بوش يصب الزيت على النار وأرض المواجهة ستمتد من العراق الى لبنان

12-01-2007

بوش يصب الزيت على النار وأرض المواجهة ستمتد من العراق الى لبنان

الجمل ـ سعاد جروس : قبل ساعات من إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش استراتيجيته الجديدة في العراق, لم يُبد نائب الرئيس السوري فاروق الشرع أي تفاؤل,وقال إن مجرد الحديث عن إرسال عشرين ألف جندي الى العراق يعني أن خيار السلام غير مطروح الآن,وهو بمثابة صب الزيت على النار.

في غضون ذلك, كان الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني عبد الله الثاني يلتقيان في القاهرة, في قمة تناولت الوضع الفلسطيني المتدهور, الإعداد لزيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للمنطقة هذا الأسبوع, والاجتماع المرتقب الذي ستعقده في الكويت على مستوى وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن والولايات المتحدة.
وكانت رايس قد صرحت الأسبوع الماضي أن الهدف من الجولة استطلاع ما يمكن الحصول عليه من مساعدة ودعم من القوى المعتدلة في ما يخص العراق, فيما قال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحفي على هامش القمة المصرية­ الأردنية الأربعاء €من الاسبوع الماضي€ «إن اجتماع رايس يعتبر الرابع من نوعه, ويمثل جهداً عربياً ­ أميركياً مدعوماً من الأردن ومصر للاتفاق على مسائل بينها قراءة الأوضاع والتطورات في المنطقة وتقويمها, والاتفاق على ما يمكن المساهمة به عربياً مع الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار فيها». وأوضح أن جميع قضايا المنطقة ستبحث في اجتماع الكويت الذي سيناقش القضية الفلسطينية والمسألة العراقية والتطورات اللبنانية الحالية إضافة إلى مسألة أمن الخليج والملف النووي الايراني الذي يحظى باهتمام كبير. مشيراً إلى أن «هذه المناقشات تكتسب أهمية خاصة بسبب تطور الأوضاع في لبنان والعراق الى منزلقات خطيرة».
هذه التصريحات السابقة تقود إلى قراءتين محتملتين:
الأولى تستند إلى احتمال أن تتخذ الدول العربية موقفاً متوافقاً تجاه استراتيجية بوش الجديدة, والتي تنذر بفصل جديد من الأزمات المتفجرة من العراق الى لبنان الى فلسطين, وعمل الأطراف العربية على تدارك ما خلفه العدوان الإسرائيلي على لبنان من شروخ عميقة في الصف العربي, جراء عملية الاصطفاف والمحاور المطروحة بين محور المتشددين أو قوى الممانعة وبين محور «المعتدلين» وفق المصطلحات الأميركية. كل هذا يُرتب إعادة النظر في العلاقة مع سوريا وعدم المضي في سياسة العزل العربي من قبل بعض الأطراف التي ظهرت أثناء وبعد العدوان الإسرائيلي على لبنان, والعمل على إعادة المياه الى مجاريها السابقة, كضمان وحيد لاستقرار المنطقة, وهو ما أشار إليه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في لقائه مع مراسلي وسائل الإعلام العربية والدولية الأربعاء الفائت, لدى سؤاله عن العلاقات السورية ـ السعودية بالقول «إن العلاقات السورية ­ السعودية مهمة لنا ولغيرنا ولاستقرار المنطقة, ومهمة لمنع محاولات خطيرة تستهدف إثارة فتن في المنطقة, يترتب على هذه الفتن تقسيم المنطقة وشرذمتها». مؤكداً ان «العلاقة بين البلدين, إذا أضيف إليها مصر وإيران, هي الضمان لاستقرار الشرق الأوسط, وأي تفكير آخر لن يؤدي الى ضمان حقيقي». وقد أوضح الشرع كيف كان لسوريا دوراً فاعلاً في الثمانينيات في طمأنة الأشقاء في الخليج العربي حيال إيران وإسهامها في منع توسيع الحرب الإيرانية­ العراقية, وكيف أثمر التعاون والعلاقات الممتازة بين السعودية وسوريا في التوصل إلى اتفاق الطائف الذي بات مرجعية لعودة الاستقرار إلى لبنان.
كلام الشرع يأتي في سياق يؤكده كثير من السياسيين والمحللين السياسيين عن ارتباط تحسن الوضع في لبنان بتوافق السياسات السورية­ السعودية ­ المصرية, الأمر الذي تحدث عنه رئيس الحكومة اللبنانية السابق سليم الحص, وعاد وأكده اخيرا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بالقول «إن الحل الوحيد لحل الأزمة في لبنان ومنع وقوع أي فتنة طائفية هو تصويب العلاقات السعودية­ السورية», مشبهاً المشكلة الحالية «بعمارة من ثلاث طبقات, أولى لبنانية, وثانية عربية عربية, وثالثة إقليمية دولية, وهكذا لن نستطيع الصعود إلى الطبقة الثالثة من دون المرور بالثانية, ولا النزول إلى الأولى من دون المرور بالثانية».
في الإطار نفسه برز اللقاء الذي عقده مندوبون من «حزب الله» مع مسؤولين سعوديين, وما قيل عن أن السعودية تفهمت وجهة نظر «حزب الله» في العديد من المسائل, وأنها لم تكن على علم بالصورة الكاملة لما يجري في لبنان, لاعتمادها على تقارير وتصورات من طرف واحد. وعلى الرغم من حرص «حزب الله» على عدم الإعلان عن نتائج الزيارة بما يمكن البناء عليه لفهم حقيقة ما دار في اللقاء, كشفت الرياض عن موقف جديد حيال لبنان من خلال تصريح وزير خارجيتها سعود الفيصل خلاصته أن المملكة على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين, بكل طوائفهم ومذاهبهم وأطيافهم السياسية, سواء في الموالاة أو في المعارضة. أي أن المملكة لا تدعم السنة في لبنان في مواجهة الشيعة, أو الموالاة في مواجهة المعارضة. وبقدر ما يحمل ذلك من مؤشرات إيجابية في اتجاه تحسين العلاقة مع «حزب الله» وسوريا وإيران, من خلال نزع فتيل التأزيم الطائفي, بقدر ما يمكن أن يحمل من مؤشرات سلبية على صعيد العلاقات العربية مع سوريا من خلال الايحاء بإمكانية فتح حوار مع «حزب الله» بمعزل عنها.
وإذا كانت الغاية المضي في الترتيب الأميركي الذي وضع بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان, وهو العودة الى مفاوضات السلام من دون سوريا, فلا شك في أن حصول أي تطور على صعيد العلاقات السورية­العربية €السعودية ومصر والأردن€ رهن بمواقف تلك الدول حيال إيران, وما يشاع عن «مشروع فارسي» في المنطقة في مواجهة المشروع الأميركي, والذي تحرص الدعاية الأميركية على زيادة المخاوف منه, وهو ما وصفه مصدر سوري , بأنه مجرد وهم أو حجة تختلقها أميركا لتعميق الشروخ في المنطقة بين الأطراف الإقليمية, وأنه لو كان هناك حقيقة مشروع فارسي أو صفوي أو شيعي... إلخ, ويتوقف المصدر عند مفارقة تتمثل في أن السياسة الأميركية التي تثير المخاوف من مشروع إيراني هي التي توفر له امكانية تحوله إلى واقع من خلال إصرارها على توفير مناخ للفتنة بين الشيعة والسنة في العراق وسائر المنطقة.
القراءة الثانية تتعلق بمدى رغبة وقدرة الأطراف العربية في رسم سياسة واضحة تجاه إيران تمنع اندلاع حرب أهلية €شيعية­ سنية€, وفرض رؤية عربية لحل الأزمات في العراق ولبنان وفلسطين والعودة الى طاولة المفاوضات, خصوصا أن إدارة بوش دفنت توصيات بيكر ­هاملتون في ما يخص إجراء حوار مباشر مع إيران وسوريا, بإعلانها إرسال المزيد من القوات الى العراق, وبلغة الأرقام فإن عديد الجنود الذين سيرسلون يساوي عدد الخسائر من الجنود الأميركيين 3000 € 20 ألف جريح, أي أنها تحاول ترميم قواتها البالغة الآن 130 ألفاً, ما يعني أنها لم تضع خطة لانسحاب قريب, كما انها لن تتراجع عن خططها في زيادة عدد بؤر التوتر, وسيبقى العراق حسب تعبير الرئيس الأميركي, الجبهة الرئيسية في الحرب على الإرهاب, ما يعني أن هناك جبهات عدة فتحت وستفتح في القريب العاجل, والتدخل الأميركي الأخير في الصومال يؤكده.
من هنا تبدو خيارات العرب محدودة جداً, فهي إما أن تتعاون مع أميركا, وتُجنب نفسها خطر المشروع الأميركي المباشر, أو تدخل في مواجهة معها. هذا على الأرجح ما ستبحثه رايس في اجتماع الكويت المرتقب, خصوصا أن بوش ركز اتهاماته على سوريا وإيران, بأنهما وراء دعم الجماعات المسلحة في العراق, وأن القوات الأميركية ستعمل على منعهما من خلال دعم قواتها بمزيد من الجنود. وبذلك يعد بوش بتصعيد الأزمات في العراق ولبنان وفلسطين: ففي العراق, يبدو الاحتمال الأوفر تصاعد حدة التوترات الأمنية والاشتباكات الدموية. قبيل إعلان بوش استراتيجيته الجديدة قتل أكثر من خمسين مسلحاً في وسط بغداد في مواجهات عنيفة, وقام مسلحون من مناصري الرئيس العراقي صدام حسين بتعليق جثث خصومهم على أشجار النخيل انتقاماً لطريقة الإعدام الاستفزازية, ما اضطر الأميركيين للجوء إلى المرجع الشيعي علي السيستاني لإقناع الزعيم مقتدى الصدر بنزع سلاح ميليشيا جيش المهدي, وليس من المتوقع نجاح هذه الخطوة. كما ان الأميركيين مضطرون أيضاً لمنح تطمينات للسعودية لضمان تعاونها بالحد من النفوذ الإيراني في العراق, وهذا لن يتم من دون مواجهات عنيفة على الأرجح لن تؤتي ثمارها, استناداً الى ما سلف من تجربة الجيش الأميركي في العراق. أما في فلسطين, فسوف يتم الضغط على كل من مصر والأردن لبذل مزيد من الجهود والأموال لمنع تدهور الوضع الأمني في الداخل الفلسطيني, إلا أن الدعم الكامل لطرف من دون آخر, وتركيز الضغط على الفصائل الفلسطينية €حماس والجهاد€ سيفرغ تلك المساعي من محتواها, إذ لن يتجاوز تأثيرها التوصل الى هدنة هشة متقطعة, تطيل الطريق الى طاولة المفاوضات.
وفي لبنان سيستمر دعم حكومة السنيورة في مواجهة المعارضة, وستدخل غرفة الإنعاش وتمنح جرعات إضافية لتطيل عمرها عبر مؤتمر «باريس 3», مما سيطيل عمر المواجهة السلمية, بحيث يتحول لبنان إلى بركان خامل ينتظر لحظة التفجر, لغاية شهر آب €اغسطس€ المقبل الذي حددته إدارة بوش كموعد لتقويم جدوى الاستراتيجية الجديدة في العراق. في تلك الأثناء, ثمة خطط خفية تعد لسوريا وللبنان, تم تسريب بعض ملامحها في الصحافة الغربية. وفي ما يتعلق بسوريا يتم في واشنطن مناقشة الإعداد لـ«ثورة مخملية» من خلال دعم المعارضة والتدخل لمراقبة الانتخابات السورية المقبلة, بهدف زعزعة الحكومة السورية وإضعاف الحكم, ومع أنه لم يتضح بعد مدى جدية واشنطن, وعما إذا كانت تسريبات تبغي الضغط فقط, أو أنها تنذر بخطوات ستتخذ على الأرض, إلا أن كلا الاحتمالين يؤكدان أن إدارة بوش ماضية في تصعيدها ضد سوريا بدليل قرار الخزانة الأميركية اخيرا بفرض عقوبات على ثلاث مؤسسات علمية حكومية سورية بزعم عملها على تطوير سلاح دمار شامل.
وفي ما يخص لبنان قالت صحيفة «الدايلي تلغراف» البريطانية الأربعاء الماضي «ان الرئيس الأميركي أقر إطار خطة سريّة لمساعدة الحكومة اللبنانية على منع نشر التأثير الايراني, وأنه فوض الى وكالة الاستخبارات المركزية اتخاذ إجراءات سريّة ضد «حزب الله», مؤكدة أن «لا قيمة» لأي دعم خارج إطار وقف انتهاكات إسرائيل للسيادة اللبنانية وإنجاح مؤتمر «باريس 3» لدعم لبنان. وذكرت الصحيفة أن «الخطة الرئاسية السرية غير عسكرية وتسمح لـ«سي آي إي» بتقديم دعم مالي ولوجستي لرئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة, وقد اطلع أعضاء في مجلسي الشيوخ والكونغرس الأميركيين عليها ووقعها بوش قبل عيد الميلاد عقب مناقشات أجريت بين مساعديه ومسؤولين سعوديين». وأكدت الصحيفة أن الخطة «تحظى بدعم عدد من الدول ابرزها الدول العربية المملكة العربية السعودية والأردن ومصر, إلى جانب إسرائيل, وتهدف إلى وقف الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط والتي برزت في العراق, كما تعد مؤشراً للقلق المتنامي لدى إدارة بوش من التهديد الذي تشكله ايران التي اخترقت الحكومة العراقية, وتوليها تدريب المتمردين الشيعة وتزويدهم العبوات الناسفة المتطورة».
ومع أن رد الحكومة اللبنانية الرافض لهكذا خطط كان واضحاً, إلا أن ذلك يكشف عن نية أميركية بنقل المواجهة في لبنان من المستوى السياسي الى المستوى المخابراتي, أي أن أبواب لبنان ستفتح على مصراعيها لتدفق جيوش العملاء والجواسيس من شتى أجهزة الاستخبارات الدولية والعربية, لتكون خطة بوش تلك إذا صحت معلومات «الديلي تلغراف» بمثابة ضوء أخضر لحرب استخباراتية مفتوحة, عنوانها العريض مواجهة سوريا وإيران. ويرى محللون ان الأرض اللبنانية باتت جاهزة لهذه الحرب, يعززها ما تروجه إسرائيل عن حرب آتية, بشر بها تقويم للوضع الاستراتيجي وضعه الجيش الإسرائيلي لسنة 2007, بتزايد احتمالات نشوب حرب ستخوضها الدولة العبرية على الجبهتين السورية واللبنانية, في السنة نفسها التي ستعلن إيران حيازتها على القدرة النووية. وقد أوردت وسائل إعلام إسرائيلية, أن هذه التوقعات جاءت ضمن خطة عمل يُعدها الجيش الإسرائيلي للسنة الجديدة, مستندة إلى استخلاص العبر من حرب لبنان الثانية.
لا شك في أن تفادي تداعيات استراتيجية بوش الجديدة ليس في العراق وحسب, بل في المنطقة كلها, لن يتم ما لم يحصل حد أدنى من التوافق بين مصالح الأطراف العربية ومصالح سوريا. ولقد عاد الشرع وأكد «إن سوريا لم تكن ولن تكون خارج السرب العربي», وهو توافق مطلوب للدفع باتجاه إيجاد حل سياسي للأزمات المتصاعدة في المنطقة والمتشابكة المصالح على نحو معقد, وتزيدها الحلول العسكرية خطورة. لكن بما أن صناعة الأزمات وتفجيرها جزء من تنفيذ المشروع الأميركي, فإن الطريق السريع الى الهاوية معبد بالنيات الأميركية, فيما طريق السلام معطل.


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...