الروح العسكرية الأمريكية ( 3-9 )
آلة الحرب ـ الأحلاف ـ القواعد وأعمال العدوان
نقله إلى العربية: محمود شفيق شعبان
الكسييف ـ كروتسكيخ ـ سفيتلوف
الحلقة الثالثة
العسكرة على حساب الغير
إن الكثير من عناصر ماكنات القتال الضرورية للقوات المسلحة الامريكية ـ تنتج الآن في المصانع التي تقع في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وهذا ينتمي بالدرجة الاولى إلى منتجات الصناعة الهندسية الكهربائية والاليكترونية اللاسلكية التي زاد الطلب كثيراً عليها في ظروف زيادة أنظمة الاسلحة الحديثة حداً.
وتشكل المركبات الاليكترونية 25% من قيمة السفن العسكرية، و30% ـ من قيمة الطائرات المقاتلة و40% من قيمة الدبابات و50% من قيمة أنظمة الـ "PVO"(1)
وقد نشرت الشركات الامريكية الضخمة ـ "جينيرال إيليكتريك" ، "انترناشيونال إيليكتريك كربوريشين"، "سوليترون"، "باكارد" وغيرها ـ أكثر من 120 فرع لتصنيع المنتجات العسكرية ـ الاليكترونية المخصصة للبنتاغون في الخارج.
ومن ضمن المنتجات العسكرية الاليكترونية التي اشتراها البنتاغون في عام 1983 بمبلغ 25 مليار دولار كانت قيمة الجزء المصنع في البلدان النامية تُقدر بـ 10 مليار دولار.
وطبقاً لاحصائيات الصحافة الاجنبية فقد استغلت الشركات الامريكية بما في ذلك الشركات العسكرية الصناعية، فيد بداية الثمانينات، في مصانعها الموزعة في "العالم الثالث" بصورة مباشرة أكثر من 6 مليون إنسان.
فشركات الصناعة الجوية "نور ثروب" ، "بيل" و"سيكورسكي" فقد ـ تنتج الطائرات المقاتلة في الارجنتين والبرازيل والباكستان وفي كوريا الجنوبية.
والانتاج العسكري المتزايد يحتاج إلى واردات ضخمة من المواد الخام.
كما تشكل الثروات الطبيعية للبلدان النامية المصدر الرئيسي للاحتياطات "الدفاعية"
الامريكية.
وفي السنوات الاخيرة بدأت المجموعة العسكرية الصناعية الامريكية تبني انتاجها على أساس المعادن المستوردة من هذه البلدان. فالمنغنيز المستورد يغطي 98% من الاحتياجات الامريكية والكوبالت يغطي ـ 97 % والكروم ـ 92% ومعادن المجموعة البلاتينية تغطي 91% والبوكسيت والالومينا ـ 85% والقصدير ـ 81% والنيكل ـ 77% والزنك ـ 62% والتنجستين ـ 50% والنفط يغطي أكثر من 40%.
وفي الثمانينات وسع البيت الابيض كثيراً مقاييس امداد القوات الامريكية المرابطة في الخارج بالمواد بما في ذلك المواد الخام لتوليد الطاقة التي يتم شراؤها من الدول النامية والتي لا تدخل إلى أراضي الولايات المتحدة الامريكية.
شكلت نفقات البنتاغون في عام 1976 طبقاً لهذا البند بما فيها النفط 682 مليون دولار المالي 1983 وصلت النفقات إلى 3 مليار دولار.
وتظهر الحسابات التي قامت بها منذ وقت قريب مجموعة من اختصاصي هيئة الامم المتحدة بوضوح ما الذي يحمله سباق التسلح في أمريكا إلى شعوب البلدان النامية.
وبالنسبة للدولة النامية الاصطلاحية البالغ عدد سكانها 8.5 مليون نسمة وذات الدخل القومي الاجمالي الذي يقدم للفرد الواحد 350 دولار سنوياً فإن كل 200 مليون دولار من الواردات العسكرية الامريكية تضيف حوالي 20 حالة موت لكل 1000 مولود و14 أمي لكل 100 رجل بالغ وتُخفض المعدل الوسطي لعمر الإنسان إلى 3 ـ 4 سنوات.
وبناءاً على تصريح ادارة ريغان فان تطوير القدرة الثابتة والفعالية لادخال الموارد الاجنبية في المقدرة الأمريكية لتلبية احتياجات القوات المسلحة، يعتبر احدى المهمات الملحة التي تعترض الولايات المتحدة الأمريكية.
ويحتل تحقيق هذا الهدف مكاناً هاماً في الاستعدادات العسكرية الشاملة للامبريالية الامريكية.
ويوجد هناك القرار الخاص لمجلس الامن القومي الامريكي رقم 47 الذي تم إتخاذه في عام 1982.
إن واشنطن عازمة بالدرجة الاولى على زيادة تأكيد التأمين المادي لقواتها المرابطة في الخارج عن طريق الانشاء المسبق لرؤوس الجسور العسكرية الاقتصادية في عدد من بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وقد أتخذ مثل هذا القرار لأن امداد تشكيلات البنتاغون العسكرية الموزعة بعيداً عن السواحل الامريكية بالبضائع من الولايات المتحدة صعب جداً.
والحروب في كوريا وفيتنام وأحداث مرحلة التردّي الشديد للعلاقات الإيرانية ـ الامريكية في عام 1979 ـ 1980 برهنت على ذلك لواشنطن.
وأثناء تطوير البناء العسكري ـ الاقتصادي في بعض البلدان النامية فرضت واشنطن عليها تنظيم الحياة الاقتصادية تنظيماً عسكرياً وإنشاء المراكز المحلية للصناعة الحربية.
وفي خطط البيت الابيض الاستراتيجية تم تعيين دور لـ "الملحقات" الاجنبية الخاصة للمقدرة العسكرية ـ الاقتصادية الامريكية.
فبواسطة نثر قواعد التموين المادي للقوات المسلحة الامريكية بهذا الشكل كان البنتاغون يأمل تخفيف وإبعاد الضربات الجوابية عن مؤخرته الاقتصادية بعد اشعال نيران الصدام العسكري الشامل.
فانشاء وتوسيع ميادين الاقتصاد هذه المربوطة مباشرة بالمجموعة العسكرية الصناعية الامريكية في الدول النامية يخفف بواسطة الدبلوماسية الامريكية تشكل التكتلات العسكرية السياسية في مناطق مختلفة من العالم.
الولايات المتحدة الامريكية ـ "تُجار الموت"
إن أحد أكثر مجالات نشاط العمل العسكري الامريكي أهمية وربحاً ـ هو انتاج الاسلحة للتصدير. فعلى سبيل المثال، بلغت مبيعات الموردين العشرة الرئيسيين للبنتاغون ("نورثورب"، "ماكدونيل ـ دوغلاس" ، "غرومان" ، "ليتون"، "جينيرال إيليكتريك"، "ريتيون"، فورد" موتورز" ، "هيوز"، "لوكهيد"، "تيكسترون") من الاسلحة إلى الخارج في عام 1976 ـ 30.5 % من مبيعاتها الاجمالية للتقنية العسكرية والتجهيزات وتقديم الخدمات.
وقد كان هذا المؤشر عند بعض الشركات أعلى من المتوسط بكثير: بالنسبة لشركة "نورثروب" 87.3% ولـ "فورد موتورز" ـ 48.1 % .
وبعد الحرب العالمية الثانية تحولت الولايات المتحدة الامريكية إلى بائع عسكري أساسي في العالم.
ففي الفترة الواقعة بين 1971 و1980 باعت أمريكا أسلحة بمبلغ 123.5 مليار دولار. وتجاوزت الصادرات الامريكية العسكرية في عام 1972 ـ 1983 الـ 152 مليار دولار، ا، أكثر بثلاثة أضعاف من الصادرات في الفترة ما بين 1951 و1970.
وارتفع المعدل السنوي لبيع الاسلحة من 1.2 مليار دولار في عام 1970 إلى 17.5 مليار دولار في عام 1980 وإلى 52 مليار دولار تقريباً في عام 1982.
وطبقاً لحسابات الاختصاصيين الامريكيين فقد كان نصيب الولايات المتحدة الامريكية من التجارة العالمية لهذه السلعة المشؤومة في بداية الثمانينات 50% تقريباً.
وقد اكتسبت النزعة لزيادة الصادرات الامريكية من الاسلحة دافعاً إضافياً في عهد ادارة ريغان.
ألغت الولايات المتحدة الامريكية عملياً التحديدات الجزئية التي فرضتها ادارة الرئيس جيمي كارتر والتي لم تعد فعالة حتّى في فترة حكمه، على بيع الاسلحة الامريكية إلى الخارج.
واتخذت واشنطن خطة لرفض أي نوع من التحفظ في مجال تجارة الاسلحة وتوريداتها.
وفي السبعينات ارتقت منطقة جنوب ـ غربي آسيا والشرق الاوسط إلى المكان الأول في استيراد الاسلحة الامريكية.
فقد وصل حجم مبيعات التقنية العسكرية إلى بلدان هذه المنطقة في بعض السنوات إلى 75% من الصادرات العسكرية الاجمالية للولايات المتحدة الامريكية.
وطبقاً لمعطيات البنتاغون فإن ما باعته الولايات المتحدة خلال السبعينات للبلدان الشرق أوسطية فقط من الاسلحة والذخائر بلغ 47.7 مليار دولار مما شكل 57% من مجموع مبيعات الولايات المتحدة الامريكية من السلع العسكرية إلى العالم خلال الفترة المذكورة.
وخلال 1970 ـ 1980 اشترت المملكة العربية السعودية من التقنية العسكرية ما قيمته 18.7 مليار دولار (للمقارنة: أنفقت 20 دولة أوروبية غربية وكندا لتسديد "المساعدة" الامريكية العسكرية 21.6 مليار دولار).
وقد اشترت إيران أسلحة وذخائر من الولايات المتحدة الامريكية، حتّى سقوط نظام الشاه في عام 1979، بمبلغ 13.5 مليار دولار؛ إسرائيل ـ بـ 8.6 مليار دولار؛ مصر ـ بـ 3 مليار دولار؛ الاردن ـ بـ 1.2 مليار دولار.
ومن بين المستوردين النشطين للاسلحة الامريكية يمكن أن نسمي الكثير من البلدان وخاصة الباكستان وتايلاند وأستراليا والصومال والسودان وعمان.
وفي نهاية السبعينات بدأت وبعقد ما يسمى بالصفقات المجمعة أو المربوطة في الخارج والتي اشترطت التوريدات الواسعة النطاق على أساس طويل الأجل للاسلحة الحديثة والمختلفة إلى عدة دول على الرغم من أنها تنتمي إلى معسكرات مختلفة في نزاعاتها الاقليمية.
والشئ المميز كثيراً في هذا المجال هو الصفقة التي وافق عليها الكونغرس في أيار 1978 لبيع 200 طائرة حربية بقيمة 4.8 مليار دولار إلى إسرائيل ومصر والسعودية (حصلت إسرائيل على 90 طائرة بمبلغ 1.9 مليار دولار؛ السعودية ـ على 60 طائرة بمبلغ 2.5 مليار دولار؛ مصر ـ 50 طائرة بمبلغ 0.4 مليار دولار).
وفي الثمانينات كان 3/4 من مجموع التوريدات الامريكية للاسلحة والخدمات ذات الطبيعة العسكرية من نصيب البلدان النامية وبالدرجة الاولى الشرط الاوسط وآسيا.
وكان من أهم قنوات توريدات واشنطن للاسلحة إلى الخراج برنامج "المساعدة" الامريكية العسكرية.
وفي أواسط عام 1989 اتخذ الكونغرس الامريكي بطلب من ادارة كارتر قراراً بتخصيص 4.8 مليار دولار لمصر واسرائيل على شكل "مساعدة" عسكرية ـ اقتصادية إضافية، والتي ذهب الجزء الاكبر منها فيما بعد لتسديد مشتريات الاسلحة الامريكية.
حصلت مصر على 1.8 مليار دولار، واسرائيل على ـ 3 مليار دولار.
ومن الـ 2.61 مليار دولار التي رُصدت لاسرائيل في عام 1984 تم تخصيص 1.7 مليار دولار للاحتياجات العسكرية.
وبشكل مستقل عن المساعدة الامريكية العسكرية لاسرائيل في عام 1984 تم عقد صفقة بمبلغ 1.2 مليار دولار مع المورد الاساسي للبنتاغون شركة "غرومان" لتصنيع الطائرة القاذفة المقاتلة "لافي" لاسرائيل.
وفي عام 1981 تم الاعلان عن برنامج "المساعدة" الامريكية للباكستان المعد لخمس سنوات والذي خُصص نصف المساعدة مباشرة لتمويل المشتريات العسكرية.
وطبقاً لاخبار الصحافة الغربية فقد بلغ حجم الصفقة الامريكية ـ الباكستانية ، 2، 3 ـ 3.7 مليار دولار.
وفي إطار هذه الصفقة اتخذت الولايات المتحدة الامريكية قراراً، طبقاً لاخبار الصحيفة الباكستانية "باكستان تايمز" بتقديم 630 مليون دولار للباكستان في السنة المالية 1985، والتي خصص منها 325 مليون دولار للاغراض العسكرية.
وفي العام المالي 1984 قدمت الولايات المتحدة للباكستان على شكل مساعدة عسكرية 300 مليون دولار.
وهكذا تستمر الشركات الامريكية العسكرية بزيادة صادرات الاسلحة. كما يمكن أن نحكم على كمية هذه الصادرات بناءً على الصفقات الكبيرة جداً والمستقلة والتي تسربت معلومات عنها إلى الصحافة العالمية.
ولذلك ففي تشرين الثاني عام 1981 طلبت مصر من الولايات المتحدة 128 دبابة ثقيلة م ـ 60 بمبلغ 213 مليون دولار وفي شباط 1982 طلبت ـ 40 طائرة ف ـ 16 بمبلغ 1.4 مليار دولار.
وفي أيار عام 1982 عقدت أمريكا واسرائيل اتفاقية حول توريد 75 طائرة ف ـ 16 بمبلغ 2.5 مليار دولار إلى إسرائيل.
وفي عام 1981 في كانون الأول طلبت الكويت أسلحة صاروخية من أمريكا بمبلغ 1 مليار دولار.
وقد سموا الاتفاقية الامريكية ـ السعودية (تشرين الأول 1981) حول بيع 6 طائرات إمداد ك س ـ 135 وخمس طائرات ي ـ 3 أ ذات النظام الراداري البعيد للكشف والتوجيه.. (أواكس) و1177 صاروخ من طراز "جو ـ جو" بمبلغ اجمالي قدره 8.7 مليار دولار "صفقة العصر" في مجال تجارة الاسلحة.
وفي تشرين الثاني من عام 1981 اتفقت الامارات العربية المتحدة مع أمريكا حول شراء 7 بطاريات مدفعية مضادة للطائرات بمبلغ 547 مليون دولار.
وطبقاً للاتفاقية المعقودة في اكتوبر عام 1981 مع استراليا التزمت أمريكا بتسليم 75 طائرة حربية إلى هذا البلد بمبلغ 2.4 مليار دولار.
وفي تشرين الثاني 1982 عقد الباكستان مع الولايات المتحدة الامريكية صفقة للتوريدات التقنية القتالية بمبلغ إجمالي 1.43 مليار دولار.
وبالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فإن تجار الاسلحة ـ هي شكل استعماري جديد وهام لاخضاع البلدان المشترية ووسيلة للنضال ضد حركة التحرر الوطني من قبل أيد غربية.
أما توريدات الاسلحة التي نفذتها الولايات المتحدة الامريكية فتخدم إحدى ركائز الانظمة الرجعية الحاكمة الموالية لامريكا؛ ويقع العبء الثقيل على الميزانيات القومية للبلدان النامية حيث تبدو مواردها وأموالها النقدية الضرورية جداً بالنسبة لها للتغلب على التخلف الاقتصادي وعلى المصاريف اللاإنتاجية.
وتدفق الاسلحة الامريكية زعزع الوضع السياسي العام في المناطق التي تسوق إليها ونسف ترابط القوى الشبه إقليمية المتشكل هناك واستفز سباق التسلح الخطير.
فبمساعدة السلاح الامريكي بما في ذلك السلاح الوحشي والمدمر اُرتكبت جميع الاعتداءات الاسرائيلية ضد الدول العربية المجاورة.
وقد عرضت طائرات القوات الجوية الاسرائيلية المسلحة بالصواريخ الامريكية منشآت العراق المدنية للقصف في عام 1981.
فالسلاح الامريكي يبيح لاسرائيل ارتكاب أفظع الجرائم تجاه الشعبين الفلسطيني واللبناني. ويستخدم هذا السلاح الآن بشكل مباشر في النزاع الايراني ـ العراقي ويستخدم أيضاً من قبل النظام الصومالي ضد إثيوبيا.
وفي كل مرة عندما كانت الباكستان تشن غارات مسلحة على الهند كان يسبق ذلك توريدات ضخمة من المعدات العسكرية الامريكية الحديثة.
وعن طريق الباكستان كانت الثورة الافغانية المعادية تزود بالاسلحة الامريكية. وبالسلاح الامريكي ذات العلامة التجارية "مصنوع في أمريكا" سلحت عصابات سوموزا التي تحاول القضاء على الحكومة الشعبية الشرعية في نيكاراغوا.
ولم تشعر الاحتكارات الامريكية للاسلحة بتقريع الضمير لأن "سلعتها" تحمل الموت والخراب للشعوب الاخرى .
بل على العكس، إن ما يخيفها هو إحتمال إحلال السلام العادل والوطيد في العالم لأنه يقضي على عملها الاجرامي.
---------------------------------------------------------------------------------------
[1] PVO ـ الدفاع المضاد للصواريخ.
إضافة تعليق جديد