رواية الفساد الفلسطيني: دموع ضابط المخابرات التي لا يصدقها أحد
على قناة (حوار) ظهر ضابط الأمن الفلسطيني... فهمي شبانة التميمي، مدير أمن جهاز المخابرات العامة في الخليل سابقاً، ليتحدث على الهواء مباشرة من مقر إقامته الجبرية في مدينة القدس.. كاشفاً أوراق وملفات الفساد في السلطة الفلسطينية، التي تفجرت بعد عرض القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، لفيلم مصور يظهر السيد رفيق الحسيني رئيس الديوان في مكتب الرئيس محمود عباس... أثناء تورطه في عملية ابتزاز جنسي لسيدة قصدته طالبة فرصة عمل!
وعبر أكثر من ساعتين، أطل السيد فهمي شبانة في برنامج (بوضوح) ليتحدث بالفم الملآن... عن تفاصيل كثيرة لحالة فساد أخطبوطية، تحكم خيوطها على كثير من المفاصل والإدارات في بنية السلطة... وليميط اللثام عن مساومات وتوازنات وصفقات، تعكس في الواقع انهيار البنية الأخلاقية لسلطة وطنية كان من المفترض أن يجعلها الاحتلال، أقل فساداً وأكثر تماسكاً لأنها تعيش على تخوم حالة صراع وطني لا يحتاج لكثير من الفرز في القيم وفي التوجهات، كي يدرك أن أي حالة فساد هي خدمة مثالية ومجانية للاحتلال، قبل أن تكون إضراراً بالوطن والقضية والمصالح العليا لكليهما!
السيد فهمي شبانة، الذي كان قد أمد القناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيلي، بالتسجيل المذكور، الذي تم بمعرفة مدير المخابرات الفلسطينية السابق... ظهر على قناة (حوار) في حلة أخرى.... كان شديد الاتكاء على الموروث الديني في حديثه واستشهاداته... وكان القرآن الكريم في متناول يده على الدوام كلما أراد أن يقسم كي لا يدع للمشاهد مجالا للشك في أي تفصيل من تفاصيل روايته عن الفساد الفلسطيني... بل رواياته التي لم يقطع من تدفقها بالفضائح، سوى دموع السيد شبانة التي غلبته في غير موضوع، فحبست الكلام في حلقه، وأطلقت الغصة في تهدجات صوته، ورسمت ملامح الألم في احمرار عينيه!
والحال أن هذه الرواية التي كتب الكثير عن تفاصيلها ومعطياتها... تثير لدى متابعها بصيغتها التلفزيونية، العديد من الملاحظات، التي يتصل بعضها بصلب الموضوع حيناً، ويقودنا بعضها الآخر إلى دهاليز أخرى في موضوعات ذات صلة!
ولعل أولى تلك الملاحظات، أن ما قاله ضابط الأمن الفلسطيني، يبقى وبغض النظر عن نبرته الوطنية العالية، ملتبساً بدوافع ثأرية وانتقامية تجعل ما ظهر إلى النور يظهر بهذه الصيغة، التي لم تخل من تهديد مبطن بمزيد من الفضائح، أو تحدٍ معلن لمن جاء ذكرهم بالأسماء الصريحة، بنقض ما حبلت به تلك الفضائح من (حقائق دامغة) أو إشارات استفهام مفتوحة، مدعومة بوثائق ما... وأرقام ما!
لكن ما يبدو أكثر إثارة من شبهة الدوافع الانتقامية والثأرية في رواية الفساد الفلسطيني هذه، هي صورة ضابط المخابرات، التي قدمها السيد فهمي شبانة التميمي عبر قناة (حوار) حين راح يبكي على الهواء مباشرة، ويحاول أن يحبس دموعه، ويطلب من المذيع (المقدر للحالة بدوره) مهلة كي يبتلع غصة حزنه ويخفي تهدجات صوته... هذه الصورة بدت غريبة تماماً عما حفظه وخبره المواطن العربي عن ضباط المخابرات... فالمواطن العربي يعرف صورة رجال وضباط المخابرات من خلال تعامله معهم في حياته اليومية وأزماته الأمنية... إنها حتى أكثر المسلسلات الكوميدية بهجة وسخرية، تبدو أقرب إلى صورة الجلاد منها إلى رجل القانون الموكل بحماية أمن الوطن والمواطن... فصناعة ضابط الأمن العربي الحقيقية هي الخوف... مهمته صنع الخوف وإشاعته وتحويله من وهم إلى واقع ومن واقع إلى وهم، إذا اقتضت الضرورة أيضاً... لذا كانت دموع ضابط الأمن الفلسطيني وهو يكشف وقائع الفساد المؤلم، حالة ميلودرامية قد تستثير التعاطف التلقائي، لكنها لا تحمل مبررات الإقناع العقلي بل والوجداني أيضاً!
في كل الأحوال، كانت رواية الفساد الفلسطيني التي انطلقت من على القناة العاشرة الإسرائيلية، مثيرة لردود فعل متباينة، جعلت الشارع الفلسطيني ينقسم على نفسه، كما رأينا في إحدى تقارير نشرة أخبار قناة (العربية) ... التي تبنت نظرية المؤامرة التي تقول برغبة إسرائيل في تشويه صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لأنه باختصار- لم يرضخ لما يطلب منه من تنازلات!
ثمة من اعترف بوجود الفساد... ورأى أن ما تم عرضه أو الإشارة إليه، ليس جديداً... وثمة من رفض أن يلجأ الضابط الفلسطيني إلى العدوة إسرائيل كي يكشف فساد سلطته الوطنية، وثمة من علق الأمر برمته على شماعة الاحتلال، الذي كان في أحسن الأحوال والنوايا: صياد في الماء العكر!
ندرك بقناعة كاملة، أن إسرائيل يهمها الاصطياد بالماء العكر بالتأكيد، لكن بالنسبة لأي مواطن عربي، مل من تعليق كل مصائبه على شماعة إسرائيل، وجعلْ وجودها تبريراً للديكتاتورية والقمع وكم الأفواه وبطء التنمية ودوس العدالة، تجميد العمل بالقانون... فإننا للأسف نصدق رواية الفساد الفلسطيني، باعتبارها فصلا من فصول رواية الفساد العربي الذي نراه في غير بلد عربي. ويخطئ من يظن أن الابتزاز الجنسي الذي رأيناه في الشريط حالة شاذة... بل هو حالة عربية شبه شاملة، يتساوى فيها وزراء في وزارات سيادية وليس رؤساء ديوان. ثمة وزراء حولوا أجزاء من مكاتب وزاراتهم إلى غرف نوم بالمعنى الحقيقي لا المجازي... وثمن من جعلوا مناصبهم عنواناً من عناوين المراهقة العاطفية والاستغلال الجنسي، ومن عهودهم حالة من الجوع الذي لا يعرف شبعاً أو خجلا من دور سوف يحاسبهم عليه التاريخ بوصفه عاراً، وخيانة، وسرقة لأحلام أجيال ببناء أوطانها وغدها بعدالة وشرف!
استقالة مذيعة على الهواء... أم أزمة قناة!
أعلنت المذيعة شذا عمر في قناة (أل. بي. سي) اللبنانية، استقالتها على الهواء مباشرة، احتجاجاً على ما أسمته تدني المهنية في أداء وعمل القناة.. التي اشترى جزءا منها الوليد بن طلال، وصارت تابعة للشقيقات الروتانيات!
استقالة شذا عمر، تذكر باستقالة مماثلة قدمتها العام الماضي وعلى الهواء مباشرة الإعلامية مي شدياق... حين راحت تصرخ بانفعال على الهواء مباشرة إنها (قرفت) و(تعبت) ولم تعد تحتمل أكثر!
(إل. بي. سي) تعاني منذ فترة من أزمة حقيقية... فالقناة العريقة ذات الهوية اللبنانية، راحت قبل فترة، تعرض الغث والثمين من الانتاج الخليجي كي تحقق ما يفترض أنه حصة الممول الجديد، كما واجهت أزمة حادة في السعودية العام الماضي، حين أثارت غضب المجتمع السعودي، بعدما استضافت في برنامجها (احمر بالخط العريض) شاباً تحدث بالتفاصيل الفاضحة عن كيفية الإيقاع بالفتيات واستدراجهن إلى فراشه... الأمر الذي أدى إلى منع القناة من العمل، ومحاكمة الفريق الذي أعد التقرير، ناهيك عن القبض عن الشاب فيما عرف بقضية (المجاهر بالرذيلة) والحكم عليه بالسجن!
(أل. بي. سي) تعيش اليوم حالة فقدان توازن... وأداءها المهني يتراجع على الشاشة، قبل أن نشهد تفاصيل تراجعه في أخبار الكواليس... ويبدو أن القناة التي كانت واحدة من أوائل القنوات الخاصة لبنايناً، وأوائل القنوات الفضائية عربياً، مطالبة بإعادة النظر بما مر فيها من أزمات، وما شهدته من استقالات، بعقلية الاستفادة من الأخطاء والنهوض من الكبوات... وليس المكابرة على الخطأ!
تماثيل بغداد: الشمس في العهد البائد!
التقرير الذي بثته قناة (العربية) عن حال تماثيل الساحات العامة في بغداد... التي تعرض الكثير منها للتدمير والاستهداف بحجة أنها من رموز العهد البائد... مؤلم وموجع بكل معنى الكلمة!
بغداد من أغنى وأعرق المدن العربية بالتماثيل ذات القيمة الفنية العالية... وبعض هذه التماثيل، أضحى على مر سنوات طوال، جزءا من ذاكرتها وهويتها وتاريخها.. واستهدافها بهذه العقلية الإلغائية الاستئصالية، لن يصنع عهداً جديداً... إلا إذا كان المطلوب أن يكون هذا العهد بلا ملامح ولا تاريخ!
ما يحدث مع تماثيل بغداد العريقة، يذكرني بما حدث مع أم كلثوم حين حاول بعض ضباط ثورة يوليو منع إذاعة أغانيها بحجة أنها من رموز العهد الملكي البائد... وقد سرى المنع لفترة في الإذاعة المصرية، وتم البحث عن مطربة بديلة ترتبط بالثورة.. حتى وصل الأمر إلى عبد الناصر الذي احتج على هذه العقلية قائلا: (هل نلغي الشمس لأنها أشرقت في العهد البائد)
إذا ابتعنا عقلية الثأر والانتقام، وتهديم الرموز الجميلة.. فإن كثيرين سوف يكونوا مستعدين على الدوام لإلغاء الشمس لأنها أشرقت في العهد البائد!
محمد منصور
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد