الطريق إلى دمشق ومنافع تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع سوريا
الجمل: تبادل اللقاءات على خط دمشق – واشنطن أدى برغم الخلافات بين الأمريكيين إلى نشوء نخبة سياسية أمريكية أصبحت تنظر إلى أهمية المضي قدماً في التعامل الأمريكي مع سوريا، وعلى هذه الخلفية، جاءت ورقة بحثية أعدها المحلل السياسي الأمريكي «ليون تي هادار» والتي حملت عنوان «الطريق الدبلوماسي إلى دمشق: منافع تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع سوريا».
* المقدمة:
ترى الورقة البحثية بأن التعامل الأمريكي الحالي مع دمشق قد بدأت بواكيره الأولى في الفترة الأخيرة من عمر إدارة بوش الجمهورية السابقة، وذلك عندما التقت وزيرة الخارجية السابقة «كوندليزا رايز» مع وزير الخارجية السوري «وليد المعلم» على هامش مؤتمر العراق الدولي الذي انعقد في 13 أيار (مايو) 2007 الماضي في شرم الشيخ المصرية، وكان لقاء المعلم – رايز بمثابة نقطة التحول الجديدة في علاقات دمشق – واشنطن وذلك بما عكس الآتي:
- رغبة الإدارة الأمريكية في الدخول في التعامل مع دمشق.
- تزايد الإدراك الأمريكي إزاء أهمية دمشق في تعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
- تزايد الإدراك الأمريكي إزاء أهمية دمشق في الملف اللبناني، الملف الفلسطيني والملف العراقي.
هذا ، وحتى الآن، نجد أن الإدراك الأمريكي إزاء أهمية دمشق، والذي بدأ يشكل خلال نهاية فترة إدارة بوش الجمهورية السابقة، هو إدراك ما زال مستمراً خلال فترة إدارة الرئيس أوباما الديمقراطية الحالية، ولكنه ما زال يقتصر إلى الإدراك السلوكي الفاعل على خط دمشق – واشنطن.
* تغيير في السياسة أم تفكير مرتبك؟
خلال الفترة التي أعقبت غزو واحتلال القوات الأمريكية للعراق، ظلت إدارة بوش أكثر تأكيداً لجهة إنفاذ دبلوماسية العزل ضد سوريا، ولاحقاً برغم توصيات تقرير بيكر – هاملتون، والتي أكدت على أهمية قيام واشنطن بالتفاهم والتعامل مع دمشق، إضافةً إلى إعطائها دوراً في المنطقة، فقد سعت إدارة بوش، باتجاه المضي قدماً في سياسة عدم التعامل مع سوريا، وتأسيساً على ذلك، تشير معطيات خبرة سياسة إدارة بوش الخارجية الشرق أوسطية، إلى أن واشنطن ظلت تقدم المزيد من المبررات والحجج كسبب لاعتمادها سياسة عزل سوريا، بحيث كانت واشنطن أكثر تأكيداً لجهة مطالبة دمشق بتغيير أدائها السلوكي إزاء ثلاثة ملفات كشرط لقيام واشنطن بالتخلي عن مبدأ عدم التعامل مع سوريا، وتتمثل الملفات الثلاثة، أو بالأحرى، المشروطيات بالآتي:
• قيام دمشق بتشديد الرقابة على طول الحدود السورية – العراقية، والقيام ليس بمجرد اعتقال المسلحين المتسللين وحسب، وإنما بتسليمهم للقوات الأمريكية.
• قيام دمشق بوقف تدخلها في الشئون الداخلية اللبنانية بشكلٍ قابل للتحقق.
• قيام دمشق بالتعاون مع التحقيقات الدولية المتعلقة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق «رفيق الحريري».
هذا، ومن الجدير بالملاحظة والاهتمام، أن إدارة بوش الجمهورية السابقة، برغم تشددها في معاداة دمشق، فإنها لم تسعَ بشكلٍ مباشر إلى تنميط سوريا ضمن دول «محور الشر»، وبدلاً من ذلك، فقد ظلت واشنطن تتبنى خطاباً سياسياً يصف سوريا، باعتبارها بلداً معادياًُ لكل الأجندة الأمريكية المتعلقة بالحرية السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط. هذا، وإضافةً لذلك، فقد شهد الخطاب السياسي الأمريكي المتعلق بسوريا تغييراً نوعياً جديداً، وذلك لجهة الاكتفاء بوصف دمشق بأنها تمثّل أحد أركان التحالف الإقليمي الذي يضم طهران، والذي يهدد التجمع الإقليمي الموالي لأمريكا، والذي يضم السعودية – مصر – الأردن – دول الخليج إضافةً إلى حركة «فتح» الفلسطينية وقوى 14 آذار اللبنانية. وإضافةً لذلك، فقد ظلت الإدارة الأمريكية تنظر إلى قيام سوريا بدعم حزب الله اللبناني وحركات المقاومة الفلسطينية باعتباره تأكيداً على مدى إصرار دمشق على القيام بدور في إعاقة وتقويض أهداف السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية.
* هل تصلح سوريا كشريك لأمريكا في الحرب ضد الإرهاب؟
برغم وضوح السؤال، وبرغم انفتاح الإدارة الأمريكية إزاء قبول كل من يرغب في التعاون مع واشنطن في الحرب ضد الإرهاب، فإن تحديد إن كانت دمشق تصلح أم لا تصلح كشريك لواشنطن في حربها هذه مازال أمراً خلافياً بين النخب السياسية الأمريكية. فقد سبق، وخلال الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001م، أن قامت دمشق بتقديم الآتي:
- إدانة الهجمات ضد الولايات المتحدة.
- تنفيذ حملة ضد عناصر تنظيم القاعدة والمرتبطين بهم.
- مساعدة واشنطن في إجراء التحقيقات وتعقب المرتبطين بالقاعدة.
ولكن، وبرغم ذلك، فقد سعت واشنطن إلى غضَ النظر عن مواقف دمشق الإيجابية إزاء محاربة الإرهاب، إضافة إلى غضَ النظر عن أن النظام في سوريا هو نظام علماني وليس نظاماً ثيوقراطياً طالبانياً معادياً للغرب وأمريكا.
غضت واشنطن النظر عن التعاون مع دمشق، وإضافةً لذلك، سعت إلى تحميل دمشق جزءاً كبيراً من المسئولية عن الإرهاب والجماعات الإرهابية الناشطة في الشرق الأوسط، وتزايد مفردات الخطاب الأمريكي السياسي الجديدة، والذي تضمّن في هذه المرحلة، إضافة كل من سوريا وليبيا وكوبا إلى دول محور الشر، ولكن، هذه المرّة ضمن تسميةٍ جديدة ضد سوريا، وهي «الدول المارقة».
موقف دمشق التي كانت عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي المعارض لقيام واشنطن بشن الحرب ضد العراق، وتقول المعلومات، بأن واشنطن ظلت تحمّل سوريا وفرنسا المسئولية عن صدور القرار الدولي 1441 بشكله الذي لم يتضمن أي إشارة إلى ضرورة شن الحرب ضد العراق في حال عدم امتثال بغداد للقرارات الدولية.
* هل تمثّل سوريا بلداً ملتحقاً ببلدان محور الشر؟
عارضت سوريا قرار واشنطن بغزو واحتلال العراق، وقد أدى ذلك إلى إثارة حفيظة رموز الإدارة الأمريكية، وعلى وجه الخصوص وزير الدفاع السابق «دونالد رامسفيلد» والذي قام، بمساعدة عناصر جماعة المحافظين الجدد، بقيادة حملة واسعة داخل الإدارة الأمريكية، سعت إلى التسويق السياسي القائل بأن سوريا:
• تقوم بدعم المسلحين العابرين للحدود السورية – العراقية، ويقومون بتنفيذ العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية، ويهددون استقرار العراق.
• تقوم سوريا بإيواء الحركات الإرهابية، المعادية لأمريكا وحلفائها.
حملة رامسفيلد – جماعة المحافظين الجدد سرعان ما انضم إليها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، وبعد فترةٍ وجيزة، انتقلت عدوى هذه الحملة إلى أوساط جماعة اللوبي الإسرائيلي، والتي وجدت فيها فرصةً غير مسبوقة، سعت من خلال منظمة الإيباك إلى استخدام الكونغرس الأمريكي في إلحاق أكبر الأضرار ليس بسوريا وحسب، وإنما بالعلاقات السورية – الأمريكية. وفي هذا الخصوص، فقد نجحت جهود اللوبي الإسرائيلي في استخدام حملة الإدارة الأمريكية (السلطة التنفيذية) ضد سوريا، كغطاء لتنفيذ حملة بواسطة الكونغرس الأمريكي (السلطة التشريعية) أسفرت عن تحقيق الآتي:
- إصدار قانون محاسبة سوريا وحماية سيادة لبنان في العام 2003.
- دفع الإدارة الأمريكية باتجاه المزيد من فرض العقوبات ضد سوريا.
تم نقل خلافات خط دمشق - واشنطن إلى مرحلة جديدة، فقد تم توسيع دائرة الاتهامات الأمريكية ضد دمشق، بحيث لم تعد تشمل مجرد القيام بدعم الحركات الإرهابية، والتدخل في الشئون الداخلية اللبنانية، وإنما السعي من أجل تطوير برنامج أسلحة الدمار الشامل. والجديد، هو ما تمثّل في أن قوانين الكونغرس الأمريكي التي تم وضعها بواسطة حلفاء إسرائيل، قد تم إعدادها وصياغة بنودها بطريقة لا تستهدف سوريا وحسب، وإنما تستهدف أي إدارةٍ أمريكية تسعى لتحسين علاقاتها بدمشق، وذلك من خلال المشروطيات التي أكدت على ضرورة حصول الإدارة الأمريكية على موافقة ورضا الكونغرس في حال تحسين العلاقات مع سوريا، وهي موافقة ورضا يصعب الحصول عليها في حال وجود هذا العدد الكبير من حلفاء إسرائيل واللوبي الإسرائيلي داخل الكونغرس الأمريكي.
* سوريا – الولايات المتحدة: خيار التحالف.. أم خيار الشراكة؟
يقول الباحث ليون هادار، بأن التحالف مع سوريا من غير الممكن حدوثه في ظل العلاقات الخاصة الأمريكية – الإسرائيلية، أما الشراكة مع سوريا، فهي غير ممكنة، على الأقل في الوقت الحالي، وذلكم لسببين:
• علاقة دمشق مع طهران.
• علاقة دمشق مع حزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية.
ويضيف الباحث ليون هادار، بأنه وإن كان لا التحالف ولا الشراكة ممكنان مع دمشق، فإن التعامل البرچماتي يمكن أن يتم على خط دمشق – واشنطن، وبشكل أكثر تحديداً.
يشير الباحث ليون هادرا، إلى أن فرصة التعامل البرچماتي مع دمشق، يمكن أن تفسح المجال أمام واشنطن لجهة استغلال الآتي:
- فرصة العراق: وتتمثل في أن سوريا ليست لها أي مصلحة أو أي رغبة في وجود دولة دينية تحكم العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية، وهو منطق ينسجم مع المنظور الأمريكي بشكل وطبيعة الدولة العراقية في مرحلة ما بعد خروج القوات الأمريكية. وبكلماتٍ أخرى، يتفق منظور دمشق مع منظور واشنطن إزاء ضرورة علمانية دولة عراق ما بعد خروج أمريكا.
- فرصة لبنان: قدرة لبنان على تعزيز قدراته السياسية والاقتصادية تعتمد بقدر كبير على مدى تعاون سوريا مع اللبنانيين، وبالتالي، فإن منظور واشنطن القائل بضرورة وجود لبنان القادر اقتصادياً وسياسياً، هو منظور يمكن أن يتحقق من خلال تعاون سوريا مع لبنان.
- فرصة السلام مع إسرائيل: إنهاء واشنطن لسياسة العزلة وفرض العقوبات ضد دمشق، سوف يؤدي بلا شك، إلى إفساح المجال أمام واشنطن لجهة دفع عملية سلام إسرائيل سوريا.
- فرصة الأكراد: تستطيع سوريا الإسهام في إدارة أزمة الملف الكردي، وقد سبق أن تعاونت دمشق مع أنقرا في إدارة هذا الملف بشكلٍ لم يُلحق الضرر لا بالأكراد ولا بتركيا. وبالتالي، يمكن لواشنطن الاستفادة من مزايا الحياد السوري، بما يعزز قدرات ضبط الصراعات الكردية داخل العراق وداخل تركيا.
هذا، وعلى خلفية الفرص، يضيف ليون هادار، بأن تفعيل علاقات خط دمشق – واشنطن على أساس اعتبارات الشراكة والبراچماتية، سوف يؤدي في حالة استغلال الفرص المتاحة إلى إعادة تشكيل خارطة التحالفات الشرق أوسطية، وذلك، طالما أن الناتج الرئيسي لعملية التفعيل سوف يترتب عليه ضبط معادلة توازن القوى في منطقة شرق المتوسط، ضمن صيغةٍ تدفع باتجاه تحقيق الاستقرار وتأمين المصالح الأمريكية، وليس باتجاه الصراعات والحروب التي لن تؤدي سوى إلى توريط واشنطن، وإلحاق الضرر بالمصالح الأمريكية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد