منذر مصري: سوريـا وحدهـا بلـدي

29-06-2007

منذر مصري: سوريـا وحدهـا بلـدي

نعم أنا.. سوري. (بني آدم) يحيا في بلد اسمه سوريا، بلد له حدود معترف بها دولياً (ولو ملتبسة من جهات عدة)، يحيا ضمنها المواطنون السوريون أمثالي، ومثلهم لا أستطيع مغادرتها إلا حسب القوانين المنصوصة، كما أن لسوريا دستوراً له ما له وعليه ما عليه، أستفتي عليه وأقره منذ ستة وثلاثين عاماً الشعب، وأي تعديل فيه، كبر أو صغر، يحتاج لموافقة مجلس الشعب السوري، أما تبديله بدستور آخر فهو بدوره يحتاج استفتاءً شعبياً للقبول بالدستور الجديد وإقراره، ولسوريا، كما ذكرت للتو، مجلس الشعب، أي إنه ألغيت عندنا فكرة النيابة وجيء بالشعب نفسه إلى المجلس، أو بجزء من الشعب، ينتخبون من قبل الشعب، بطريقة أو بأخرى كل أربع سنوات، ولهم تلك الدرجة من الاعتبار والحصانة، ما داموا يوافقون على كل شيء من أجل الشعب. نعم أنا سوري، دون شك، وحصلت في حياتي، بعد أن بصمت بالعشرة أصابع كاملة في كل مرة، على ثلاث بطاقات هوية، تدرجت في صغر الحجم، تؤكد هذا. حافظت على كل منها حفاظي على بؤبؤ عيني. فقد ولدت في سوريا، في السنة الأخيرة من النصف الأول للقرن الماضي، وهذا ما يجب علي أن أصدقه وأنا أقوله، لأنني في الحقيقة لا أدري أين ذهبت كل هذه السنين، من أبٍ مواليد طرابلس عندما كانت طرابلس أحد سنجقدارات سوريا، وترعرع في طرطوس التي اختارها جدي لكونها أقرب مدينته، ليحيا فيها مع الفتاة المسيحية القاصر التي تزوجها خطيفة وصارت جدتي. وكأبيه، انتقل أبي بعد حصوله على شهادة اللاييك الأولى من طرطوس إلى اللاذقية، بسبب زواجه من أمي، ثم تدرج في عمله في دائرة الأمن العام حتى صار في بداية الخمسينيات رئيساً لأحد فروعه، لكنه اعتقل بعد اغتيال عدنان المالكي وسجن ثلاثة أشهر في سجن المزة ثم سرح من عمله تعسفياً، بتهمة انتسابه للحزب القومي السوري. أما أمي فهي أيضاَ ذات أصول غامضة لحد ما، فأمها من بيت (روشان) وأبوها من بيت (نحلوس) وكلا اللفظين ليس عربياً. وقد تدرجت، أعود للكلام عني، في أفضل مدارس مدينتي الخاصة والرسمية، فأمضيت المرحلة الابتدائية في مدرسة الأرض المقدسة (الكاثوليكية)، والمرحلة الإعدادية في الكلية الوطنية (الأرثوذوكسية)، أما المرحلة الثانوية، فقد أمضيتها في ثانوية جول جمال (التجهيز)، التي تخرجت منها كل شخصيات اللاذقية التاريخية، ومنهم، كما هو معروف، الرئيس حافظ الأسد. ثم حصلت على إجازة في العلوم الاقتصادية من جامعة حلب، مما أهلني للعمل في إحدى دوائر الدولة، في ذات الغرفة على ذات المكتب فوق ذات الكرسي، أكثر من ثلاثين سنة، وأحسب أني كما كتبت يوماً في إحدى قصائدي الباكرة: (سأحيا حتّى أموت/ وسأموت بعد أن/ أو قبل أن/تتمكن مني أمراضي/ إذ لا داعي للتحديد/ لا داعي للتحديد/ فالحياة لها معنى أحياناً/ أما الموت.../ والموت كذلك).
إذاً... ولدت وعشت ولن أحتاج أن أبذل جهداً كبيراً لأموت في سوريا.. خاصة أنه لا يتوفر لي مكانا آخر لأموت فيه، فقد رفضت منذ زمن كل العروض المغرية وغير المغرية للسفر والعمل في الخارج، واحد منها ـ صدقوا ـ كان إلى نيويورك، حين تعرفت في بداية التسعينيات على شاب أميركي كان يزور سوريا، واكتشف أني أحب، ليس بوب ديلان وسايمون آند كارافنكل ولينارد كوين فقط، وجميعهم شياطين يهود، بل أيضاً مغنيه المفضل الذي لا يعادل أياً منهم شهرة، وهو جيمس تيلر صاحب أغنية (لديك صديق) التي كتبتها له (كارول كينغ). المهم، رفضت دون تردد عرضه للعمل معه في شركته، وعندما اتصلت بي أمه من نيويورك، لتقول لي ممازحة: (نيويورك تفاحة كبيرة، ما أن يقضم المرء قضمة واحدة منها، حتى يتمنى نهشها كلها). أجبتها: (لا أظن نيويورك، يا سيدتي، المدينة التي خلقت لأحيا بها) وهذا كنت متأكداً منه. كما رفضت عرضه علي المساعدة المادية، كدين، في تحويل مكتبتي إلى محل تجاري يؤمن دخلاً أفضل. ففي سوريا من الأفضل ألاّ تتعامل مع الأجانب مهما كانت جنسيتهم، وخاصة خاصة أن تأخذ منهم مالاً، لأي سبب وبأية حجة، فما بالك بالأميركيين، عديمي الأصل الذين من بينهم الكثير من اليهود، وكذلك الانكليز، أسياد التجسس، ولحق بهم مؤخراً الفرنسيون، المتقلبون في ولائهم دائماً، وتأكيداً لما أردده بالإنكليزية: (Its danger to talk to strangers)، رغم أنه ليس من صلب الموضوع، فقد حدث أن التقيت كاتباً أميركياً، كان يزور سوريا للمرة الرابعة أو الخامسة، وكأنه ليس هناك مكان آخر على الأرض سواها، وأحسب أنه التقى بمئات من السوريين، من كل الأنواع والمستويات، حتى انه كتب عن سوريا، مجلداً ضخماً، ندر مثيله في سوق الكتب الأميركية حجماً ومضموناً، بعنوان: Road from Damascus)). مذكراً، ولو باتجاه معكوس، برحلة الرسول بولس إلى دمشق، ومقلداً أسلوب الكاتب البريطاني الترينيدادي الأصل، فيديادر س نييبول، والذي اشتهر بتحقيقاته الصحافية الطويلة عن بعض البلاد التي زارها. وكالعادة لا أذكر لمن أعرت هذا الكتاب ولم يعده لي، وكان يحتوي صوراً فوتوغرافية كثيرة لأمكنة وأناس من سوريا، منها صورة للفنان التشكيلي السوري الراحل فاتح مدرس مع الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، التقطت في الخمسينيات أو الستينيات من القرن المنصرم، ونشرت مراراً مع كل مقابلة أو مقال عنه. وأخرى لعلبة دخان (الحمراء) فخر صناعة التبغ السوري، حسبما يردد أهالي اللاذقية: (الغرناطة ظراطة والشرق فرق والحمراء مراء)، إضافة لرسوم وخطوط مأمون صقال، أفضل رسام بالرصاص التقيته في حياتي. لكن كل ذلك لم يمنع من أن أُدعى لعدة فروع أمن، في مدينتي اللاذقية أولاً ثم لاحقاً في دمشق، وقد تضمن أسلوبهم اللطيف تساؤلا حائرا: (لماذا، وأنت إنسان مثقف، لم تخبر إحدى الجهات الأمنية عنه!؟) وكنت أجيبهم: (لم أكن أعلم أن على المواطن السوري الإبلاغ عن أي أجنبي يلتقي به، خاصة أن الأجانب لا يدخلون البلد إلا بعد السماح لهم رسمياً!!). بعد هذا هم من اتصلوا بي ليخبروني أنه لا مشكلة من الالتقاء به، وإكرامه. الأمر الذي اعتذرت عنه، ليس فقط بسبب ما حصل، بل أيضاً بسبب أنه كان حقاً ثقيل الدم. ولكن بعد انقضاء ثلاث سنوات أو أكثر، عادوا وسألوني ما إن كنت على أي اتصال مع هذا الأميركي!!
نعم سوريا وطني، ولا أشعر بأية رغبة باستبداله، ولا في السفر خارجه، لأسبوعين على الأكثر أو لأسبوع واحد لا غير، أو لأيام معدودة، إلى أي بلد آخر في العالم. ومعروف عني أني لا أسافر خارج مدينتي إلى دمشق أو حلب، ولو كانت الدعوة موجهة لي من قبل امرأة، ونادراً ما تضطرني ظروفي لذلك، وعندما أسافر إلى بيروت مثلاً، المدينة التي أحبها أكثر من أي مدينة أخرى على خارطة أحلامي، ولكن ليس أكثر من لاذقيتي، يكفيني يومان، أزور فيهما بعض الأصدقاء في مقر أعمالهم، وألقي التحية على من أصادفه منهم في (الويمبي) وأعود، كما أن لدي صديقاً بمرتبة أخ في دبي، يئس من دعوتي لزيارته، باستضافة كاملة تتضمن قيمة تذكرتي الطائرة. وكذلك لدي أخت مستقرة (ليس كثيراً) في باريس منذ ,1982 وأخي الأصغر متزوج في السويد، يقول، لولا ذكرياته في البلد الذي كان كل حلمه أن يخرج منه، لمات من البرد، وآخر في الكويت، كما أن لدي ابنا انتقل إلى العمل في السعودية، ولم يحدث أن زرت أيا منهم، سوى زيارتي اليتيمة لمصطفى منذ أربع سنوات، ولأختي مرام عند دعوتي لقراءة بعض قصائدي في اليونيسكو عام .2003 وفي الحقيقة أشعر أن السفر مضيعة للوقت، إنه يشبه عطلة ليس في وقتها عن أعمال يجب أن تنجزها، صحيح أنك أرجأت هذه الأعمال مرات عديدة في السابق، ولكن الفترة التي ستقضيها في السفر، كان من الممكن أن تكون الوقت الأنسب لتقوم بها، خاصة أنها باتت أكثر إلحاحاً. ولكني بالتأكيد، لست من رافضي فكرة فوائد السفر من حين لآخر: فقط لتأخذ نفساً. كما يردد أمامي البعض، أو كما أيضاً يقال: (إذا أحب الله عبده أراه ملكه)!؟. ولكن مشكلتي هي أني لا أجد معنى لشيء أحصل عليه، أو أقوم به، بعيداً عن المكان الذي أعرفه والناس الذين يعرفونني. وهنا أذكر كيف أن أختي مرام بعد مقابلة أجريت معها في التلفزيون التونسي، لم تبال بمليوني مواطن تونسي يتابعون البرنامج، وكان كل همها ما إذا شاهدت مقابلتها إحدى بنات جيراننا التي تزوجت تونسياً وتعيش في تونس العاصمة!؟
سوريا... وطني. وهذا ليس خياراً بل مصير، لأنه حدث وكان ذلك، ولكنني لا أشعر حياله بأية مشاعر عارمة من أي نوع. فلست من أنصار (وطني دائماً على حق) ولا (الأردن أولاً) لأني لا أرى أن الوطنية الصحيحة، أو الصحية بتعبير أدق، يجب أن تكون هكذا، فالمشاعر المبالغ بها غالباً ما تكون تعبيراً عن الأزمات. وكما أن مواطني كل بلد في العالم يستطيعون أن يجدوا ما يتفاخرون به، فالسوريون يحق لهم الادعاء بأن أجدادهم هم من حققوا هذه الأمجاد، لمجرد أنهم يحيون في نفس المكان. ولا أظن أحداً يستطيع أن يماري بما لسوريا من تاريخ حافل، فسوريا أرض قديمة نشأت فيها حضارات معروفة مثل أوغاريت وماري وتدمر، وسكانها الفينيقيون هم من اخترعوا الصباغ الأحمر للملابس، وهم أوائل من كتبوا برسمهم حرفاً لكل صوت يخرج من الفم. كما في سوريا الكثير من القلاع والآثار وبقايا المدن، منها قلعة الحصن الشهيرة: (Krak des Chevaliers) التي رأيت صورتها مطبوعة على غلاف اينسكلوبيديا كبيرة عن القلاع الصليبية، ثم إن دمشق كانت أول عاصمة معلنة للأمبراطورية الإسلامية، أما العاصمة الثانية فكانت بغداد، ولكن لا يبدو أن أمراً كهذا يفيدها في محنتها الآن، وقد اشتهرت بتصنيع السيف الدمشقي الذي لا يعرف لليوم الخلطة الدقيقة لمعدنه، وبنوع من القماش يسمى (دامسك)، كان يستخدم لخياطة الملابس وللجلوس عليه في آن!؟.. أما في العصر الحديث فيمكن القول بأن سوريا، بالمقارنة مع ماضيها التليد، ليست في أفضل أيامها. وهذا ما يحزنني بالتأكيد. لكنها مع ذلك دولة كسواها من الدول، أو لأقل، كدول كثيرة، لديها مشاكلها، وبالمقابل لديها ما يكفي من الحظوظ لتجد طريقة ما للخروج منها. ولسوريا أيضاً شعب. شعب ككل شعوب العالم، صامد ومقاوم!؟؟ نعم صامد ومقاوم، لأنه ليس سهلاً ما واجه هذا الشعب، فبعد أربعة قرون من حكم التركي، جاء الفرنسيون واستعمروه ستاً وعشرين سنة، استطاعوا خلال هذه الفترة الوجيزة بالاتفاق مع أعدائهم الانكليز أن يقوموا بما لم يقم به العثمانيون خلال الأربعة قرون، فقد قسموا ما كان يطلق عليه سوريا الكبرى إلى أربع دول إقليمية، مقتطعين لأجل تحقيق هذا الكثير من أجزائها، حتى انهم أنشأوا كياناً غريباً على حدودها الغربية الجنوبية أشبه بخنجر مغروز في خصرها، ولكن ما ان أعلن الاستقلال عن هذا الجزء الباقي المسمى باسمها، حتى راحت نخبها العسكرية والسياسية تعيث به فساداً. فقد ضربت سوريا رقماً قياسياً في الانقلابات، التي كانت بتتابعها السريع، تكسر ظهر نموها الطبيعي، وتعيده، في كل مرة، إلى درجة ما قبل الصفر، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وخاصة في تجربة الوحدة مع مصر، ولم يستطع هذا البلد المنهك أرضاً وشعباً الخلاص من هذه الانقلابات والتبدلات في مناهج الحكم، إلا بواسطة حكم من نوع آخر، نجح أخيراً في إغلاق أي احتمال لحصول أي انقلاب، وهو أمر حسن، إلا أنه في المقابل سد الطريق أمام أي تغيير لما يزيد عن ثلاثة عقود من السنين، وما أدراك ما الثلاثة عقود من السنين في
عصر اخترع ساعة لسباقات السباحة، تقسم الثانية إلى ألف جزء.. رافق كل هذا أربع حروب كبيرة لم تتخللها فترة سلام: 1948 و1967 و1973 و,1982 اثنتان منها استحقتا بكل جدارة لقب: (نكبة)!؟ مخلفة أرضاً سورية ما زالت محتلة منذ أربعين سنة، وكان من المحتمل أن أغدو بدوري شهيداً وأن تسمى باسمي، كما جرت العادة، مدرسة ابتدائية في سوريا، فقد شاركت كضابط مجند في حرب تشرين على الجبهة السورية الإسرائيلية، كما أني في عام 1976 دخلت مع قطعتي إلى شمال لبنان، وهناك كنت مسؤولاً ولفترة قصيرة عن أحد الحواجز، وأحسب أني قمت بمعاملة جميع عابريه، اللبنانيين خاصة، بذلك الاحترام والحب الذي أكنه لجدي وجدتي لأبي!؟ ولجبران خليل جبران الذي حرصت أن أودِّع الحياة المدنية بالحج لمتحفه في بشري نهاية عام .1972 وصدقوا أني مرة تلقيت اتصالاً هاتفياً من قبل شخص ذي صفة أمنية.... ليسألني سؤالاً واحداً لا غير، وكأنه يطلب مساعدتي في برنامج اربح المليون أو في حل شبكة كلمات متقاطعة: (هل صحيح أن أباك من مواليد طرابلس؟) ولما أجبته بنعم ولكن... قال شكرا منهياً المكالمة دون أن يسمع بقية جوابي!؟؟ بقية جوابي يا أخي:.. أبي ولد في طرابلس هذا صحيح ولكنه كان يؤمن أن كل لبنان لسوريا، ورغم أنه من أصل مصري، وتدل على هذا كنيته، فقد كان عضواً في الحزب القومي السوري! ورغم أنه قومي سوري لدرجة التعصب، فإن هذا لم يمنعه من الاندفاع إلى الشرفة والنحيب عند سماعه خبر وفاة جمال عبد الناصر. بعد أن كان، خلاف كل أهل أمي، يلهج ليل نهار بمساوئه، مردداً: (لم يبق سوى أن يضعوا صورته بدل جوكر الشدّة)!؟؟ الأمر الذي أبعدني عن أن أجاريه في أي من أفكاره السياسية.. والذي جعلني أؤمن بأن على سوريتي أن تكون انعتاقاً وانفتاحاً وحريةً أكثر منها اتباعاً وانغلاقاً وقيداً!؟؟ أن تكون حباً أكثر منها ديناً أتعبد به لزعيم، أو لحزب، أو لسلطة.
أؤمن بسوريا، لأن سوريا مثلها مثل كل البلاد، ذات أربعة فصول، صيف طويل يتبعه خريف ثم شتاء ثم ربيع خاطف، تشرق عليها الشمس كل صباح وكل مساء تغرب لا محالة، ليأتي الليل ومعه القمر والنجوم، وتمر في سمائها السحب وتهطل على أرضها الأمطار وتهب في سمائها العواصف، ومثلها مثل كل بلد، فيها مدن وقرى ومزارع يسكنها بشر غايتهم، قبل كل شيء وبعد كل شيء، أن يحيوا حياتهم. وهذا ليس من عندي، فقد ردده مراراً أمامي الراحل الياس مرقص: (واجب الناس الأول هو أن يستمروا في الحياة، أن يستمروا في بناء البيوت والحب وإنجاب الأطفال، فهذا يعني أنهم يقومون بما عليهم للتحضير للمستقبل). وأحسب أن السوريين قد أعطوا المثال تلو الآخر على استحقاقهم للمستقبل، فقد أظهروا طول أناتهم، وعظيم صبرهم، وعميق حكمتهم، على مر الزمن، كما أظهروا، عند كل مناسبة قدرتهم على التسامح والحب والكرم. فهم لم يبخلوا في أي شيء عندما طلب منهم، حتى بأبنائهم، رغم أنه ليس عندهم أغلى من الحياة سوى أبنائهم!؟؟
نعم سوريا بلد كباقي البلدان، مثلما أمي أم كباقي الأمهات، لكن سوريا وحدها بلدي، وخالدية وحدها أمي.
أؤمن بسوريا كما هي، في الماضي وفي الحاضر، دون أن أقارنها بما كانت ولا بما كان يمكن لها أن تكون، لأنه لا يمكن أن تحمِّلها، أرضاً وسماءً، أي مسؤولية عما آلت إليه حالها، فالأماكن لا تستطيع تفادي الأذى.. ولا تستطيع بنفسها رد الصاع لأحد!؟؟ الأماكن وحدها من تدير خدها الأيمن بعد صفع خدها الأيسر. ولكنها تعول على الزمن، تعول على تعاقب الليل والنهار، شروق وغروب الشمس كل يوم. أذكر كيف لم يقم أحد بإزالة شعار شيوعي كتب بخط أحمر عريض على واجهة السور الخارجي لكنيسة اللاتين، وكيف راح ذلك الشعار يمحي شيئاً فشيئاً مع الأيام حتى ما عاد له أثر. وأحسب أن البشر في مواجهة الأنظمة الشمولية الحديثة، يقاربون الأماكن من حيث أنه يصعب عليهم رد الأذى، وجراحهم ربما أقرب إلى الالتئام، فقط إذا توفر لهم من يداويها، ولكن دائما يبقى هناك ندبة!؟
نعم أنا أيضاً أؤمن بسوريا الجميع الجميع، سورياه من كان يكون، وسورياك من كنتَ تكون، وسورياي أنا منذر مصري، سورياي التي أعطتني ما لم يكفني يوماً من جسدها، وما زاد علي وغمرني حتى كاد يخنقني من روحها... المتألمة والصابرة والآملة، المنفتحة والمتسامحة والكريمة، وطناً حراً عزيزاً آمناً لأبنائه جميعاً ولجيرانه الأقربين ولكل العالم.

منذر مصري

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...