حرب تخفي حرباً أخرى
وفقا للإستراتيجية الأميركية الكبرى، التي حددها الأميرال آرثر ك. سيبروفسكي في عام 2001 ونشرها نائبه توماس بارنت عام 2004، يجب تدمير كامل الشرق الأوسط الموسع باستثناء إسرائيل والأردن ولبنان.
إن الانتصار الوشيك على داعش في الوقت الحالي، لن يغير شيئاً من نيات البنتاغون، مع الإشارة إلى إن الممثل الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب لمحاربة داعش هو بريت ماكغورك، وهو مساعد سابق للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويُفترض به أن يخدم السياسة الجديدة للبيت الأبيض.
غير أن الواقع ينبئنا بغير ذلك، فلقد نظم ماكغورك في 18 آب الماضي لقاء مع زعماء القبائل «لمحاربة داعش»، والصور التي نشرت، تثبت أن عدداً من قادة داعش، كانوا من بين المشاركين في ذلك اللقاء!
في السياق نفسه، قامت مروحيات تابعة للقوات الخاصة الأميركية في 26 آب الماضي بتهريب اثنين من قادة داعش الأوروبيين وعائلاتهم في محيط دير الزور، قبل أن يقعوا في قبضة الجيش العربي السوري، وبعد يومين من ذلك التاريخ، قامت المروحيات الأميركية نفسها بترحيل نحو 20 ضابطا من داعش في محيط دير الزور أيضاً.
كان كل شيء يجري كما لو كان البنتاغون يلملم منظومته الجهادية، حفاظا عليها لعمليات تحت سماء أخرى، والإعداد في الوقت نفسه لجولة جديدة ضد سورية، ولكن بجيش جديد، قوامه ربما هذه المرة القوات الكردية.
هذه الحرب، المماثلة لحرب الخلافة، سبق أن بشرت بها الباحثة في معهد السلام الأميركي روبن رايت، وذلك في مقال لها بصحيفة «نيويورك تايمز» منذ أربع سنوات، وتنبأت أن تفضي هذه الحرب إلى تقسيم اليمن إلى شطرين، تتقاسمهما الرياض وأبوظبي حاليا، لكنها ستنتهي أخيراً، بتجزئة المملكة العربية السعودية أيضاً.
علاوة على ذلك، فإن مشروع «روج آفا» في شمال سورية، الذي أعلنه حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، يتوافق مع الإستراتيجية الإسرائيلية التي لم تعد تهدف، منذ أواخر التسعينيات وتطوير سلاح الصواريخ، إلى السيطرة على الحدود في سيناء، والجولان، وجنوب لبنان، بل بأخذ جيرانها من الخلف مثل خلق جنوب السودان، واحتمال قيام دولة كردستان الكبرى.
بدأ تجنيد الجهاديين الأوروبيين أولاً في السجون الفرنسية، قبل أن يتحول إلى «حملة صليبية» واسعة الانتشار، ومن المرجح أن يتم قريبا توسيع نطاق المقاتلين الجدد داخل الحركة الأناركية «الفوضوية».
لقد فكرت العواصم التي أنشأت هذه الحملة وهي واشنطن ولندن وباريس وبرلين، بأن تكون حرباً على المدى الطويل، وتعمدت استخدام عبارة «حملة صليبية» لأن حروب العصور الوسطى، المماثلة للحرب التي نعيش وقائعها حاليا، هي عمليات إمبريالية أوروبية بحق شعوب الشرق الأوسط الموسع.
إنه لمن دواعي السخرية الادعاء بوجود صلة بين رسالة المسيح والحروب الصليبية، أو بين النبي محمد والجهاد العالمي، لأن من يعطي الأوامر في كلتا الحالتين، هم «غربيون» ولا تخدم هذه الصراعات إلا الإمبريالية الغربية حصرياً.
لقد امتدت الحملات الصليبية المتعاقبة زهاء قرنين من الزمن، وكان أغلبية المسيحيين في بلاد الشام يقاتلون جنبا إلى جنب مع المسلمين من أبناء بلدهم، ضد الغزاة الأوروبيين.
واليوم فإن الاستفتاء الشعبي على استقلال إقليم كردستان العراق، والأراضي التي ضمها إليه بمساعدة تنظيم داعش في 25 أيلول الجاري، من شأنه أن يكون بداية هذه العملية الواسعة، وكما كان عليه الحال في عام 2014، من المرجح الآن العودة إلى مشروع تدمير العراق وسورية في وقت واحد، ولن يقتصر هذه المرة على إنشاء «دولة سنية» تمتد من الرقة إلى الموصل، بل احتمال «دولة كردية» فوق أرض تربط أربيل وكركوك بالبحر الأبيض المتوسط.
الوطن - بقلم تيري ميسان
إضافة تعليق جديد