مقام الخضر في بلدة إزرع السورية
اختلفت الروايات حول الخضر الذي رحل إليه النبي موسى عليه السلام في طلب ماعنده من علم وقص الله عز وجل من خبرهما في كتابه العزيز في سورة الكهف..
وجاء هذا الاختلاف نتيجة ضعف الإسناد للأحاديث المتواترة غير المثبتة بدليل صحيح يجب قبوله لكن معظم المصادر التاريخية أكدت من غير شك في أن الخضر هو القديس جاورجيوس الفلسطيني العظيم الذي ولد في مدينة اللد وخدم جندياً فضابطاً في الجيش الروماني في القرن الثالث الميلادي ويعتبر أول شهيد فلسطيني قدم حياته دفاعاً عن الدعوة الى الحق وحرية العبادة متحملاً أنواعاً كثيرة من التعذيبات القاسية رافضاً أن ينكر إيمانه وأثبتت الروايات التاريخية أن المكان الذي تم فيه استشهاد القديس جاورجيوس «الخضر» هو كنيسة إزرع الأثرية حيث تؤكد المصادر التاريخية أن جسده كان محفوظاً فيها فترة لا تقل عن 300عام.
- يقول المواطن شريف الخوري أحد المهتمين بمقام الخضر عليه السلام: إن مقام القديس جاورجيوس «الخضر» بني على أنقاض معبد وثني في عام /515/ ميلادية على نفقة محسن من أبناء مدينة ازرع اسمه يوحنا بن ذيوذيموس وكان المحسن المذكور من وجهاء مدينة إزرع وقد بنى هذا المقام بعد أن ظهر له القديس جاورجيوس في اليقظة وليس في الحلم وقد وجدت كتابة يونانية محفورة على الباب الرئيس الغربي للكنيسة منذ 1492 عاماً جاء فيها (إن ملتقى الأبالسة أصبح الآن منزلاً للرب ونور الخلاص يملأ هذا المكان الذي كانت الظلمات تكتنفه من قبل، فالاحتفالات الكنسية حلت محل طقوس الوثنية والمكان الذي كان مركزاً لخلاعة الآلهة تضج فيه اليوم تسابيح الإله الواحد.. الخ) ويعتبر هذا المقام شفيع مدينة إزرع من مسلمين ومسيحيين يزار وتقدم له النذور.
- قال المواطن غسان سليم مطانس: اشتهرت هذه الكنيسة عند السكان المحليين باسم الدير فيقال (دير إزرع، دير جاورجيوس في إزرع، وخضر إزرع، وخضر الله الحي، وخضر إزرع الحي) وهو محبوب لدى جميع السكان في منطقة حوران ينذرون له النذور ويحجون إليه حاملين تقدماتهم يذبحون على عتباته الخراف ويوزعونها على الفقراء ويقدمون الحلي والنقود على مذبحه وكثيراً ماتحج اليه النساء حافيات الأقدام لإيفاء النذر. وتعتبر هذه الكنيسة أكثر المباني إثارة في منطقة حوران وقد أدرجت كمرجع للمرحلة الأولى من مراحل البناء الديني الأصل في العصر البيزنطي وكانت حسب علماء العاديات، المثال الأول للبناء الكنسي على شكل مربع وأول بناء اعتمد بناء القبة فوق المربع. - المواطنان فارس يوسف شحادة وفرحان إبراهيم سمارة قالا: بقيت هذه الكنيسة على وضعها الذي بنيت عليه إلى يومنا هذا دون تغيير يذكر، ولعل التغيير الوحيد الذي طرأ عليها قد نتج عن الحروب التي اتلفت بعضاً من قيمتها في حرب إبراهيم باشا عام 1840 وفي عام 1899 ضربها زلزال عنيف هدّم القبة الأصلية القديمة ثم رممت في عهد البطريرك غريغوريوس حداد عام 1911 ومنذ ذلك الحين لم يجر عليها أي تشويه، والجدير بالذكر أن قبة الكنيسة خشبية قدمت هدية من القيصر الروسي نقولا الثاني تعبيراً عن الأهمية التاريخية والأثرية لهذه الكنيسة. وعندما زار ريتشارد قلب الأسد هذه الكنيسة أخذ جثمان الخضر من هذه الكنيسة بحجة اعادته الى مسقط رأسه في مدينة اللد بفلسطين كونه فلسطيني الجنسية وإذ به يطير به الى لندن كون القديس جاورجيوس (الخضر) يعتبر شفيع بريطانيا الأول.. وقد اعترضت الكنيسة في الشرق على هذا التصرف الشائن وعملت على إعادة جثمانه الى الشرق ووضع في مدينة اللد في فلسطين وبقيت له ذخيرة في كنيسة إزرع ونظراً لموقع الكنيسة التاريخي والديني العريق فقد زارها الكثير من العظماء في التاريخ نذكر منهم الظاهر بيبرس وريتشارد ملك بريطانيا وفي العام 1915 زارها قيصر روسيا الذي قام بترميمها كما ذكرنا، ولما تزال مقصداًَ للزوار والسائحين بحيث لا يدخل سائح الى القطر إلا وفي جعبته صور جميلة عن هذه الكنيسة التي زارها نظراً لموقعها الديني والتاريخي العريق الذي جعل منها قبلة للسياح من جميع أنحاء العالم.
- تم ترميم حيطان الكنيسة في نهاية عام 2004 من قبل مديرية الآثار بدرعا ومتابعة مجلس رعية الكنيسة واستمرت أعمال الترميم لمدة ثمانية أشهر وتحدث السيد حسين المشهداوي عن ترميم هذه الكنيسة قائلاً: تمت إعادة الحيطان الى وضعها الطبيعي الذي كانت عليه في السابق حجرة حجرة وبالحقن وتم تلبيس القبة الخشبية التي تم ترميمها من قبل القيصر الروسي منذ أكثر من مئة عام قميصاً زفتياً كاملاً وتثبيت صفائح معدنية على سطحها الخارجي كما تم عزل سطح الكنيسة كاملاً وإعادة فتح أقنية التصريف لمياه الأمطار وأزيل برج الجرس البيتوني من سطحها تخفيفاً للوزن مع المحافظة على ميوله كما تم النزول بعمليات الحفر بالأرضية للمنسوب الأصلي للكنيسة بحثاً عن قواعد الأعمدة لمعرفة الشكل الأصلي لها وتمت إعادة تبليطها بالحجر الأصلي للمنطقة.
- ويضيف المشهداوي : إن مدينة إزرع هي مدينة كنعانية شهيرة ورد ذكرها في رسائل (تل العمارنة) وفي النقوش اليونانية، ومنذ القرن الأول الميلادي انتشرت الديانة المسيحية فبنى المسيحيون فيها عدداً من الكنائس منها الكنيسة المذكورة.. وتقع مدينة إزرع شمال شرق مدينة درعا بمسافة 31 كم وهي مركز منطقة وفيها سوق تجاري ومحطة قطار للسكك الحديدية الحجازية وهي بوابة اللجاة ومفتاحها. يوجد فيها الكثير من الأوابد الأثرية القائمة كالقصور والمساكن والمساجد والكنائس والقبور... وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجمه باسم زرا..ومن أهم آثارها الجامع العمري وكنيسة الخضر وكنيسة مار إلياس ومدرسة وجامع ابن الجوزية وابن القيم.
- ورد في كتاب البداية والنهاية وقصص الأنبياء لابن كثير الدمشقي أن البخاري قال: حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: «انما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء». ويطالب أهالي إزرع بزيادة الاهتمام بهذا المقام المبارك بوضع الشاخصات التي تدل على هذا المقام والاهتمام بالطريق المؤدية إليه وتزويد الكنيسة بالمرافق اللازمة للسياح من فندق ومطعم .
محمد قنبس
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد