القدس عاصمة الثقافة العربية والأسئلة الحارقة

09-03-2009

القدس عاصمة الثقافة العربية والأسئلة الحارقة

كان المقترح أن تكون عاصمة الثقافة العربية في العام 2009 هي بغداد، لكن وزارة الثقافة العراقية اعتذرت بسبب عدم توافر شروط النجاح لاستضافة الاحتفالية في ظل الظروف التي تعيشها العراق. فما كان من وزير الثقافة الفلسطيني الأسبق عطا الله ابو السبح إلا أن بادر لإنقاذ الموقف وتبنى الاحتفالية في القدس، وكأن ظروف القدس أكثر هدوءاً واستقراراً وأمناً وتلبية للمتطلبات من ظروف بغداد!
خلقت هذه (البشرى) التي زفها لنا الوزير الأسبق بابتهاج لغطاً واسعاً، لم يرتق إلى مستوى الحوار الثقافي الرصين بين أصحاب الشأن، فأيد البعض القرار وكان متحمساً له بشدة، وكان البعض متردداً ولديه بعض التخوفات والتحفظات، والبعض كان يرى أن الظروف غير مهيأة على الإطلاق لتنظيم الاحتفالية.
حاول بعض المثقفين والكتّاب أن يقنعوا القائمين على الاحتفالية بالتريث قليلاً، وإعادة الحسابات، لأن هذه الاحتفالية ليست مهرجاناً سنوياً، يمكن في حالة عدم نجاحه أن تتكرر فرصة تنظيمه في الأعوام التالية، أو تتاح فرصة تعديل الصورة بعد خوض التجربة، بل هي استحقاق حضاري من العيار الثقيل، إن لم نكن بقدر التحديات التي يفرضها علينا، ولم ننجح في تنظيمه على خير ما يرام، فإننا سوف نتعرى ثقافياً، وسنكشف عن ادعاء كبير، وتضخيم زائف للقدرات الذاتية. إلا أنه تم غض النظر عن كل الملاحظات والانتقادات والمشادات والأسئلة التي تفاعلت في أكثر من موقع ومناسبة ومنبر وكان الرد هو (ارتكاب) هذه الاحتفالية مع سبق الإصرار والترصد!! 
الإصرار على الاحتفالية مهما كانت الظروف، يمتلك في شكله الظاهري قوة وصلابة في مواجهة الظروف والمعيقات توحي بزخم كامن في داخل القائمين عليها، كفيل بجعل الاحتفالية أقوى ثقافياً ووطنياً من أي تحديات. ولكن هل سمح سياق التحضيرات للاحتفالية بالاطمئنان إلى أن الذي يقال هو فعلا الذي سيكون؟
إن التصدي للواقع المعيق وعدم الخضوع لإملاءاته يدل على مبدئية من يتفاعلون مع هذا الواقع وثقتهم بقدراتهم وجديتهم في الاشتباك معه، لكن اتخاذ قرار مناطحة الواقع دون توافر الجاهزية الكاملة للنجاح في هذه المواجهة، يعتبر مغامرة غير محسوبة العواقب وغير مدروسة التبعات (ألم يتكرر هذا الخطاب العقلاني أثناء الحربين على غزة ولبنان؟!!).
قد تكون الاحتفالية فرصة ذهبية، ومناسبة كبرى للاشتباك، يمكنها أن تحمل مصباحاً يضيء على كثير من المطمور في بئر التاريخ وزوايا الزمان إذا ما تسنى لها أن تذهب حيثما يجب أن تذهب، بحيث تجسد من الناحية الفعلية احتفاءً بالمدينة بصفتها منجزاً حضارياً، وبالمكان بصفته حيزاً ثقافياً، وبالزمان بصفته سياقاً ممتداً لا يكتفي بما تحتفظ به ذاكرة الأحياء، وبالقبلة الأولى بصفتها ميدان صراع للروايات.
الاحتفالية ـ احتمالاً ـ هي مناسبة لطرح الأسئلة الحارقة، وإثارة الجدل الملتهب حول إشكاليات الوجود والبقاء، والواقع والأفق، والممكن والمستحيل، ضمن عملية تحريك للراكد وترسيخ عميق لثقافة الانتماء للوطن والالتزام بقضاياه، ثقافة المقاومة والحرية.
- الاهتمام بالإشارة إلى الخطاب الرسمي المتعلق بالاحتفالية، يندرج في سياق الاهتمام ببنود ونقاط كثيرة تطرحها تفاعلات التحضير للاحتفالية، من أبرزها قضايا التمويل، والطاقم الإداري، وتوزيع الميزانيات، والخطة العامة، وبرمجة الفعاليات، ودور المثقفين، وشراكة المؤسسات الثقافية، والعلاقة بين السياسي والثقافي، والقيمة الثقافية، ودور الفلسطينيين في المنفى وفي الأراضي المحتلة عام 1948.. الخ. لكننا لن نخوض الآن في كل هذه التفاصيل، بل سنحاول فقط استشفاف الوعود التي تعدنا بها الاحتفالية، من ناحية أنها احتفالية تعد بالقدرة على مواجهة المعيقات والتحديات بكل هذه الثقة وكل هذا الإصرار وكل هذا الزهو. وتعد بطبيعة الحال بتحقيق ما يأتي:
ـ المساهمة في خلق مناخ ثقافي جديد يمهد لنهضة ثقافية فلسطينية تستند إلى استراتيجية تنموية شاملة، تحظى الثقافة فيها بقدر كبير من الاهتمام.
ـ عولمة القدس إعلامياً وثقافياً وسياسياً كقضية وطنية وقومية ذات منحى إنساني، وكإشكالية تاريخية مستعصية تستدعي تضافر جهود العالم من أجل فك أسرها وإعادة فتح أبوابها على الكون كملتقى للحضارات والديانات وكمدينة محتلة، وتحويلها إلى مركز اهتمام بصفتها مدينة ذات قيمة حضارية وتاريخية وتراثية، وتتمتع بمكانة دينية ووطنية وقومية وإنسانية مهمة.
ـ المساهمة في تعزيز الهوية الوطنية لدى الفلسطينيين في مدينة القدس وحماية الموروث الثقافي من المخاطر التي تهدده، والتصدي للهجمة المنظمة على الوعي الوطني والقومي والانتماء الحضاري للمواطن الفلسطيني عموما والمقدسي خصوصا.
ـ ضمان المساهمة الثقافية والإبداعية لكل أطياف المجتمع من خلال تحقيق الشراكة بين جميع مكوناته ومستوياته الثقافية والإبداعية أفرادا ومؤسسات. واحتضان الطاقات والفعاليات الثقافية والإبداعية الفلسطينية في مختلف المجالات، وفي جميع المواقع الجغرافية بحيث تراعى الشمولية والاتساع، وبحيث تجسد الاحتفالية وحدة الحلم والوجدان والضمير والهدف للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده دون إقصاء أو تهميش. وبحيث تتسع دائرة الفعاليات الثقافية والإبداعية في الأطراف والمواقع المحيطة بمراكز المدن وخصوصا القدس لضمان مشاركة جميع فئات المجتمع في التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.‏
ـ تحقيق تواصل فعال وتبادل ثقافي مثمر بين فلسطين والعرب استنادا إلى مبدأ احترام الموقف العربي المبدئي المناهض للتطبيع. وعدم استغلال الاحتفالية لاستدراج المثقفين العرب إلى مواقف وممارسات طالما تعاملوا معها على أنها شكل من أشكال التطبيع. والتركيز على تنشيط الفعل الثقافي المواكب للاحتفالية في جميع العواصم العربية، مع ضمان ألا تتحول أسابيع الثقافة الفلسطينية إلى كرنفالات سياسية ضحلة ثقافيا.
ـ خلق مشاريع فنية وثقافية متعددة الاختصاصات قائمة على التعاون بين مثقفين وفنانين فلسطينيين وعرب وعالميين.
ـ كشف وتعرية الانتهاكات التي تتعرض لها مدينة القدس، وتعميق المساهمة العربية والعالمية في لفت الأنظار إلى التهديد الثقافي والحضاري الذي تتعرض له القدس على المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.
ـ تعريف العالم بحجم وطبيعة ومستوى القيود التي تكبل المثقفين والمبدعين الفلسطينيين وتأثير الحصار والحواجز وجدار الفصل العنصري على حرية الإبداع والممارسة الفنية في فلسطين عموما والقدس خصوصا.
ـ توفير بنية تحتية أساسية للعمل الثقافي والفني في مدينة القدس، وتذليل العقبات الواقفة أمام إمكانيات تطوير وتوسيع المؤسسات الثقافية القائمة فيها وإنشاء مراكز ثقافية جديدة تلبي حاجات المجتمع المقدسي على أساس الكفاءة والجدارة.
ـ خلق فرص دعم وتطوير الإنتاج الفني للفنانين والفرق الفنية الفلسطينية وضمان شروط الاستمرارية في إنتاج مشاريع فنية فلسطينية على المدى البعيد.
نحن إذاً أمام استحقاقات تفرضها الاحتفالية بالحدود الدنيا الواردة أعلاه، فهل سيكون الوفاء على قدر الوعد؟

خالد الغول

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...