مهمات القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة العربية؟
الجمل: فراغ القوة الذي حدث في منطقة الشرق الأوسط بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفييتي أغرى الولايات المتحدة الأمريكية للتقدم وملء الثغرات التي حدثت بسبب الفراغ.
• الخارطة الجيوستراتيجية الجديدة:
يتكون إقليم الشرق الأوسط من عدد من الأقاليم الفرعية، مثل شرق المتوسط، المغرب العربي، شمال افريقيا، وادي النيل، الخليج العربي، وقد سعت الولايات المتحدة لضم بعض الأقاليم الفرعية الصغيرة الأخرى إلى منطقة الشرق الأوسط، بحيث يشكل ما يعرف بـ(الشرق الأوسط الكبير)، وهذه الأقاليم الإضافية تتمثل في: منطقة القوقاز، منطقة شرق افريقيا، جنوب آسيا، منطقة بحر قزوين، ومنطقة آسيا الوسطى.
كذلك سعت الإدارة الأمريكية إلى بناء (مظلة عسكرية) تشرف على كل هذه المنطقة (أي الشرق الأوسط الكبير)، وتم تطوير قوات الانتشار السريع إلى ما عرف بـ(القيادة الوسطى الأمريكية: USCENTCOM)، والتي أصبحت القيادة المسؤولة حالياً عن كل المواجهات العسكرية الأمريكية الدائرة في هذه المنطقة.. وتسعى أمريكا بشكل حثيث إلى تكامل الغطاء العسكري لمظلة القيادة الوسطى الأمريكية مع الواقع الجيوسياسي القائم في المنطقة، وذلك عن طريق إزالة واستئصال (بؤر المقاومة) للمشروع الأمريكي الجديد.
• هيكلية القوام العسكري الأمريكي في المنطقة:
وتنتشر هذه المنشآت بشكل رئيسي في منطقة الخليج (السعودية، البحرين، قطر، الإمارات، سلطنة عمان، الكويت)، وفي منطقة القوقاز (جورجيا، أذربيجان، أرمينيا)، وفي جنوب آسيا (باكستان، أفغانستان)، وفي القرن الافريقي (جيبوتي، ارتيريا)، وفي شمال افريقيا (مصر).. أما نقاط الارتكاز العسكري الرئيسية لهذه القواعد، فتتمثل أولاً في القواعد العسكرية الأمريكية الاستراتيجية الموجودة في (جزيرة دييغو غارسيا) الواقعة جنوب المحيط الهندي، وتعمل بالتنسيق مع الأسطول البحري الأمريكي الخامس، وحاملات الطائرات، والغواصات الاستراتيجية الموجودة في منطقتي الخليج العربي، بحر العرب، على تقديم المساندة الاستراتيجية للقوات الأمريكية الموجودة في الخليج والجزيرة العربية، وتتمثل ثانياً في القواعد العسكرية الموجودة في تركيا والتي تعمل بالتنسيق مع الأسطول السادس الأمريكي والقواعد الأمريكية الموجودة في جنوب أوروبا، من أجل تقديم المساندة الاستراتيجية للقوات الأمريكية الموجودة في الجزء الشمالي من منطقة (الشرق الأوسط الكبير) المفترض.
• ملء فراغات الخارطة الجيوستراتيجية:
تقوم الإدارة الأمريكية حالياً من أجل تكثيف وجودها في المنطقة بتركيز خاص على المناطق الواقعة في منطقة شرق المتوسط والقرن الافريقي والمغرب العربي.
- منطقة شرق المتوسط: تقوم أمريكا حالياً بإعداد الترتيبات اللازمة لإقامة القواعد العسكرية في المناطق الآتية:
* العراق: الخطة تتضمن إقامة أربعة قواعد كبيرة ريئيسية في جنوب، وشرق، وشمال، وغرب العراق، وقاعدة غرب العراق سوف تكون الأكثر أهمية وذلك بسبب قربها من إسرائيل وسوريا.. وبسبب الطبيعة الصحراوية غير المأهولة لغرب العراق، فسوف تكون هذه القاعدة الأكبر في منطقة الشرق الوسط، وسوف تتضمن مخازن لمختلف صنوف الأسلحة بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، وكذلك سوف تتضمن المهابط والمدرجات الضخمة التي تستطيع استيعاب حركة القاذفات الاستراتيجية الضخمة، وطائرات النقل والإمداد الأمريكية الضخمة.
ويعتقد بأن قاعدة غرب العراق المتاخمة للحدود السورية العراقية سوف تكون مقر القيادة الوسطى الأمريكية.
* لبنان: سوف يتم بناء قاعدة (القليعات) في الجزء الشمالي المتاخم لسوريا، والتي سوف تعمل للربط بين الأسطول الأمريكي السادس، والقواعد الأمريكية في تركيا، مع قاعدة غرب العراق، إضافة إلى أنها سوف تستغل كمقر لوحدات قوات الانتشار السريع الأمريكية، والقوات الخاصة الأمريكية.
* الأردن: حالياً يقدم الأردن الكثير من التسهيلات العسكرية للقوات الجوية والبحرية والبرية الأمريكية، وتوجد بعض القواعد الأمريكية في المناطق الصحراوية الواقعة بالقرب من حدود الأردن مع العراق، وسوريا، والسعودية، وسوف تكتفي أمريكا بجعل الأردن مجرد ممر لحركة القوات والإمداد العسكري الأمريكي القادم عبر إسرائيل، إلى المناطق الأخرى.
- منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية: حالياً توجد القواعد الأمريكية في كل بلدان الخليج العربي والجزيرة العربية ما عدا اليمن، والتي استطاعت الإدارة الأمريكية إقناعها بتقديم بعض التسهيلات البحرية، والجوية، وهناك خطة أمريكية للدخول في مفاوضات مع الحكومة اليمنية إقامة قاعدة في الجزء الجنوبي الغربي المطل على نقطة التقاء البحر الأحمر مع المحيط الهندي.
- منطقة القرن الافريقي: توجد القواعد الأمريكية في جيبوتي وفي ارتيريا توجد قاعدة أمريكية صغيرة، ومحطة للاعتراض والتنصت الالكتروني، وحالياً تستأجر إسرائيل بعض جزر حنيس الأرتيرية الخالية من السكان، وتستخدمها كقاعدة للبحرية الإسرائيلية ووحدات الضفادع البشرية التابعة للجيش الإسرائيلي، وهناك مشروع أمريكي- إسرائيلي مشترك لاستئجار بعض هذه الجزر وفقاً لعقد إيجار طويل يمتد لحوالي 99 عاماً، من أجل إقامة قاعدة عسكرية أمريكية- إسرائيلية كبرى في المنطقة تستهدف كل منطقة الجزيرة العربية والقرن الافريقي وشرق افريقيا، وتتحكم نهائياً في حركة الملاحة بالبحر الأحمر.
- منطقة شمال افريقيا: وتضم مصر، ليبيان والسودان، وبسبب مواقف ليبيا والسودان المعادية لأمريكا، فإن القوات الأمريكية ظلت تركز على التعاون مع مصر في كافة المجالات العسكرية، وحالياً توجد قاعدة أمريكية في منطقتي الغردقة وراس بناس اللتان تطلان على البحر الأحمر، ويتم استخدام هذه الموانئ في تقديم الدعم والمساندة لحركة القطع البحرية العسكرية الأمريكية التي تمر بشكل مستمر عبر البحر الأحمر بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، أما بالنسبة للقوات الجوية الأمريكية، فقد تم الاتفاق بين وزارة الدفاع الأمريكية والحكومة المصرية على لآن تقوم (قاعدة مبارك الجوية) الموجودة بجوار القاهرة، بدور مزدوج، بحيث تخدم كقاعدة عسكرية جوية مصرية، وفي الوقت نفسه كقاعدة عسكرية جوية أمريكية.. وظل هذا الترتيب قيد التنفيذ لعدة سنوات وفقاً لبروتوكول التعاون العسكري المصري- الأمريكي الذي تم التوقيع عليه منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وقد استضافت مصر عمليات التدريب العسكري الأمريكي، ويتم سنوياً وبشكل دوري إجراء مناورات القوات الأمريكية (قوات الانتشار السريع، القوات الخاصة الأمريكية، والوحدات المظلية الأمريكية، والمدرعات والمدفعية، والطيران)، على النحو الذي يعزز قدرة وكفاءة القوات الأمريكية على القتال في البيئة الجغرافية العربية.. وقد ضم القوام الرئيسي للقوات الأمريكية التي قامت بحرب الخليج الأولى والثانية التي انتهت بغزو واحتلال العراق، معظم القوات التي اشتركت في مناورات النجم الساطع التي أجريت بمصر، وذلك على أساس اعتبارات أنها القوات الأقدر من بين صفوف الجيش الأمريكي على خوض القتال في البلدان العربية، وذلك بسبب القدرة العالية على التكيف العسكري العملياتي والتعبوي والتكتيكي التي اكتسبتها من التواجد في مصر.
هناك مشروع أمريكي- مصري، لإقامة قاعدة أمريكية في منطقة الصحراء الغربية في الجزء الجنوبي الغربي غير المأهول، وذلك لتكون بمثابة قاعدة استراتيجية ترتبط مع الأسطول السادس والقوات الأمريكية الموجودة في أوروبا، وذلك تمهيداً لعليمات التغلغل العسكرية التي يخطط لها البنتاغون من داخل عمق الأراضي الافريقية.
- منطقة المغرب العربي: ترتبط القوات الأمريكية باتفاقيات مع تونس، والمغرب، وهناك خطة لضم الجزائر إلى هذه الاتفاقيات، بحيث يكون متاحاً أمام القوات الأمريكية استخدام كامل منطقة المغرب العربي كـ(مصطبة بحرية كبيرة) للإنزال البحري، تمهيداً للتقدم في العمق، وأيضاً السيطرة على مضيف جبل طارق، وجنوب البحر الأبيض المتوسط.
وعموماً فإن الوجود الأمريكي العسكري الضخم في منطقة الشرق الأوسط الكبير (المفترض) هو وجود يتميز بالتضخم المفرط، وذلك لأن أقل من ربع هذه القوات يكفي لحسم أي مواجهة عسكرية تقليدية منخفضة أو مرتفعة الشدة تحدث في هذه المنطقة، ولكن ما هو واضح بقدر أكبر يتمثل في أن هذا الوجود العسكري المتضخم هو استعداد لمواجهات أكبر، ترتبط بأجندة غير شرق أوسطية، وهي أجندة السيطرة على أوروبا نفسها، واستخدام الشرق الأوسط كنقطة ارتكاز عسكري أمريكي لخنق أوروبا، وروسيا، والصين.
اللعبة الكبرى القادمة ضد أوروبا سوف تركز على خارطة تقسيم أوروبا، والتي تم نشرها في احد مراكز الدراسات الأمريكية الى دول وكيانات صغيرة على غرار ما حدث في يوغسلافيا، وعلى سبيل المثال سوف تعمل أمريكا بعد فترة على دعم تقسيم اسبانيا وإقامة دولة (الباسفيك)، وغيرها، وتجدر الإشارة إلى أن ايطاليا واليونان سوف يتم التمهيد لتقسيمهما عن طريق استنهاض حركة الاحياء الثقافي- الاثني لفترة ما قبل الوحدة الايطالية التي قادها كارلونجي وللدويلات اليونانية القديمة التي سبقت قيام امبراطورية الاسكندر المقدوني.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد