سوريا: حدود النفوذ الخارجي وخيارات الخصوم
الجمل: بدأت بعض مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأوروبية الغربية تفرد حيزاً من الاهتمام بأوضاع الحدث السوري وتطورات الوقائع والأحداث الداخلية والخارجية المتعلقه به، وفي هذا الخصوص نشر مركز دراسات فرايد الأوروبي الرفيع المستوى، والمعني بشؤون التفاعلات الإقليمية والدولية ورقة بحثية حملت عنوان (سوريا: حدود النفوذ الخارجي) تم إعدادها بواسطة الخبير باراح ميخائيل؛ فكيف نظرت الورقة إلى معطيات النفوذ الخارجية لجهة تداعياتها وتأثيراتها المتبادلة مع معطيات الحدث السوري، وما مدى مصداقية الفرضيات التي استندت عليها تحليلات الورقة؟
* القوام التحليلي ـ السياسي: فرضيات الحدث السوري الرئيسية الثلاثة
تقول استهلالة مقدمة الورقة، بأنه في مطلع هذا العام عندما بدت عواصف التغيير وهي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً تونس ومصر، فقد سعى معظم الخبراء والباحثين والمحللين، والناشطين السياسيين، إلى الزعم بأن سوريا سوف تكون بمنأى عن انتشار هذه العواصف، وذلك لسبب بسيط ومباشر يتمثل في النقاط الآتية:
• تمثل تونس والقاهرة البلدان الأكثر ارتباطا بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي، وهو الارتباط الذي لم تتورط فيه سوريا.
• تتميز البيئة السياسية السورية بخصوصية تختلف في كثير من الجوانب عن البيئة السياسية التونسية والبيئة السياسية المصرية.
ولكن، برغم ذلك، فقد شهدت الساحة السياسية السورية موجة احتجاجات سياسية ـ وإن كانت محدودة ـ لجهة المطالبة بإجراء الإصلاحات، وبكلمات أخرى، فقد أصبحت الرغبة في إجراء الإصلاحات أمراً واقعاً متفقاً عليه بين جميع الأطراف السورية. وتأسيساً على ذلك فقد سعت الورقة إلى وضع فرضيات تحليل الحدث السوري ضمن النقاط الثلاثة الآتية:
• انعكست جميع التوقعات القائلة بأن سوريا سوف تبقى بمنأى عن عواصف التغيير الشرق أوسطية، والآن تواجه دمشق الضغوط الداخلية والخارجية المطالبة بإجراء الإصلاحات.
• خصوصية طبيعة سوريا والدور الإقليمي السوري، يجعلان من الصعوبة بمكان القيام بشكل سريع بإجراء الإصلاحات المطلوبة، إضافة إلى استحالة حدوث أي تغيير على غرار سيناريو تونس وسيناريو القاهرة.
• يطالب البعض بأن يتدخل الاتحاد الأوروبي بطريقة أكثر حزماً في الحدث السوري، ولكن لعدد من الأسباب المنطقية يبدو هذا النوع من التدخل غير مناسبً. وأيضاً غير ممكن.
تطرقت مقدمة الورقة البحثية إلى أن رد فعل الاتحاد الأوروبي إزاء ملف الحدث السوري، كان رداً ظرفياً وينطوي على قدر كبير من الشكوك وانعدام المصداقية، وذلك لأن عمليات التحول الليبرالي والسياسي في المجتمعات الشرق أوسطية لا يمكن أن تتم بهذه البساطة، ومن أبرز الدلائل على ذلك، أن الطريقة التي تصرفت بها أوروبا إزاء ليبيا بدا واضحاً أنها لن تحقق التحول الليبرالي والسياسي ـ وبدلاً عن ذلك على الأغلب أن يؤدي استمرارها إلى التورط فيما هو أكثر سوءاً وشراً.
* سوريا والاحتجاجات السياسية
سعت الورقة البحثية إلى توضيح دوافع الاحتجاجات السياسية السورية عن طريق الإشارة إلى بعض الخصائص التي تلازمت مع فعاليات حدوث هذه الاحتجاجات وصعودها، وذلك ضمن النقاط الآتية:
• في حالة الاحتجاجات التونسية والمصرية، كان الدافع المحرض الرئيسي متمثلاً في التدهور الشديد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى تحرك الكتل الشعبية الضخمة المطالبة بإجراء المزيد من الإصلاحات، والإصلاحات العميقة حصراً.
• في حالة الاحتجاجات السورية يبدو الأمر مختلفاً، بحيث لا تتمثل الدوافع المحرضة الرئيسية في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وإنما في العوامل النفسية ـ الاجتماعية، التي حدثت على خلفية "حادثة درعا" التي تشكلت على ضوء المواجهة بين بعض الشباب اليافعين والأجهزة السورية، بما أدى إلى إشعال الشرارة، والتي سعت المزيد من أطراف المعارضة وخصوم دمشق إلى تصعيد نيرانها.
وأضافت الورقة البحثية وجهة نظر تقول بأن تصاعد الاحتجاجات السورية قد حدث بفعل عمليات الفعل ورد الفعل، المتبادلة بين "الأطراف المحتجة" و"الأجهزة الرسمية"، ضمن سياق أخذ شكلاً لولبياً متصاعداً، وإضافة إلى ذلك، فقد سعت الأطراف المعارضة وخصوم دمشق الخارجيين إلى تجاهل جهود دمشق الرامية إلى احتواء التصعيد، وذلك عن طريق التقليل من شأن كل الإجراءات التي سعت دمشق خلال الفترة الماضية لجهة القيام بها، إضافة إلى القيام بعمليات "التكذيب الاستباقي" لوعود دمشق بإجراء الإصلاحات المطلوبة. وفي هذا الخصوص أشارت الورقة إلى النقاط الآتية:
• يبدو واضحاً للعيان بأن قدرات المعارضة السياسية السورية الحالية، لن تستطيع، إضافة إلى أنها بعيدة كل البعد عن أي قدرة تتيح لها إنجاز سيناريو انهيار دمشق.
• من الخاطئ تماماً أن نصدق المزاعم القائلة بأن كل الشعب السوري يشارك بفعالية في المظاهرات والاحتجاجات.
وفي معرض توضيح هذه النقاط أشارت الورقة إلى أن المعلومات المتعلقة بالحدث السوري، هي معلومات برغم قلتها، فإنها تعتبر كافية لجهة الإشارة إلى الآتي:
• سعت المعارضة إلى تحريك الاحتجاجات في العديد من المناطق الصغيرة والهامشية، بشكل عبر عن نفسه في المواكب الاحتجاجية الصغيرة الحجم، وبمقابل ذلك فقد سعت دمشق إلى تحريك الدعم والتأييد في العديد من المناطق الكبيرة الرئيسية، بشكل عبر عن نفسه في مواكب التأييد الكبيرة الحجم.
• يوجد اتفاق بين دمشق والمعارضة على ضرورة القيام بإجراء الإصلاحات، ولكن الخلاف بين الطرفين ينحصر في: ماهية الإصلاحات، وكيفية القيام بها، وما هو القيد الزمني الكافي لإجراء هذه الإصلاحات.
• توجد وجهات نظر متباينة بين أطراف المعارضة بحيث يوجد طرف يطالب بالإصلاحات، وطرف يطالب باستهداف دمشق، وطرف لم يحدد بالضبط ما هو المطلوب، وبالمقابل يوجد الطرف الآخر الأكبر حجماً ووزناً في الداخل السوري، والذي يقول بأن قيام دمشق بإجراء الإصلاحات هو أمر ممكن، وقابل لمصداقية الحدوث والتحقق.
هذا، وتخلص الورقة في هذه النقطة إلى أنه على خلفية وجود سوريا ضمن سباق إقليمي شديد الاضطراب ومرتفع المخاطر والتهديدات، فإن الأغلبية العظمى من السوريين، بما في ذلك المعارضين أنفسهم، لا يقبلون بأن تتحول سوريا إلى ساحة مكشوفة أمام المخاطر والتهديدات الإقليمية والدولية المتزايدة الوتيرة، وإضافة لذلك أشارت الورقة إلى أن المعارضة تسعى دائماً في خطابها السياسي لجهة المطابقة بين "دمشق ما قبل عام 2000م و"دمشق ما بعد عام 2000م"، ووصفت الورقة هذه المطابقة باعتبارها غير صحيحة، وذلك بدليل أن ردود أفعال دمشق إزاء أحداث حماة ودرعا وغيرها، يختلف بقدر كبير عن رد فعل دمشق إزاء أحداث حماة في مرحلة ما قبل عام 2000م، إضافة إلى اعتماد دمشق لموقف القبول بإجراء الإصلاحات والحوار المتبادل، وهو منطق يتبنى ويعتمد رد فعل لأسلوب يختلف عن أسلوب ورد فعل دمشق ما قبل عام 2000م.
* خيارات خصوم دمشق الخارجيين الماثلة؟
أشارت الورقة إلى أن دمشق خلال مرحلة ما قبل عام 2000م ظلت تتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي وفقاً للخطوط الآتية:
• التعامل بحزم ورسم المزيد من الخطوط الحمراء فيما يتعلق بأوضاع الملف اللبناني وأوضاع الملف الإسرائيلي.
• التعامل بمرونة في العديد من المسائل والقضايا الأخرى المتعلقة بالمنطقة، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر موقف دمشق إزاء التحالف الدولي الذي قادته أمريكا وحلفاءها عام 1991م من أجل إخراج القوات العراقية من الكويت.
وبالنسبة لدمشق خلال مرحلة ما بعد عام 2000م، فمن الممكن الإشارة إلى النقاط الآتية:
• سعت دمشق إلى المزيد من التعامل والانفتاح في علاقاتها مع واشنطن والغرب الأوروبي، ولكن مع الإبقاء على التحفظات والشكوك في حقيقة النوايا الأمريكية والغربية.
• المواقف وردود الأفعال الأمريكية والأوروبية الغربية السلبية إزاء دمشق، لم تكن في الحقيقة لأسباب تعود إلى دمشق نفسها، وإنما كانت لأسباب تتعلق بالوجود العسكري الأمريكي في العراق، والوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، إضافة إلى الموقف الإسرائيلي ـ الأمريكي إزاء إيران وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلطسينية.
هذا، ومن أبرز استنتاجات الورقة البحثية نشير إلى النقاط الآتية:
• الحساسية التركية: إن حدوث أي انهيار في دمشق سوف يؤدي بالضرورة إلى إطلاق موجات العنف المرتفعة الشدة العابرة للحدود السورية ـ التركية، وتحديداً بواسطة الأكراد، الأمر الذي سوف يضع أنقرا في مواجهة مخاطر شديدة الجسامة.
• الحساسية الطائفية: إن حدوث أي انهيار في دمشق سوف يؤدي بالضرورة إلى إطلاق موجات العنف الطائفي المرتفعة الشدة، الأمر الذي سوف يأخذ شكلاً عابراً للحدود السورية ـ العراقية، والحدود السورية ـ الأردنية، وصولاً إلى السعودية وبلدان الخليج.
وتأسيساً على ذلك خلصت الورقة إلى نتيجة أساسية هي: إن تداعيات حدوث الاضطرابات وعمليات عدم الاستقرار في الداخل السوري، يتوجب أخذها في عين الاعتبار طالما أن المطلوب الرئيسي هو الحفاظ على استقرار منطقة الشرق الأوسط، والذي يعتمد بالضرورة على مدى استقرار سوريا، وإضافة لذلك، توجد رغبة حقيقة بواسطة كل الأطراف السورية لجهة القيام بإجراء المزيد من الإصلاحات، ومن المتاح للاتحاد الأوروبي وبلدان الاتحاد الأوروبي أن تقدم الدعم في ذلك، وخاصة وأن الاتحاد الأوروبي وبلدانه يملكان الكثير الذي يمكن تقديمه. ولكن برغم ذلك، يتوجب الأخذ بعين الاعتبار إلى نظرة دمشق إزاء حقيقة المساعدات الأوروبية، وفي نفس الوقت إلى نظرة الاتحاد الأوروبي وبلدانه إلى حقيقة المساعدات التي "ينوون" تقديمها إلى دمشق.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
دراساتهم ومصالحهم
هذا تقرير مزيف يحاول تلمس
رد لأعمى القلب والبصر
اسم الباحث
إضافة تعليق جديد