المحافظون الجدد: بعد غزة ولبنان يجب أن يأتي دور سورية وإيران
الجمل: بعد أن أصبح المحافظون الجدد، أكثر إدراكاً للفرصة التي لاحت أمامهم على خلفية العدوان الإسرائيلي الجاري، يحاول الآن زعماء هذه الجماعة، استرداد كامل نفوذهم على توجهات وهوس الإدارة الأمريكية، وهو نفوذ ضاع منه بعض الشيء بسبب التداعيات السلبية لحرب العراق على توجهات الإدارة الأمريكية، وحالياً أصبح العرابون الكبار في حركة المحافظين الجدد، يتبنون علناً إقدام الإدارة الأمريكية الجديدة على الدعم المفتوح، وغير المشروط، لإسرائيل من أجل آن تعزز موقفها وتمضي قدماً في تصعيد حملاتها العسكرية ضد قطاع غزة ولبنان.. وذلك بما يعطي قدرة أكبر لاستهداف سورية وإيران في الخطة التي تلي ذلك.. كذلك يرى المحافظون الجدد ضرورة توسيع نطاق العدوان الإسرائيلي الحالي، بحيث تعمل الإدارة الأمريكية بقدر الإمكان على تنفيذ مخططات الهجوم وتوجيه الضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، وذلك عقاباً واقتصاصاً من دعم إيران لحزب الله.
ففي أحد أعمدة مجلة (ويكلي استاندرا)، وتحت عنوان (حربنا)، كتب رئيس تحرير المجلة وليام كريستول والذي يعد من أبرز عرابي وزعماء المحافظين الجدد، واصفاً إيران بأنها تمثل الـ(محرك الأول الذي يقف خلف الجماعات الإرهابية التي ابتدأت وأشرعت هذه الحرب)، وأضاف مطالباً الإدارة الأمريكية والرأي العام بضرورة النظر إلى هذه الحرب التي تشنها إسرائيل باعتبارها تمثل جزءاً من (الكفاح والنضال العالمي ضد الإسلامية الراديكالية المتطرفة..).. كذلك لم ينس التعبير عن تظلماته، وذلك عندما وصف الإدارة الأمريكية بأنها قد تصدت مؤخراً بشكل سيئ لعملية إنجاز مهمة إضعاف سورية وإيران.. وبناء على ذلك، طالب وليام كريستول، الرئيس جورج دبليو بوش بضرورة أن يتخلى ويترك فوراً اجتماعات قمة الثمانية الـ(سخيفة) المنعقدة في سانت بطرسبورغ، وأن يطير فوراً إلى أورشليم (القدس) عاصمة الـ(أمة التي ظلت تقف مع أمريكا، وتعمل راغبة بإدارة قوية من أجل الحرب وخوض القتال إلى جانب أمريكا، ضد الأعداء المشتركين..).
وطرح كريستول بعد ذلك رأياً لخص فيه الحرب العدوانية الإسرائيلية، قائلاً بـ(أن هذه الحرب، هي حربنا أيضاً..).
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن وليام كريستول، إضافة إلى رئاسته لتحرير مجلة الويكلي استاندرا الناطقة باسم متشددي المحافظين الجدد، فهو أيضاً عضو بارز، مؤسس ومشارك في (مشروع القرن الأمريكي الجديد: PNAC)، الخاص بجماعة المحافظين الجدد.
وقد تردد صدى ما قاله وليام كريستول في عموده، بوساطة المعلق السياسي لاري كودلو، والذي ينتمي لحركة المحافظين الجدد أيضاً، وذلك عندما كتب لاري كودلو في عموده قائلاً: (إن كل واحد منا في العالم الحر، يدين بالمزيد من الثناء والشكر الهائل واللامحدود لإسرائيل، وذلك بسبب دفاعها عن الحرية والديمقراطية والأمن، ضد براثن الـ(قطة المقدسة) التي أصبحت حركة حماس وحزب الله تعملان كمساعد ومعاون إرهابي فرعي لها..
وأضاف لاري كودلو، قائلاً –بشكل يتطابق تمام التطابق والتماثل مع كل ما يقوله وليام كريستول، وغيره من ذوي العقول المعبأة بالخصومة والعداء- «إن الإسرائيليين يدافعون عن الوطن الأمريكي، وذلك لأنهم يمثلون الحليف الديمقراطي، المخلص، الذي يقف دائماً إلى جانب أمريكا في خط جبهة الشرق الأوسط».. وقد تطرق لاري كودلو إلى وصف سورية وإيران باعتبارهما الـ(هدف التالي المحتمل عندما يتسع نطاق الصراع..).
ما قام بكتابته كل من وليام كريستول، ولاري كودلو يمثل نموذجاً للكثير من الأمثلة الوافرة الحجم والعدد، التي برزت وظهرت في وسائل الإعلام والصحافة الأمريكية، وذلك منذ لحظة بدء العدوان الإسرائيلي ضد لبنان. ويرى الكثير من المحللين، أن هذه المواد الصحفية والإعلامية، ما هي إلا جزء من حملة تم إعدادها وتنظيمها مسبقاً بوساطة جماعة المحافظين الجدد، بحيث يتم ترسيخ صورة العدوان الإسرائيلي الجاري حالياً باعتباره يمثل جزءاً من الجهد الذي تقوم به إسرائيل، باعتبارها قاعدة أمامية للحضارة الغربية، في مواجهة التطرف الإسلامي الذي تقوم بتنظيمه إيران.. وشركائها..
كذلك عبرعن هذا التوجه –المعد سلفاً- بشكل أكثر دراماتيكية، المتحدث الرسمي الحكومي الأمريكي السابق، عن الحزب الجمهوري: تيويت فينفريش، في لقاء صحفي تم إجراؤه معه الأسبوع الماضي، عندما وصف العدوان الإسرائيلي الحالي باعتباره يمثل الـ(مراحل المبكرة الأولى.. للحرب العالمية الثالثة).
هناك جهود كبيرة يقوم بها المحافظون الجدد من أجل تأطير العدوان الإسرائيلي الراهن لجهة اعتباره وتضمينه كجزء من قتال أكبر واسع المدى والنطاق، على خلفية تصوير إسرائيل باعتبارها تمثل الحليف الرئيس في خط المواجهة، والأكثر تأييداً ومناصرة وولاء لأمريكا، هذا، ويرى بعض المحللين البارزين أن هذه المنهجية تعيد وتستدعي إلى الذاكرة رد الفعل المبكر الذي سبق أن قامت به جماعة المحافظين الجدد، فوراً بعد وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول ضد نيويورك والبنتاغون، فقد حدث بعد تسعة أيام فقط من وقوع الهجمات، أن قام وليام كريستول بالمشاركة مع مركز مشروع القرن الأمريكي الجديد، والذي تضم عضويته كل من ديك تشيني نائب الرئيس جورج بوش، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي، إضافة إلى حوالي عشرة من كبار المسؤولين البارزين في الإدارة الأمريكية، بصياغة وتوجيه رسالة مفتوحة علنية للرأي العام الأمريكي والرئيس بوش، تطالب الإدارة الأمريكية بضرورة القيام بإجراء انتقامي لا ضد تنظيم القاعدة وأفغانستان فقط، وإنما أيضاً ضد خصوم وأعداء إسرائيل الرئيسيين في إقليم الشرق الأوسط، وذلك بدءاً من الرئيس العراقي آنذاك –صدام حسين- وياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية.
كذلك اقترحت الرسالة أن (أي حرب ضد الإرهاب، يتم شنها يجب أن تستهدف حزب الله، مع ضرورة قيام الإدارة الأمريكية فوراً بمطالبة إيران وسورية بالكف الفوري عن تقديم التأييد والدعم والمساعدات العسكرية والمالية والسياسية لحزب الله وعملياته، وفي حالة عدم الامتثال، فإن على الإدارة الأمريكية أن تنظر في أمر الإجراءات الكافية من أجل الانتقام والقصاص من هذه الدول الراعية للإرهاب).
يمثل الصراع العدواني الراهن فرصة ذهبية أمام المحافظين الجدد، لاستعادة نفوذهم وتشديد القبضة الصهيونية، على الإدارة الأمريكية، وذلك من أجل تفعيل وتنشيط الأجندة التي سبق وأن وضعتها إسرائيل ضد حزب الله.. وإيران.. وسورية..
يشير المؤشر بوضوح إلى التحركات الناشطة لجماعات المحافظين الجدد وصقور الإدارة الأمريكية –بعد أن اشتموا رائحة الدم- وذلك من أجل دفع الإدارة الأمريكية باتجاه تغيير ما أطلقوا عليه تسمية –السياسات الواقعية التساومية- التي تطبقها الإدارة الأمريكية حالياً -بحسب رأيهم- في تعاملاتها مع إيران وسورية بوساطة وزارة الخارجية الأمريكية، بشكل جعل من واشنطن –وفقاً لرأيهم- تبدو ضعيفة إزاء خصومها في المسرح الدولي..
الجمل
إضافة تعليق جديد