نتنياهو يعلن الحرب على الفلسطينيين حتى نزع سلاحهم
كأنه اعلان حرب اكثر مما هو عرض للتفاوض، قدمه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو امس، وترك الانطباع بان اسرائيل عادت سنوات بل عقود الى الوراء، الى ما قبل جميع الاتفاقات التي سبق ان ابرمتها مع الشعب الفلسطيني وقيادته، واستعادت لغة لا تنتمي الى الواقع، وتحدد شروطا مستحيلة للتسوية، وترفض مختلف العروض التي تلقتها واهمها المبادرة العربية التي تبرع بعض العرب مؤخرا بتقديمها كمبادرة من الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي.
وبعدما وضع نتيناهو القضية الفلسطينية في المرتبة الثالثة من اولويات حكومته، بعد ايران والاقتصاد،اعلن انه سيخضع الفلسطينيين لاختبار جديد للتثبت من مدى اهليتهم وجدارتهم للعيش بسلام ، سواء في غزة حيث يعيشون في ظل حكم حركة حماس او في الضفة الغربية التي كرر القول انها ارض توراتية، ولاستعدادهم للاعتراف العلني والملزم بان اسرائيل دولة الشعب اليهودي... عندها يمكن ان يبدأ البحث في قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، تستثني القدس المحتلة، وفي حل لقضية اللاجئين خارج حدود دولة اسرائيل.
وتضمن خطاب نتنياهو الذي روج له باعتباره محطة حاسمة على طريق استئناف التفاوض، واجمع الفلسطينيون على رفضه وادانة مضمونه كاملا، دعوة صريحة الى الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل كمساهمة في دفع مسيرة التسوية، محرضاً الفلسطينيين على حركة حماس، ومشدداً على أنّ حكومته لن تقبل بأن تكون غزة قاعدة متقدمة لإيران وحزب الله.
ورغم كل هذه الشروط المشددة، يبدو أن خطاب نتنياهو قد أدى وظيفته في محاولة سد الفجوة مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، حيث أكد البيت الأبيض أن الأخير ينظر بإيجابيه إلى ما طرحه رئيس الحكومة الإسرائيلية، فيما تباينت ردود الفعل الإسرائيلية إزاء مضمون الخطاب، الذي ووجه بمعارضة حادة من قبل المعسكر اليميني المتشدد.
وفي كلمة ألقاها في معهد «بيغن - السادات» في جامعة بار إيلان في تل أبيب، اعتبر نتنياهو أن «الأراضي التي في أيدي الفلسطينيين ينبغي أن تكون منزوعة السلاح. بمعنى آخر ينبغي أن تكون بلا جيش وبلا سيطرة على المجال الجوي ومع ضمانات أمنية فعّالة»، مشددا على أنه «من بين الشروط الأساسية لوضع نهاية للصراع، اعتراف علني ملزم وصادق من جانب الفلسطينيين بدولة إسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي».
وأضاف «إذا تلقينا هذا التعهد بخصوص نزع السلاح والترتيبات الأمنية التي تطلبها إسرائيل، وإذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي فسنكون مستعدين للتوصل إلى اتفاق سلام حقيقي، والى حل يتضمن قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جوار الدولة اليهودية».
ورأى أنه «من أجل تحقيق السلام يجب أن نضمن ألا يدخل للفلسطينيين أي نوع من الصواريخ أو الأسلحة، أو حتى إقامة جيش لهم، حتى لا يتحولوا قاعدة متقدمة لإيران وحزب الله في المنطقة، وعلى الفلسطينيين إعطاؤنا إجابات على استفساراتنا الأمنية».
ورفض نتنياهو أية دعوة لوقف البناء في المستوطنات، قائلاً «ليست لدينا نية لبناء مستوطنات جديدة أو مصادرة أراض لإقامة مستوطنات جديدة. لكن ثمة حاجة للسماح للمستوطنين بأن يحيوا حياة عادية».
لكن الأخطر في خطاب نتنياهو، كان مقاربته لقضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث شدد على أنه ينبغي حل مشكلتهم «خارج حدود دولة إسرائيل»، معتبراً أنّ هذا الأمر يحظى بـ«إجماع دولي واسع. وأعتقد أنه مع توافر حسن النية واستثمارات دولية يمكن حل هذه المشكلة الإنسانية نهائياً».
وادعى نتنياهو أن الفلسطينيين هم السبب في عدم التوصل لسلام حتى هذه اللحظة، وقال «كلما تقدمنا خطوة قاموا بأعمال تُعيدنا للوراء». تابع إن «خطة التقسيم في عام 1947 التي تقضي بحل للشعبين رفضها العرب آنذاك، ومنذ ذلك الحين ونحن نتعرض لضربات مختلفة وفي أزمنة مختلفة... صحيح أن مصر والأردن خرجتا من دائرة الحرب، ولكن أسفي أن الفلسطينيين لم يحذو حذوهم».
وأصرّ نتنياهو في خطابه على أنّ «القدس ستظل موحّدة».
ورفض أي انسحاب من الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ «كثيرا من الأشخاص الجديرين بالاحترام قالوا لنا أن الانسحاب هو العامل الأساسي في إحلال السلام. لكن الحقيقة هي أن كل انسحاب صاحبته صواريخ وهجمات انتحارية»، معتبراً أنّ «ذلك الزعم الذي يفيد بأن الانسحاب سيجلب السلام مع الفلسطينيين، أو على الأقل سيجعله أقرب منالا، لم تؤيده الممارسة في الواقع العملي حتى الآن.
وسعى نتنياهو إلى تحريض الفلسطينيين على حركة حماس، معتبراً أن «عليهم أن يختاروا بين طريق السلام وطريق حماس. وينبغي على السلطة الفلسطينية أن تفرض القانون والنظام... وان تتغلب على حماس»، مضيفاً أن «إسرائيل لن تتفاوض مع إرهابيين يحاولون تدميرها».
وتابع «أنا أؤمن أن اقتصادا فلسطينيا سيعزز السلطة ويُضعف المتطرفين، ونحن سنبذل كل جهد لإتاحة المجال وحرية التنقل لتكون حياتهم أسهل».
ولفت نتنياهو إلى أنّ إسرائيل تقف أمام ثلاثة تحديات وهي، «التهديد الإيراني»، والأزمة الاقتصادية، وعملية السلام. وأكد أنه سيعمل خلال فترة ولايته ضد التسلح النووي الإيراني، وأنه مستعد للقاء الرؤساء العرب في أي دولة يريدون من أجل إحلال السلام، وقال «انا مستعد للقاء معكم في اي مكان وفي اي وقت، في الرياض ودمشق وبيروت وايضا في القدس»
وطلب نتنياهو من الرؤساء العرب التعاون مع إسرائيل من أجل إقامة سلام اقتصادي لا يكون بديلا عن السلام السياسي، موضحا أن مواضيع المياه، والنفط، والغاز، تساهم في ازدهار العيش في المناطق.
كما دعا المستثمرين العرب إلى المجيء لإسرائيل للعمل على تطوير المناطق الصناعية والسياحية لتكون مصب اهتمام الملايين.
وتباينت ردود الفعل الإسرائيلي حيال خطاب نتنياهو، فخارج جامعة بار إيلان، نظم أنصار اليمين المتطرف تظاهرة دعوه فيها إلى عدم الرضوخ لمطالب الولايات المتحدة، رافعين صورا ظهر فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما يلبس الكوفية الفلسطينية مع عبارة «باراك حسين أوباما معاد للسامية ويكره اليهود»، فيما نظمت تظاهرة لليسار طالبت الولايات المتحدة بوقف تمويل جرائم الحرب الإسرائيلية، ولبس فيها المشاركون قمصانا كتب عليها «غزة حبيبتي».
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن زعيمة حزب كديما المعارض تسيبي ليفني إنه «بعد شهور جر فيها إسرائيل إلى الزاوية السياسية، خطى نتنياهو اليوم خطوة بالاتجاه الصحيح، لكن بسبب أدائه، ولاسيما الشكل الذي استعرض فيه أقواله هذا المساء، فإن امتحانه سيكون بأفعاله وليس بكلماته».
بدوره، أعلن حزب «البيت اليهودي» اليميني المتطرف الشريك في الائتلاف الحكومي أنه يعتزم «دراسة خطواتنا المقبلة على ضوء الانعكاسات الخطيرة لخطاب نتنياهو»، فيما قال عضو الكنيست اليميني المتطرف أرييه إلداد من حزب «الوحدة الوطنية» إن «نتنياهو فقد اليوم قيادة المعسكر القومي، وبموافقته على دولة فلسطينية منزوعة السلاح يحاول نتنياهو أكل خنزير تم ذبحه بصورة شرعية، لكن لا توجد بهيمة كهذه».
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن قادة المستوطنين إن «الحديث يدور عن خطاب يفتقر إلى نظرة ثاقبة وجلّه خيانة للناخبين»، معتبرين أنه «لأمر محزن أن نرى مندوب العائلة المقاتلة يتبنى خطاب (الوزيـــر اليساري السابق) يوسي بيلين و(الرئــــيس الإسرائيلي) شمعون بيريز».
كذلك، استقبل اليسار الإسرائيلي خطاب نتنياهو بفتور، وقال رئيس حزب «ميرتس» حاييم أورون إن « «خطاب نتنياهو هو اقل مما ينبغي وجاء متأخراً قليلا ومجمل التحفظات التي طرحها، بما في ذلك نموذج الدولة الخالية من دولة ومواصلة تأييده للمشروع الاستيطاني، من شأنها أن تضع صعوبات أمام بداية مفاوضات هادفة».
أما وزير الرفاه عن حزب العمل يتسحاق هرتسوغ فاعتبر أن «خطاب نتنياهو إيجابي»، معتبراً انه «يضع اتجاها لعملية سياسية ستقوم في نهايتها دولة فلسطينية من خلال الحفاظ على المصالح المهمة بالنسبة لإسرائيل»
من جهته، اعتبر رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة محمد بركة أن «الجبل تمخض فولد نتنياهو»، مشيراً إلى أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية «بقي على حاله كما كان قبل الخطاب، يبحث عن ديــــباجات وصياغات في محاولة بائسة لتجميل مواقفه المتعنتة الرافضة لآفاق الحل».
وفي أول رد فعل أميركي على الخطاب، قال المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس أنّ الرئيس باراك أوباما «يرحب بالخطوة المهمة للأمام في كلمة رئيس الوزراء نتنياهو». وأضاف أنّ «الرئيس ملتزم بالدولتين. دولة إسرائيل اليهودية وفلسطين المستقلة، في الأرض التاريخية للشعبين». وأضاف «نعتقد أن هذا الحل يمكن وينبغي أن يضمن أمن إسرائيل، وتنفيذ التطلعات الشرعية الفلسطينية بإقــــامة دولة قابلة للحياة. ويرحب بتبني رئيس الوزراء نتنياهو لهذا الهدف».
أمّا السلطة الفلسطينية، فرأت على لسان المتحدث باسمها نبيل أبو ردينة أن خطاب نتنياهو «نسف كل مبادرات السلام» في المنطقة، معتبراً أن هذه التصريحات «لــن تؤدي إلى أي حل وعلى الإدارة الأميــركية أن تأخذ مسؤولياتها تجاه هذه القضية».
واعتبر أبو ردينة أن كلام نتنياهو «تحد واضح للإدارة الأميركية وللمواقف الفلسطينية والدولية والعربية والإسلامية»، موضحاً أن «عدم اعتراف نتنياهو بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وفرض حل لقضــــية اللاجئين في الخارج، لن يؤدي إلى سلام عادل وشامل وفق الشرعية الدولية».
بدورها رأت حركة حماس أن الخطاب يعكس «إيديولوجيته العنصرية والمتطرفة»، مشيرة إلى أنه جاء بمثابة «نسف لكل حقوق الشعب الفلسطيني»، فيما اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن نتنياهو اعتمد في خطابه على التضليل الشامل، والتنكر بوضوح للحقوق الفلسطينية.
كذلك، نددت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بكلمة نتنياهو. وقال الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة محمد صبيح إنه «إذا كان هذه الخطاب موجهاً لإرضاء المتطرفين في إسرائيل فهو نجح في ذلك، أما إذا كان موجها للدول العربية وللشعب الفلسطيني فهو ابتعد كثيرا عن متطلبات السلام ولم ينجح في ذلك».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد