سميح القاسم: يجب إعلان القدس عاصمة للغضب قبل الثقافة
انها مفارقة عجيبة. الشاعر سميح القاسم لم توجه إليه الدعوات للمشاركة في الاحتفالات بذكرى رحيل الشاعر محمود درويش التى اقيمت في الجديدة في الساحل المحتل في العام 1948، وفي مدينة رام الله. لكنه قال في العاصمة الأردنية عمان انه تلقى الدعوات للمشاركة في الاحتفالات بهذه الذكرى في عمان وبرلين ولندن وعواصم عالمية اخرى. معه كان لنا حوار:
■ نعيش هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لرحيل الشاعر محمود درويش، كيف تنظر الى هذه المناسبة؟
- ببساطة أقول ما قلته في افتتاح الأمسية الأخيرة المعدة لمرور عام على رحيل محمود درويش في عمان، والقدس عاصمة الثقافة العربية، وبصدق دخلت في دوامة من الشك هل الحديث عن رحيل محمود، أم عن فقدان القدس ؟ لقد اختلط علي الأمر من الراحل، ومن المقيم ؟ ويبدو أن هذه الحالة لا تزال تسكنني حتى اللحظة .
■ طالما أن القدس الآن دخلت على الخط في هذه المناسبة هل من اللائق الاحتفال بها عاصمة للثقافة العربية وهي تهود ونحن عاجزون حتى عن انقاذ بيت فوزية الكرد (أم كامل)؟
- أنا لا أحب المزايدة على الناس، لكني أيضا لا أستطيع مجاملة أحد، وقد رفض وزير الثقافة العراقي أن تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية للعام 2009 وهي تحت الاحتلال، ويبدو أن وزير الثقافة الفلسطيني كان نشطاً ومتفائلا، فطرح القدس لأن تكون عاصمة الثقافة العربية، وأنا شخصيا لا أستطيع الاحتفال بالقدس الا عاصمة للغضب والحزن وللمذلة العربية، ولن أتمكن شخصيا من الاحتفال بها من (قلب ورب) كما يقول المثل الدارج قبل تحريرها.
■ ما أثر رحيل محمود درويش على القصيدة الفلسطينية؟
- لا أريد أن يساء فهمي لكني لا أريد الدخول في بازار المجاملات ومسايرة الحزن الشعبي، ولا شك في أن رحيل محمود درويش كان خسارة كبيرة، لي شخصيا أولا، ثم للشعر والنثر وللسياسة الفلسطينية، لكن العزاء هو أن الرحيل الجسدي لشاعر لا يلغي دوره الشعري ، والا فما معنى حضور أسماء لامعة مثل الشنفرى، أمرئ القيس، المتنبي، المعري، البحتري، أبو تمام، شوقي، حافظ، مطران، أبو القاسم الشابي، الجواهري، بدوي الجبل، والأخطل الصغير في الوعي الجماهيري حتى اليوم .
ان حضور الشاعر لا يتحقق بحضوره الجسدي، بل بحضوره الشعري، والقصيدة مستمرة وكذلك العمل الشعري والابداع، وأعتقد أن الشعر من حيث هو عملية فردية موغلة في الفردية فأنا لا أستطيع اعتبار رحيل أي شاعر حتى رحيلي شخصيا، خللا في مسيرة الشعر فالشعر مستمر والمسيرة مستمرة، ورحيل المبدعين الكبار يترك حزنا عميقا لكنه لا يخلخل ولا يبلبل مسيرة القصيدة .
■ قبل أيام أقيم احتفال بذكرى رحيل درويش في الداخل لكن تخلله شيء لم نفهمه نحن المقيمين في الخارج وهو أن أحدا رفع العلم الاسرائيلي في تلك الاحتفالية، ماذا يعني ذلك؟
- أنا أيضا لا أفهم ولا أقبل هذه الحالة الاستعدائية والاستفزازية، لكنني أتوقعها فنحن خبراء في فن التمثيل بالجثث، ذلك أن ما جرى في الاحتفال هو عملية تمثيل بجثة الشاعر درويش، وبحسب ثقافتنا السائدة لا أستغرب حدوث مشاهد سوريالية عبثية موغلة في وحشيتها مثل هذا المشهد الداكن والمعتم والقاتم بلا حدود والذي يحول المأساة الى كوميديا، لكن يبدو أن غرائب الحياة غير محدودة.
■ من المسؤول عن رفع العلم الاسرائيلي في تلك الاحتفالية؟
- كلنا مسؤولون عن هذا التردي الأخلاقي والفكري، والسياسي، كل العرب مسؤولون، ولا أضع المسؤولية على منظم بمفرده، لأننا نحن المسؤولون عن التردي الكبير في حياتنا، ولذلك فقد قلت في آخر حديث تلفزيوني انني لا أتوقع من العربي الا أن يخجل، أن يأكل وهو يخجل، يرقص وهو يخجل، يزوج أبناءه وهو يخجل، وأن يخجل وهو يخجل، نحن لا يحق لنا ألا أن نخجل فقط.
■ لا يزال السؤال قائما، كيف تسلل العلم الاسرائيلي الى احتفالية درويش؟
- بمثل ما يتسلل الى أي فعالية في العالم، أنه يتسلل دائما ويحترف التسلل، ويتسلل جسديا وفكريا وروحيا، وأعتقد أنه أكثر الأعلام انتشارا الآن في الوطن العربي وفي العالم.
■ يقال أيضا أن الدعوة لحضور الاحتفال لم تصل لجميع الشخصيات المعنية، هل هذا صحيح؟
- لا أعلم من الداعي، أنا شخصيا لم أتلق دعوة لحضورالاحتفال، سواء كان في احتفال الجديدة في الداخل أو في احتفال رام الله الذي نظمته السلطة، فأنا أدعى للاحتفال بمحمود درويش في عمان ولندن وبرلين وفي كل العالم، وهذا مبرر وأنا سعيد جدا بذلك، لأن جثتي غير قابلة للتمثيل.
■ ما تبرير عدم دعوتك لحضور احتفالات الجديدة ورام الله؟
- الذي يريد رفع العلم الاسرائيلي لا يدعوني.
■ هل من مشاريع ثقافية تتعلق بارث محمود درويش؟
- هذه مسألة لا تعنيني، ويؤسفني أن مجموعته الشعرية الأخيرة، أثارت ضجيجا مسيئا له ولشعره وللمشاركين في اصدارها، وأعتقد أن الكتاب الأخير يجب أن يعده الشاعر نفسه، وها أنذا أعلنها: ما لا أعده بنفسي كعمل أخير، لا يحق لأي كائن ، أن يقدم عملا باسمي دون مشاركتي، وها هو ناشر كتبي الى جانبي وهو يسمعني.
■ أين أنتم من الترانسفير؟
- قبل 42 عاما أعلن رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية الجنرال ياريف أن هناك مخططا لترحيل من تسمونهم (عرب 48) وأن هذا المخطط جاهز، وينتظر حالة حربية وسياسية مواتية لتنفيذه، بمعنى أن فكرة الترانسفير قديمة، ففي العام 1950 قال زعيم الهستدروت الاسرائيلي روبين بركات، لم نكن نتوقع أن يبقى عربي واحد في هذه البلاد. وجاء بعده بن غوريون الذي رفض حمل الهوية الاسرائيلية لأنها تحوي اللغة العربية ثم قالت غولدا مائير : لا أنام كلما سمعت بميلاد طفل عربي جديد في اسرائيل.
وهذا يعني أن فكرة الترانسفير قائمة منذ النكبة، لكن الجديد والخطير في الأمر هو أن مشروع الترانسفير، الذي يمثله الروسي أفيغدور ليبرمان، أصبح مشروعا يقوده وزير خارجية اسرائيل، حيث لم يعد ليبرمان شخصا هامشيا في المجتمع والسياسة بل أصبح في صلب ومقدمة صناعة القرار.
والأخطر من ذلك أيضا أن الترانسفير لم يعد أمرا مستحيلا، كما أنني لا أرى تحركا عربيا سياسيا أو عسكريا، يمنع وضع جثتي في شاحنة عسكرية اسرائيلية لتقذفني عبر ما يسمونه الحدود، ولذلك لا أستغرب حدوث ذلك. لكنني متأكد أن أحدا لا يستطيع اخراجي من وطني الا جثة، فالجثث حسب علمي لا تستطيع المقاومة لكن ربما قاومت جثتي. وما أود قوله هو أن مشروع الترانسفير جاهز وهو حقيقي وليس وهما أو كلام انشاء وبالتالي فان الرد عليه يجب أن لا يتم بالانشاء ومن خلال اللغة والتصريحات الاعلامية والاستنكار والشجب والتنديد لا بد من تحرك قومي عربي، الا اذا أصبحنا خارج المعادلة العربية، مع أننا نصر على أننا جزء من الأمة العربية، ولكن اذا كانت هذه الأمة لاتقر بأننا جزء منها فهذا لا يغير موقفنا ورؤيتنا للأمور. لذلك فان مسؤولية بقائنا أو ترحيلنا هي مسؤولية الأمة وليس مسؤولية أفراد بعينهم.
■ كيف تنظرون الى الشارع الاسرائيلي هذه الأيام؟
- بحسب آخر استطلاع للرأي فان أكثر من 60% من اليهود يؤيدون الترانسفير، وأنا أحترم الأقلية المعارضة، لكني لست متأكدا من قدرتها على منع قرار رسمي حكومي بتنفيذ الترانسفيرفي دولة تدعي أنها ديمقراطية.
■ في المقابل كيف تقرأون الوضع الفلسطيني؟
- هناك حالة غرائبية عجائبية فلسطينية حاليا اذ يوجد أكثر من وضع فلسطيني، هناك الوضع الفتحاوي والوضع الحمساوي، لنكف عن الوهم، وحتى يتم تشكيل وضع فلسطيني، فان الأمر يتطلب انهاء الوضع القائم الذي تعدى الحالة الكارثية.
■ ما قراءتك لمؤتمر فتح في بيت لحم؟
- “فتح” هي العمود الفقري للعمل الفلسطيني الوطني على امتداد أكثر من أربعة عقود منذ انطلاقتها، ولا يحق لأحد الغاء دور “فتح” لكن لا يحق لأحد أيضا الغاء التحولات التى طرأت في المجتمع الفلسطيني، مثل ظهور حركة “حماس” وللعلم أنا أيديولوجيا بعيد عن “حماس”، لكن لا يعقل أن أقر بالموقف الاسرائيلي والأميركي والدولي بالتعامل مع نتيجة انتخابات ديمقراطية وشفافة شهد لها العالم، ولا يعقل أن يفرضوا علينا ديمقراطية انتقائية، بمعنى ديمقراطية تشترط نجاح فلان أو علان، فهذه اهانة.
لقد نجحت “حماس” وكان عليهم اعطاؤها فرصتها، فإذا هي نجحت يعاد انتخابها والا صرف الشعب أنظاره عنها، واختار غيرها، وأن يتم تداول السلطة ديمقراطيا، لأننا لا نريد انقلابات عسكرية ولا مجازر أو مذابح، أو سجوناً واعتقالات واختطافاً واغتصاباً وقتلاً كما يحدث في ما يسمى اقطار العالم الثالث، لقد حلمنا بدولة ديمقراطية علمانية متنورة أرقى من سائر الدول العربية ودول العالم الثالث لكن المجتمع الدولي قال لنا إننا لا نستحق سوى أن نكون في قاع العالم الثالث ونحن لا نريد ذلك. وأنا أقولها بصريح العبارة إن الدولة ليست همي، كوني وحدويا بطبعي، ولا أريد الدول، لأنني أريد وطنا موحدا، لكننا في مرحلة تاريخية معينة ولأجل الخلاص من الاحتلال الاسرائيلي، قلنا فلتقم الدولة أولاً، لكن ليس بأي ثمن أو بأي شكل، نريدها دولة محترمة.
■ نحن في انتظار مشروع السلام الاميركي الذي يتمثل بجر دول منظمة المؤتمر الاسلامي وعددها 57 دولة للتطبيع مع اسرائيل مقابل تعهد بوقف موقت لنمو المستعمرات في الضفة الفلسطينية، كيف تنظرون الى ذلك؟
- هذه هي سياسة وضع العربة أمام الحصان، وهناك في السياسة الاميركية التى أصبحت سياسة (أمريئيلية) أي اميركية – اسرائيلية ، مبدأ يقول: حتى أفاوض يجب أن أكون في موضع قوة وما دمت في موقع قوة فلماذا أفاوض؟ وهذا الطرح ليس مجرد خلل سياسي بل يتضمن احتقارا واهانة! وهم بذلك يهينون منظمة المؤتمر الاسلامي، وجامعة الدول العربية ويهينونني شخصيا. لقد شعرت باهانة شخصية عندما سمعت بهذا المشروع ولو قيل هذا الكلام أمامي وطلب مني رئيس حكومة أو دولة أن أفعل ذلك، ربما كنت سأصفعه، فأنا لست ملزما باحتمال كل هذه الاهانات، أو أي اهانة. بشكل عام ربما يقبل الانسان اهانة ما، من أجل التحول الى موقف أفضل لكنهم يطلبون منا الاعتراف بيهودية اسرائيل، وأن نطبع العلاقات وفيما بعد ربما...! وسؤالي: هل هناك امكانية احتقار أكبر من كلام كهذا؟
ان فحوى هذه الخطة هو احتقار شخصي وجمعي للأمتين العربية والاسلامية.
■ لكن جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي رهن لاشارة من الرئيس الاميركي أوباما، أليس كذلك؟
- أنا لست مع هذا الطرح اليائس، قد تكون المنظمة أو الجامعة كاطار مرتهنة لقوى تابعة لأميركا، لكن الشعوب ليست تابعة الا لخالقها.
لن تمر هذه المواقف المهينة مرور الكرام، ولدي ثقة قد تكون غير مبررة بالكامل بارادة الجماهير.
“لا توقظوا الفتنة”
يصدر خلال أيام عن دار “اضاءات” للنشر في مدينة الناصرة كتاب جديد للشاعر الفلسطيني سميح القاسم يتضمن عددا من المقالات والمداخلات السياسية والفكرية ضد تيارات التعصب الديني والمذهبي في الوطن العربي . ويقع في 150 صفحة من الحجم المتوسط .
وقال الشاعر سميح القاسم في تصريحات خاصة ان هذه المقالات والمداخلات تفند الهجمة الرأسمالية الغربية والصهيونية على الاسلام وهي دعوة للاحتكام الى العقل والفكر والممارسة والحكم على الانسان من خلال فكره وممارسته وليس من خلال انتمائه الديني والمذهبي .
وبحسب القاسم فان مكتبة “كل شيء” في حيفا ستقوم بتوزيعه بالتعاون مع لجنة المبادرة العربية الدرزية في الجليل والكرمل وان ريعه سيذهب للعمل الشعبي ضد مظاهر التشرذم والتشتت العربي في الداخل ولا سيما في زمن مشروع الترانسفير الليبرماني.
وكشف القاسم ايضا ان اصداره المقبل سيكون مجموعة شعرية بعنوان “حزام الورد الناسف”وتتضمن قصائد حب وغزل في المرأة وسيصدر عن دار “اضاءات” للنشر.
ويذكر أن الشاعر القاسم وحتى لا يتعرض لما تعرض له سلفه الراحل محمود درويش بقيام البعض باصدار كتب باسمه قام بوضع قائمة بعناوين الكتب التي ينوي اصدارها لاحقا وهي: كتاب القدس- شعر ونثر، الجدران- اوبريت، غوانتنامو- شعر، اولاد في حملة خلاص- ترجمة لقصيدة برتولت بريخت، هيرما فروديتوس- شعر، ملكة الحمام- قصائد مترجمة عن العبرية، كولاج 3- شعر، نقطة. سطر جديد- نثر، ليزر – أفكار ورؤى، هواجس لطقوس الأحفاد – سربية وانها مجرد منفضة – الجزء قبل الاخير من السيرة الذاتية.
حاوره: أسعد العزوني
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد