والله لنمحيها: ماذا ستفعل السعودية؟
لم يتضح الطريق الذي تعتزم المملكة السعودية سلوكه في مرحلة ما بين التعثر المحرج لمشروع اسقاط النظام في دمشق وبين تمدد دولة «داعش». واذا كانت قطر سارعت الى لعب ورقة تحرير رهائن ومخطوفين، فان المملكة السعودية، تتحرك كعادتها بتثاقل.
على المستوى الدعائي الذي تقوم به وسائل اعلام تابعة للسعودية او ممولة منها، فان التركيز يبدو على أمرين لا علاقة مباشرة لهما بطبيعة انخراط المملكة المحتمل في الحرب الاقليمية التي تلوح في الافق ضد «داعش»: إبراز خبر إبعاد قائد قوة القدس قاسم سليماني عن إدارة الملف العراقي، بعد تنحي نوري المالكي، واستمرار التهويل من احتمالات جنوح الادارة الاميركية الى خيار ضرب «داعش» في سوريا.
أغفلت السعودية ان إخراج الملف العراقي من يدي الجنرال قاسم سليماني، لا يعني بالضرورة، وفق عقلية الدول الفاعلة، هزيمة للنفوذ الاقليمي لإيران. سيصبح الجنرال قاسمي اكثر تركيزا على الملفات الاخرى التي يتولاها في سوريا ولبنان وفلسطين، بكل ما تعنيه هذه الساحات من اهمية استراتيجية لمصالح ايران وحلفائها. بعض الايحاءات السعودية بان نصرا تحقق للمملكة في الملف العراقي، يعكس عقلية قاصرة.
اما فكرة جنوح الادارة الاميركية نحو خيار مهاجمة أهداف لـ«داعش» داخل سوريا بالتنسيق مع دمشق، فلا بد من التذكير بانه خيار لا يحتاج بالاساس الى قبول سعودي مسبق. غالب الظن ان إدارة أوباما لن تقدم على مغامرة المواجهة العسكرية ضد «داعش» وهي منزوعة الخيارات من قبل أطراف إقليمية حتى لو كانت دولة حليفة كالسعودية وغيرها. أظهرت التجارب الاميركية ان واشنطن تذهب الى حد التنسيق مع خصومها الاقليميين إذا اقتضت مصالحها ذلك. فعلت ذلك في السنوات الاخيرة في أفغانستان والعراق. ومع ذلك، تبدو الوجهة الاميركية حتى الان، ان الورقة التي قد تلجأ اليها واشنطن، الرهان العبثي مجددا على مشروع «المعارضة السورية المعتدلة»، من دون اغفال احتمال التنسيق العسكري السري مع النظام السوري لإنجاح أي عملية عسكرية.
ومهما يكن، فإن ذلك يطرح المزيد من التساؤلات حول طبيعة الحراك السعودي، وما جرى قبل يومين في الاجتماع الخماسي في جدة (السعودية ومصر وقطر والاردن والامارات) والذي تبين بحسب البيان الرسمي انه تناول الازمة السورية وتصاعد خطر التطرف في المنطقة.
وإذا كانت قطر تلعب هذه الايام بورقة الافراج عن رهائن ومخطوفين واستغلال ارتباطاتها بالجماعات الارهابية، لتحسين صورتها أمام الحليف الاميركي، وإظهار نفسها ولو بشكل ساذج، كعضو فاعل في الحرب على «داعش»، فان ما هو متاح أمام المملكة السعودية يبدو اكثر اتساعا.
المملكة ليست قاصرة، وإنما متثاقلة. انغمست لأكثر من ثلاثة أعوام في دعم وتمويل المسلحين السوريين. «الجهاديون» السعوديون هم الاكبر عددا بين «الجهاديين الاجانب» في سوريا. الاعلام السعودي ساهم في غسل وتبييض صورة مسلحي المعارضة على مختلف انتماءاتهم مهما كانت طبيعة الجرائم التي ترتكب. انتظرت المملكة حتى آذار الماضي، وقبيل وصول الرئيس الاميركي باراك أوباما إليها زائرا، لتعلن عن «اللائحة السعودية للارهاب»! وهي حتى الان، لم تكشف عن الغموض الذي يحيط بغرفة عملياتها العسكرية في الاردن التي تتولى الاشراف على حرب «الجهاديين» على دمشق على الرغم من انها انتظرت حتى أيار الماضي لإبعاد الامير سلمان بن سلطان، عن منصبه الحساس كنائب لوزير الدفاع، الذي كان بموجبه يتولى قيادة غرفة العمليات والحرب السعودية على سوريا. كما لم يفهم حتى الان طبيعة الدور الذي ما زال يقوم به الامير بندر بن سلطان ليس فقط كأمين عام لمجلس الأمن الوطني، وانما ايضا كمستشار ومبعوث خاص للملك السعودي عبدالله.
أي حرب على «داعش» ستنخرط فيها السعودية؟! هل سيكون نجمها بندر بن سلطان المتهم بتعميم حمامات الدم في بلاد الرافدين والشام، أم وزير الداخلية الامير محمد بن نايف؟ أم انه سيكون ولي ولي العهد الامير مقرن؟
لا أجوبة واضحة على وجهة الحركة السعودية التي تتهمها العديد من دوائر الابحاث الغربية بتمويل «داعش» عبر لائحة طويلة من المشايخ والمتمولين السعوديين الاثرياء.
لا الغموض السعودي المريب ـ إن لم نقل التورط البائس ـ ولا «الاعتدال» الذي يروج له عبثا بشأن مسلحي المعارضة السورية، سيلحق هزيمة بالارهاب. عينا السوري يحيى عدنان الشغري، الذي قيل انه من عناصر «اللواء 93»، وهما تتحدان قاتله في الرقة وما تمتم به قبل إعدامه، سيساهم في هزيمة الخليفة أبي بكر البغدادي، اكثر مما يمكن ان يفعله ذلك الغموض وذلك الاعتدال، ما قبل الموت بثوان..... «والله لنمحيها»!
خليل حرب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد