سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (10)
الجمل - جوناثان ستيل- ترجمة: مالك سلمان:
افترضوا أن استفتاءً محترماً كشفَ أن معظم السوريين يؤيدون بقاءَ الرئيس الأسد رئيساً؛ ألن يشكل ذلك خبراً رئيسياً؟ خاصة وأن مثل هذا الاكتشاف سيتناقض مع السرد السائد حول الأزمة السورية, كما أن وسائل الإعلام تعتبر الأحداث غير المتوقعة أكثرَ أهمية من الأشياء البديهية.
ولكن للأسف, ليست هذه هي الحالة دائماً. فعندما لا تعود تغطية دراما متكشفة عادلة وتتحول إلى سلاح دعائي, يتم التعتيم على الحقائق التي لا تخدم الحربَ الدعائية. وهذه هي الحال بالنسبة إلى نتائج استفتاء حديث أجرته "يوغوڤ سراج" حول سورية بتكليف من"حوارات الدوحة" وتمويل من "مؤسسة قطر". اتخذت العائلة المالكة القطرية أحد أكثر المواقف العدائية من الرئيس الأسد – فقد طالب الأمير لتوه بتدخل القوات العربية – لذلك كان نشرُ "حوارات الدوحة" لنتائج الاستفتاء على موقعها الإلكتروني شيئاً إيجابياً. المحزن في الأمر هو أن هذه النتائج قد تم تجاهلها من قبل كافة وسائل الإعلام تقريباً في جميع الدول الغربية التي دعت حكوماتُها الرئيسَ الأسد إلى التنحي.
الاكتشاف الرئيسي كان أنه بينما يشعر معظم العرب خارج سوريا أن على الرئيس التنحي, إلا أن المواقف داخل البلد مختلفة. إذ إن أكثر من 55% من السوريين يؤيدون بقاءَ الأسد بدافع الخوف من الحرب الأهلية – وهو شبح ليس نظرياً كما هو بالنسبة لأولئك الذين يعيشون خارج الحدود السورية. والأخبار الأقل إيجابية بالنسبة لنظام الأسد تتمثل في أن الاستفتاء قد وجد أيضاً أن نصفَ السوريين الذين يريدون بقاءَه في السلطة يعتقدون أن عليه إدخال الانتخابات الحرة في المستقبل القريب. ويزعم الأسد أنه على وشك أن يفعل ذلك, وهي نقطة كررها في خطاباته الأخيرة. ولكن من الضروري أن ينشرَ قانونَ الانتخاب في أسرع وقت ممكن, ويسمح بتشكيل الأحزاب السياسية, ويتعهدَ بالسماح لمراقبين مستقلين بمراقبة الانتخابات.
تستمر التغطية الإعلامية المتحيزة بتشويه بعثة مراقبي "الجامعة العربية" في سوريا. فعندما صادقت "الجامعة" على إقامة منطقة حظر جوي في ليبيا, أكالَ الغربُ المديحَ لهذا العمل. لكن قرارها بلعب دور الوسيط في سوريا لم يلقَ هذا الترحيب من قبل الحكومات الغربية والمجموعات المعارضة السورية الرئيسية التي تؤيد, بشكل متزايد, الحلَ العسكري عوضاً عن الحل السياسي. ولذلك سرعان ما أثارَ القادة الغربيون الشكوكَ حول مبادرة "الجامعة", وقامت معظم وسائل الإعلام الغربية بترديد الصدى. فقد تم الهجوم على مصداقية وتاريخ رئيس البعثة السوداني. كما تم إلقاء الضوء على الانتقادات التي وجهها أحد أعضاء البعثة المكونة من 165 عضواً لأدائها. وقد نمت المطالبة بانسحاب البعثة لصالح تدخل الأمم المتحدة.
خاف النقاد من أن يسجلَ المراقبون العرب أن العنفَ المسلح لم يعد مقتصراً على قوات النظام, وأن صورة التظاهرات السلمية المقموعة بوحشية من قبل الجيش والأمن مزيفة. فقد أصبحت حمص وبعض المدن السورية الأخرى أشبهَ ببيروت في الثمانينيات من القرن الماضي وسراييڤو في التسعينيات منه, حيث تحتدم المعارك بين الميليشيات على أسس طائفية وإثنية.
أما بالنسبة للتدخل العسكري الأجنبي, فقد بدأ سلفاً. لكنه لا يتبع النموذجَ الليبي بما أن روسيا والصين غاضبتان من الخداع الغربي الذي حصل في مجلس الأمن العام الماضي. إذ لن تقبلا بقرار جديد صادر عن الأمم المتحدة يسمح بأي استخدام للقوة. وهذا نموذج قديم يتمثل في العودة إلى مرحلة الحرب الباردة, قبل نشوء مفهومَي "التدخل الإنساني" و "مسؤولية الحماية" واستغلالهما في أغلب الحالات. هل تذكرون دعمَ رونالد ريغان لقوات "الكونترا" التي قام بتسليحها وتدريبها بهدف إسقاط قوات "ساندينيستا" النيكاراغوية من قواعدها المتمركزة في هندوراس؟ استبدِلوا كلمة "هندوراس" ﺑ "تركيا", ذلك الملجأ الآمن الذي تمركز فيه ما يسمى ﺑ "الجيش السوري الحر".
وهنا أيضاً يبدو صمت وسائل الإعلام الغربية درامياً. لم يتابع أي مراسل مقالة حديثة هامة كتبها فيليب جيرالدي, وهو ضابط سابق في "سي آي إي" يكتب الآن في "أميريكان كونزيرڤَتيڤ" ["المحافظ الأمريكي"] – وهي مجلة تنتقد العقدة العسكرية-الصناعية الأمريكية من منظور يتعارض مع موقف المحافظين الجدد على نهج رون بول الذي احتلَ المرتبة الثانية في الانتخابات الأولية للجمهوريين في "نيوهامبشر". يقول جيرالدي إن تركيا, العضو في حلف الناتو, قد أصبحت وكيلَ واشنطن وإن طائرات حربية تابعة للناتو لا تحمل أية علامة تحط في اسكندرون, بالقرب من الحدود السورية, حيث تنقل المتطوعين الليبيين والأسلحة التي تم جمعها من ترسانة معمر القذافي. يكتب جيرالدي: "إن مدربي القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية متواجدون على الأرض, حيث يساعدون المتمردين السوريين, بينما تؤمن قوات العمليات الخاصة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية معدات الاتصالات والاستخبارات لمساعدة المتمردين في تحقيق أهدافهم وتجنُب تجمعات الجنود السوريين ... ."
مع تزايد خطر الحرب الشاملة, يستعد وزراء خارجية "الجامعة العربية" للاجتماع في القاهرة في نهاية هذا الأسبوع لمناقشة مستقبل بعثتها في سوريا. لا شك أنه سيكون هناك تقارير لوسائل الإعلام الغربية تلقي الضوءَ على تصريحات أولئك الوزراء الذين يشعرون أن البعثة قد "فقدت المصداقية", و "تعرضت لخداع النظام", أو "فشلت في إيقاف العنف". كما سيتم تجاهل الآراء المغايرة أو قمعها.
على الرغم من الاستفزازات التي تأتي من كل جانب, على الجامعة أن تتمسك بموقفها. فقد رأت بعثتها في سوريا تظاهرات سلمية مناوئة للنظام وأخرى مؤيدة له. كما شهدت أعمالَ العنف من جانب طرفي الصراع, وعانت منها في بعض الحالات. لكنها لم تمتلك الوقت الكافي بعد, أو العدد الكافي, للتحدث إلى شرائحَ واسعة من اللاعبين السوريين لتخلصَ إلى مجموعة واضحة من التوصيات. وفوق كل شيء, لم تبدأ بعد في إنجاز ذلك الجزء من مهمتها في المساعدة على البدء في حوار بين النظام ونقاده. على البعثة أن تبقى في سورية وألا تخضع لكل هذه الضغوط الهادفة إلى إخراجها منها.
تُرجم عن: ("غلوبل ريسيرتش", 18 كانون الثاني 2012)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد