احتدام الصراع على سوريا في مجلس الأمن ولا تغيير في المواقف الدولية حول المسألة السورية
تواصل الخلاف في مجلس الأمن الدولي حول الملف السوري، حيث رفضت واشنطن وباريس ودول غربية أخرى تحميل المعارضة السورية جزءاً من الأزمة، مطالبة الرئيس السوري بشار الأسد بإيقاف العمليات العسكرية كمقدمة لوقف المقاتلين أنشـطتهم، وهو ما رفضته موسكو، التي شددت على ضرورة أن يضغط مجلس الأمن من أجل «إنهاء فـوري للعنف» من جانـب جميـع الأطراف، محذرة من أنه يجري حاليا «التلاعب» بمجلس الأمن بشأن الأزمة في سوريا على غرار ما حصل في ليبيا.
في هذا الوقت، أعلن مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا كوفي أنان، في أنقرة، أنه يسعى لجلوس جميع الأطراف حول طاولة المفاوضات من خلال عملية سياسية تكفل إتاحة دخول المساعدات الإنسانية ووقف قتل المدنيين، لكنه أضاف «لن يكون الأمر سهلا. سيستغرق وقتا وآمل ألا يكون طويلا لأننا لا نستطيع تحمل استمرار هذا الأمر لبعض الوقت. ولن تحل القضية اليوم».
وكان اجتماع مجلس الامن مخصصا أصلا لـ«الربيع العربي» لكن الوضع في سوريا «ألقى ظلالا كبيرة على النقاش» كما أعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، الذي ترأس الجلسة. ووجه هيغ ونظيره الفرنسي ألان جوبيه ووزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون نداءات الى موسكو وبكين اللتين عطلتا باستخدام حق النقض (الفيتو) مشروعي قرار غربيين - عربيين منذ بداية الازمة في سوريا قبل عام».
وطلب هيغ من مجلس الامن «الاتحاد وأداء دور قيادي»، مبديا اسفه لان المجلس «فشل حتى الآن في تحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري». وأضاف «ان الوضع في سوريا يلقي بظلاله على هذا النقاش»، مضيفا «اذا تركنا سوريا تغرق في الحرب الاهلية أو في مخاضات عنيفة نكون قد أهدرنا فرصا كبيرة وأفسحنا المجال أمام تحقق بعض أسوأ المخاوف بالنسبة لمستقبل المنطقة».
ودعا جوبيه «الصين وروسيا الى الإنصات لصوت العرب والضمير العالمي والانضمام الينا في إدانة القمع» في سوريا. وأضاف «لنقدم دعمنا لمهمة كوفي انان ولخطة الجامعة العربية» لحل الازمة.
واعتبر ان على السلطات السورية ان «تحاسب على أفعالها أمام القضاء» الدولي، ودعا الى «إعداد الظروف لإحالة الملف السوري الى المحكمة الجنائية الدولية». وتابع «منذ عام يغرق النظام في عنف أكثر وحشية» مضيفا «ان الاولوية العاجلة هي للتوصل الى وقف العنف وإدخال المساعدات الانسانية الى السكان». ورفض فكرة ان فرنسا أو أي عضو بمجلس الامن يدرس تسليح المعارضة السورية.
وقال الامين العام للامم المتحدة بان كي مون «أدعو مجلس الامن الى العمل موحداً لوضع حد للعنف، ودعم مهمة انان لمساعدة سوريا على تجنب كارثة أكبر». كما دعا الاسد الى التحرك «خلال الايام القليلة المقبلة» للرد على اقتراحات انان لوضع حد لأعمال العنف. وتابع بان كي مون «لم تنهض الحكومة السورية بمسؤوليتها عن حماية شعبها، وبدلا من ذلك عرّضت مواطنيها في عدة مدن لهجمات عسكرية واستخدام مفرط للقوة». وأضاف «هذه العمليات المخزية مستمرة».
وقالت كلينتون، خلال الاجتماع، «على المجتمع الدولي ان يقول بصوت واحد، من دون تردد، ان عمليات قتل السوريين الابرياء يجب ان تتوقف وأن تبدأ عملية الانتقال السياسي»، داعية الى تأييد مبادرة الحل التي قدمتها جامعة الدول العربية. وقالت «نعتقد انه حان الوقت لكي تدعم كل الدول، حتى تلك التي جمدت جهودنا سابقا، الخطة التي اقترحتها الجامعة العربية».
وقالت كلينتون، بعد الجلسة، «يتعين على حكومة الأسد أولا وقبل كل شيء أن توقف العنف». وأضافت «ما إن تتحرك الحكومة السورية نتوقع من الآخرين إنهاء العنف أيضا. لكن لا يمكن توقع أن ينهي المواطنون العزل في مواجهة هجمات المدفعية الدفاع عن أنفسهم قبل التزام نظام الأسد بفعل ذلك».
لكن هذه الدعوات لم تقنع لافروف الذي أقر مع ذلك بأن «السلطات السورية تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن الوضع الحالي»، لكنه أكد ان التغييرات في العالم العربي «لا يمكن بلوغها عبر خداع المجتمع الدولي ولا عبر التلاعب بمجلس الامن» في الازمة السورية كما حصل سابقا في ليبيا.
وانتقد كل وسائل الضغط التي تمارس على دمشق بدءا من «المطالبة بتغيير سريع للنظام، وفرض عقوبات منفردة هدفها وضع النظام في موقف صعب وخلق توتر اجتماعي وتشجيع المعارضة على مواصلة المواجهة مع السلطات بدلا من التشجيع على الحوار». وقال ان كل هذه «الوصفات الخطرة ليس من شأنها سوى ان تسهم في إطالة أمد النزاع».
ودعا لافروف، الذي عقد اجتماعا مع كلينتون وبان كي مون قبل الجلسة، الى «وقف اعمال العنف من أي مصدر كان» سواء كان من النظام أو المعارضة، مشددا على ان موسكو «تدعم بقوة» مهمة الوساطة التي يقوم بها انان.
وأكد لافروف ان روسيا على استعداد للعمل على وضع قرار توافقي حول سوريا في مجلس الامن. وشدد على ضرورة الاخذ بعين الاعتبار المبادئ الخمسة المتفق عليها مع الجامعة العربية، وهي وقف العنف من جميع الاطراف، ووضع آلية حيادية للمراقبة، واستبعاد التدخل الخارجي، وتوفير المساعدات الانسانية لجميع السوريين ومن دون أية عوائق، ودعم جهود انان التي ترمي الى بدء الحوار السياسي في سوريا.
وأشار الى ضرورة وقف إطلاق النار في سوريا باعتباره الامر الأكثر أهمية بالنسبة الى نقل المساعدات الانسانية الى سكان البلاد. وقال «اذا كانت لدينا الرغبة الصريحة في وقف جميع اعمال العنف باعتباره الامر ذا الاولوية وتقديم المساعدة الانسانية للسكان المدنيين، فيجب ان نتحدث في هذه المرحلة لا عمن بدأ النزاع، بل عن وضع حلول واقعية قابلة للتحقيق من شأنها ان تسمح بوقف إطلاق النار اولا».
وحذر لافروف من مغبة «التلاعب» بقرارات مجلس الامن. وقال «مهما كانت الاهداف المرجوة في هذه الحالة أو تلك، لا يجوز تحقيقها من خلال خلط الاوراق والتلاعب بقرارات مجلس الامن الدولي»، مضيفا ان ذلك «يسيء الى سمعة المجلس ويقوض الثقة المتبادلة بين أعضائه، وبالتالي قدرته على اتخاذ قرارات في المستقبل». وتابع ان «تلك الدول والمنظمات التي تأخذ على عاتقها تنفيذ تفويض مجلس الامن الدولي يجب أن تقدم كل المعلومات عن عملها الى مجلس الامن. وينسحب هذا الامر أيضا على حلف الناتو الذي تولى ضمان نظام حظر الطيران فوق ليبيا، ولكن بدأ في الحقيقة بعمليات قصف واسعة النطاق». وشدد على ان «التدخل الخارجي باستخدام القوة العسكرية الفظة يزيد من خطر انتشار السلاح بصورة غير شرعية، وبالتالي يؤدي الى ظهور خطر زعزعة الاستقرار في المنطقة».
وقال لافروف أمام مجلس الامن في نيويورك ان العقوبات التي تفرض من طرف واحد ومحاولات الدفع من أجل تغيير النظام في سوريا والتشجيع الذي تحظى به المعارضة المسلحة في سوريا، تشكل «وصفات خطرة لتلاعب جيوسياسي لا يمكن إلا أن يؤدي الى امتداد النزاع» في سوريا. وتابع ان التغييرات في العالم العربي «لا يمكن بلوغها عبر خداع المجتمع الدولي ولا عبر التلاعب بمجلس الامن»، في اشارة الى سوريا وليبيا.
وقال لافروف، في مؤتمر صحافي بعد الجلسة، ان «روسيا لم تقف مكتوفة الايدي» حيال الوضع في سوريا، مضيفا «نحن على اتصال منتظم مع الحكومة السورية».
من جانبه، أعلن المندوب الصيني لدى الامم المتحدة لي باودونغ ان بلاده تعارض أي تدخل عسكري وأي محاولة لتغيير النظام في سوريا. وأوضح ان بكين التي تجري اتصالاتها الدبلوماسية الخاصة حول سوريا على هامش مهمة الوساطة التي يقوم بها كوفي انان، تريد إجراء «مشاورات كاملة مع كل الاطراف على أساس من المساواة».
وفي أنقرة قال انان، قبل اجتماعه مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان ووزير الخارجية احمد داود اوغلو، ان «قتل المدنيين يجب أن يتوقف الآن». وتحدث انان عن وضع «معقد» في سوريا، داعيا في الوقت ذاته دمشق الى السماح بحرية وصول المساعدات الانسانية الى المدنيين المحتاجين في المناطق التي تشهد حركة احتجاجية ضد النظام.
وقال انان، الذي سيلتقي اليوم ممثلين عن «المجلس الوطني السوري» في أنقرة، «منذ حضوري إلى المنطقة وأنا أتابع عن كثب التطورات في سوريا، وثمة تقارير خطيرة ومروعة عن أعمال وحشية وانتهاكات». وتابع «يجب أن يتوقف قتل المدنيين الآن. على العالم أن يبعث برسالة واضحة وموحدة بأن هذا الامر غير مقبول بالمرة». وأضاف «سنمضي قدما ونحاول ضمان إتاحة وصول المساعدات الانسانية ووقف قتل المدنيين وجلوس جميع الاطراف إلى الطاولة من خلال عملية سياسية». وقال «لن يكون الامر سهلا. سيستغرق وقتا وآمل ألا يكون طويلا لأننا لا نستطيع تحمل استمرار هذا الأمر لبعض الوقت. ولن تحل القضية اليوم».
وكان أنان قد أطلع المسؤولين في قطر على «نتائج زيارته الاخيرة الى سوريا». وذكرت وكالة الانباء القطرية ان امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني «استعرض تطورات الاوضاع فى سوريا» مع انان. وأضافت ان رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بحث مع انان «سبل الخروج من الازمة الراهنة في سوريا وفق المبادرة العربية في 22 كانون الثاني الماضي» التي تنص على نقل السلطة الى نائب الرئيس وتشكيل حكومة مهمتها التحضير لانتخابات.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعلنت ان انان أبلغ لافروف، في اتصال هاتفي، «بدء بعثته في دمشق، وأكد عزمه على التعامل مع روسيا من أجل إنجاز التسوية السلمية في سوريا وذلك لتوضيح الاتفاق الذي تم التوصل اليه في الاجتماع الذي عقد بالقاهرة في 10 آذار». وأضافت، في بيان، ان لافروف أكد «تأييده لبعثة انان وفقا للمواقف الروسية المبدئية الرامية الى وقف العنف من جميــع الاطراف وبدء الحوار بين الحكومة والمعارضة من دون تحديد نتائجه مسبقا».
وقال السفير السوري في روسيا رياض حداد، في موسكو، إن مناقشات انان مع الأسد لم تتضمن اقتراحا بتنحي الرئيس. وقال إن المناقشة بين الأسد وانان تركزت على «خمسة مبادئ» للتوصل إلى تسوية سورية اتفق عليها لافروف ووزراء الخارجية العرب في القاهرة السبت.
ودعت مسؤولة العمليات الانسانية في الامم المتحدة فاليري آموس الحكومة السورية الى مزيد من «الشفافية»، معربة عن الامل أن تتمكن الامم المتحدة من إطلاق عملها الانساني في سوريا الخميس.
وأبلغ الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالموقف العربي الصادر عن الاجتماع الأخير لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري بشأن معالجة الوضع في سوريا، والذي يطالب في فقرته الأولى الحكومة السورية بالوقف الفوري لأعمال العنف والقتل.
وقال نائب الامين العام أحمد بن حلي إن «العربي طلب من سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن دعم ومساندة المبادرة العربية لحل الأزمة السورية، خاصة أن هناك مشاورات تجرى حاليا في الأمم المتحدة حول مشروع قرار آخر يركز على بعض العناصر الأولية لمعالجة الازمة السورية، وطلب كذلك دعم مهمة انان وتعزيزها».
وفي الرياض، قال وزير الثقافة والإعلام عبد العزيز خوجة، في بيان، عقب جلسة مجلس الوزراء برئاسة الملك عبد الله، ان «المجلس كرر التأكيد أن الوضع في سوريا بلغ حدودا تحتم على الجميع التحرك بسرعة وجدية وعلى النحو الذي يعطي للشعب السوري الأمل في إمكانية إنهاء محنته القاسية والمتفاقمة يوماً بعد يوم».
وأكدت طهران مجددا «دعمها الكامل» للحكومة السورية محملة الدول الغربية والعربية مسؤولية تفاقم الازمة. وقال نائب وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان ان «ايران تشدد على دعمها الكامل للشعب والحكومة في سوريا». وأضاف ان «ايران تعتبر ان حلا سياسيا» يستند الى الاصلاحات التي اقترحها الاسد «هو الحل الافضل» للخروج من الازمة. وتابع ان «الدول (الغربية والعربية) التي تدعم انعدام الاستقرار وزعزعة الامن في سوريا مسؤولة عن تفاقم الازمة».
من جهته رحب المسؤول الثاني في المجلس الاعلى للامن علي باقري الذي استقبل نظيره الروسي يفغيني لوكيانوف بـ«التعاون الاستراتيجي بين ايران وروسيا الذي يصب في مصلحة دول المنطقة والامن والاستقرار الاقليمي»، كما أوردت وكالة مهر للانباء. وانتقد لوكيانوف سياسة «المكيالين التي ينتهجها الغرب الذي يدعم المجموعات الارهابية في سوريا».
واتهمت السلطات السورية، أمس، مجموعات إرهابية بارتكاب «مجزرة حي كرم الزيتون» في حمص، مؤكدة أن قطر والسعودية شريكتان في «الإرهاب من خلال دعمها لهذه المجموعات بالمال والسلاح»، وذلك بعد ساعات من اتهام المعارضة للقوات النظامية بارتكاب «المجزرة» بعد العثور على جثث حوالى 50 امرأة وطفلا في مدينة حمص «مقتولين ذبحا أو طعنا».
وقال وزير الإعلام السوري عدنان محمود، في تصريح لوكالة «فرانس برس»، إن «المجموعات الإرهابية ارتكبت أفظع المجازر بحق المواطنين في حي كرم الزيتون في حمص من أجل استغلال سفك الدماء السورية بهدف الضغط لاستدعاء مواقف دولية ضد سوريا»، قبل ساعات من اجتماع لمجلس الأمن.
وأضاف محمود «لقد اعتدنا على التصعيد الدموي لهذه المجموعات الذي يسبق اجتماعات دولية لاتخاذ مواقف عدوانية ضد سوريا خلالها». وأكد أن «بعض الدول التي تدعم المجموعات الإرهابية المسلحة مثل قطر والسعودية هي شريكة في الإرهاب الذي يستهدف الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته، وتتحمل مسؤولية نزيف الدم السوري من خلال دعمها للمجموعات الإرهابية المسلحة بالمال والسلاح والمواقف الحاضنة لها». (تفاصيل صفحة...)
ودعا «المجلس الوطني السوري» إلى تدخل غربي وعربي لحماية المدنيين من القوات السورية. وقال المتحدث باسم المجلس جورج صبرا، في مؤتمر صحافي في اسطنبول، «نطالب بتدخل عسكري عربي ودولي عاجل من أجل إنقاذ المدنيين. نطالب بممرات ومناطق آمنة توفر الحماية من خطر الابادة للمواطنين المهددة حياتهم ووجودهم. نطالب بحظر جوى على كل الأراضي السورية لمنع عصابات الاسد من ارتكاب المزيد من المجازر والمذابح».
وطالب «بعمليات تسليح منظم لكتائب الجيش الحر الميدانية وبأقصى سرعة داخل البلاد والتي تتولى الدفاع عن المدنيين وحمايتهم، وتقديم الأسلحة اللازمة التي تمكن شعبنا السوري في الدفاع في المدن والقرى التي يجري اجتياجها أو التخطيط لإقامة حرب إبادة ضد كل مكونات الشعب السوري، وبدور فوري في الإطار العربي الدولي لفتح قنوات الدعم اللوجستي للشعب السوري والجيش السوري الحر».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد