اختتام أعمال مؤتر الترجمة في الدول العربية

17-07-2006

اختتام أعمال مؤتر الترجمة في الدول العربية

تعد الترجمة الوعاء الذي ينقل ثقافة إلى أخرى، والنافذة التي تطل منها حضارة على حضارة أخرى، ولقد كان للترجمة منذ القدم ومازال دور حساس في تبادل المعارف بين الأمم والاطلاع على النتاج العالمي من الثقافة والتطور العلمي والتكنولوجي.

وادراكاً لأهمية هذا الدور أقام مؤخراً المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وبالتعاون مع جامعة تشرين ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية مؤتمراً خاصاً تحت عنوان «الترجمة في الدول العربية أهميتها ودورها في التواصل بين الأمم» تناول العديد من المحاور حول واقع الترجمة وآفاقها في الدول العربية وتدريس الترجمة في الجامعات العربية، ومعايير اختيار النصوص ومهمة المترجم بين تحقيق الأمانة العلمية والرسالة الإنسانية والأدب المترجم ودوره في المثاقفة بين الشعوب، وعلى هامش المؤتمر التقت تشرين بعدد من المشاركين في المؤتمر وكانت على النحو الآتي: ‏

معوقات ‏

الدكتور كامل علوان أحمد من جامعة بغداد يذكر حول المعوقات التي تواجه حركة الترجمة والتعريب في العراق والتي تشابه الحال في العديد من الدول العربية، غياب الخطط المدروسة حول ما هي أولويات الكتب التي يجب أن تترجم من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، وهنالك الكثير من الاساتذة يسهل عليهم تدريس المواد التي يدرسونها باللغات الأجنبية أكثر من تدريسها باللغة العربية كما لا توجد خطة عربية موحدة للكتب التي تترجم في حقول الطب أو الهندسة أو الصيدلة أو العلوم الأخرى، هنالك بخس لحق المترجمين ولا يحصلون على مردود جيد لقاء جهودهم ولاحظنا أن الجامعات العربية لا تخرج مترجمين أكفاء فهناك من المترجمين الذين لا يتقنون لغتهم العربية صرفاً ونحواً، وبناء عليه يجب الاهتمام بالمترجم ودعمه وتشجيعه معنوياً ومادياً وإعادة النظر بنظم الجامعات وقوانينها وطرائق العمل فيها والاهتمام بأقسام الترجمة وإقرار التعريب في مراحل التعليم المختلفة، وإنشاء مركز دولي للترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية. ‏

43 فضائية للأغاني ‏

ويقول الدكتور رفعت البدري جامعة المنوفية في مصر: في ظل العولمة وحوار الحضارات الترجمة هي النافذة التي يطل منها الجمهور على ثقافة الآخرين وبالعكس وهي الجسر الذي يساعدنا على تقديم أنفسنا للآخرين لذلك يفترض بنا أن نشارك بقوة وفعالية تحكمها الندية وعلاقة المثيل والتكافؤ من خلال أدائنا في مجال الترجمة والذي نستطيع من خلاله أن نصدر ونفتح نافذة يستطيع الآخرون عبرها أن يلتقطوا الصورة الحقيقية للإنسان العربي بدلاً من الصورة المشوهة التي تنقلها العديد من وسائل الإعلام العالمية والتي ساهمنا بدرجة من الدرجات بأن تكون على ذلك الواقع المؤلم، لأننا كدول عربية نعمل بشكل فردي وكجزر منعزلة في الوقت الذي يسعى فيه العالم إلى نوع من التكتل والاندماج، والغريب أن كل الجهات المسؤولة والهيئات التنفيذية العربية تتوجه بصناعة القرار والخطاب الإعلامي إلى الشارع والمجتمع العربي، حيث توجه الخطابات والكلمات الرنانة إلى المتلقي العربي الذي هو أصلاً مع نفس التوجه في حين يجب أن نتوجه بهذا الخطاب إلى الآخرين مباشرة. فالقضية تحتاج إلى تكتل ووجود هيئة مستقلة تستطيع على الأقل أن توجد قناة فضائية أو مجلة أو صحيفة تتوجه بلغات الآخرين، بل واستخدام نفس المفردات التي يستخدمونها وأن يعمل فيها محررون من المجتمع المتلقين أنفسهم، كما يمكن استثمار المؤسسات الإعلامية المحايدة والحوار معها بحيث تتفهم وجهة النظر العربية والمؤسف حقاً أن لدينا حالياً 43 قناة فضائية عربية للأغاني والفيديو كليب ونعجز عن إيجاد قناة فضائية تتوجه للآخر، والجدير ذكره أن الكثير من المجلات العالمية وخاصة الأميركية منها تصدر بنسخ عربية. ‏

أرقام محزنة ‏

ويشير الدكتور عبد الفتاح غنيم من جامعتي الاسكندرية والمنوفية في مصر إلى أن هنالك فترتين تمثلان القمة على مستوى الوطن العربي في مجال الترجمة الأولى في عهد المأمون بداية العصر العباسي حيث استطاع المأمون أن يجمع أكثر من 600 مترجم وقاموا بترجمة الكتب اليونانية والفارسية والهندية والسريانية في الطب والهندسة والفلك والرياضيات والطبيعيات والمنطق والبيطرة والزراعة. أما الثانية فكانت بداية القران التاسع عشر في مصر في عهد محمد علي حيث أرسل البعثات بداية القرن إلى فرنسا وانكلترا وروسيا وإلى بعض الدول الأوروبية الأخرى وكان يكلف المبعوث خلال فترة تلمذته بترجمة كتاب واحد كل عام على الأقل وعند العودة يكلف بترجمة كتابين كل عام. ‏

في حين تعاني عملية الترجمة حالياً من ضعف شديد وفي هذا الاطار يضيف أن الأرقام الحالية تحزن، نحن نترجم في الوطن العربي كله 330 كتاباً في السنة، بينما «اسرائيل» تترجم كل يوم 14 ـ 17 كتاباً، اليابان تترجم 97 كتاباً يومياً، الولايات المتحدة تترجم 7 كتب يومياً من العربية إلى الانكليزية. ويرى غنيم بأنه من المفروض أن يكون هناك مجلس يجمع الوطن العربي في مجال الترجمة كي لا تتكرر ترجمة كتاب معين وأن يكون هناك نوع من النظرة الشمولية بحيث نقوم بإيجاد طريقة للترجمة يحدد فيها كل عام مئات الكتب التي تترجم وتوزع على المترجمين ويجب أن تترجم في وقت محدد لأن للوقت قيمته وأن تواكب العالم حيث الحاجة الماسة للترجمة في مجال العلوم والتكنولوجيا. ‏

مفترق طرق ‏

ويقول الدكتور محمد الهندي عياد من جامعة سوزا بتونس: إن هذا العصر هو عصر الترجمة لأن الانترنت غزت الدنيا، والعولمة أصبحت مفروضة علينا ونحن أمام مفترق طرق إما أن نصعد إلى السطح وإما أن تغمرنا أمواج العولمة، والعولمة ليست مسألة اقتصادية بل أعمق وأدق.. فهي ضرب للتراث وللأصالة وللحضارة، وفرض هيمنة اقتصادية ولغوية وثقافية ونحن بالمقابل إما نحافظ على هويتنا وأصالتنا فنترجم.. ونترجم ترجمات متخصصة ودقيقة ولذلك لابد أن نعد ونخرج مترجمين متخصصين فنتجاوز الآثار السلبية ونبدع كما فعل أسلافنا العرب القدامى في القرون الثاني والثالث والرابع والخامس الهجرية في العراق وسورية حيث توجهوا إلى الترجمة وعندما ترجموا ازدهروا وأبدعوا وأضافوا للعلم فالترجمة هي باب الإضافة ومن خلالها تحدث عملية المثاقفة مع التمسك بأصالتنا وقوميتنا وهويتنا وحينئذ العولمة لن تجد صداها.. ‏

الدكتورة ربا حمود من قسم اللغة الفرنسية جامعة تشرين: بعد عدة سنوات من تدريس مواد ودبلوم الترجمة للفرنسية في جامعة تشرين لاحظت عدم وجود ما يسمى الملاحظة العامة للمادة فكل مدرس يدرس المادة كما يهوى دون أن يكون هناك وضع يجمع بينه وبين المدرسين الآخرين، لايوجد منهاج فالمادة تعتمد نصوصاً يختارها الاستاذ حيث لاتوجد معايير لاختيار النصوص أو لتقييم الترجمة الناتجة عن هذه النصوص، وليست هناك محاولة للارتقاء بالطالب على مستوى مجالات معينة مثل القواعد والقراءة المعمقة التي تساعد على فهم النصوص. ‏

وأضافت: إنه في قسم اللغة الفرنسية لا يوجد أي مختص بالترجمة حتى الآن لم يعد أي معيد من الإيفاد باختصاص الترجمة وترى أنه يجب أن يجتمع الاساتذة ويقرروا ماذا يعطون في السنة الأولى والثانية وأنواع الترجمة وموادها ومجالاتها وكيف يتطور الطالب... ولابد من الاشارة لهذه السلبيات كي نتجاوزها في السنوات المقبلة. ‏

تقصير: ‏

وحول دور الأدب المترجم في نشر الثقافة العربية أشار الدكتور سليمان شقاف من ليبيا إلى أن هذا يرتكز على ماذا ترجمنا وماذا علينا أن نترجم، ويجب علينا أن نقيم أنفسنا هل نحن في مصاف الدول المتقدمة في الترجمة؟ هل أحسنّا اختيار النصوص التي ترجمت؟ فالترجمة سلاح ذو حدين إذا أحسنّا استخدامها تعود علينا بالنفع أما إذا تركنا الحبل على الغارب ويختار لنا العالم الآخر ما نترجم فستكون هنالك ترجمات غير متزنة لاتخدم واقعنا، وهذا المؤتمر اليوم فرصة لنا لتقييم أنفسنا ونرى ما قدمنا، ولابد من القيام بعمل جماعي عربي ترصد فيه الإمكانات البشرية والمادية لعمل برنامج يختص بالترجمة وأن تكون هناك خطة لترجمة عدة كتب يمكن أن تخدمنا ونقدمها للعالم وتساهم في نشر ثقافتنا كما أن عملية تعريب المناهج يعد جهداً جباراً لخدمة لغتنا العربية وأتمنى أن تحذو كل الدول العربية حذو سورية في تعريب مناهج التدريس في الجامعات. ‏

ويقول الدكتور محمد حسن عبد المحسن من جامعة حلب: لا نستطيع أن نعيش في قمقم، ومن المفروض أن نتواصل مع الثقافات العالمية وهذا يتم عن طريق الترجمة والسؤال هل الترجمة على مستوى الوطن العربي مرضية؟ فاليابان في عام واحد /1975/ ترجمت 170 ألف عنوان إلى اللغة اليابانية في حين نحن العرب ومنذ عام 1948 وحتى 1969 ترجمنا 4032 كتاباً فهناك تقصير كبير في هذا المجال هناك ضغوط ولا أريد أن أستخدم سلاح العمالة أو الغرب فالغرب من مصلحته ألا يعطينا كي نبقى أمماً مستهلكة للثقافة والصناعة والتجارة. ‏

وللنهوض في هذا الإطار يجب أن نجعل الترجمة عملاً مؤسساتياً ضخماً مدعوماً من الدولة إضافة لجهود القطاع الخاص قد يقول البعض إن الاستثمار في مسألة الترجمة غير رابح وليست له جدوى اقتصادية، ومن يقرأ؟ سيتم تكديس الكتب..!.. لكن على العكس هذا استثمار حقيقي هادف للمستقبل فالعرب القدامى ترجموا آلاف الكتب وحفظت في خزائن الكتب وجاء وقت درست ونهل منها الشرق والغرب. ‏

الترجمة في خدمة التراث ‏

وفي إجابته على سؤال كيف تخدم الترجمة التراث؟ قال الدكتور عبد الناصر كعدان من جامعة حلب: يجب أن نعرّف العالم بتراثنا العلمي العربي والإسلامي حيث الكثير من دوائر الغرب وخاصة في الوقت الذي نعيشه من حوار الحضارات تريد أن تمحي الدور الحضاري الذي اضطلع به العلماء العرب المسلمون الأوائل فمن خلال ترجمة بعض الكتب والمراجع يمكن أن نبين ونوضح للغرب أنه كان لعلمائنا دور ومساهمة بناءة في تطوير الحضارة العالمية، وما نشهده اليوم من ترجمة للكتب التراثية في مختلف ميادين العلوم إلى اللغات العالمية الحية ما زال ضعيفاً جداً إن لم نقل شبه معدوم وهذا يتطلب جهوداً متضافرة على مستوى الوطن العربي لتطوير عملية ترجمة أهم المصادر والمراجع المتعلقة بتاريخ العلوم العربية كي يستطيع الفرد الغربي أن يطلع فعلاً على ما قدمه العلماء العرب القدامى في مجال بناء الحضارة وخوفاً من تيار العولمة والأمركة بشكل خاص الذي يريد أن يمحي تراث الأمم ورداً على ذلك قامت بعض الدول بإدخال تدريس التراث في المناهج في مختلف المراحل الدراسية وبالتالي يجب علينا إلى العالم العربي أن نحافظ على تراثنا العظيم وتعريف أجيالنا به بإدخاله إلى المقررات التدريسية. ‏

ويشير الدكتور محمد شفيق البيطار أمين المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية إلى ان أهمية المؤتمر تأتي من أهمية الترجمة في نمو الأمم وتقدمها ولاسيما في الظروف العالمية والعربية خاصة، وسبب اختيار اللجان المختصة في المجلس للعناوين لرؤيتها أن هناك تقصيراً في مجال الترجمة راجع لحالة الضعف العام الذي يعاني منه الوطن العربي والذي ينعكس على جميع مناحي الحياة سواء العلمية والفنية والاجتماعية، وذكر البيطار أنه يلاحظ قلة الباحثين السوريين المشاركين، حيث يعاني الباحث السوري من فقدان ما يحفزه، إذ ليس في ميزانية المجلس بنود لمساعدة الباحث. ‏

وأخيراً هذا هو الواقع العربي الضعيف والمتردي في مجال الترجمة والحلول وكل أسباب النهوض والارتقاء بهذا المجال أمامنا وبين أيدينا فإلى متى سنبقى ندفن رؤوسنا في المال ونحجب ضوء الحقيقة عن أعيننا؟. ‏

عاطف عفيف

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...