«سفينة الأخوة»ويومها الطويل في عرض البحر وفي الأسر الإسرائيلي
ما كان يفترض ان يكون حملة تساهم في إغاثة أهل غزة المحاصرين، إسرائيليا وعربيا ودوليا، تعاملت اسرائيل معها بعربدة قلّ نظيرها، ممارسة قرصنة أمام أنظار العالم ضد «سفينة الاخوة» اللبنانية التي أجبرت على الرسو في ميناء اسدود، واحتجز ركابها، وبينهم صحافيون ورجال دين، بعدما أساءت معاملتهم، قبل ان تسلمهم فجرا الى قوات اليونيفيل. وفي رسالة تحدّ، هي الثانية منذ شن الحرب الأخيرة على غزة، سطت إسرائيل على «سفينة الأخوة»، في يوم طويل تابع خلاله اللبنانيون والعرب بغضب وقائع عملية القرصنة الإسرائيلية وسط صمت دولي شبه شامل. وقد سعت اسرائيل الى تمرير رسالة لقطع الطريق أمام أية محاولة مستقبلية لكسر الحصار عن غزة، وبأنها قررت تغيير قواعد اللعبة.
واذ سجل كثيرون لركاب سفينة الاغاثة تفانيهم وإصرارهم على الوصول إلى غزة، رغم التهديدات الاسرائيلية، فان الاحتلال قرر مواجهة ذلك بالإقدام على سابقة في تعامله مع حملات التضامن مع غزة، حيث قام سلاحه البحري باقتحام مركب يحاول اختراق الحصار المفروض على القطاع واقتياده إلى ميناء إسرائيلي، واعتقال من على متنه، مع الإشارة إلى ان اسرائيل كانت قد اعتدت على «سفينة الكرامة» خلال الأيام الأولى من الحرب.
وفيما عبر الرهائن الحدود اللبنانية في منطقة الناقورة حوالى الساعة الثانية والنصف فجرا، لم تقرر إسرائيل بعد الطريقة النهائية التي ستتعاطى بها مع السفينة، سوى التلميح إلى أنها ستنقل حمولتها الإنسانية إلى القطاع عبر المنظمات الدولية. وقد أفرجت اسرائيل في منتصف ليل أمس عن ركاب السفينة الـ18، حيث قامت بتسليم قوات «اليونيفيل» عبر بوابة الناقورة، المتضامنين والإعلاميين اللبنانيين، إضافة إلى قبطان السفينة «تالي»، فيما سلمت السلطات السورية، من خلال قوات «الاندوف» في الجولان، كلاً من مطران القدس في المنفى هيلاريون كبوجي والناشطة في حملة «غزة الحرة» البريطانية تيريزا والبحارة السوريين الذين كانوا على متن السفينة، حيث كان في استقبالهم وفد رسمي رفيع المستوى.
وكان يوم «سفينة الأخوة» الطويل قد بدأ منذ ساعات الصباح الأولى، حين قامت قوة من «شييطت 13»، وهي وحدات الكوماندوس البحري، بالسيطرة على السفينة لدى اقترابها من مياه غزة الإقليمية، وذلك بعد محاولة قبطانها القيام بمناورة للتخلص من تحرشات البحرية الإسرائيلية في المياه الدولية، مساء أمس الأول، حيث اتجه بسفينته إلى المياه الإقليمية المصرية، تمهيداً للتوجه إلى غزة.
وفي البداية أطلقت البحرية الإسرائيلية النيران التحذيرية، ثم سرعان ما اعتلى جنود من وحدات الكوماندوس، وبالقوة، السفينة وسيطروا عليها وعلى ركابها. وأشار أحد ضباط الكوماندوس البحري إلى أن «السفينة أبلغتنا أنها لا تنوي التراجع وأنها ستحاول الدخول إلى غزة مهما كانت العواقب».
وأوضح أنه «تم تحذير السفينة بإطلاق النار في الهواء ثم نحو مقدمتها وعندما لم تنصع للأوامر قمنا بالسيطرة عليها. وتمت عملية احتجاز الركاب والسيطرة عليهم بالقوة». وبحسب ضابط شارك في السيطرة فإنه تم استخدام «عنف معقول» ضد من قاوموا الاعتقال.
لكن مراسلتي قناة «الجزيرة» سلام خضر و«تلفزيون الجديد» اوغاريت دندش أكدتا أنّ الجنود الإسرائيليين «تعرضوا للمسافرين بالضرب». وقالت خضر بصوت مذعور، وذلك في رسالة صوتية قبل أن ينقطع الاتصال معها، «لقد فتحوا (الإسرائيليون) النار نحو السفينة، وهناك إسرائيليون صعدوا بالفعل على متن السفينة». وأضافت «ثلاثة جنود إسرائيليين تسلقوا ظهر السفينة وصوبوا أسلحتهم على الموجودين على متنها... إنهم يضربون من في السفينة. يضربوننا ويركلوننا».
وقد اقتادت البحرية الإسرائيلية «سفينة الأخوة» إلى رصيف خاص في ميناء أسدود مخصص للشحنات الأمنية وللسفن «الإشكالية». ورغم الإيحاءات الإسرائيلية بأن السفينة قد تحمل أسلحة إلى غزة فإن الجيش الإسرائيلي اعترف بعد تفتيشها أنها لا تحمل أية أسلحة.
من جهته، قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، بعد دقائق على احتجاز السفينة، إنه «قبل وقت قصير، وعلى مقربة من شواطئ غزة، سيطر سلاح البحرية على سفينة شحن صغيرة أبحرت من طرابلس مع إعلاميين خلافا للحصار البحري الذي نفرضه على غزة. وفي المرحلة الأولى أعلمتنا السفينة بعد إبلاغها بعدم السماح لها بالمرور إلى غزة، أنها في طريقها إلى ميناء العريش. ولكن هناك في المياه الإقليمية المصرية حاولت العودة بطريقة الزحف نحو غزة».
أمّا وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني فقالت إن «إسرائيل لن تعيش في حارة يقرر فيها الأزعر قواعد اللعبة. وإسرائيل لن تسمح لهذا الأزعر بتحقيق أي مكسب سياسي، وهي ستعمل ضد هذا الأزعر، مثلما ستتقدم نحو كل عمل يمثل مصالحنا، ومصالح الطرف الآخر أيضا».
ومن المؤكد أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تعلم بأنها لا تحوي أسلحة وأن الميناء القبرصي الذي أبحرت منه إلى غزة كان يعرف ذلك. ولكن الإسرائيليين يوحون بأنه كان على السفينة ما لا يختلف كثيرا عن السلاح وهو مطران القدس هيلاريون كبوجي، وعرب على قلتهم يبشرون بأن كثيرين سيلحقون. ولهذا السبب كان قرار المنع جازما، وليس لهذه المرة فقط، وإنما لكل سفن إسناد غزة التي كانت تنطلق من موانئ أوروبية لكسر الحصار.
وأعلنت إسرائيل أن الجيش قرر من الآن فصاعدا عدم السماح لأية سفينة بالاقتراب من بحر غزة، خصوصا السفن التي ترمي إلى كسر الحصار البحري المفروض. وبررت السلطات الإسرائيلية هذا الإجراء بأنه تبين أن محاولات كسر الحصار لا ترمي لتقديم المساعدات لغزة بقدر ما ترمي إلى استفزاز إسرائيل. فالسفن التي تصل لا تحمل في الغالب سوى إعلاميين وساسة والقليل من مواد الإغاثة، علماً أنّ هذا القول يتنافى مع سفينتين إحداهما ليبية والأخرى إيرانية كانتا تحملان كميات كبيرة من مواد الإغاثة منعت إسرائيل وصولهما لسواحل غزة. وتشدد إسرائيل على عدم وجود أزمة إنسانية في القطاع وأن مواد الإغاثة تصل القطاع عبر المعابر، وأن كل من يريد إغاثة غزة يمكنه إرسال ما يريد عبر مصر أو عبر الأراضي الإسرائيلية.
وأدانت الحكومة الفلسطينية المقالة احتجاز السفينة، معتبرة أنّ «هذا التصرف العدواني الإسرائيلي تكريس لسياسة الحصار الظالم الذي تمارسه قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني»، كما أشارت إلى أنّه «اعتداء صارخ على حرية الملاحة البحرية إلى القطاع، ويندرج في إطار القرصنة».
بدوره، اعتبر رئيس اللجنة الشعبية الفلسطينية لمواجهة الحصار على غزة النائب جمال الخضري أن الاحتلال «يحاول بمنعه هذه السفينة إيصال رسالة بأنه سيمنع أي سفينة متضامنة من الوصول إلى غزة وإغلاق هذا الباب لكسر الحصار»، مشيراً إلى أنّ «كل هذه الممارسات والإجراءات الإسرائيلية التعسفية تؤكد عدم وجود نية لدى إسرائيل لرفع الحصار وإنهائه عن مليون ونصف المليون مواطن في غزة».
كذلك، أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى احتجاز السفينة، واصفاً ما قامت به البحرية الإسرائيلية بأنه «عملية قرصنة». وأضاف أنّ «المجتمع الدولي لن يصبر كثيرا على هذه التصرفات الإسرائيلية، ويتعين أن تتخذ المنظمات الدولية والمجتمع الدولي موقفا أكثر جرأة وصلابة إزاء السياسة الإسرائيلية».
وفي دمشق، حملت وزارة الخارجية السورية إسرائيل المسؤولية الكاملة عن سلامة السفينة وطاقمها، مطالبة المجتمع الدولي وجميع الهيئات المعنية بالشأن الإنساني بإدانة هذه القرصنة وإلزام إسرائيل بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية التي على متن السفينة إلى الشعب الفلسطيني في غزة.
وفي نيويورك سلمت البعثة اللبنانية لدى الأمم المتحدة مذكرة احتجاج للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووكيله للشؤون الإنسانية جون هولمز ورئيس وأعضاء مجلس الأمن، جاء فيها أنّ الحكومة اللبنانية «تدين التصرفات الإسرائيلية وتعتبرها خرقا فاضحا ومكشوفا للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي».
من جهته، قال مندوب الجامعة العربية لدى الأمم المتحدة يحيى المحمصاني أنه التقى أحد كبار المسؤولين في مكتب الأمين العام بان كي مون بناء على تكليف من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ليبلغه «إدانة الجامعة القوية لاختطاف إسرائيل لسفينة الأخوة اللبنانية» واصفاً التصرف الإسرائيلي بأنه «عملية قرصنة ترتكبها إسرائيل ضد السفينة وضد الشعب الفلسطيني».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد