هل الفارسية هوية ايرانية؟
يشهد الادب الفارسي النقدي المهتم بنقاء اللغة الفارسية والحفاظ على سلامتها، ازدهاراً كبيرا. وكان النقد اللغوي قد مر بعدد من المراحل في مختلف المواضيع التي لا يزال النقاش والخلاف حولها قائمين الى اليوم. بيد ان هناك فرقا يكمن في ان حماة اللغة اعترضوا على علم اللغة الجديد هذا، فأضفوا على النقاش وجهة جديدة. فهل ان الفارسية هوية ايرانية؟
اقتصرت المرحلة الاولى من الاعتناء باللغة على التصدي الى حد بعيد للمفردات العربية الدخيلة على اللغة الفارسية والتركيز على نقائها من العناصر الاجنبية. وساد الاعتقاد آنذاك بأن إبدال المفردات العربية بمفردات فارسية سيحل مشاكل اللغة الفارسية.
كان الامير جلال الدين ميرزا، ابن فتحعلي شاه من اول ممثلي هذا المنحى الفكري. فقد كان يتبادل الافكار مع المسرحي والمفكر الاذربيجاني فتحعلي آخوندازده والذي كان بدوره من اشد خصوم المفردات العربية في اللغة الفارسية، بل اللغة العربية برمتها، حتى انه وضع كتابا حول التاريخ الايراني باسلوب يعتمد نقاء اللغة، عرض فيه مثله الوطنية، وقد جعل كتابه بعنوان “كاتب الملوك” تيمناً بكتاب الفردوسي “شاه نامه”.
بيد ان هذا العمل المنهجي الذي بدأ بهذا الكتاب ولم يكتمل بسبب وفاة آخوندزاده المبكرة لم يدخل طي النسيان، بل حظي بأصداء واسعة فيما بعد. اذ واصل آخرون من امثال ابراهيم بورداود واحمد كسروي وذبيح بهروز ومحمد مقدم وصادق كيا، وهم من الكتاب الذين تبنوا لغة خالية من المفردات الدخيلة. وقد شكل نشاط الاكاديميتين اللغويتين في الزمن البهلوي، اللتين غلب عليها الطابع التأملي والمحافظ، استمرارا الى حد ما لهذا العمل. كما تواصل تبني المنهج العاطفي المبالغ فيه، والهادف الى تنقية اللغة الفارسية من المفردات العربية بشكل خاص، في العقود الاخيرة ايضا. ويمكن ملاحظة ذلك ليس فقط في اعمال بعض الجماعات، بل حتى في المدونات الادارية والاصدارات الجامعية ونشرات المعاهد الثقافية.
غير علمية
هذا الموقف الصفائي في النقد اللغوي كان يواجه، وما زال، نقدا قويا من قبل الشعراء والمفكرين الذين لا يستطيعون الكتابة بلغة خالية من المفردات العربية المستعارة، وكذلك من قبل علماء اللغة اليوم الذين يعتبرون هذه الطريقة غير علمية ومنافية للتطور الطبيعي للغة. وغالباً ما يستشهد علماء اللغة هؤلاء باللغة الانكليزية، لان اللغة الفارسية تستعير اليوم مفردات من اللغة الانكليزية وحدها تقريبا وليس من اللغة العربية. وهم يؤكدون بأن اللغة الانكليزية استعارت في مجرى تاريخها، واكثر من اي لغة اخرى، مفردات اجنبية من اللغات الفرنسية واللاتينية والاغريقية، بل من الفارسية والعربية ايضا، وانها تحولت الى مصدر مانح للمفردات، لان معظم الابحاث العلمية تكتب اليوم بهذه اللغة. وبناء على ذلك فان الامر لا يتعلق بعجز اللغة الفارسية، بل بعدم القدرة على التفكير في هذه اللغة. والحقيقة التاريخية تقول ان اللغة الفارسية لم تكن لغة علم حتى زمننا هذا. كما ان العلماء الايرانيين الذين كتبوا باللغة العربية في القرون الاولى من العهد الاسلامي، قبل ان ينتقلوا شيئا فشيئا الى اللغة الفارسية، استخدموا المصطلحات العربية الخاصة نفسها. فلغة التصوف المرهفة والبلاغة الاسلوبية للشعر الفارسي اثبتتا بان اللغة بحد ذاتها تمتلك القدرة على التعبير عن الافكار التي تطورت في داخلها.
والامر الذي يضايق علماء اللغة في هذا النقاش هو النظرة اللاتاريخية لطهرانيي اللغة هؤلاء. اذ يُتهمون بتجاهل التطور التاريخي لهذه الكلمات الاجنبية ودلالتها الايحائية كلها ومحاولة استئصالها من اللغة، وخلق لغة اخرى بديلة منها. فليس كل استعارة تضر باللغة المستعيرة، لان هذه الاستعارة لم تضر ايضا باللغات الاوروبية، فقد استعارت هذه اللغات مفردات لها علاقة بظاهر اللغة. وينطبق مبدأ الاستعارة على اللغة الفارسية ايضا، مع قليل من الاستثناءات. لكن الامر يتغير في الواقع اذا ما تمت استعارة عناصر جوهرية بالنسبة الى نظام اللغة مثل القواعد او البنى اللغوية، لان هذا سيحطم بنية اللغة على المدى البعيد، لكن اللغة، لحسن الحظ ، تظهر مقاومة لهذه الاستعارات. ورغم الاخذ والعطاء بين اللغتين العربية والفارسية واللذين استمرا قرونا طويلة، الا ان اللغتين الفارسية والعربية لم يستعيرا من بعضهما البعض الحروف التي تنقص ابجديتهما. فالتواصل اللغوي مع اللغات الاوروبية لم يجعل اللغة الفارسية تبدأ بالسكون في مطلع كل مقطع، وكذلك اللغة العربية والتركية. فضلا عن ان الاتصال باللغة العربية الذي دام قرونا طويلة لم يؤد الى تحديد الجنس في الاسماء والافعال. وفي ما يتعلق باستثناءات مثل الجمع في اللغة العربية، فان الادباء وعلماء اللغة يتفقون على تجنب الجموع العربية قدر المستطاع. غير ان اللغة الفارسية متمسكة بهذا المنحى من دون الحاجة الى هذه التوصيات، مثلا في ما يخص التطابق بين الصفات والاسماء، اذ تم تجنب هذا الامر الى حد بعيد، باستثناء بعض الصياغات.
ويعود تأسيس الاكاديميات اللغوية والدعوة الى سياسة لغوية ترفض استخدام المفردات الاجنبية الى “اصلاحات” الشاه رضا بهلوي، تيمُّنًا بأتاتورك، مع فارق واحد هو: ان النقاء اللغوي في تركيا اتخد اشكالا متطرفة، او تم “تطهير” اللغة التركية الى حد بعيد من المفردات العربية والفارسية المستعارة. بل ان تركيا ادخلت المشروع الثاني وهو اعتماد الابجدية اللاتينية، والذي كان موضوع نقاش لفترة طويلة في ايران ايضا، ادخلته حيز التنفيذ. لكن التجربة التركية مع هذه الاصلاحات لم تكن ايجابية دائما. فبعد جيلين من تطبيق هذا المشروع لم يعد الاتراك قادرين على قراءة كتابات الماضي (كما لو ان الامبراطورية العثمانية لم تكن قائمة مئات الاعوام) او فهم ادبيات الشعوب التركية الاخرى، لأن ستالين قام من ناحيته بـ”اصلاح” الحرف فأقحم الابجدية الكيريلية السلافية، على هذه الشعوب. ولأن الابجدية الجديدة جاءت مفتعلة من ناحية اللفظ ، ولانها اعتمدت على اللفظ الخاص بكل عاصمة من عواصم هذه الشعوب قاعدة للفظ الابجدية، فقد ادى ذلك الى انقطاع التواصل الكتابي بينها. واذا ما كانت هناك صحيفة صادرة باللغة العربية، فان الاتراك الذين كانوا يجيدون القراءة باتوا قادرين على فهمها من البلقان حتى قرغيزيا، وذلك قبل اصلاحات اسطنبول، لان اللغة العربية لا تظهر حركات الاعراب، اي الضمة والفتحة والكسرة، ولا تظهر الفرق بين الحروف الساكنة والتي بُرِّزت الآن لفظيا في الابجدية الجديدة.
ومع ذلك لم تكن التجربة التركية سلبية اجمالاً، اذ ان احد نجاحات السياسة اللغوية في تركيا هو تفعيل عناصر تركيب الكلمات بحيث تكون اللغة مهيأة لاستيعاب عصر العلم والتقنية، وهذه خطوة جريئة يوصي بها بعض علماء اللغة الايرانيين ايضاً.
الترجمات الدخيلة
المرحلة الثانية من مراحل النقد اللغوي تتعلق بالكلمات والصياغات التي دخلت الى اللغة الفارسية عبر الترجمة. فهي ليست كلمات دخيلة، بل هي صياغات دخيلة، بحيث ان التعبير الاجنبي يترجم الى اللغة المتلقية جزءا فجزءا. ويعتبر التقليديون هذا التعامل اللغوي مسؤولا عن فساد اللغة، وينتقدون المترجمين في كل مناسبة. ولا يشكل نقد الترجمة موضوع البحث هنا، كما ان حماة اللغة غير معنيين بهذا الامر، بل ان اعتراضهم على المترجمين يكمن في قضايا اخرى:
1- اذا ما استخدم المترجمون عبارات جديدة بدلا من المصطلحات المألوفة، اي بدلا من ان يستخدموا مصطلح “اختيار”، نقيضا لـ”جبر” و”تشبيه” نقيضا لـ”تنزيه”، وهي مصطلحات معروفة في الفقه والفلسفة الاسلاميين منذ اكثر من الف عام، نراهم يستخدمون مصطلحات كـ”انتخاب” وغيرها. وبهذا المعنى فهم متفقون حتى مع علماء اللغة الذين يرون بان موضوع العلم، اذا ما تغير، لا يمكن ان تستخدم المصطلحات القديمة المخصصة لمضامين اخرى لوصف المصطلحات الجديدة التي يتضمنها هذا العلم، مثل الفلسفة الوجودية على سبيل المثال او (النحو العملي الهادف الى تحليل الخطاب الآني).
2- اذا ما استخدم المترجمون صياغة جديدة جاءت عبر صيغة منقولة فان التقليديين يعترضون على ذلك بحجة ان الادب الايراني الذي يمتد الى آلاف السنين لم يكن يعرف هذه المصطلحات. بيد ان هذا الاعتراض لا يمكن تعميمه حسب رأي علماء اللغة. فقد نشر خسرو فرشيدورد، وهو استاذ في جامعة طهران، طائفة واسعة من الصياغات المترجمة عن العربية والانكليزية والفرنسية الى اللغة الفارسية ثم طرحها للنقاش. فاتضح بأن النقاد لم يظهروا احتجاجا على الصياغات المنقولة عن العربية، لان هذه المصطلحات انصهرت في اللغة الفارسية الى درجة لم يعد احد يعرف مصدرها باستثناء المتخصصين، وهي صياغات من قبيل: اي كاش (ياليت)، وﮔرنه (وإلا)، خوشا (طوبى)، درﮔزشتن (عفو عن)، سلام بر شما يا درود بر شما (سلام عليكم)، با اين همه (مع هذا)، از اين رو (على هذا)، به هر حال (على اي حال)، اﮔر خدا بخواهد (ان شاء الله).
وقد تركزت الاحتجاجات بصورة رئيسية على المغالاة في “الاوربة” لدى المترجمين. وحتى في هذه الحالة فان الاستياء من الالفاظ الجديدة كان يتعلق بحجم ذوبانها في اللغة اليومية. بيد ان احدًا لم يعترض على ترجمة عبارات مثل: “عيد الميلاد) و”رحلة سعيدة” و”انا سعيد برؤيتك” و”لقب العائلة” و”الضوء الاخضر” و”القطار الحديدي”، التي لم تكن موجودة في قاموس اللغة من قبل. لكن صيغا مترجمة مثل “اتوقع احدا ما” و”يا الهي” و”اطلق النار” و”عظيم الاهمية” كانت تعتبر مختلفة. احد ممثلي هذ الجماعة هو الاديب والمترجم المعروف ابو الحسن نجفي الذي نشر تعليقاته اللغوية النقدية الساخرة في كتاب تحت عنوان: “دعونا نكتب لغة خاطئة”، فجاء كتابه بمثابة معجم للحالات الملتبسة، وقد حظي بصدى كبير. فأغدق حماة اللغة بالمديح على هذا الكتاب، في حين كان موقف علماء اللغة من امثال محمد رضا باطني وعلي محمد حقشناس مناقضا تماما لذلك. فأخضع باطني الكتاب للتحليل في سلسلة من المقالات تحت عنوان: “اسمح لنا ان نكتب بلغة خاطئة” و”ضجيج من اجل لا شيء”، وهي صيغة مستعارة من عنوان مسرحية شكسبير الساخرة “جعجعة بلا طحن”، وتوصل الى نتيجة مفادها ان هذا الكتاب ليس من عمل عالم لغوي، وان على المرء ان لا يصدق بأن عالما لغويا يمكن ان يجعل نفسه اضحوكة الى هذا القدر. واضاف باطني ان “هذا الكتاب ينطلق من فرضية خاطئة هي ان اللغة النقية من وجهة نظر السيد نجفي هي لغة الماضي وان جميع التجديدات والتغيرات التي طرأت على اللغة في عصرنا الراهن ما هي الا علامة واضحة على البلبلة اللغوية التي افسدت لغة اسلافنا النقية. ومن الواضح ان هذا الرأي ينكر جوهر اللغة ووظيفتها. فهذا التحول بالذات هو الذي جعل الفارسية القديمة تولد فارسية القرون الوسطى التي خلقت بدورها الفارسية الحديثة. فقد خلقت اللغة اللاتينية اللغات الرومانية مثل الفرنسية والاسبانية والبرتغالية والايطالية وغيرها. وهذه التحولات كلها بدأت بتغيرات صغيرة كهذه يعتبرها طهرانيو اللغة بدعة وبلبلة وفساداً لغويا”. ومن وجهة نظر باطني فان تجنب النحت والاشتقاق الجديدين يؤدي الى “جفاف اللغة”. فواحدة من اهم الوسائل التي من شأنها التغلب على التحديات العلمية الجديدة هي تفعيل عناصر الاشتقاق. وخلص باطني الى نتيجة مفادها ان لا خطر يهدد اللغة الفارسية، فهي قد تطورت وفقا لمتطلبات العصر.
وما يكتبه علماء اللغة في هذا السياق تستقبله دائرة صغيرة نسبيا، بينما يخاطب نقاد اللغة جمهورا عريضا. ولم يحل النقد العلمي لكتاب نجفي الذي اعيد نشره في طبعات عديدة دون اهتمام طائفة كبيرة من القراء به. لقد وجد مقلدين له منهم يوسف عالي عباس آبادي الذي صدر كتابه الموسوم “معجم الكتابة الصحيحة” باهداء الى ابي الحسن نجفي، جاء فيه: “انه رائد حقا من رواد نهضة الكتابة السليمة وتنقية اللغة الفارسية والحفاظ على اركان الهوية القومية للايرانيين. وهذا الكتاب يستند بصورة رئيسية الى افكاره”.
ومع ذلك لم يبق رد فعل علماء اللغة بدون تأثير، اذ ان عباس آباد نفسه اعتمد لغة الادب المعاصر باعتبارها لغة معيارية، على العكس من مثله الاعلى، وقبِل على الاقل بتطور اللغة حتى العصر الراهن.
هل هي هوية؟
اثناء فترة النقاش حول نقاوة اللغة في ايران، حيث قرن حماة اللغة الهوية الايرانية بها، بل انهم جعلوا حتى تضامن الشعوب الناطقة بالفارسية مرتبطا بهذه اللغة، اتخذت مشكلة اللغة في اوساط الشعوب غير الناطقة بالفارسية بعدا جوهريا آخر. فهذه الشعوب تنظر الى لغتها الام، غير الفارسية، باعتبارها رمزا لهويتها، وتطالب في ايران نفسها بحقها في استخدام لغتها الام في التعليم والدراسة مثلما يكفل دستور الجمهورية الاسلامية في ايران هذا الحق والذي لم يطبق حتى بعد مرور ثلاثة عقود على اقراره. فقد ورد في المادة 15 من دستور الجمهورية الاسلامية في ايران ما يأتي: “الفارسية هي اللغة المشتركة للشعب الايراني ولغة الكتابة. ويجب ان تدون الوثائق الرسمية والمراسلات والنصوص وكتب التعليم باللغة الفارسية. ويسمح باستخدام اللغات واللهجات المحلية في الصحافة ووسائل الاعلام الاخرى، وكذلك في تعليم الادب في المدارس الى جانب اللغة الفارسية”. واتسعت حركة الاحتجاج على خرق الحق الدستوري منذ ان اعلنت منظمة اليونسكو العالمية يوم 21 شباط (فبراير) يوما للاحتفاء باللغة الام. وحتى في هذه النقطة ثمة خلاف في الرأي بين علماء اللغة وحماتها. فالعالم اللغوي والمؤلف المعجمي المعروف علي محمد حقشناس قال ان الادعاء بأن اللغة الفارسية افضل من غيرها هو ادعاء عنصري. وعبر محمد رضا باطني عن رأيه بالقول ان “تعدد اللغات في العالم هو القاعدة في الحقيقة، وليس الاستثناء”. فتعلم اللغة الام لا يقود الى تفسخ الدولة المتعددة الاعراق، بل اهمال رفاهية الشعب هو الذي يؤدي الى هذا التفسخ.
وبالنظر الى حقيقة ان الشعوب غير الايرانية في ايران تشكل اكثر من نصف الشعب الايراني، وان بعض هذه الشعوب مثل الآذريين بصفة خاصة قد تسلموا في مجرى التاريخ القيادة السياسية والعسكرية للبلاد، فان من الغريب ان لا تتحول لغتهم الام الى لغة للتعليم الى جانب اللغة القومية. فهل يرتبط هذا الموقف بالتعصب القومي للفرس كما يدعي بعض الممثلين المتشددين لهذه الشعوب؟
الشواهد التاريخية لا تؤكد صحة هذا الادعاء. اذ ان الاتراك الآذريين وكذلك القبائل التركية الاخرى حكموا هذه البلاد قرونا طويلة. وتبدو الحقبة البهلوية مقارنة بهذا التاريخ المديد مجرد نزوة تاريخية قصيرة. كما ان ليس جميع افراد الاسرة البهلوية كانوا من الفرس. والقائد الروحي للثورة الاسلامية آذري، فكيف يضطهدهم التعصب الفارسي المزعوم الى هذا الحد؟ وقد كان ديوان محمد غزنوي، اول سلطان تركي في ايران، يعج بالشعراء الذين كانوا يكتبون بالفارسية. وهل هناك من اجبر نظامي وخاقاني وصائب تبريزي على الكتابة باللغة الفارسية بدلا من لغتهم الام؟ وهل اجبر مولانا رومي، الذي نشأ وترعرع في بيئة تركية اللغة وفي ظل المملكة السلجوقية وطاف ايران ليستقر في قونية، على الكتابة بالفارسية؟ ولماذا كتب شهريار معظم قصائده باللغة الفارسية رغم انه نظم رائعته الفنية “حيدر بابا” بالتركية الآذرية والتي احتفى بها الآذريون داخل الحدود الجغرافية لايران وخارجها؟ يبدو ان هذه الظاهرة مرتبطة، في ما يتعلق بالآذريين على الاقل، باهمال اللغة الام، اكثر من ارتباطها باضطهاد الفرس. اذ انهم عندما تمكنوا من ناصيتها خلال عهدهم، الذي دام ثمانية قرون في ايران المسلمة، اعتنوا باللغة الفارسية مثل اعتناء سلاطين المغول بالهند.
منوﭽهر امير بور (المشرف على الطبعة الفارسية من مجلة “فكر وفن”)
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد