الأسد يلقي اليوم خطاب القسم الرئاسي الثالث
يلقي الرئيس بشار الأسد اليوم خطاب القسم الثالث منذ توليه الحكم في العام 2000.
ومن المتوقع أن يجدد الأسد في هذا الخطاب التذكير بسياسة دمشق تجاه قضايا الخارج والداخل، من دون توقعات بحدوث تحولات في تلك السياسة، التي تؤمن القيادة السياسية والعسكرية في دمشق بأنّها «حمت سوريا من التدخل العسكري الخارجي، وحصّنتها ضد مشاريع سياسية مكلفة»، من بينها «إمكانية التقسيم»، ومنعت «تحييدها عن محور المقاومة».
وسيلقي الأسد خطابه أمام ما يقارب 250 عضواً من أعضاء مجلس الشعب، كما جرى التقليد، في مشهد يعكس حرصاً كبيراً على صورة «الدولة المحصنة»، برغم المخاطر الأمنية الواقعية المترتبة على هذا النوع من التجمعات.
ويتواكب خطاب القسم في سوريا مع تحديات متعددة، أكثرها بروزاً المستوى المعيشي للمواطنين، ولا سيما بعد قرار الحكومة السورية رفع أسعار سلع رئيسية عدّة، مثل الخبز، الذي ارتفع سعره بنسبة ثلثي السعر الأصلي، بعدما ظل سعره المدعوم «خطاً أحمر» لعقود مضت في السياسات الحكومية، والسكر والأرز، اللذين وصل سعرهما إلى ضعف السعر القديم.
وبرغم التكهنات بأن الارتفاع الأخير في الأسعار قد جاء بسبب نية الحكومة منح زيادة في رواتب الموظفين الحكوميين والمتقاعدين، وسمات مادية خاصة للعسكريين، إلا أن أي إعلان رسمي واضح بهذا الخصوص لا يبدو قريباً.
برغم ذلك، ستبقي دمشق على سياسة الدعم المتبعة منذ عقود للحاجيات الأساسية، في ما يبدو محاولة امتصاص نسبي للتضخم وانخفاض قدرة العملة المحلية الشرائية.
وتكلف سياسة الدعم الاجتماعي الحكومة ما يزيد عن 600 مليار ليرة سنويا (الدولار يساوي 163 ليرة سورية تقريباً)، في بلد تقدر كلفة الدمار رسمياً فيه بما يقارب 50 مليار دولار، ويقارب عدد نازحيه ومهجريه خمس السكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة (بحسب إحصاء العام 2011).
أما على المستوى الأمني، فثمة تحولات إيجابية، وإن كان بعضها يخضع لقراءات متعددة التفسيرات. فبعد تمكنه من تحقيق تقدم ملموس على جبهة حلب الشرقية، واستعادته جبال القلمون وبلداته، فكك الجيش السوري، بالتعاون مع أبرز حلفائه «حزب الله»، القدرات اللوجستية الموجودة لدى كتائب المعارضة لتحقيق انتصار كبير في جنوب دمشق، وتحديداً في المنطقة الممتدة بين القنيطرة ودرعا. وساهم تردد المعسكر المتحالف دولياً مع فصائل المعارضة، كما تمدد قوة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» شرقاً، في خلخلة كل التقديرات المتخيلة للأزمة السورية، والتي كانت تتضمن خططاً لتعزيز الدعم الفني واللوجستي عبر الحدود الأردنية، وعلى تخوم الجولان المحتل، لبعض فصائل المعارضة، بهدف تكثيف الضغط الميداني على دمشق.
ومما لا شك فيه، أن الأسد سيركز على الخطر المتنامي للإرهاب العابر للحدود، متمثلا بـ«داعش» الممتد عراقياً، كأبرز مثال، وبـ«جبهة النصرة» المنضوية تحت ظلال تنظيم «القاعدة» كمثال آخر، على اعتبار أن سوريا «تخوض حربها» ضد التنظيمين منذ سنوات، سواء تمخض عن هذه الحرب، وتحدياتها «تحالف إقليمي دولي» لمكافحة هذا الخطر كما ترغب دمشق أم لا.
وفي إطار مشابه، بدأت القيادة العسكرية منذ أسبوعين، بإزالة بعض الحواجز الأمنية المنتشرة بكثافة في بعض المدن السورية، كما عملت على توسيع ممرات الحركة عبر أخرى، وذلك في مختلف مناطق البلاد التي تخضع لسيطرة الجيش السوري. وأبرز الحواجز التي قلصت كانت في دمشق، بالطبع، ولا سيما في مناطق الكثافة المرورية كما في ساحة الأمويين وكفرسوسة ومنطقة المزة الشرقية.
وترك القرار، كما كان متوقعاً، صدى إيجابياً، وشكل عاملاً معنوياً مشجعاً في أوساط السكان، رغم أن أية تقديرات أمنية جديدة لم تعلن على الملأ، أو تفسر القرار تفسيراً عسكرياً رسمياً. ويعتقد أن الغرض هو منح فرصة تنفس أكبر للحركة التجارية في شهر رمضان، ولحياة السكان، بما يعكس «حالة ارتياح عامة» بالتزامن مع إعلان الولاية الرئاسية الثالثة، ولا سيما أيضا، أن هذا الإجراء يترافق مع تراجع كبير في الهجمات بالعبوات، وشعور القيادة السياسية باضمحلال البيئة الحاضنة للمسلحين والمعارضة على العموم، وكذلك بعد تمكن الهيئات المدنية والحكومية من تحقيق مصالحات وتسويات طموحة، قلصت مساحات المعارك وصوبت معركة الجيش باتجاه مناطق أكثر جدوى عسكرياً.
وسيشجع الأسد على المبادرة إلى إجراء مزيد من المصالحات، باعتبارها «إنجازاً كبيراً على مستوى عمل الهيئات المدنية والشعبية» من جهة، و«تعاون وإشراف السلطات المحلية» من جهة أخرى. وكان الأسد قد وجّه قيادات محلية، في شباط الماضي، بالعمل على تعميق العمل بأسلوب المصالحات والتسويات، والتقى لهذه الغاية بعدد من الوفود الأهلية المحلية للتشجيع على هذا النمط من العمل الشعبي والسياسي، لاعتبارات مفهومة، أمنية واجتماعية.
أما في ما يتعلق بالسياسات العامة الخارجية، فإن دمشق ما زالت تنظر إلى فلسطين باعتبارها قضية مركزية، وهو ما ستبقي عليه سياسة الرئيس السوري كما هو متوقع، خصوصا أن الخطاب يأتي بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة، برغم إشكالية العلاقة التي ربطت حركة «حماس» بدمشق في العقود التي مضت، وصولا إلى إبراز صورتها على المستوى المحلي باعتبارها جماعة «إخوان مسلمين» متحالفة مع خصوم سوريا، بل ومشاركة في حملة الدمار التي حصلت في البلاد.
وكان لافتا في هذا السياق تركيز قنوات موالية لدمشق على التذكير بأن قسماً من صواريخ المقاومة التي تنطلق من غزة طوّرت في سوريا. وسواء كان ذلك دقيقاً أم لا، تبقى علاقة دمشق بالسلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، في أفضل صورها منذ توليه الحكم في العام 2005، لكن من دون أن تبدو تحالفاً صريحاً مع سياساته.
كما ستبقى في هذا السياق العلاقة المتعمقة يوماً بعد يوم مع المقاومة اللبنانية، متمثلة بـ«حزب الله»، بما يجسد «ثبات محور المقاومة والممانعة»، ومن خلفه الحلفاء الإقليميون، وأبرزهم هنا طهران، ومن بعدها موسكو وبغداد.
وبخصوص الأخيرة، فإن دمشق لا تخفي تحالفها مع رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، «رأس حربة» ضد الإرهاب وفقا لطريقة تقديمه في الإعلام الرسمي، كما تنتظر انفراجا معلنا في العلاقة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي ترى دمشق أنهما يواجهان عدواً مشتركاً.
وما عدا ذلك، يرتقب أن يستثمر الأسد دخوله مرحلة تمد حكمه لسبع سنوات جديدة، لترسيخ تقدم الجيش الميداني بإعلانه «نصراً على المؤامرة الخارجية والإرهاب»، والنظر بطموح لعمليات المصالحة الوطنية «لتحييد أكبر قدر من العامل المحلي»، بانتظار أن يحل الظرف الذي يجعل التعامل مع دمشق دوليا، لا مفر منه في «الحرب على الإرهاب».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد