بوش مرتاح للاتصالات الفرنسية- السورية بخصوص الرئاسة اللبنانية
عبر الرئيس الأميركي جورج بوش، خلال لقائه نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي في فرجينيا أمس، عن ارتياحه للاتصالات التي تجريها فرنسا مع سوريا حول الأزمة السياسية في لبنان، لكنه أكد أن لبنان يجب أن يكون سيد مصيره، مشددا على أنه يريد لبنان أن يكون مثالا للفلسطينيين ليثبت لهم أن الديموقراطية ممكنة.
وكان ساركوزي، الذي أعلن انه قدم إلى واشنطن «لاسترجاع قلب أميركا بشكل دائم»، دعا، أمام الكونغرس الأميركي، إلى التكاتف لمساعدة اللبنانيين على تأكيد استقلالهم وسيادتهم وحريتهم وديموقراطيتهم، موضحا أن ما يحتاجه لبنان اليوم هو رئيس يتمتع بقاعدة عريضة من التأييد ينتخبه اللبنانيون حسب الدستور. وجدد أن امتلاك طهران للسلاح النووي أمر «لا يمكن قبوله» بالنسبة لباريس.
وكانت العلاقات بين باريس وواشنطن تعرضت إلى انتكاسة قوية في العام ,2003 بعد رفض الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك غزو العراق، وهو ما أثار حملة أميركية ضارية على فرنسا شملت مقاطعة منتجاتها.
وفي إشارة إلى التقارب الكبير بين ساركوزي وبوش، عقدت القمة بينهما في المقر التاريخي للرئيس الأميركي الأول جورج واشنطن في مونت فيرنون في ولاية فرجينيا، أعقبها مؤتمر صحافي في حديقة المقر الذي لا يفتح إلا للزوار الأجانب البارزين.
وردا على سؤال عما إذا كان مرتاحا للمشاورات التي أجرتها فرنسا مع المسؤولين السوريين بشأن الانتخابات الرئاسية في لبنان، قال بوش، خلال مؤتمر صحافي عقده مع ساركوزي، ان «التأثير السوري في لبنان هو أمر عملنا بشأنه مع الحكومة (الفرنسية) السابقة، وبفضل تعاون فرنسا والولايات المتحدة مررنا القرار 1551 (قصد 1559) في الأمم المتحدة الذي أخرج سوريا من لبنان، بشكل كبير. أمضينا وقتا نتعاون حول إيجاد أفضل وسيلة للتعاون لضمان عدم تدخل سوريا في الانتخابات اللبنانية، وان يكون الرئيس من اختيار الشعب اللبناني. وأعتقد أن مشاورات السيد (النائب سعد) الحريري و(رئيس مجلس النواب) نبيه بري تدور حول اختيار شخصية مقبولة منهما لا من سوريا، وحول ما إذا كان الرئيس سيمثل الشعب اللبناني لا الحكومة السورية».
وأضاف بوش «انني مرتاح لأن حكومة ساركوزي تبعث برسائل واضحة تؤدي أهدافنا المشتركة، وهذه الأهداف هنا هي أن تتمكن الديموقراطية اللبنانية من العيش، وان تكون نموذجا للآخرين. سنعمل مع فرنسا وآخرين لرؤية هذه العملية تتم بحلول
24 تشرين الثاني. نعتقد أن من مصلحة الشرق الأوسط أن تعيش هذه الديموقراطية اللبنانية».
وتابع بوش «أريد أن يكون لبنان مثالا للفلسطينيين ليثبت لهم أن (الديموقراطية) ممكنة. أؤمن بحل الدولتين. دولتان تعيشان بسلام الى جانب بعضهما البعض. وهذا ما يعتقد به الرئيس (ساركوزي) لقد ناقشنا ذلك اليوم. لا شيء أفضل للفلسطينيين من أن يروا ما الذي يمكن تحقيقه في ديموقراطية مستقرة في لبنان».
واعتبر بوش أن «التحدي الذي نواجهه في هذا العالم الذي نعيش فيه هو أن هناك قتلة يحاولون وقف تطور الديموقراطية، خصوصا في الشرق الأوسط. ومن اللافت أن الأماكن التي تشهد أكبر قدر من العنف هي الأماكن التي تحاول التمسك بالديموقراطية، سواء كان ذلك في العراق أو لبنان أو الأراضي الفلسطينية. والنداء الذي على أمم كأممنا أن تدعم هؤلاء الذين يريدون العيش بحرية».
وأوضح الرئيس الأميركي «الحرية هي البديل العظيم عن إيديولوجية هؤلاء الذين يقتلون الأبرياء من أجل تحقيق أهدافهم السياسية. هم أنفسهم الذين جاؤوا وقتلوا ثلاثة آلاف من مواطنينا. لدي شريك في السلام. شخص لديه رؤية واضحة وقيم أساسية، مستعد لاتخاذ مواقف حازمة لتحقيق السلام. فتسألونني إن كنت مرتاحا لفكرة أن حكومة ساركوزي تبعث برسائل؟ ثقوا بالتأكيد بأنني مرتاح».
وردا على سؤال عن عدم ذكره العراق في خطابه أمام الكونغرس، قال ساركوزي إن فرنسا تريد عراقا موحدا، وان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ذهب إلى العراق برسالة مفادها ان «لا أحد مهتم بتقسيم العراق، لأننا نريد عراقا متنوعا وموحدا قادرا على إدارة نفسه». وأضاف «سأدافع عن هذا الموقف حتى النهاية».
وشكر بوش ساركوزي على إرساله كوشنير الى بغداد، معتبرا ان زيارة الوزير الفرنسي كانت رسالة من فرنسا الى الشعب العراقي وليس الى الولايات المتحدة. وذكر ان القرار 1441 مر بموافقة فرنسا في مجلس الأمن الدولي، مشددا على انه لا يلمس اختلافا في الآراء مع فرنسا في ما يخص العراق اليوم، مؤكدا «اننا نحقق تقدما هناك».
وحول الملف النووي الإيراني، شكر الرئيس الأميركي نظيره الفرنسي على «رغبته الحازمة في حل الخلاف مع ايران سلميا»، معتبرا ان «فكرة حصول ايران على أسلحة نووية أمر خطير». واعتبر ان أسعار النفط ارتفعت إلى مستويات قياسية قرب 100 دولار للبرميل نظرا لزيادة الطلب وليس بسبب التوتر مع إيران.
وأعرب ساركوزي عن اعتقاده أنه يجب «تشديد العقوبات» على طهران، التي اعتبر انها «تجدي نفعا، وان الشعب الايراني يستحق أفضل من هذه العزلة»، معتبرا ان هناك «حاجة الى الحوار لتجنب الأسوأ».
وأعلن بوش انه اتصل هاتفيا بالرئيس الباكستاني برويز مشرف ليبلغه بضرورة إجراء الانتخابات التشريعية في كانون الثاني وبأن عليه أن يتخلى عن منصبه كقائد للجيش، فيما اعتبر ساركوزي أن الوضع في باكستان «مقلق» مؤكدا على «ضرورة إجراء انتخابات في أسرع وقت ممكن».
وقال ساركوزي، في بداية خطابه أمام مجلسي الكونغرس الأميركي الذي لم يذكر فيه العراق أبدا، إن «فرنسا صديقة لأميركا»، مضيفا «منذ أن ظهرت الولايات المتحدة على ساحة العالم والوفاء الذي يربط بين الشعب الفرنسي والشعب الأميركي لم يهتز أبدا».
وشدد ساركوزي، في خطابه الذي أسرف فيه في مدح القيم الأميركية، ونال عليه تصفيق أعضاء الكونغرس وقوفا أكثر من مرة، على انه «يمكن بين الأصدقاء أن تكون هناك اختلافات في الرأي، وخلافات وان تكون هناك مشاحنات، لكن في الصعوبات والمحن نكون مع أصدقائنا والى جانبهم، ندعمهم ونساعدهم»، موضحا «في الصعوبات والمحن كانت أميركا وفرنسا دوما جنبا إلى جنب، تساند كل منهما الأخرى وتساعدها، وتحارب كل منهما من أجل حرية الأخرى». وتابع «أريد أن أقول لكم انه وأينما يسقط جندي أميركي في العالم، أتذكر ما قام به الجيش الأميركي لفرنسا (في الحرب العالمية الثانية). أفكر بهم وأنا حزين، وكأن شخصا خسر عضوا من عائلته».
وأوضح ساركوزي، في زيارته الرسمية الأولى إلى واشنطن، «علينا، مع بعضنا البعض، مساعدة اللبنانيين على تأكيد استقلالهم، وسيادتهم، وحريتهم، وديموقراطيتهم. ما يحتاج إليه لبنان اليوم هو رئيس يتمتع بقاعدة عريضة من التأييد منتخب حسب الموعد المحدد وبناء على الدستور. فرنسا تقف إلى جانب جميع اللبنانيين. إنها لن تقبل محاولات إخضاع الشعب اللبناني».
ودعا ساركوزي إلى مساعدة شعوب الشرق الأوسط وإيجاد طريق السلام والأمن. وقال «إلى قادة إسرائيل وفلسطين أقول: لا تترددوا، خاطروا من أجل السلام وقوموا بهذا الأمر الآن. إن الوضع الراهن يخفي وراءه أخطارا أكبر: تسليم المجتمع الفلسطيني كله إلى المتطرفين الذين يهددون وجود إسرائيل»، مضيفا «فرنسا تريد الأمن لإسرائيل، ودولة للفلسطينيين».
وحول إيران، قال ساركوزي «علينا أن نحارب معا انتشار الأسلحة النووية. أؤكد أمامكم، أن حصول إيران على السلاح النووي أمر لا يمكن قبوله» بالنسبة لفرنسا، مضيفا أن «الشعب الإيراني شعب عظيم، وهو يستحق ما هو أفضل من العقوبات والعزلة المتزايدة التي يحكم عليه بها قادته. يجب إقناع إيران باختيار التعاون والحوار والانفتاح. يجب أن لا يحاول أحد التشكيك بحزمنا».
وحول المشاركة العسكرية الفرنسية في أفغانستان، أوضح ساركوزي «أقولها لكم جازما، فرنسا ستبقى في أفغانستان طالما اقتضى الأمر، لان الأمر يتعلق بمستقبل قيمنا وقيم الحلف الأطلسي... أقولها جازما أمامكم، بالنسبة لي الفشل ليس خيارا»، مضيفا «الإرهاب لن ينتصر لان الديموقراطيات ليست ضعيفة ولأننا لا نشعر بالخوف من هذه الهمجية الجديدة. وأميركا تستطيع الاعتماد على فرنسا في المعركة ضد الإرهاب».
وحذر ساركوزي من انعكاسات انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي واليوان الصيني، معتبرا أن «الخلل النقدي يمكن أن يتحول إلى حرب اقتصادية سنكون كلنا ضحية لها». وطالب الولايات المتحدة بأن «تتصدر»، إلى جانب أوروبا، المعركة ضد ظاهرة الاحتباس الحراري.
ودعا ساركوزي إلى «الثقة بأوروبا»، موضحا انه «في هذا العالم الخطير وغير المستقر، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى أوروبا قوية ومصممة». وأضاف «أريد أن أكون صديقكم، وحليفكم وشريككم. لكنه صديق يقف على قدميه لوحده، وحليف مستقل، وشريك حر». وختم «لتعش الولايات المتحدة. لتعش فرنسا. لتعش الصداقة الفرنسية ـ الأميركية».
وكان ساركوزي قال لبوش، خلال عشاء أقيم في البيت الأبيض، «جئت إلى واشنطن مع رسالة بسيطة جدا. أريد أن أسترجع قلب أميركا، وأن أسترجع قلب أميركا بشكل دائم»، مضيفا «جئت كي أقول لكم شيئا هو أننا في فرنسا والولايات المتحدة أصدقاء، نحن حلفاء منذ الأزل، وحتى الأزل». وتابع «جئت كي أقول لكم انه بإمكاني أن أكون صديق أميركا وأن أربح الانتخابات في فرنسا، هذه ليست معجزة، إنها حقيقة» ما أثار ضحك الجميع.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد