برقيات سرية من السفارات السعودية حول العالم (1)
حق التشهير بـ«زوار السفارة»
حالة الإعلام، مع النافذين في سلطات المال والأعمال والأمن والعسكر والدين والعقائد، يمكن اختصارها بمثل شعبي هو: «شيئان لا يمكن أن تعرف عنهما، تعريص الأغنياء، وموت الفقراء». وهذه معادلة تظل قائمة ما دام لا يمكن من يمثل حقه كفرد، أو ينطق باسم الحق العام، أن يحصل على وسيلة لإعلان ذلك.
«ويكيليكس» تعني أمراً واحداً: قدرة مجموعة من الأفراد على انتزاع حق التشهير بموبقات الأغنياء وأهل السلطة والجاه، وإعلان قهر الفقراء والمظلومين.
اليوم، نتعاون مع «ويكيليكس» في مراجعة ونشر مجموعة من الوثائق العائدة إلى وزارة الخارجية السعودية. وهي تتناول ملفات كثيرة، في الأمن والسياسة والإعلام والاقتصاد والعلاقات بين الناس وبين الدول. لكن سمتها العامة تعكس، لدى السلطة السعودية، «قلقاً» مرضياً على الصورة والسمعة. يمكن مَن سيتاح له الاطلاع على هذه الوثائق، أن يدرك حقائق ثابتة:
ــ أن سلطة آل سعود قائمة بقوة الحديد والنار والمال. وأنها سلطة تريد كمّ الأفواه حيث أمكن، لا تقف عند حدود جغرافية ولا عند خصوصيات دول أو شعوب، ولا تهتم لثقافات أو تنوع. كل ما يهمها، هو أن تمنع أي نقد لحكامها أو سياساتها، أو لما تقوم به في السر أو العلن.
ــ أن مؤسسات مملكة القهر لا تزال بدائية، ليس فيها من هيكلية واضحة، ولا أي نوع من المهنية؛ وليس فيها أولويات أو تنظيم إداري دقيق، وليس لها مرجعية ثابتة. وكل من يقع تحت نطاق عمل هذه المملكة يتصل أولاً وأخيراً بالعائلة الحاكمة. ولكن، ليس لأي موظف في مؤسسات هذه الدولة أن يأتي على ذكر أمير أو أميرة بغير المدح والحمد.
ــ أن قوائم تضم المئات من المؤسسات والأشخاص الناشطين سياسياً وإعلامياً تظهر استعداداً كبيراً جداً للحصول على دعم هذه المملكة. وأن لديها جيشاً مستعداً للعمل لديها كمخبرين، وليس مهماً إن قال هؤلاء كلاماً صحيحاً أو مفبركاً، المهم أن يسمعوا المملكة الكلام الذي يناسبها. ولهم مقابل ذلك كيس من الدنانير.
ــ أن مملكة القهر مهجوسة بمن قررت هي أنهم خصومها، داخل البلاد وقربها وفي المحيط والعالم البعيد. وثمة قاعدة طائفية ومذهبية مقيتة يلجأون في غالب الأحيان لاستخدامها في سياق التجنيد أو التحريض.
ما ستنشره «الأخبار»، هو ما أمكن الوصول إليه كوثائق كاملة. وثمة بحث قائم في عشرات آلاف الوثائق غير المؤرشفة بطريقة سليمة. وسننشر ما نعتقد أنه مناسب للكشف عن عقل هذه السلطة، وعن نوعية المستفيدين منها، وسنتمنع، لأسباب تخصنا، عن نشر مئات الوثائق التي تطاول الجوانب الشخصية وحتى المالية والحميمية للكثير الكثير من الذين يمكن تسميتهم «زوار السفارة».
إبراهيم الأمين
صناعة الصمت: كيف طوّعت السعودية الإعلام العربي
بالمعنى نفسه، تُظهر وثائق وزارة الخارجية السعودية، التي تنشرها صحيفة «الأخبار» اللبنانية بالتعاون مع «ويكيليكس»، مقدار السطوة التي فرضها النظام السعودي على الإعلام، ولكن على مستوى الإقليم والعالم ككلّ، وهي قد تفوق تصوّرات أعداء النظام السعودي عن خصمهم، وتُظهر جانباً مخيفاً من تعامل المملكة مع نقّادها وأتباعها، وتجعل من الكلام عن «هيمنة سعودية» في إعلامنا حقائق وأرقاماً، لا مجرّد شائعات واتهامات.
الهوس بالصورة
لديه الكثير من المال، والقليل من الكفاءة، وهوسٌ بصورته أمام الخارج. هذا، باختصار، هو الانطباع الذي تعطيه الوثائق عن «العقل» الدبلوماسي السعودي. الكثير من حكومات العالم تملك مكاتب إعلامية، وتطلق حملات علاقات عامة حين تتعرض لهجوم من الصحافة المحلية، وتحاول استمالة مراكز النفوذ في العواصم الكبرى. ولكنك لن تجد حكومة كالسعودية، يعجّ أرشيف سفاراتها ببرقيات التحويلات المالية لشراء صمت وسائل الإعلام وتواطؤها، من كندا إلى إندونيسيا، ومن أوستراليا إلى باكستان، وصولاً إلى دول نائية، كالتشاد والنيجر و بوروندي، لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها «حيوية» بالنسبة إلى السياسة السعودية، أو أن ما ينشر في إعلامها قد يقدم أو يؤخّر بالنسبة إلى استراتيجية المملكة (في مالي مثلاً، تدفع السفارة دعماً مادياً - على شكل اشتراكات - لكل الصحف التي تصدر في البلد).
تظهر الوثائق همّاً مركزياً للدبلوماسية السعودية يتمثل في ملاحقة أي نقدٍ للمملكة، ولو في أقاصي الدنيا، والعمل على استمالة أو إسكات قائله، حتى لو كان موقعاً صغيراً على الإنترنت لم يسمع به أحد. أمّا في منطقتنا العربية، حيث تمتزج القدرة المالية السعودية بنفوذ سياسي كبير، فالمعادلة مختلفة تماماً: الاستثمار المادي أكبر، وهو يصير بملايين الدولارات لمن «يخدم سياسة المملكة ومصالحها»، والعقوبات ضدّ المخالفين أشدّ وأقسى، إذ تلاحق الحكومة السعودية «الإعلام المعادي» ومن ينتقدها في كلّ مكان. فتنسق حملات كبيرة لمنع القنوات الإيرانية من البث عبر الأقمار الصناعية، وتهدد وسائل إعلام عريقة تخاف السفارة «نشوزهنّ» بالمحاصرة، وقطع العائدات الإعلانية، ومنع البث الفضائي.
«التحييد» و«الاحتواء»
في عام 2004، اتخذت الحكومة السعودية قراراً بإغلاق المكاتب الإعلامية الملحقة بسفاراتها واستبدالها بعقود تجارية مع شركات متخصصة بالعلاقات العامة، لتقوم هي بترويج صورة المملكة وتنفيذ حملاتها الإعلامية. بحلول عام 2013، كانت 15 سفارة سعودية قد وقعت عقوداً مع هذه الشركات، فواتير بعضها موجود في الوثائق، وهي بملايين الدولارات.
«الاحتواء» يعني تحويل إعلام أو شخصية أو كاتب إلى رصيد في الترسانة السعودية
السبب في القرار كان أن «المراكز والمكاتب الإعلامية للمملكة في الخارج… أثبتت عدم جدواها، وتحولها إلى مكاتب تشغيل وليس نشاط حقيقي». هذا ليس مستغرباً بالنظر إلى حال البيروقراطية السعودية وكفاءتها؛ فمن يرسل، بكل جدية، برقية ممهورة بختم «سري للغاية» للاستفسار عن مؤلف قاموس «وبستر» لدفعه إلى تعديل تعريفات في قاموسه ليس في وارد أن ينسج استراتيجيات إعلامية فاعلة، وأن يصل إلى عقل الجمهور، في بلاد بها صحافة تنافسية ومستقلة.
هنا تركّز دور السفارات السعودية (أو «النجديات» كما تسمي نفسها في المراسلات الداخلية) على ملاحقة من ينتقد سياسة المملكة وتمويل الحلفاء والأتباع. ولأن الإدارة السعودية تتصف، كما أسلفنا، بكثرة المال وقلة المهارة، فقد طوّر الدبلوماسيون السعوديون أسلوبين ــ لا ثالث لهما ــ للتعامل مع الصحافة والنقد: نثر المال وقمع المخالفين؛ واستمالة الإعلام تجري عبر منهجين، يتكرر ذكرهما في الوثائق، هما «التحييد» و«الاحتواء».
«التحييد» هو أن تقيم السفارة صلة مالية مع مؤسسة أو كاتب أو شخصية، حتى يكون نتاجهم الإعلامي خالياً من أي نقدٍ للمملكة وسياساتها ورموزها، وإن لم تخدم السياسة السعودية بنحو مباشر وناشط. لهذا الهدف، ترصد السفارات السعودية، في كل بلد تقريباً، ميزانية خاصة لدعم أكبر عدد من وسائل الإعلام المحلية، تقدّم على شكل اشتراكات (بعشرات أو مئات أو آلاف النسخ من الصحف والدوريات والكتب)، وتكون بقيمة محددة لكل وسيلة إعلامية بحسب حجمها وتأثيرها.
قد تقتصر هذه الميزانية على عشرة أو عشرين ألف دولار في بلاد صغيرة وفقيرة، وتصل إلى مئات آلاف الدولارات في دول إسلامية أو غربية مؤثرة. في سلسلة برقيات من كوناكري، تلحّ وكالة الأنباء الغينية على سفارة الرياض لاستئناف مساعدتها السنوية المعتادة (وهي لا تزيد على ألفي دولار) لـ»حاجة الوكالة الماسة للمبلغ» ولأن المعونة «تحل الكثير من المشاكل التي تواجه الوكالة».
في الدول العربية تعتمد الخارجية أسلوب الدّعم تحت مسمى الاشتراكات، ولكنها تسعى ــ في إقليمها وساحتها الخلفية ــ إلى ما هو أبعد من التحييد، أي «الاحتواء». والاحتواء، في قاموسهم، هو تحويل وسيلة إعلامية (أو شخصية وكاتب) إلى «رصيد» في الترسانة السعودية، يُسهم في الترويج لخط النظام، ويشارك في حملاته ضد خصومه.
بفضل مبدأ «الاحتواء» هذا تقدر المملكة حين تدعو الحاجة، في بلدٍ كلبنان، على استنفار وحشد «وسائل الإعلام الموالية للمملكة مثل صحيفة «النهار»، و»المستقبل»، و»الجمهورية»، والطلب منها رفع لهجتها ضد من يسيئون إلى المملكة كتّاباً كانوا أو وسائل إعلام». وفي مصر، حين يقوم تلفزيون «اون تي في» ببث مقابلة مع المعارض السعودي سعد الفقيه، ترسل الخارجية فوراً أمراً إلى سفارة القاهرة للتحري عن القناة واختيار سبيل للتعامل معها، «إما أن تجري استمالتها أو أنها تقف في الصف المضاد لسياسة المملكة».
الوقوف «في الصف المضاد لسياسة المملكة» هو ما لا يرغبه مالك القناة، الملياردير نجيب ساويرس، الذي قام ــ إثر اتصال السفير للاحتجاج ــ بتأنيب المشرف على المحطة «وطلب منه عدم استضافة الفقيه مرة أخرى»، واعداً السفير بعدم تكرار هذا الأمر، وعارضاً عليه «أن يكون ضيفاً على البرنامج».
الأوامر السامية
يحدد عمل الدبلوماسيين السعوديين وأولوياتهم جملة من «الأوامر السامية» التي تصدر من «أعلى»، وتحدد الخطوط العامة للسياسة الإعلامية وحدود المسموح والممنوع. الأوامر السامية 883 و2166، مثلاً، هي من بين قرارات عديدة صدرت لمواجهة إيران، تطلب «تجاهل احتجاج الحكومة الإيرانية والاستمرار في تعرية الدور الإيراني… مع عدم التعرض للشأن الداخلي الإيراني ورموز الدولة بشكل لافت». أما الأمر السامي 7796، فهو يتعلق بالسياسة الإعلامية في مصر، حيث أجرت السعودية بعد سقوط مبارك عملية إعادة تقييم شاملة للإعلام المصري، ووضعت استراتيجية جديدة تتضمن «التعاقد مع شركة إعلامية مصرية متخصصة يقوم عليها العديد من الإعلاميين المصريين ذوي الخبرة العالية والتأثير الكبير لمواجهة الإعلام السلبي»، واستمالة الفاعلين في الجو الإعلامي الجديد بمصر، وتوجيه دعوات السفر إليهم ومحاولة «احتوائهم».
الإعلاميون العرب الذي يبغون الدعم والتمويل يفهمون أيضاً عداوات السعودية وهواجسها، ويخاطبونها عبرها، فنجد النقيب الحالي للصحافة اللبنانية، الإعلامي عوني الكعكي، يطلب الدعم المالي تحت شعار مجابهة إيران. وبالروحية نفسها، يتوجه صحافي مصري كمصطفى بكري إلى السفير ليبلغه أن الإيرانيين قد «بدأوا في الاتصال به»، طالباً دعم السعودية لعدة مشاريع تخصه، بينها تشكيل حزب سياسي و«إطلاق قناة فضائية تكون صوتاً قوياً ضد الشيعة وتساند مواقف المملكة».
أكثر ما يخيف القيّمين على تنفيذ «الأوامر السامية» هو جوّ إعلاميّ حرّ في المحيط العربي، لا تضبطه الحكومة ولا يمكن توقع ما ينشره. تستفظع برقية، تناقش وضع الإعلام المصري بعد سقوط مبارك، أن الاعلام لم تعد تديره «السلطة الأمنية والسياسية»، وصار «يتحرك مع الرأي العام» بدلاً من أن «يقوده».
الهمّ المركزي للسعودية يتمثل في ملاحقة أي نقدٍ ولو في أقاصي الدنيا
هذا ما نلمسه أيضاً عبر النشاط السعودي المحموم في تونس بعد الثورة. حين قررت السلطات السعودية إعادة بناء العلاقات مع البلد والتواصل مع راشد الغنوشي، طالبت الوزارة بإعادة تقويم شاملة للساحة الإعلامية التونسية الجديدة، بدءاً ــ بالطبع ــ بـ»تقديم الدعم المالي للمؤسسات الصحفية المؤثرة في تونس».
وللسعودية، بالتأكيد، طريقتها في «ضبط» صحافتها داخل المملكة وخارجها: الإعلام المحلي «تدوزنه» الأوامر السامية، مع لجان تجتمع أسبوعياً لمراجعة ما يرد فيه و»التعامل مع الكتابات المسيئة».
وحين يشتكي سعد الحريري من مقالات تنتقده في «الحياة» و»الشرق الأوسط» (كتبها عبد الرحمن الراشد وداوود الشريان)، تقترح الخارجية، ببساطة، «وقف مثل هذه الكتابات التي لا تخدم الأهداف المنشودة للمملكة». وحين يظهر مسؤول حوثي، بالخطأ على الأرجح، على قناة «العربية» عام 2007، تطلب السفارة «الإيعاز إلى قناة العربية» بعدم استضافته مجدداً.
هذا كلّه ليس إلا غيضاً من فيض حكايات الأرشيف السعودي. سنقدّم ــ في الحلقات المقبلة ــ أمثلة عديدة (وصادمة) عن نهج المملكة في مصادرة الرأي وإخراس النقاد، بأساليب تراوح بين الإغراء والاستمالة والتهديد والابتزاز. سنعاين أيضاً، للأسف، ضعف الكثير من نخبنا أمام المال، واستعدادها للتذلل والتزلف وبيع الموقف لمن يدفع. ومن لا تزل لديه أوهام حول وجود الهيمنة السعودية أو اتساعها، فما عليه إلا أن يراقب تعامل وسائل الإعلام العربية مع هذا التقرير وتلك التي ستليه، وكم منها سيجرؤ على نقلها وذكرها ونقاش محتواها.
عامر محسن
مطاردة اسعد ابو خليل
يواجه الزميل أسعد أبو خليل مطاردة سعودية منذ سنوات طويلة، وهو الذي كان السباق في «الاخبار» بتوجيه النقد المباشر ليس لسياسات المملكة فحسب، بل لآل سعود أيضاً.
في برقية لسفارة السعودية في بيروت، يرد خبر عن ندوة لأبو خليل في صيدا «بدعوة من جمعيتي الأدب والثقافة وخريجي المقاصد لاستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا الدكتور/ اسعد ابو خليل (لبناني الجنسية) لإلقاء محاضرة تحت عنوان «أميركا ومستقبلها في العراق»، التي أشار فيها المذكور إلى ان استراتيجية الإمبراطورية الأميركية التي تقوم بفرض سلطانها على العالم سقطت بفعل ارادة المقاومه في العراق وفلسطين، تماما كما انتصرت هذه الإرادة في فيتنام، كما رأى ان الطروحات الأميركية لإصلاح الأنظمة العربية متروكه لكل نظام، وفي هذا ترسيخ مكافأة لها على ولائها
وانصياعها، مضيفاً اننا نشهد نهاية الحقبة السعودية في النظام العربي الرسمي، كما اتهم رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري بأنه صاحب طموحات خبيثة، وانه يسعى الى تحويل لبنان الى أردن أو قطر اخرى مطبّعة مع إسرائيل، وقد أشاد بأهل صيدا على انتصار ارادتهم في الأنتخابات البلدية، التي يقصد بها فشل اللائحة المدعومة من الرئيس الحريري وفوز اللائحة المدعومة من النائب اسامة اسعد، الذي كان بين الحضور والمعروف بمعارضته للرئيس الحريري».
العرش يطارد نجدت أنزور
«الصورة» التي تهم مملكة القهر، لا تحتمل أي نوع من النقد، خصوصاً لآل سعود. فكيف بعمل سينمائي «يتجرّأ» على العودة الى حياة جدّهم الأكبر، الملك المؤسس عبد العزيز. وفي هذا السياق، تجد استنفاراً خاصاً لمواجهة فيلم «ملك الرمال» الذي أخرجه السوري نجدت أنزور. وتخوض سفارات المملكة حول العالم حرباً ــ أدواتها المال والنفوذ ــ لأجل منع عرض الفيلم أو مواجهة آثاره على الرأي العام. وهو ما تظهره سلسلة من الوثائق، ومنها:
1- «سرية للغاية» - عاجلة جداً
.. نفيدكم بأنه صدر مؤخراً فيلم بعنوان «ملك الرمال» للمخرج السوري نجدت أنزور يتعرض لشخصية الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) .. وحسب المعلومات المتوفرة، الفيلم المذكور يحتوي معلومات مضللة ومفبركة ومشاهد مسيئة مخالفة لوقائع التاريخ ، ويعمل على أهداف سياسية مغرضة تشير إلى أجندات خارجية حاقدة..»
2- «سرية للغاية» - عاجلة جداً
بشأن موضوع فيلم ملك الرمال. أفاد سموّ السفير في لندن بأن ذلك يتطلب تأمين ميزانية خاصة بمبلغ وقدره أربعمائة ألف جنيه استرليني، يتضمن تكاليف فريق المحامين بالإضافة الى المستشارين السياسيين والاعلاميين»
3 – «نفيد سموّكم بصدور الأمر السامي الكريم بالموافقة على أن يتم العمل على تحديد شخصيات سعودية وعربية للاستعانة بها في دحض ادعاءات الفيلم، والإيعاز للإخوان في الإمارات بإيقاف جميع التعاملات مع المخرج نجدت أنزور، وأن يتم الطلب من دول مجلس التعاون.. منع المذكور من دخول جميع دول المجلس..»
4- «معالي رئيس الديوان الملكي، والسكرتير الخاص لخادم الحرمين الشريفين
إشارة إلى الأمر السامي الكريم، بشأن منع نجدت أنزور من دخول جميع دول مجلس التعاون وأن يتم إيقاف جميع التعاملات معه، فقد أفادت سفارات الكويت والمنامة والدوحة بأن الجهات المختصة في تلك الدول أكدت بأنها لن تسمح بدخول المذكور لأراضيها وأنه سيتم إيقاف أي تعامل معه.
كما أفادت سفارة مسقط بأنها بعثت مذكرة عاجلة للخارجية العمانية تتضمن مخاطبة الجهات المختصة بإيقاف جميع التعاملات مع المذكور ومنعه من الدخول..
كما افادت سفارة أبو ظبي بأنها قامت بمخاطبة الجهات المختصة الإماراتية ولا زالت في انتظار الرد».
جعجع: انا مفلس... ومستعد للقيام بما تطلبه المملكة | العسيري: فلنعطه مالاً
لا يترك فريق 14 آذار مناسبة إلا يصم فيها أسماع اللبنانيين بكلمات عن الحرية والسيادة والاستقلال. انتحل هذا الفريق صفة «التيار الاستقلالي». وثائق الخارجية الأميركية التي نشرها موقع «ويكيليكس» قبل 5 أعوام لم تُسكِته. احرقتها الأحداث اللاحقة، وغياب المحاسبة في لبنان، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي. في تلك الوثائق، ظهر هذا الفريق منفّذاً للسياسة الأميركية، متماهياً مع ادبياته الداعمة للعدو الإسرائيلي، حتى في زمن الحرب.
وفي تلك البرقيات، مرّت، لماماً، مطالب بعض قادة «ثورة الأرز» بضرورة الحصول على أموال من الخارج، وتحديداً من السعودية، لمواجهة حزب الله. لم يخدش ذلك «الحساسيةَ السيادية» لأركان هذه القوى. في وثائق الخارجية السعودية التي تنشرها «الأخبار» ابتداءً من اليوم، بالتعاون مع منظمة «ويكيليكس»، تظهر بصورة أكثر وضوحاً حقيقة جزء كبير من الطبقة الحاكمة في لبنان. دفْعُ المال لشراء السياسيين هو ما تجيده المملكة السعودية. وفي المقابل، لا حدود امام استعداد «الفريق السياديّ» في لبنان للارتهان للسعودية، والتعبير بوضوح عن الاستعداد للعمل بتوجيهات «المملكة» و»خادم الحرمين». وليس المطلوب سوى امر واحد: الحصول على مال آل سعود.
في ما يأتي، نستعرض وثائق صادرة عن السفارة السعودية في بيروت عام 2012، تُظهر ملامح العلاقة التي تربط حزب القوات اللبنانية بحكام الرياض. في البرقية التي أرسل بها السفير علي عواض العسيري إلى وزارة خارجية بلاده يوم 23/4/1433 هجري (17/3/2012 ميلادي)، كتب السفير أنه استقبل «السيد إيلي أبو عاصي، موفداً من قبل رئيس حزب القوات اللبنانية، وتحدث عن صعوبة الاوضاع المالية التي يعيشها حزبهم ووصلت الى حد باتوا عاجزين معه عن تأمين رواتب العاملين في الحزب، وتكاد تصل بهم الأمور الى العجز عن الوفاء بتكاليف حماية رئيس الحزب سمير جعجع، ولاسيما في ظروف المواجهة التي يعيشونها من جراء مواقف بعض الزعامات المسيحية، كالجنرال ميشال عون والبطريريك الماروني، المتعاطفة مع النظام السوري. وأشار الى انه وصل بهم الامر الى حد ان السيد سمير جعجع جاهز للسفر الى المملكة لعرض وضعهم المالي المتدهور على القيادة في المملكة». وبعد هذا التقديم، يبدأ العسيري بالتحدّث عن محاسن القوات اللبنانية، كونها «بقيادة الدكتور سمير جعجع القوة الحقيقية التي يعول عليها لردع لحزب الله ومَن وراءه في لبنان». ثم يوصي العسيري رؤساءه «بتقديم مساعدة مالية» لجعجع، «تفي بمتطلباته، ولاسيما في ضوء مواقف السيد سمير جعجع الموالية للمملكة والمدافعة عن توجهاتها». وتبدو هنا أهمية تصريحات السياسيين اللبنانيين المحابية لآل سعود، حيث لكل شعار ثمنه. وجعجع كان قبل يومين قد خرج في لقاء صحافي ليدافع عن السعودية بعد الفتوى التي أصدرها مفتي آل سعود عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، بوجوب هدم الكنائس في جزيرة العرب، بناءً على «القاعدة الشرعية» التي تنص على «عدم جواز اجتماع دينَين» في جزيرة العرب. يذكّر العسيري «صاحبَ السموّ» بهذا الموقف، علماً بأنه كان قد أرسل في اليوم نفسه، ببرقية منفصلة يتحدّث فيها عن موقف جعجع من فتوى آل الشيخ، يقول فيها إن جعجع خاطب المفتي «بلغة عقلانية حريصة على دور المملكة والعلاقات الأخوية القائمة معها»
.
ويختم العسيري تقريره عن لقاء أبو عاصي بالقول: «إن جعجع هو الاقرب الى المملكة بين الزعامات المسيحية وله موقف ثابت ضد النظام السوري، وفوق ذلك فهو يبدي استعداده للقيام بما تطلبه منه المملكة».
اللقاء «المالي» بين السفير السعودي وموفد جعجع عُقِد يوم 17/3/2012. بعد أقل من 20 يوماً، شاءت الصدفة، ربما، ان تعلن القوات اللبنانية عن تعرّض جعجع لمحاولة اغتيال مريبة في مقر إقامته في معراب، وهي الجريمة الغامضة التي لم تتمكن القوى الأمنية حتى اليوم من التقاط أي خيط متصل بها.
برقية العسيري تلقاها وزير الخارجية حينذاك سعود الفيصل، واحالها على الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ويوم 28/5/1433 (20/4/2012)، أصدر عبدالله «التوجيه السامي» باستقبال جعجع، وهو ما جرى تنسيقه لاحقاً بين وزارة سعود الفصيل ورئاسة الاستخبارات السعودية.
حسن عليق
mtv قصة التمويل والملايين
أن يجتمع مندوبون من وزارة الخارجية ووزارة المالية ووزارة الثقافة والإعلام ومن الرئاسة العامة للاستخبارات في المملكة العربية السعودية كي يدرسوا مشروعاً إعلامياً ثم أن يأتي «قرار سامٍ» ملكي بالموافقة على تمويل المشروع بملايين الدولارات شرط التزام قواعد معينة... فهذا يدلّ على الجدية والخطورة التي تتعاطى بها المملكة السعودية في ما يتعلّق بخططها الإعلامية الخارجية.
اجتماع قمّة جمع اللجان المذكورة أعلاه عقد قبل ٣ أعوام أقرّ فيه آل سعود تمويل محطة تلفزيونية لبنانية «تعاني من ظروف مالية صعبة». ملايين الدولارات لقاء تنفيذ تعاليم النظام السعودي وخدمة مصالح المملكة وسياستها، هذا ما اشترطه صراحة الأمراء السعوديون مقابل تمويل محطة «إم تي في» MTV اللبنانية عام ٢٠١٢ كما تبيّن الوثائق المسرّبة من وزارة الخارجية السعودية.
«نريد أن تكون المحطة في خدمة المملكة إعلامياً وتقنياً»، «على الـ»إم تي في» أن تخدم المصالح السعودية»، «سندفع مليوني دولار سنوياً وليس كامل المبلغ المطلوب» هكذا أمر آل سعود مالك المحطة حسبما تشير وثائق «ويكيليكس» التي لم يظهر فيها أي رفض أو نقاش يذكر من قبل رئيس مجلس إدارة «إم تي في» ميشال غبريـال المرّ.
هكذا، وفي اجتماعات «سرية جداً» في الرياض ومراسلات «سريّة وعاجلة» بين السفارة السعودية في بيروت وميشال المرّ والمملكة، وضع المرّ محطته «إعلامياً وتقنياً وسياسياً» بين أيدي النظام السعودي لقاء دعم مالي أقلّ بكثير مما رَغِب. أربع وثائق صادرة عن الخارجية السعودية تؤكد كيف رهن المرّ محطته «اللبنانية المستقلة» للقرار السعودي.
المرّ طلب في بداية الأمر ٢٠ مليون دولار من المملكة، لكنّ السعوديين وافقوا على مليوني دولار مقسّطة على سنتين ومرفقة بلائحة شروط ومطالب أهمها: «التزام القناة توظيف إمكاناتها الإعلامية والتقنية لخدمة المملكة، وذلك عبر رسائل إعلامية واضحة» و»الطلب من المحطة المقارعة والتصدي للإعلام المعادي للمملكة»، كما تشير إحدى وثائق الخارجية المسرّبة.
طلب المرّ ٢٠ مليون دولار، لكنّ المملكة خفضت المبلغ
مندوبو وزارات الخارجية والإعلام والثقافة والاستخبارات السعودية كُلّفوا، بناءً على قرار سامي ملكي، دراسة مشروع التمويل في أيار ٢٠١٢، كما تظهر إحدى الوثائق. هؤلاء أوصوا بالموافقة على التمويل ما دام «الدعم الموجّه إلى أي وسيلة إعلامية خارجية ينبغي أن يخدم سياسة المملكة ومصالحها»، لكنهم تحفّظوا على المبلغ الذي طلبه المرّ (٢٠ مليون دولار) واقترحوا «٥ ملايين دولار كمبلغ مقطوع». المجتمعون طالبوا أيضاً بأن يكون هناك خطّة عمل تلتزمها القناة اللبنانية بهدف «خدمة قضايا المملكة ومواجهة الإعلام المعادي لها في لبنان وغيره» من البلدان. طلبت الرياض من سفيرها في بيروت أن «يجتمع بالمسؤولين عن القناة وأن يتوصّل معهم إلى اتفاق وخطة عمل تخدم مصالح الطرفين». وهكذا كان، فأرسل المرّ عبر السفارة السعودية في بيروت «خطّة العمل» إلى الرياض مع طلب استعجال بصرف الأموال من قبل السفير «نظراً إلى ما تعانيه المحطة من ظروف مالية صعبة»، كما ظهر في وثيقة مسرّبة. وافق الأطراف جميعهم (بمن فيهم الاستخبارات السعودية) على خطة العمل، وعلى أن يقبض المرّ الأموال، على أن يكون الدعم المالي مصحوباً بتقويم مدى التزام القناة «خدمة قضايا المملكة»، تشير برقية وزير الخارجية سعود الفيصل.
عندما أعيد إطلاق «إم تي في» في نيسان ٢٠٠٩ بعد إقصاء سياسي جائر، «هجمت» المحطة على الساحة الإعلامية رافعة شعاري «الهوية اللبنانية» و»الاستقلالية»، وكررتهما في حملاتها الإعلانية وفي ردود مسؤوليها على أي اتهام بتمويل خارجي حينها.
«Mtv ستبقى صوت لبنان الحر في خدمة جميع اللبنانيين... لن تكون مرتهنة لأحد، فمعركة الحفاظ على حرية الـ»أم تي في» كي تبقى هويتها لبنانية وخطابها لبنانياً كانت صعبة للغاية لأننا لم نقبل يوماً ولن نقبل على الإطلاق أن نساوم على استقلاليتنا»، هذا ما قاله رئيس مجلس إدارة المحطة اللبنانية في نيسان ٢٠٠٩. ثم جاءت الحملة الإعلانية التي رفعت شعار «إم تي في مش لحدا».. ثم جاءت وثائق «ويكيليكس» السعودية... ربما بات بإمكان الإعلان أن يضيف: «إم تي في مش لحدا... إم تي في لآل سعود»!
صباح أيوب
نقيب الصحافة للملك: رفضتُ إغراء إيران... أنا مديون!
عام ٢٠١١ كان نقيب الصحافة اللبنانية الحالي، عوني الكعكي، رئيس تحرير جريدة «الشرق». والكعكي، كغيره من قدامى أصحاب المهنة في لبنان، يعرف جيداً كيف يتعامل النظام السعودي مع الإعلام، ويدرك إمكانية أن يتحوّل هذا النظام الى مصدر تمويل مغدق وسهل. لكن الكعكي كان خلّاقاً وابتكر وسيلة «ذكية» في طلب المال من المملكة كما تشير إحدى برقيات الخارجية السعودية. اختار النقيب أن يضرب على وتر «إيران ــ حزب الله»، فأرسل الى خادم الحرمين الشرفين رسالة عبر السفارة السعودية في بيروت ينبّهه فيها إلى أن «إيران تمدّ حزب الله بمليار دولار سنوياً، وأنها صاحبة مشروع خطير يطاول لبنان والمنطقة برمتها مع إسرائيل».
لكن الكعكي حرص على التأكيد للملك أنه صاحب موقف ثابت وعنفوان، إذ إنه «رفض العروض المغرية المقدّمة له من قبل سوريا ـ قطر ـ إيران». طبعاً، لم يفت رئيس التحرير السابق أن يشير لـ»صاحب السمو» بأن صحيفته «تعاني من تراكم ديون تجاوزت ثلاثة ملايين دولار»، فما كان من الخارجية والسفارة السعودية في بيروت إلا أن قررتا دراسة «طلبه».
السفارة: لا تمويل إضافياً لشرارة
تظهر البرقيات أسماء عدد لا بأس به من الصحافيين اللبنانيين الذين دأبوا على الطلب مباشرة من المملكة دعماً مالياً. من بين هؤلاء عبد الناصر شرارة الذي طلب عبر السفارة في بيروت «دعم نشرة أصفار» التي يصدرها. وبعد إرسال نبذة عن الصحافي الذي عمل سابقاً في جريدة «الأخبار» والذي «لا يوالي ولا يعارض حزب الله» كما ورد في البرقية، اقترحت السفارة أن تعتذر المملكة عن دعم نشرة شرارة، لأنه «يتلقى اشتراكات عديدة من ضمنها اشتراك وزارة الثقافة والإعلام بمبلغ مقبول جداً».
مي شدياق تطلب تمويل معهدها الإعلامي
«المعهد الإعلامي» التابع لمؤسسة مي شدياق، يعرّف عن نفسه بأنه «جمعية غير حزبية ولا تبغى الربح»، والإعلامية شدياق لا تفوّت مناسبة لإعلان مواقفها المدافعة عن حرية الرأي، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان عموماً. لكن، رغم حملها شعلة «الحريات» على أشكالها، لم تتردد الإعلامية اللبنانية بالطلب من إحدى ممالك قمع الإعلام وجلد الصحافيين بتمويل... معهدها الإعلامي. السفير السعودي في بيروت تكفّل بإرسال نبذة تعرّف عن مي، بدأها، طبعاً، بانتمائها الديني «لبنانية مسيحية»، منتقلاً إلى محاولة اغتيالها وخبراتها الإعلامية ومتوقفاً عند إطلاقها مواقف سياسية «ضد سوريا والمعارضة اللبنانية» من خلال برنامجها التلفزيوني، و»قربها سياسياً من تحالف ١٤ آذار» الذي «تدعمه المملكة». أما حول المعهد فيقول السفير إنه «مشروع خيري... تجمع شدياق التبرعات لدعمه».
طبعاً، الخارجية السعودية رأت في طلب مي مناسبة لاستغلال قدراتها ومعهدها «ولا سيما أنها تمثل صوتاً إعلامياً مسموعاً قوياً ومؤثراً، ويمكن الاستفادة منها ومن المركز المذكور مستقبلاً بشكل أو بآخر، وربما بالتعاون المهني».
الحريري وداوود الشريان
رئيس الوزراء السابق سعد الحريري «مستاء»، وكعادته يشكو استياءه لوطنه الأم. سبب انزعاج الحريري هذه المرّة، ما يكتبه صحافيون ضده في صحف سعودية بارزة. الحريري حمل معه نسخاً عن تلك المقالات الى السفير السعودي في بيروت وأبرزها بقلم داود الشريان في «الحياة» وعبد الرحمن الراشد في «الشرق الأوسط»، وكما تشير برقيتان حول هذا الموضوع يبدو أن الحريري سمع من خصومه وأتباعه كلاماً يغمز من قناة علاقته بالمملكة، ويثير التساؤلات حولها، وخصوصاً أن المقالات التي تنتقده نشرت في صحف سعودية. أما ردّ السفارة في بيروت على شكاوى الحريري، فكان أنها ترى أن «من المناسب وقف مثل هذه الكتابات التي لا تخدم الأهداف المنشودة للمملكة»، فيما رفع وزير الخارجية سعود الفيصل إحدى شكاوى الحريري الى الديوان الملكي.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد