمستبان
- أما النقطة الثالثة عند أدونيس فتتمحور في "الشعر والفكر" حيث أن الثقافة العربية تعمل علي الفصل بين الشعر والفكر حاصرا الشعر في الشعور، والفكر في العقل وذلك خلافا لمفهوم الشعر في إبداعاته العليا ومخالفا للسائد في العالم كله.
وأشار أدونيس إلي أن هذا الفصل لم يكن معروفا في الشعر الأول وهو الجاهلي أي ما قبل الإسلام، حيث كان إيقاعا وفكرا متناولا الحب، المرأة، الأثر، الشباب، الزوال، هذا كله مادة شعور وفكر لا ينفصلان مؤكدا في معبر حديثه أن الفكر كان ذائبا في نهر التأمل والحب كأنهم جسد واحد.
ففي لسان العرب شعر به أي عقل، ليت شعري كأنه يقول ليت علمي، وأيضا شعر أي علم، فالفعل شعر لا يتعارض مع الفعل عقل الذي يعني فهم خاصة أن العقل لغة هو القلب، حيث يقال "لهذا الرجل قلب عقول".
ومن هذا المنطلق يمكن القول وفقا لأدونيس أن الوجه الأكثر عمقا للصراع داخل الثقافة العربية يتمثل في الصراع بين الدين والشعر، أو بالأحرى البنية المعرفية الدينية أو البنية المعرفية الشعرية، ووفقا له " الشعر هو الرواية، والدين هو الرواية أيضا"، كما أعرب أيضا أنه تاريخيا لم يصغي الشعراء إلي أي تعاليم دينية، وعندما أصغوا انتهي الشعر، ومن ثم ومازال الحديث لأدونيس عندما كانت الممارسة الدينية منغلقة ازدادت الممارسة الشعرية تألقا.
كما أشار إلي أن الإمام الغزالي وابن تيمية ينظرون إلي الإسلام بوصفه دينا ألغي الماضي والحاضر والمستقبل مرة واحدة إلي الأبد، وينظرون إلي الإنسان بأنه يعرف كل شئ إذا كان متدينا، وهو ما يتناقض - وفقا لأدونيس - كلية مع الشاعر، فثقافة الشاعر متناقضة مع ثقافة المتدين، ثقافة تنهض علي أن الحقيقة ليست معطاة سلفا، حيث أن الثقافة ينبوعا للمجهولات لا ينتهي ولا ينضب.
فالشعر متحرك أبدا، والقصة هي سؤال مطروحا علي العالم والشعر نفسه، ويؤكد أن الكلمة بقدر ما تبتعد عن معانيها، تزداد اقترابا من المعني، تفارق نفسها لكي تلاقي نفسها وتحسن هذا اللقاء..فالشعر لا يمكن أن يفصح عن مدلول العالم إلا بلغة مجهولة.
- أما النقطة الرابعة والأخيرة فتتلخص في مسألة الهوية، وأوضح ادونيس أن لبنان بمذاهبه المختلفة يتكون من مواطنين مختلفين في المذاهب يقومون جميعهم بالواجبات ذاتها ولكن ليس لهم الحقوق نفسها، ومن هنا يبدو الدين بوصفه عنصر ظلم واضطهاد، ومن ثم ووفقا لأدونيس الدين هو عنصر تخلف !!، فحين تحدد قيمة الإنسان بوصفه منتميا لهذه الطائفة أو تلك، هنا يصبح الانسان مجردا من انسانيته في لبنان الذي هو بلد الإشعاع حيث يهمش الانسان لأنه منتمي إلي هذه الطائفة أو تلك، وفي الطائفة نفسها يعامل الإنسان وفقا لمدي قربه أو بعده من رئيس الطائفة، وهو ما يحدث في لبنان وباقي الدول العربية.
وضرب أدونيس مثلا بهارون الرشيد الذي ذكر أنه شخصية عظيمة ولكن من يعبر عن الشخصية العربية في ذلك الوقت هارون الرشيد أم شعراء نفس المرحلة والمبدعون في جميع الميادين، والجواب يكمن في أن هارون الرشيد بمؤسساته أصبح جزءا من التاريخ وتخطاهم التاريخ، ولكن الشعراء والمبدعين في هذه الفترة التاريخ جزءا منهم، ومن ثم نتلمس الهوية في ابداعات الشعب وليس في مؤسساته السياسية ونظامه مهما كانوا عظماء.
والهوية في اللغة وفقا لأدونيس أكثر أهمية في العالم العربي فهناك شعراء وكتاب عرب يكتبون بلغات غير عربية مثل جورج حنين من مصر، طاهر بن جلون من المغرب، أمين المعلوف من لبنان، ادوارد سعيد من فلسطين.
هناك كتاب يكتبون ثقافاتهم الأم بلغة ليست الأم، كل منهم يحيا في قلب هاتين اللغتين محولا هذين اللغتين إلي قلب واحد، فالهوية هنا مثني لا مفرد.
والسؤال الذي يطرح نفسه كما يشير أدونيس يتمثل في كيف نحدد الهوية في هذه الحالة، فتلقائيا وبديهيا نتردد في القول بأن هويتهم انجليزية أو فرنسية ونتردد ايضا في القول بأن هويتهم عربية.
ومن ثم إذا كانت الهوية لا تحدد بالانتماء السياسي ولا بالدين ولا باللغة فبماذا نحددها؟، الجواب عند أدونيس أنها لا تحدد، فنحن لا نستطيع أن نحدد إلا ما كان ساكنا أو مكتملا والهوية مشروع مفتوح، فالانسان يبدع هويته فيما يبدع ثقافته، فالانسان يأتي أولا قبل الوطن والدين.
وفي هذا ما يؤكد أن الهوية لا تلتمس في المنطلق العام إنما تلتمس في الخاص الابداعي، ولكن كيف يؤسس الشاعر هويته؟ تتأسس في سؤاله كيف أكتب نفسي ويتضمن هذا السؤال كيف أكتب المجتمع الذي ولدت فيه بماضيه وحاضره.
واختتم أدونيس محاضرته قائلا: أن اللغة العربية هي وساطة لفظية تدعو إلي التأمل فلفظة إله، وآلة تتألفان من الحروف ذاتها، إن هذه المصادفة تأخذ اليوم بعدا واقعيا يتألل فيها الآله وتتأله الآلة.
الآلة فقدت معناها الأول كونها وسيلة لخدمة الانسان لتصبح قوة لا قبل للانسان بها تسيطر عليه، هاهو الانسان الذي خلق علي صورة الله هو إما مستعبد أو مستعبد، أو كما يقول الفارابي...
كل موجود في ذاته فذاته له
وكل موجود في آله فذاته لغيره.
ومن ثم فإن المأثور أو الأثر هو اساس الثقافة الأنا بوصفها تفردا وصيرورة تحرض علي الخروج علي كل اتباع، إنه شعر تجهله الأذن، ومسرح للتجاوز. فالشعر يخترق الأثر ويتخطي الآلتين ويؤسس للتحول.
- وعقب المحاضرة بدأت مداخلات الحاضرين حيث شهدت الندوة العديد من المداخلات لنخبة من المفكرين والشعراء أبرزهم الدكتور حسن حنفي ومحمد إبراهيم أبو سنة وإبراهيم أصلان وحسن طلب، وحلمي نمنم.
وأشار أدونيس خلال رده علي الكاتب حلمي نمنم الذي تسائل عن مستقبل الثقافة العربية في ظل المشروعات المطروحة علي الساحة الآن، إلي أن الطاقة الإبداعية عند العرب قد ماتت، وقال أننا نكثر فقط في العدد، ولكننا انقرضنا من العالم كطاقات إبداعية، ودلل علي ذلك بعدم وجود مفكر واحد من بين مليار وثلاثمائة مليون مسلم، وأنه إذا ظهر أحد لديه شئ يريد ان يقوله فإنه إما يتم تكفيره أو نبذه، كما أكد عدم إمكان التنبؤ بمستقبل المنطقة في ظل سوء أوضاعها.
واعترف أدونيس- ردا علي سؤال للدكتور حسن حنفي حول المنهج العلمي الذي اتبعه أدونيس في كتابه "الثابت والمتحول" بأنه تجنب إتباع منهج ما حتى لا ينحصر كباحث في اتجاه محدد، مؤكدا انه فضل عدم اتباع المنهجية النقدية الصارمة حتي يتحرك في جميع الاتجاهات دون أن يحتجب عنه شئ، مشيرا إلي أنه تعامل في ذلك كشاعر، مشيرا إلي أن الثابت لم يكن دائما ثابتا والمتحول كذلك، وقد ارتبط الثابت بشيئين الدين وهو من يقول عن نفسه أنه ثابت والسلطة، أما ما عدا ذلك فالحياة العربية حافلة بالتحولات للدرجة أننا يمكن أن نقرأ التاريخ الإسلامي ونري أن الحرب العربية - العربية تكاد لا تتوقف علي مدي القرون الأربعة عشر وأعتقد أن منهجي هو أكثر ميلا لأن يكون خارج المناهج كلها لأنني أشعر بكوني أكثر قدرة علي الرؤية مني إذا سلكت طريقا واحدا بقواعد صارمة.
- أما عن الشق الآخر من سؤال الدكتور حسن حنفي والذي جاء فيه: هل بالضرورة الدين عامل سلبي يعطي الثابت أكثر من المتحول؟، فرد أدونيس قائلا: إن الكلام عن الدين فكما يقول أدونيس إن كلامي عن الدين ليس بوصفه تجربة شخصية أو بوصفه وسيلة لتنظيم علاقة الفرد مع الغيب، وأعتقد أن هذه الحاجة ولدت مع الإنسان وهي أكثر قدما من الأديان الوحدانية والتي أعطت هذه الحاجة، والمشكلة تأتي من تحويل هذه الحاجة الشخصية إلي تجربة عامة مؤسسية وتفرض علي الجميع فلبنان مثلا يصبح فيها الدين عنصر ظلم وفي أقصي ما يصل إليه يكون متسامحا وأنا شخصيا ضد التسامح، فأنا أترك الإنسان يعبر عن أيه تسامحا مني وأنا أري أن الإنسان لا يحتاج للتسامح بل إلي المساواة وهنا لابد من أن نحارب تحول الدين إلي مؤسسة فمن يحوله لذلك يريد أن يكون أداة للقمع والإكراه وسيكون بالضرورة ضد الإنسان.
أما الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة قال أن أدونيس قدم مزجا بين رؤية المفكر والشاعر وكانت رؤية المفكر أكثر من رؤية الشاعر لأنه استخلص في النهاية معني واحدا لمفهوم الشعر والإبداع وهذا يتنافى تماما مع فكرة الإبداع الشعري فلا يمكن أن أصل بالشاعر لمعني قاطع، فالحداثة ليست حديثة بل قديمة لأن كل جديد هو حديث في عصره، وأدونيس رائد من رواد الحداثة والنهضة ويبدو أنه قد استغرق في الخيال الأوروبي والفكر الأوروبي ويبدو أن إقامته الطويلة في فرنسا جعلته يتلامس مع واقعنا العربي عبر القراءة.
فرد أدونيس قائلا أنني قلت أن الشعر لا يحدد بالحداثة ولا بالتقدم وهذه طبيعته والحداثة ليست شيئا ولم يكن في التاريخ لكنه تعريف جامع للحداثة ويمكننا أن نجد شاعرين حداثين وكل منهما نقيض الآخر فالحداثة منحي كتابي ولكن هذا المنحي يتخذ أشكالا متعددة.
كما أعلن الشاعر أنه يعتبر أن النصف الثاني من القرن العشرين جاء خاليا من الشعر، وأن ما صدر خلاله من إنتاج شعري كان سجينا للأيديولوجيات، وهو ما رد عليه الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة بتأكيده أن الرصيد الشعري في تلك الفترة إنما يوازي - من وجهة نظره - رصيد الشعر العربي في القرون الأربعة عشر الماضية، بينما الشعر في الغرب ينطفئ بسبب المفهوم الأحادي للحداثة.
وردا علي سؤال حول وجود ملامح شيعية في أفكاره أجاب أدونيس بتساؤل مضاد قائلا: كيف يمكن لشخص أعلن أنه لا ديني أو غير متدين أن يكون شيعيا؟ لقد تربيت تربية دينية وحفظت القرآن الكريم في صغري وكذلك الشعر العربي، إلا أنني لم تعد لي أي علاقة بالدين منذ فترة، ومع ذلك فإنني احترم جميع المتدينين وأدافع عنهم بشرط أن يظل الدين تجربة شخصية تنظم علاقة الفرد بالغيب، أما أن يتحول إلي تجربة عامة يتم فرضها بتشريعات فهنا تكون المشكلة، لذا فإنني أحارب تحول الدين إلي مؤسسة.
يبقي أن نقول أن المتابع لنتاج أدونيس الشعري والفكري، عبر تاريخه الطويل، يلاحظ أن مسيرة هذا الشاعر-المفكِّر أثارت - وما زالت تثير - الكثير من المشاعر والانفعالات، المعارِضة والمؤيِّدة على حدٍّ سواء، لأن الغالب العام قد تفاعل مع أدونيس بمشاعره وأحاسيسه، لا بعقله وفكره النقدي والموضوعي .
سميرة سليمان
المصدر: محيط
إضافة تعليق جديد