النظام المصري ولعبة ابتزاز أطراف الصراع

10-11-2007

النظام المصري ولعبة ابتزاز أطراف الصراع

الجمل: تتميز رقعة الصراعات الشرق أوسطية بالتداخلات البالغة التعقيد، وتأسيساً على معطيات الروابط الجزئية والأوضاع الكلية للصراع، وارتباط بيئة الصراع الداخلية مع بيئة الصراع الخارجية بشكل وثيق، فإن حدوث أي تغيير في منطقة الشرق الأوسط، سيتردد صداه بالضرورة في بقية المناطق، وهكذا، فإن العقوبات ضد سوريا، والعقوبات ضد إيران، والصراع الكردي – التركي، والانتخابات اللبنانية، وصعود الحركات الإسلامية في الأردن ومصر، وأزمة قطاع غزة، وأزمة الضفة الغربية، والمعطيات المحتملة لمؤتمر سلام أنابوليس وما بعده، والصراع العراقي.... جميعها على أساس الاعتبارات والمعطيات المشار إليها، تمثل عواملاً لا تنفصل عن بعضها البعض، وإن كان لكل منها خصوصيته التي تميزه، وطبيعته الداخلية المتفردة الملامح والسمات.
* ارتباط قطاع غزة بمصر: الأبعاد والخصائص الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية:
تمثل مصر شريان الحياة بالنسبة لقطاع غزة، فهي مصدر الإمداد الوحيد لكل شيء، بدءاً من طلقات البنادق، مروراً بالمواد الغذائية وصولاً إلى حركة الأفراد والسلع المشروعة وغير المشروعة، خاصة عندما تشتد قبضة الحصار الإسرائيلي على القطاع كما يحدث الآن.
اعتماد قطاع غزة على الإمدادات المصرية أدى بالمقابل إلى تزايد نفوذ السياسة المصرية على القطاع، ويدرك القائمون في مصر على عملية صنع واتخاذ القرار هذه الحقيقة بشكل جيد، وقد أمكنهم استغلالها وتوظيفها دائماً بشكل جيد طوال الفترة الماضية من عمر الصراع العربي – الإسرائيلي والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المتفرع عنه.
* النظام المصري: لعبة ابتزاز أطراف الصراع:
على صعيد توظيف ارتباط خصائص قطاع غزة الجيوبوليتيكة (وهي الخصائص المتعلقة بارتباط الوضع السياسي بالوضع الجغرافي) مع خصائصه الجيوستراتيجية (وهي الخصائص المتعلقة بارتباط الوضع العسكري بالوضع الجغرافي)، فقد استطاع نظام حسني مبارك توظيف هذا الارتباط، بما يحقق له عدة مزايا:
• مسار التأثير على الفلسطينيين الموجودين داخل القطاع، طالما أن أمامهم "فرصة" التعاون مع مصر، أو مواجهة "مخاطر" الحصار الإسرائيلي.
• مسار التأثير على الإسرائيليين الذين يحاصرون القطاع، طالما أن أمامهم "فرصة" التعاون مع مصر، أو مواجهة "مخاطر" أن تفتح مصر حدودها مع قطاع غزة.
• مسار التأثير على السلطة الفلسطينية غير الموجودة في القطاع، طالما أن أمامها "فرصة" التعاون مع مصر إعادة القطاع إليها، أو مواجهة "مخاطر" أن تتعاون مع حماس المسيطرة حالياً على القطاع، بما يؤدي إلى إفلات القطاع نهائياً من يد السلطة الفلسطينية.
* لعبة قطاع غزة: انتقال دور النظام المصري من الـ"طرف الثاني" إلى الـ"طرف الثالث":
بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد (أو بالأحرى اتفاقيات كامب ديفيد) بين مصر وإسرائيل، فقد خرجت مصر نظرياً وعملياً من دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي، ووفقاً لقواعد اللعبة، فإن مصر لم تعد "طرفاً ثانياً" في الصراع الدائر بين الطرفين الإسرائيلي والعربي، بل تحولت إلى "طرف ثالث" يلعب دوراً مختلفاً تماماً عن دور الـ"طرف الثاني"، بكلمات أخرى، لم تعد مصر طرفاً في الصراع مثلما هو الحال بالنسبة لسوريا، الفلسطينيين، وحزب الله..
الجوار الإقليمي بين قطاع غزة ومصر أتاح للنظام المصري القيام (بفعالية) بدور الـ"طرف الثالث" الذي يستطيع أن يؤثر على الصراع بين الأطراف الثانية، والمتمثلة بالفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى هذه الخلفية تتشابك خيوط الصراع وتتداخل مع خطوط المصالح في العلاقات المصرية – الأمريكية، بحيث أصبح النظام المصري في علاقاته مع واشنطن، يتعرض لثنائية التعامل وفقاً لمبدأ العصا والجزرة. بكلمات أخرى، عندما يتعاون النظام المصري مع التوجهات الأمريكية والإسرائيلية، ويشدد الخناق على الفلسطينيين في قطاع غزة، فإنه يحصل على الجزرة الأمريكية التي تأتيه في شكل معونات غذائية وعسكرية، وعندما لا يتعاون فإنه يحصل على العصا الأمريكية التي تأتيه في شكل قطع لتلك المعونات.
* لعبة قطاع غزة وآخر التطورات في العلاقات المصرية – الإسرائيلية:
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريراً إخبارياً أعده مراسلها في القدس ستيفن إيرلانغير، تناول مطالبة إسرائيل لمصر أن تضغط على حركة حماس، هذا وقد ركز التقرير الإخباري على النقاط الآتية:
• المزاعم الإسرائيلية: يقول الإسرائيليون بأن مصر لم تفعل حتى الآن شيئاً في عملية الضغط على حركة حماس الفلسطينية المسؤولة حالياً عن قطاع غزة. وذلك (كما يقول الإسرائيليون) بدليل أن عمليات تهريب الأسلحة والعتاد وتسلل المسلحين وتدفقات الأموال ما تزال مستمرة وبكثافة بين قطاع غزة والأراضي المصرية.
• التهديد الإسرائيلي للنظام المصري: يقوم حالياً بعض المسؤولين الإسرائيليين، ومن بينهم أعضاء في الكنيست من أعضاء حزب الليكود المعارض، وبعض عناصر اللوبي الإسرائيلي، بعملية ضغط على الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي لكي يتم إيقاف تقديم المساعدات الغذائية والعسكرية لمصر، بسبب عدم تعاونها في الحصار الإسرائيلي المفروض ضد حركة حماس في قطاع غزة.
• المشروطيات الإسرائيلية الجديدة: يحاول الإسرائيليون وعناصر اللوبي الإسرائيلي إقناع الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي بأن يتم تقديم المساعدات لمصر على دفعات، بحيث لا يتم تقديم أي دفعة إلا بعد موافقة إسرائيل المسبقة. بكلمات أخرى، لن تقوم الولايات المتحدة بإرسال أي دفعة مساعدات إلى مصر إلا إذا حصلت على موافقة إسرائيل المسبقة، ولن تقوم إسرائيل بتقديم أي موافقة لأمريكا إلا إذا اقتنع الإسرائيليون بأن مصر قد قامت بتنفيذ الواجبات والمهام التي حددتها لها إسرائيل في قطاع غزة.
• التحركات الإسرائيلية الجديدة ضد مصر: قام السياسي اليهودي يوفال شتاينيتز، عضو الكنيست الإسرائيلي، بتعميم رسالة وزعها على جميع أعضاء الكونغرس الأمريكي طالباً منهم فيها تأييد ودعم إسرائيل فيما يتعلق بصراعها ضد حركة حماس، وتطالب هذه الرسالة بالآتي:
* على مستوى مجلس النواب الأمريكي: قام بعض أعضاء مجلس النواب الأمريكي بإعداد مسودة عريضة تطالب مجلس النواب بإصدار تشريع يستهدف تجميد مبلغ 200 مليون دولار أمريكي يمثل الدفعة الأولى التي سوف تقوم إدارة بوش بتقديمها إلى مصر ضمن برنامج المساعدات الأمريكية لها والذي تبلغ قيمته حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي. وقد حصلت العريضة المقدمة حتى الآن على تأييد معظم أعضاء لجنة الشئون الدفاعية التابعة لمجلس النواب الأمريكي.
* على مستوى مجلس الشيوخ الأمريكي: تحركت عناصر اللوبي الإسرائيلي، بالتنسيق مع بعض السياسيين الإسرائيليين في تنظيم حملة اجتماعات مع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وحثهم من أجل تأييد قرار مجلس النواب حول تجميد دفعة المساعدات المقدمة لمصر فور صدوره، وأيضاً الضغط على إدارة بوش لكي تقوم بعملية تجميد غير معلنة ريثما يتم صدور القرار.
* الخلافات المصرية – الإسرائيلية حول أزمة القطاع:
طالب الإسرائيليون والأمريكيون من السلطات المصرية مراراً وتكراراً القيام بالآتي:
• إغلاق الحدود المصرية مع غزة إغلاقاً تاماً.
• إيقاف عمليات التهريب والتسلل التي تتم بين القطاع والجانب المصري من الحدود.
• البحث الدقيق عن الأنفاق التي يتم استخدامها في عمليات التهريب بين قطاع غزو ومنطقة رفح الفلسطينية.
• القيام بترحيل عشائر البدو الموجودين في منطقة رفح وبعض مناطق سيناء المصرية، إلى أماكن تكون بعيدة نسبياً عن قطاع غزة بحيث يصعب عليهم الانخراط في شبكات التهريب بين القطاع والأراضي المصرية.
هذا، وبالنسبة للنظام المصري، فقد أبدى الموافقة للإسرائيليين إزاء المطالب الثلاثة الأولى المتمثلة في إغلاق الحدود وإيقاف التهريب وإغلاق الأنفاق التي يتم اكتشافها، أما بالنسبة للطلب الإسرائيلي الرابع فقد رفض المصريون تنفيذه باعتبار أن السلطات المصرية لا يمكن أن تقوم، مهما كانت الأسباب، بترحيل المواطنين المصريين من مواطنهم المحلية، وذلك لأنهم أولاً مواطنون مصريون، وثانياً لأن الاكتظاظ السكاني في مصر لا يسمح باستيعابهم، وثالثاً لأنه لا توجد الإمكانات الكافية لذلك، ورابعاً لأن وجودهم في مثل هذه المنطقة يمثل حماية للأمن القومي المصري. بكلمات أخرى، فإن مصر لن تقبل بتفريغ سيناء من سكانها على النحو الذي يجعلها منطقة خالية سهلة الاقتحام أمام القوات الإسرائيلية في أي صراع مستقبلي، خاصة وأن الكثير من الإسرائيليين ما زالوا يتحدثون حول ضرورة خوض الحرب مع مصر، واحتلال سبه جزيرة سيناء بشكل نهائي، بما يوفر لإسرائيل الموارد الزراعية والمعدنية والنفطية. ويجعلها تسيطر على الملاحة وحركة النفط والسلع العابرة لقناة السويس..
أما بالنسبة للمطالب الثلاثة الأولى فقد اشترط المصريون أن يتم السماح لهم بإرسال المزيد من القوات المصرية إلى المناطق الحدودية بين إسرائيل ومصر، وقد رفض الإسرائيليون ذلك وقالوا بان وجود هذه القوات سوف يشكل انتهاكاً خطيراً لاتفاقية كامب ديفيد التي نصت على عدم وجود أي قوات مسلحة مصرية في هذه المنطقة وفقط أن يقتصر الوجود المصري على بعض عناصر الجوازات والجمارك وخفر الحدود.
عموماً، الضغوط الإسرائيلية الجارية حالياً ضد مصر، تهدف إلى:
• تغيير التوازنات على المستوى الجزئي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وذلك عن طريق فرض الإسرائيليين لسيطرتهم التامة على قطاع غزة، بما يتيح لهم إخضاع حركة حماس.
• تغيير التوازنات على المستوى الكلي للصراع العربي – الإسرائيلي، وذلك عن طريق إقصاء مصر وحرمانها من القيام بأي دور في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، على النحو الذي يجعل مصر تفقد قيمتها الإستراتيجية بالنسبة للإدارة الأمريكية، مما يتيح لإسرائيل استهداف مصر لاحقاً.
إن تحقيق النجاح في إفشال مشروع إسرائيل الجدي في الكونغرس الأمريكي، حيث يستطيع النظام المصري استغلال الظروف المتوترة بين إسرائيل والفلسطينيين بتنفيذ إستراتيجية الهروب إلى الأمام عن طريق:
• إتاحة فرصة أكبر لعمليات التهريب العابرة من الأراضي المصرية باتجاه قطاع غزة.
• التلويح بالتخلي عن تحالف المعتدلين العرب.
• التلويح بالتخلي عن التعاون مع السلطة الفلسطينية ومحمود عباس..
وسوف يكون على الأمريكيين والإسرائيليين القبول بخيار الأمر الواقع القائم حالياً على حدود غزة – مصر..


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...