المهن الأكثر خطراً في سورية؟
كثيرة هي الحوادث التي تقع فيصاب جراءها العاملون على اختلاف مهنهم، فكم مرة سمعنا عن حداد تعرض للإصابة بحروق أو بكسور أو تأذت عيناه أو تعرض لصعقة كهربائية وكم من نجار بيتون فقد حياته أو أصيب بعاهة دائمة أو مؤقتة جراء سقوطه من علوّ شاهق أو نتيجة سقوط جسم ثقيل أو صلب عليه وكم مرة اخترقت المسامير قدميه أو تعرض لضربة شمس.
أما رجال الشرطة وخصوصاً أولئك الذين يقع على عاتقهم أمر المداهمات وملاحقة الأشرار والمجرمين فهم معرضون دائماً للمخاطر والإصابات.
وحتى المعلم في المدرسة وخارجها معرض للإصابة وكذلك الطبيب في عيادته أو في المستشفى، وكذلك عامل النظافة ونابش القمامة الذي يحتك يوميا وبشكل مباشر مع القمامة والنفايات. ومع أن هناك من يقول إن الحوادث ستقع لا محالة فالحقيقة الثابتة أن التقيد بشروط السلامة المهنية الخاصة بكل مهنة يخفف بشكل كبير من النتائج الخطرة لحوادث العمل ويقلص نسبة الإصابات وأعدادها.
أخوان يعملان نجاري بيتون منذ أكثر من عشرين عاماً وورثا المهنة عن أبيهما الذي عمل بها نحو خمسين سنة فبينا أن شروط السلامة للمهنة غير كافية للحماية من الإصابة ومع أن معظم نجاري البيتون يعرفون ضرورة التزود بالخوذة البلاستيكية مثلا في مواقع العمل إلا أن النسبة الأعظم منهم لا يستخدمونها فشرط السلامة الأضمن والأنجع هو الحذر المتواصل والانتباه الدائم الخطر الكائن في كل ناحية في موقع العمل.
الحدادة محفوفة بالمخاطر
وبين أحد الحدادين في دمشق أن مهنة الحدادة محفوفة بالمخاطر وأن الانتباه والحذر هما الشرطان الأساسيان عند العمل داخل ورشته أو عند انتقالها لتصبح ميدانية أو عند تركيب النوافذ أو أسقف التيراسات في الأبنية الطابقية المرتفعة، وأنه اكتسب خبرته فيما يتعلق بشروط السلامة المهنية خلال ثلاثين عاماً تعرض خلالها للكثير من الإصابات فهو لا يقوم بلحام الحديد من دون استخدام واقية العينين وفي حالات معينة يضطر لاستخدام القفازات ولفت إلى أنه تعرض لإصابات مختلفة ففضلا عن إصابة عينيه «بالرمد» على حد تعبيره نتيجة عدم استخدام الواقية فكثيرا ما دخلتهما أجسام غريبة كنسرات المعادن التي تتطاير عند اللحام وعند استخدام «الصاروخ» لنشر الحديد متسببة له بجروح في العينين، وكثيراً ما هُرست أصابعه بين المطرقة والسندان كما كاد يفقد أحد أصابعه أثناء استخدام مقص الحديد ولكن الحادثين الأكثر إيلاما تعرض لهما خلال تعلمه المهنة وكان أولهما عندما اتكأ بكفه على صفيحة «صاج» حامية فالتصق كفه بها وأسعفه معلمه بوضع يده في صفيحة تحتوي على النفط المعدني لوقاية كفه من التشوّه أما الحادث الثاني فتعرض له منذ سنوات عند استخدامه منشار الحديد الكهربائي «الصاروخ» عندما تمزق «الديسك» وتطاير فاخترق جزء منه فخذه ملحقاً به إصابة شديدة كان من الممكن أن تكون بالغة الخطورة لولا أنه يتزود أينما حلت ورشته بصندوق الإسعافات الأولية.
أما شروط السلامة الخاصة بعمال النظافة فتحدث عنها الطبيب عصام داوود مبيناً أن الكمامات والقفازات والأحذية الطويلة «الجزمة» والانتباه هي أهم هذه الشروط ولكن نسبة قليلة جداً من عمال النظافة تلتزم بها. وبين أن عدم الالتزام بهذه الشروط يعرضهم للإصابة بأمراض خطيرة جداً منها التهاب الكبد والأمراض الهضمية والأمراض المنتقلة عن طريق الدم مثل الإيدز وغيره. ولفت «داوود» إلى ضرورة الرقابة على موضوع نبش القمامة ونابشيها من الذين يلتقطون المواد النحاسية والبلاستيكية وغيرها من الحاويات بهدف بيعها وخصوصاً أن أحدا منهم لا يلتزم بضرورات الوقاية والأمان ما يعرضهم للخطر عند الإصابة بالجروح بأدوات حادة أثناء ملامسة القمامة وهذا يحدث كثيراً لكونهم يجهلون محتوى الأكياس عندما ينبشون بداخلها بأيديهم وقد يكون ضمن أكياس القمامة أدوات حادة كالشفرات والزجاج المكسور.
وأضاف: إن الأمر يتحول إلى نتائج كارثية عند الإصابة أثناء النبش بنفايات المستشفيات كالحقن والإبر والمشارط ففضلا عن أن هذه النفايات بيئة صالحة لنمو الجراثيم الخطرة والمستعصية على الدواء فهي أدوات سريعة لنقل الأمراض الخطرة، هذا إذا تجاهلنا الأمراض التي قد تنتقل هنا عن طريق جهاز التنفس. وكشف داوود إلى أنه على الرغم من وجود محرقة لهذه النفايات تابعة لوزارة الصحة وعلى الرغم من تعليمات الوزارة والرقابة التي تفرضها على المستشفيات بغية حرق نفاياتها فإن بعض المخالفات ترتكب في هذا المضمار.
ومع أن مهنة التعليم من المهن الأمينة من ناحية الأخطار التي قد يتعرض لها المعلم إلا أن بعض المعلمين أكدوا ضرورة مراعاة شروط عديدة. ومن هنا بينت إحدى معلمات مرحلة التعليم الأساسي أن على المدارس توفير سبورة زجاجية في كل غرفة صف بدلا من تلك التي لا تزال مستخدمة في معظم مدارسنا عدا بعض المدارس الخاصة لما لهذه السبورة من ميزات تقي المعلم والتلميذ مضار تنشق غبار الطبشور، وبين معلم آخر في إحدى المدارس الثانوية أن الشرط الأهم في هذه المدارس هو أن يحافظ المعلم على علاقة احترام متبادلة مع طلابه لئلا يتعرض للضرب في الشارع وبعد انتهاء الدوام كما حدث مع أحد زملائه في المدرسة. وفي مجال الشرطة هناك حالات لا بد فيها من أخذ الحيطة والالتزام بمقاييس وشروط السلامة حيث تكون حياة الشرطي على المحك كما في المداهمات والمطاردات.
باسم الحداد
الكسور أكثر إصابات العمل.. بينما الجلطات لعمال دمشق وريفها فقط
استحوذت الكسور على النسبة الأكبر من أنواع إصابات العمل ووصلت إلى 2543 إصابة في جميع المحافظات حيث صنفت الصحة والسلامة المهنية إصابات العمل في 12 نوعاً منها، إضافة إلى الكسور الخلوع والوثي وتمطط الأربطة وارتجاج الدماغ والتمزقات الحشوية الداخلية والبتور والجروح والحروق والتسممات الحادة والاختناقات والأمراض المهنية والإصابات المشتركة لأكثر من نوع والجلطات، وبلغ مجموع هذه الإصابات في جميع المحافظات السورية 6924 إصابة.
الكسور في اللاذقية
وتركزت إصابات الكسور بنسبة كبيرة منها في محافظة اللاذقية حيث وصلت إلى 422 إصابة تليها ريف دمشق 302 ثم دمشق 246 ثم حماة 272 وطرطوس 243 ثم حلب 238 وفي حمص 208 ومن 60 حتى 121 إصابة في بقية المحافظات.
الأمراض المهنية في حمص
تأتي إصابة الأمراض المهنية في المرتبة الثانية من حيث عدد الإصابات وبلغت 1707 إصابات عدد كبير منها في حمص 299 ثم اللاذقية 251 ثم دمشق 221 ومن 100 حتى 156 إصابة في كل من ريف دمشق وطرطوس وحلب وحماة والقامشلي ومن 25 حتى 90 إصابة في الحسكة وإدلب ودرعا والرقة ودير الزور والسويداء.
الإصابات المشتركة في حلب
وتأتي الإصابات المشتركة ثالثاً بنحو 943 إصابة النسبة الأكبر منها في حلب 262 إصابة تليها دمشق 245 ثم ريف دمشق 113 إصابة وتراوحت الإصابات في المحافظات الأخرى بين 4 و54 إصابة.
ارتجاج الدماغ في حلب
حلت إصابات ارتجاج الدماغ في الدرجة الرابعة لإصابات العمل في جميع المحافظات حيث بلغت 403 إصابات نسبة كبيرة منها في محافظة حلب ووصلت إلى 320 إصابة و17 في كل من ريف دمشق وحماة و13 في اللاذقية ومن إصابة واحدة حتى 7 إصابات في بقية المحافظات وخلت منها السويداء وطرطوس.
الجروح في ريف دمشق
وجاءت إصابات الجروح في الدرجة الخامسة في توزع إصابات العمل وبلغت 334 إصابة وجاءت ريف دمشق أولى المحافظات في إصابات الجروح بنحو 66 إصابة وبمعدل 35 إصابة في كل من محافظات السويداء وطرطوس واللاذقية وحماة وحمص وحلب وبمعدل 17 إصابة في كل من دمشق وإدلب ودير الزور ومن إصابة حتى 4 إصابات في المحافظات الأخرى.
الخلوع في السويداء
سجلت إصابات الخلوع والوثي وتمطط الأربطة 327 إصابة في جميع المحافظات محتلة المرتبة السادسة منها 55 في السويداء و46 في طرطوس و36 في الحسكة و30 في دمشق و26 في حماة و25 في ريف دمشق وأقل من ذلك في المحافظات الأخرى.
وجاءت إصابات البتور في المركز السابع من بين الإصابات الـ12 المصنفة من قبل الصحة والسلامة المهنية أكثرها في ريف دمشق 51 إصابة وفي اللاذقية 32 إصابة وبمعدل 20 إصابة في كل من حمص وحلب ودمشق وطرطوس والحسكة وأقل من عشر إصابات في المحافظات الأخرى.
التمزقات في حماة
احتلت إصابات التمزقات الحشوية الداخلية المرتبة الثامنة بنحو 186 إصابة معظمها في حماة و27 في كل من حلب وطرطوس و18 في درعا و16 في ريف دمشق و8 إصابات في الرقة وأقل من إصابتين في كل من اللاذقية وإدلب وإصابة واحدة للحسكة وحمص وخلت منها كل من دمشق والسويداء والقامشلي ودير الزور.
الحروق في طرطوس
على حين سجلت إصابات الحروق 96 إصابة محتلة المركز التاسع من بين أنواع الإصابات 25 منها في طرطوس و18 في حلب و15 في ريف دمشق و8 إصابات وأقل في باقي المحافظات.
الجلطات في دمشق وريفها
تأتي الإصابة بالجلطات في المرتبة العاشرة مسجلة 54 إصابة معظمها في ريف دمشق حيث تضمنت 35 إصابة و19 في دمشق ولم تسجل أي إصابة بالجلطة في المحافظات الأخرى.
التسممات في اللاذقية
تأتي إصابة التسممات الحادة في المرتبة الحادية عشرة معظمها في اللاذقية 20 إصابة ثم دمشق 18 إصابة و9 إصابات في ريف دمشق وخلت المحافظات الأخرى من هذا النوع من الإصابات.
الاختناقات في حلب
وحلت الإصابة بالاختناقات في المرتبة الأخيرة من بين إصابات العمل الـ12 مسجلة 45 إصابة معظمها في حلب 23 إصابة تليها اللاذقية 13 وطرطوس 7 وإصابة واحدة في إدلب ولم تسجل المحافظات الأخرى أي إصابة بها.
وكانت محافظة حلب الأكثر عدداً في إصابات العمل مسجلة 1083 إصابة وبمعدل 810 إصابات لكل من دمشق وريف دمشق واللاذقية وبمعدل 650 إصابة لكل من حمص وحماة و569 في طرطوس وبمعدل 240 في كل من إدلب ودير الزور والحسكة ودرعا والسويداء وأقل من ذلك في بقية المحافظات.
يذكر أن قانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959 يهدف إلى حماية العمال من الأمراض المهنية ومن إصابات العمل في جميع قطاعات العمل العامة والخاصة والمشتركة إضافة إلى التشريعات المحلية الأخرى التي تراقب بيئة العمل الصحية والآمنة للعمال في أماكن عملهم بما يتوافق مع التشريعات المحلية والاتفاقيات العربية والدولية الخاصة بهذا المجال وبالتنسيق مع أطراف العمل من عمال وأصحاب عمل وحكومة من خلال الدوائر المختصة.
عقوبة للعمال الذين لا يحافظون على سلامتهم
تطرق أسماعنا بين الحين والآخر أنباء إصابات العمل التي قد تصل إلى الوفاة وخاصة في قطاعي الكهرباء والصرف الصحي بريف دمشق وتكثر حالات الوفاة أسبوعياً في الحوادث المرورية، ويشير الخبراء المختصون في السلامة المهنية إلى أنه كل أسبوع هناك إصابات بريف دمشق ويعود السبب إلى عدم اتباع السلامة المهنية التي ما زالت مرتبطة بثقافة المواطنين دون وجود جهة مختصة تشرف عليها، وأن المراقبة المهنية اقتصرت فقط على اللجان المشكلة التي يمثلها المعنيون في المؤسسات والدوائر الحكومية والجمعيات الأهلية التي تسعى بدورها إلى نشر الوعي الصحي ولكن هذه الجمعيات لا تجد آذاناً مصغية ويعتبر قطاع الكهرباء من أكثر الأعمال التي يتعرض فيها العمال للخطر أثناء تسلقهم الأعمدة دون أخذ الحيطة اللازمة، حيث نسمع بين الحين والآخر عن حدوث إصابات بسبب تماس كهربائي أو سقوط عامل دون أخذ الإجراءات الاحترازية.
مدير كهرباء ريف دمشق زهير خربطلي أكد أن شركة الكهرباء تقوم من خلال دائرة التدريب والأمن الصناعي بإقامة دورات تدريبية وندوات تثقيفية باتباع قواعد السلامة العامة وتنفيذ التعليمات باستخدام مستلزمات الأمن الصناعي أثناء العمل إضافة إلى القيام بجولات ميدانية على الورشات في صيانة الشبكات والكابلات الأرضية والهوائية ومحطات التحويل.
وحول التزام العمال بقواعد السلامة المهنية قال خربطلي إن الشركة توجه العقوبات والإنذارات اللازمة حتى عقوبة الحسم من الراتب للعمال غير الملتزمين حرصاً على سلامتهم والحد من مستوى الإصابات مع المحافظة على جودة العمل وكفاءة التنفيذ.
وبدوره رأى الخبير في الجمعية السورية للسلامة المهنية أحمد الشيخ أن السلامة المهنية مسؤولية كل فرد في موقع العمل ومرتبطة بعلاقة متعدية مع من حوله من الأشخاص والآلات والأدوات وطرق التشغيل وغيرها لافتاً إلى أن السلامة المهنية لا تقل عن أهمية الإنتاج وجودته والتكاليف المتعلقة به وقد أصبحت للسلامة أنظمة وقوانين يجب على العاملين معرفتها وأن يكون هناك تدريب وإشراف صحيح للعاملين على هذه الأنظمة حتى يمكن تلافي العديد من مشاكل العمل التي تحدث للعمال.
وأضاف الشيخ إن أغلبية عمال القطاع العام تحديداً لا يتقيدون بلباس السلامة المحدد لهم وإن تم ارتداؤه فلا يتم التقيد بشكل صحيح ويعود السبب إلى ضعف التوعية بأمور السلامة مؤكداً أن العامل المهمل اللامبالي يركز اهتمامه على أشياء أخرى غير العمل ما يعرضه ويعرض زملاءه للخطر بشكل أكيد مبيناً أن الخبرة في العمل تعد من أساسيات الحماية من المخاطر.
أسعد المقداد
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد