برقيات سرية من السفارات السعودية حول العالم: السعودية تفضح رجال استخباراتها (4)
الغبي والسارق والشحاذ
كان لافتاً للانتباه أن شخصيات سياسية وأكاديمية وإعلامية، من فريق 14 آذار، قد بادرت إلى الهجوم على مسربي وثائق الخارجية السعودية. هؤلاء لا يمارسون تضامناً مع زملاء لهم في «الكار»، بل يعتقدون بأنهم يقومون بـ»هجوم وقائي»، حتى إذا ما ظهرت وثائق تخصهم، خرجوا للقول إنها مفبركة، وإن ناشرها، أي «الأخبار»، ليس ذا مصداقية.
هذا اهتمام قلة، وقلة قليلة من حشد كبير لبناني وعربي وعالمي، مارست الوضاعة وهي تشحذ الأموال من النظام السعودي مقابل ولاء وتبعية. لكنّ هناك هجوماً وقائياً صامتاً، يقوده النظام السعودي بنفسه، وهو لا يستهدف، فقط، احتواء المضاعفات السلبية لما نشر، بل محاولة الحد، مسبقاً، من الآثار الأكثر سلبية لما سيرد في القسم غير المنشور بعد من وثائق الخارجية السعودية.
في حالتي واهب المال والشحاذ، يجب إيراد الملاحظات الآتية:
أولاً: يحاول فريق 14 آذار التعامل مع فضائح الوثائق وكأنها مسألة سياسية. يعتقد هؤلاء أن بالإمكان الاحتيال على الجمهور بالقول: كلنا نرتشي، نحن من السعودية وغيرنا من إيران! يعرف هؤلاء أنهم صاروا محل استهزاء وسط جمهورهم، وهم، أصلاً، محل إدانة لدى خصومهم. وستكشف المرحلة المقبلة أن هذا الصنف من السياسيين والإعلاميين والأمنيين ليسوا أكثر من شحاذين، وهم، بالفعل، أكثر وضاعة من كل الخونة.
كيف جزمت الخارجية السعودية بأن لديها وثائق لم تتعرض للاختراق؟
ثانياً: يتجاهل هؤلاء أن الحقارة وقلة الوطنية اللتين أبدوهما في وثائق وزارة الخارجية الأميركية لا تساويان شيئاً أمام الإذلال عند أبواب السلاطين بحثاً عن حفنة من الدولارات. وبعد، هل يدرك هؤلاء أنه يصعب عليهم، بعد اليوم، مساءلة أحد ما لم يثبتوا أن موقفهم غير مدفوع الأجر؟!
ثالثاً: خرج الناطق باسم وزارة الخارجية السعودية ليقول إن بلاده تقوم بالتحقيق في الخرق الإلكتروني. لكنه أضاف أن هناك وثائق مصنفة تحت بند الحماية العالية لم تتعرض للاختراق، قبل أن يتوعد المسرّبين بالملاحقة القانونية في كل العالم.
لكن، هل يقول لنا الناطق إن ما نشر ليس مهماً، وإن المهم تم إخضاعه لبرامج حماية خاصة؟ علماً بأنه لم يوضح لنا كيف عرف أن ما هو مصنف تحت بند الحماية العالية لم يتم اختراقه. وهل هو واثق من أن اختراق وزارة الخارجية لم يشمل كل ما في أرشيفها من وثائق نصية... وربما أكثر؟
رابعاً: يعرف النظام السعودي أن كل محاولات حجب الوثائق، أو منع نشرها أو تداولها، أمر معقد وصعب للغاية، وكلفته كبيرة جداً جداً، ولا ضمانات في أن يتم بصورة فعّالة. لكن الذي يعرفه النظام السعودي أن هذه الوثائق باللغة العربية، وأنها باتت متاحة للعموم، وأن أكبر محركات البحث الالكتروني في العالم تقدم هذه الخدمة بصورة مفتوحة، وأن مواقع التواصل الاجتماعي وآلاف المواقع الإلكترونية مليئة بالوثائق، وأن إلغاء الانترنت، ووقف كل أنواع الاتصالات، وإقفال الفضائيات، وتدمير آلات الفاكس، لن تنفع في منع التداول بهذه الوثائق.
خامساً: يتجاهل النظام السعودي الخلاصة التي وصل إليها الأميركيون، بأن الأمر لا يتعلق بعملية فضائحية يلجأ إليها الكثيرون، بل القصة ترتبط بأن فكرة «ويكيليكس» تقوم، أساساً وقبل كل شيء، على مواجهة احتكار السلطات للمعلومات، وعلى مواجهة إخفاء السلطات المعلومات الحقيقية عن الجمهور، وعلى مواجهة الآثار المدمرة للعمليات السرية السياسية والاقتصادية والمالية... وأن ما تقوم به منظمة «ويكيليكس» إنما هدفه كسر هذا الاحتكار، وهو ما حصل، وهو ما سيكون أكثر توسعاً في المستقبل، علماً بأن اللجوء إلى برامج حماية معلوماتية يبقى في إطار محاولة تأخير انكشاف أمر كل ما هو محجوب، وهو مسألة وقت فقط.
من المفارقات التي يجري تجاهلها في تقييم الوثائق أن الخارجية السعودية تفتقد أبسط القواعد المهنية. إذ تثبت الوثائق أن من يكتبها بحاجة إلى دورة في اللغة العربية، أو إلى مدقق لغوي يقرأ التقرير بعده. كذلك تثبت أن الفريق المسؤول عن الأرشيف في الوزارة بحاجة إلى تدريب وإلى برامج جديدة، حتى إذا ما احتاج المسؤولون إلى وثيقة ما، يقدرون على استخراجها بالسهولة المطلوبة. وأيضاً، فإن الفريق الدبلوماسي والإداري والأمني يحتاج إلى دورات تخصصية في كيفية كتابة التقارير التي ترفع إلى الإدارة المركزية. على أن الطامة الكبرى هي في أن العقل الذي يدير هذا النظام لم يكن يعتقد أنه سيصير محل تدقيق ومتابعة كما يحصل الآن...
أما ما يدعو إلى السخرية، فهو أن بعض «الشحاذين»، وخصوصاً في لبنان، يريدون الآن تحصيل تعويضات من النظام السعودي نفسه، لأن وزارة الخارجية لم تحترم تعهداتها بإبقاء المعلومات عنهم سرية. لكن، ثمة ما هو أكثر إثارة للسخرية:
يقول زميل إن إحدى المؤسسات التي كشفت الوثائق عن تلقيها الدعم المالي من السعودية، تدّعي أنها قبضت مبلغاً أقل بكثير من ذاك المشار إليه في الوثائق. وهي تريد الآن، وقبل أي حديث آخر، الحصول على بقية المبلغ، وهو ما يعيدنا إلى التحقيقات السابقة مع عملاء لجهاز الاستخبارات الأميركية، حيث بان أنهم كانوا يوقّعون على إيصالات بتسلّم مبالغ مالية تساوي، فعلياً، ضعف ما يحصلون عليه من الموظف المشغل!؟…
انتظروا، بعدنا بالأول!
إبراهيم الأمين
أهمّ ما في «ويكيليكس»
كلّ ما نُشر وسيُنشر، صحافياً، عن تسريبات الخارجية السعودية لن يؤذي المملكة بشكلٍ مباشر، ولن يرتّب عليها كلفة حقيقية. الكشوفات قد تُحرج حلفاء الرياض ومن يستجدي تمويلها، وهي تُظهر للمواطن السعودي مستوى من يقود دبلوماسية بلاده، وانعدام الكفاءة والتخطيط لديه، وإهداره للمال ــ على من يستحق ومن لا يستحقّ ــ ولكننا جميعاً ندرك مدى أهمية الرأي العام بالنسبة إلى النظام في السعودية.
إلّا أن هناك عنصراً أساسياً في التسريبات هو، وحده، سيكلّف الحكومة السعودية غالياً، وقد سبّب ذعراً حقيقياً لدى مسؤوليها الأمنيين منذ أن أفرجت «ويكيليكس» عن الوثائق. ولأنّ المنظمة قد قررت أن تكشف عن كمّ معتبر من البرقيات للعموم، فقد أصبحت هذه المادة، منذ أيام، أمام أعيننا جميعاً، وإن لم ينتبه اليها بعد إلّا قلّة.
هذه الوثيقة من عمّان، والممهورة بختم «سري للغاية»، تشرح المسألة: هي تتكلّم عن إلحاق موظف سعودي بالسفارة «بمسمى ملحق»، وتطلب من السفارة «عدم تكليفه بالأعمال التي يستغرق أداؤها جلّ وقته حتى يتفرّغ للعمل المرسل من أجله». البرقية نفسها، بالصياغة ذاتها ــ مع تغيير اسم «الموظف» ــ تجدها مرسلة الى أغلب عواصم العالم، من واشنطن الى القاهرة، و من بروكسل الى المنامة . هي، ببساطة، أكثر من مئتي وثيقة تشير الى عددٍ هائل من ضباط المخابرات السعودية، والعملاء الخارجيين والأمنيين الذي يرسلون الى بلادٍ أجنبية سرّاً تحت مسمى ديبلوماسي.
لقطع الشك باليقين، نجد في الأرشيف أيضاً برقيات مرسلة الى رئاسة الاستخبارات العامة، توضح أن هذه الأسماء هي، بالفعل، لعملاء في جهاز الاستخبارات السعودي يعملون في السفارات بغطاء دبلوماسي (قارن هاتين الوثيقتين من بيروت، مثلاً، ونصهما في أسفل الصفحة).
بمعنى آخر، فإن القيمين على الدبلوماسية السعودية، بحسّهم الأمني المعدوم وعدم التزامهم بأبسط مبادئ التصنيف والسرية، قد تركوا لكلّ من يخترق وثائق خارجيتهم «خريطة طريق» ــ كاملة وواضحة ــ تشي بكلّ عملائهم السريين حول العالم، وتسمح بتتبّع ضباط استخباراتهم في كلّ السفارات. أهمّ ما في تسريب «ويكيليكس» الأخير هو ليس الفضائح التي تطال الاعلاميين والسياسيين، وكلّ المواد التي تُنشر في الاعلام، بل واقع أنّ كامل الطاقم الاستخباري السعودي، تقريباً، وجهاز العمليات الخارجية وعملائه، قد صار مكشوفاً (بالأسماء الحقيقية، والماضي «المهني»، ومراكز العمل السابقة).
المسؤولون السعوديون، تركوا «خريطة طريق» تكشف كلّ ضباط استخباراتهم في العالم
من يفهم القيمة الأمنية لهكذا اختراق يعرف، تلقائياً، كلفته ومغزاه، وكيف أنها مادّة كانت الحكومة السعودية مستعدّة لدفع مبالغ طائلة لمن يحوزها كي لا تخرج إلى العموم. ولا يوجد شكّ في أنّ كل «المحترفين» الذين اطّلعوا على الأرشيف ــ من أصدقاء السعودية وأعدائها ــ قد أعدّوا منذ أيام لوائح بكلّ هذه الأسماء.
في العادة، تحصل أحياناً تسريبات تكشف و»تحرق» عملاء خارجيين وجواسيس ومتعاملين، إما في إطار الحرب بين أجهزة الاستخبارات، أو نتيجة هفوات وعمليات فاشلة. حين كشفت المخابرات التركية لإيران، عام 2013، عن أسماء مواطنين إيرانيين جنّدهم جهاز الـ»موساد» في تركيا، اعتبر الرئيس السابق للاستخبارات الاسرائيلية الفعل التركي «خيانة» و»خرقاً لكلّ مبادئ التعاون بين المنظمات الاستخبارية». وحين أرادت الامارات «معاتبة» إسرائيل على اغتيال الشهيد محمد المبحوح على أرضها، قامت بنشر أسماء العملاء الاسرائيليين المتورطين وجوازات سفرهم. وكلّ ما احتاج إليه «حزب الله» ليضمن إغلاق محطة السي آي إي في بيروت، عام 2011، كان الاعلان عن أنّه يملك أسماء المشغلين الأميركيين وقسماً كبيراً من مخبريهم.
حين تكشف عن اسم عميل خارجي، كلّ رصيده هو سريته والغطاء الذي يعمل تحته، فإنّه «يحترق» ولا يعود قابلاً للاستخدام. بل يصير هو، والمقربون منه، هدفاً لعمليات المخابرات المضادة، وعمليات الاستدراج والتحييد. هكذا يصبح عميلاً مهمّاً، تمّ إعداده والاستثمار فيه على مدى سنوات، ويمسك ملفات حساسة، في حكم المتقاعد، أو يحوّل، في أحسن الحالات، الى أعمال «مكتبية». غير أنّه، في كل التسريبات السابقة حتى اليوم، لم يحصل أن جرى كشفٌ أمني على هذا المستوى وبهذا الحجم. المسؤولون السعوديون ــ بكفاءتهم المعروفة ــ قاموا، بأنفسهم، بالكشف عن كلّ عملائهم!
بين عامي 1937 و1938، واجه ستالين حالة مشابهة الى حدّ ما، بحيث لم يعد جهازه الأمني في الخارج موثوقاً (لا أحد يعرف السبب بالضبط، وهل كان بسبب تسريب لأسماء العملاء، أم لأن ولاء بعضهم قد صار موضع شك)، فقرّر، فجأة أن يُعدم كلّ جواسيسه وعملائه السريين، وقضى 138 يوماً وحده، لا يتلقّى أي تقارير عن العالم الخارجي، إلى حين إعداد جهاز بديل. السعوديون، بالطبع، لن يتعاملوا مع الموضوع على طريقة ستالين، ولكن النتيجة واحدة: صار معظم طاقم المخابرات السعودية، لكلّ مقصدٍ عملي، خارج الخدمة. كلّ ويكيليكس وأنتم بخير.
عامر محسن
إنه رجل الاستخبارات؟
في ما يلي، نموذج عن طريقة المراسلة بين السفارة ووزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات حول تعيين الملحق الأمني:
1- سرّي للغاية
السفارة في بيروت
سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجمهورية اللبنانية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفيد سعادتكم أنه تم تكليف السيد وليد بن عبداللطيف ناصر المعشوق للعمل بالسفارة بمسمى «ملحق» بديلاً للسيد عائض بن مناحي القحطاني اعتباراً من 01\04\1433هـ.
وبناءاً عليه آمل من سعادتكم تقديم التسهيلات اللازمة له وعدم تكليفه بالأعمال التي يستغرق أداؤها جلّ وقته حتى يتفرغ للعمل المرسل من أجله.
2- سري للغاية
صاحب السمو الملكي رئيس الاستخبارات العامة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشارة إلى برقية سموكم رقم 1038 وتاريخ 06\02\1433 بشأن إلحاق الموظّف (م7) وليد بن عبد اللطيف ناصر المعشوق، للعمل بسفارة خادم الحرمين الشريفين في الجمهورية اللبنانية بديلاً للموظف السابق عائض بن مناحي القرني.
أرفق لسموكم نسخة من القرار الوزاري الخاص بضمه للبعثة الدبلوماسية بسفارة خادم الحرمين الشريفين في بيروت اعتباراً من 1\4\1433هـ. وتم تعميد وكالة الوزارة لشؤون المراسم لإصدارجوازات سفر دبلوماسية له ولعائلته. كما وتم إبلاغ سعادة السفير في بيروت لتسهيل مهمة السيد المعشوق.
سعود الفيصل - وزير الخارجية
التنصت على الحلفاء: واشنطن تراقب هـــواتف الإليزيه
فضيحة تجسس جديدة أدخلت الولايات المتحدة في عاصفة من التأزّم مع أحد أهمّ حلفائها، بعد أخرى مشابهة كانت قد واجهتها مع ألمانيا عام 2013. خمس وثائق سرّبتها «ويكيلكس» عن «وكالة الأمن القومي»، لحقبة ما بين العامين 2006 و2012 ــ وُصفت بأنها «سرية جداً» ــ بدت كافية لتقيم الدنيا ثم تقعدها، في اليوم ذاته، بين واشنطن وباريس، ولتستجلب عاصفة ردود فعل فرنسية على المستوى الرسمي والإعلامي، ما لبث أن هدّأها اتصال بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ونظيره الأميركي باراك أوباما.
الفضيحة التي أثارتها صحيفة «ليبراسيون» والموقع الإخباري «ميديابارت»، طاولت رؤساء الجمهورية الثلاثة جاك شيراك (الذي أراد تسليم تيري رود لارسن منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة أو أي منصب بمسؤوليات مشابهة) ونيكولا ساركوزي (المعتد بنفسه الذي سيجد حلاً للأزمة المالية العالمية، «لأن واشنطن لا تأخذ بنصائحه»، وقد سعى إلى إحياء عملية السلام، من دون الرباعية الدولية والولايات المتحدة)، وأخيراً الرئيس الحالي فرانسوا هولاند (الذي عمل على حلّ أزمة اليونان واستشراف تبعات خروجها من اليورو، من دون الرجوع إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مجتمعاً مع معارضيها من وراء ظهرها). إضافة إلى هؤلاء، طاولت الوثائق عدداً من المستشارين، مثل جان دفيد لوفيت (في عهد شيراك وساركوزي) وكلود غيان (في عهد ساركوزي)، وأيضاً مسؤولين في القصر الرئاسي وفي وزارة الخارجية، مثل المتحدث باسمها برنارد فاليرو أو لورانس توبيانا.
أوباما جدّد تعهّده بـ«إنهاء ممارسات الماضي غير المقبولة بين الحلفاء»
هولاند وصف تجسّس الولايات المتحدة على القادة الفرنسيين، بأنه «غير مقبول»، محذراً من أن باريس لن تتهاون مع الأعمال التي تهدّد أمنها.
ولكن تصريحات الرئيس الفرنسي، التي عبّرت عنها رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية المعارضة، مارين لوبن، بأسلوبها الأكثر مباشرة، قائلة إن الولايات المتحدة «ليست حليفاً أو دولة صديقة»، خفّت حدّتها بعد اتصال بين هولاند وأوباما، سعيا خلاله إلى احتواء التوتر، ذلك أن الرئيس الأميركي هدّأ من روع حليفه، مجدِّداً التزامه أن ما وصفها بـ«ممارسات ربما كانت قد جرت في السابق»، لن تتكرّر.
مع ذلك، لن يكون هذا الاتصال كافياً للإجابة عن تساؤل طرحه المتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لو فول، نابع من «صعوبة في فهم أو تصور الدوافع التي تجعل حليفاً يتجسس على حلفاء يتخذون، في الغالب، المواقف الاستراتيجية ذاتها في الشؤون العالمية». لكنّ الإجابة الواضحة قد تأتي من خارج الإطار الدبلوماسي، وتحديداً من صحيفة «لو فيغارو»، التي نقلت عن مدير أحد المراكز الفرنسية المختصة في الشؤون الاستخبارية إيريك دينيسيه، قوله إن «الولايات المتحدة تعيش في فضاء من الشراهة للتنصت». دينيسه أشار إلى أن «الكشف عن التنصت ليس بالأمر المفاجئ، فهذه سياسة أميركية استخبارية وُضعت قيد التنفيذ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».
ورغم أن وثائق «ويكيليكس» لم تتحدث كثيراً عن التقنيات المستخدمة في التجسس على المسؤولين الفرنسيين وغيرهم، إلا أنّ ما أشارت إليه «ليبراسيون» في أحد تقاريرها، هو أن الولايات المتحدة قد أقامت وحدة خاصة لهذا الغرض، منذ نحو عشرة أعوام، في سفارتها الواقعة في ساحة الكونكورد، التي تبعد مئات الأمتار عن قصر الإيليزيه ووزارات الداخلية والعدل والخارجية والدفاع إضافة إلى الجمعية الوطنية وسفارات أخرى. عملياً، أقيمت هذه الوحدة بهدف التنصت على مئات الاتصالات. فهذه السفارة كغيرها من السفارات الأميركية في العالم، تعلوها محطة تجسس تابعة لـ«خدمة الجمع الخاصة» (Special Collection Service (SCS)، وفق الصحيفة، التي أوضحت أن هذه الوحدة تابعة لوكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأميركية في آن واحد.
وبحسب وثائق كانت قد كشفتها مجلة «در شبيغل» الألمانية (بناءً على تسريبات سنودن)، فإن «وحدة الجمع الخاصة» تملك نحو 80 هوائياً للغرض نفسه، 19 منها في أوروباً، تحديداً في برلين وجنيف ومدريد واستوكهولم وفيينا ووارسو.
واستناداً إلى ما جرى كشفه، فإن هذه المحطة قد أُنشئت بين عامي 2004 و2005.
إضافة إليها، كشفت وثائق سنودن وسيلة تجسس أخرى، تستخدمها وكالة الأمن القومي بالتعاون مع نظيرتها البريطانية «المقر العام للاتصالات الحكومية» (GCHQ)، وهي تُستخدَم عبر عدد من الكابلات البحرية.
نادين شلق
فرنسا تحنّ إلى القيادة الدولية
من أبرز ما تظهره الوثائق المسرّبة عن وكالة الأمن القومي، السعي الفرنسي المستميت إلى لعب دور قيادي على مستوى المؤسسات الدولية، تارة بالتلويح بالتدخل لحلّ الأزمة الاقتصادية العالمية أو لحل أزمة اليورو، وأخرى لاستئناف عملية السلام في الشرق الأوسط. لكن بالحديث عن هذه المنطقة بالذات، فقد كانت مكانتها مهمّة بالنسبة إلى الرئيس جاك شيراك. في عهده، دفعت فرنسا لتعيين تيري رود لارسن في منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة نزولاً عند رغبة شيراك الشديدة بذلك، مراهناً على عودة العلاقات الأميركية ـ الفرنسية الوثيقة. لكن واشنطن، في نهاية الأمر، فرضت إرادتها في الأمم المتحدة، بدليل تسليم الأميركي جيفري فيلتمان، لاحقاً، هذا المنصب.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد