الحيرة الأمريكية إزاء دمشق: هل يتمكن ماكيافيلي من فهم سياسة معاوية؟
الجمل: استمرت اهتمامات مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكية والغربية لجهة القيام بمتابعة التطورات والأحداث والوقائع المتعلقة بالحدث السوري، وفي هذا الخصوص تضمنت آخر الفعاليات الحوار الذي أجراه المستشار السياسي بيرنارد غيفيرتزمان مع الخبير الأمريكي جون بي ألترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي: فما هي أبرز المحاور التي تطرق لها الحوار، والمعلومات التي تم التركيز عليها؟
* خلفيات الحوار: توصيف المشهد السوري
تحدث المستشار السياسي برنارد غيفيرتزمان محاولاً ترسيم الخطوط العامة الخاصة بالمشهد السوري الحالي، وفي هذا الخصوص أشار غيفيرتزمان إلى النقاط الآتية:
• توجد حركة احتجاجات متزايدة في سوريا، وأصبحت الحكومة تستخدم الجيش في قمع الاحتجاجات.
• إدراك المسؤولين الأمريكيين يتميز بالمزيد من الشكوك واللايقين إزاء مستقبل تطورات الحدث السوري الحالي.
• سياسة أمريكا إزاء سوريا تتميز بالمزيد من التعقيدات بسبب تقاطع هذه السياسة مع السياسات الأمريكية إزاء إسرائيل وتركيا والسعودية.
• توجد مخاوف أمريكية حقيقية إزاء احتمالات أن يؤدي انهيار دمشق إلى صعود القوى والحركات الأصولية المتطرفة بما سوف يؤدي بدوره إلى تهديد استقرار منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص منطقة شرق المتوسط.
• من الصعب معرفة مدى قدرة الناشطين في الاحتجاجات على إحداث التأثيرات التي يسعون إليها في عام 2011م، وفي حالة فشلهم، ما هو شكل الثقافة السياسية الذي سوف يسود في سوريا والمنطقة خلال الأعوام القادمة.
هذا، ونلاحظ أن المستشار بيرنارد غيفيرتزمان، قد سعى في بداية حديثه إلى اعتماد المزاعم الإعلامية المنتشرة هذه الأيام حول استخدام الجيش السوري في قمع الاحتجاجات. وبرغم ذلك فقد انتقل في النصف الثاني من حديثه إلى التطرف بشيء من الواقعية في توصيف ما يجري حالياً داخل الإدارة الأمريكية، إضافة إلى طرح التساؤلات المتعلقة بمستقبل شكل الثقافة السياسية في سوريا والمنطقة.
* المقاربة الأولى: كيف سيتمكن الحدث السوري من حل مشكلته؟
يقول الخبير جون بي ألترمان بأن سوريا تتميز بخصوصيتها التي جعلتها تختلف عن بقية البلدان الأخرى، وبالذات مصر وتونس وليبيا واليمن. وتوضيحاً لذلك أشار ألترمان إلى النقاط الآتية:
• سوريا أقل تبعية للأطراف الدولية، وذلك بعكس مصر وتونس اللتان ظلتا في حالة ارتباط يصل إلى مستوى التبعية للأطراف الدولية.
• سوريا لم يحدث أن خضعت للعزلة الدولية الكاملة على غرار ما حدث مع ليبيا خلال فترة خضوع النظام الليبي للعقوبات والمقاطعة الدولية.
• سوريا لم يحدث أن كانت دولة هشة على غرار نموذج الدولة التونسية خلال فترة نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
• سوريا تختلف عن اليمن في كافة الاعتبارات المتعلقة بمستوى الانفتاح الحضاري وطبيعة التكوين المجتمعي.
واختتم الخبير ألترمان حديثه في هذه المقاربة، قائلاً، بأن السوريين يتميزون بالقدرة على التعلم واستخلاص الدروس من ما قام به الآخرون، ومعرفة أخطائهم، إضافة إلى الحرص على الحديث بنعومة. والعمل بقوة، وبكلمات أخرى، يوجد حديث واسع حول الإصلاحات. وبرغم ذلك توجد توجهات "محافظة" لجهة الحذر من التسرع والعجلة في ذلك.
* المقاربة الثانية: نشر القوات المسلحة السورية
تحدث الخبير ألترمان، قائلاً، بأن دمشق قد قامت فعلاً برفع حالة الطوارئ التي ظلت نافذة منذ عام 1963م، قائلاً، ولكنها برغم ذلك قامت بنشر قوات الجيش، والأمر هنا يخضع للافتراض القائل بأن القيادة السورية، لا تسعى إلى إنفاذ الأساليب الدموية ولا إلى رفض الإصلاحات، وإنما تسعى إلى "حماية السلطة". مع الالتزام في نفس الوقت بإنفاذ الإصلاحات. وأضاف ألترمان قائلاً بأن الأسابيع القادمة سوف توضح هذا الأمر أكثر فأكثر.
* المقاربة الثالثة: كيفية انتهاء الاحتجاجات السورية
تحدث الخبير ألترمان قائلاً، بأن تدفق المعلومات الصحيحة وبشفافية هو الذي يحدد مدى مصداقية انتهاء أو عدم انتهاء هذه الاحتجاجات، وأشار ألترمان إلى الآتي:
• في النموذج المصري، كانت أجهزة الإعلام بمختلف أنواعها وانتماءاتها تتمركز في ميدان التحرير وترصد الوقائع الجارية من قلب الحدث، والسبب في ذلك هو انفتاح مصر خلال الفترات الماضية مع أمريكا والبلدان الأوروبية الغربية.
• في النموذج السوري، لا يمكن القول بأن أجهزة الإعلام موجودة بمختلف أنواعها وانتماءاتها، ولا يمكن أيضاً القول غير موجودة تماماً، وبالتالي يوجد قدر محدود من هذه الأجهزة الإعلامية.
وأشار ألترمان، إلى أن دمشق تختلف عن القاهرة في الاعتبارات المتعلقة بمستوى الشفافية ومستوى الغموض، وذلك لأن دمشق تجمع بين الاثنين، فهي منفتحة إزاء العالم ضمن مستوى معين، وغامضة أمام العالم ضمن مستوى معين، وذلك لأن دمشق تعاني من وجود أعداء حقيقيين في المنطقة، وأضاف ألترمان قائلاً، بأن الرأي العام التونسي والمصري قد وصل إلى مرحلة الرفض الكامل، وبالتالي، فقد تحركت احتجاجات التونسيين والمصريين من اجل هدف موحد، أما بالنسبة لسوريا، فإن الرأي العام السوري لم يصل إلى لحظة الرفض الكامل لدمشق. وأضاف ألترمان قائلاً، بأن هذه النقطة غير موجودة في سوريا.
* المقاربة الرابعة: هل سيؤدي انهيار دمشق إلى إضعاف التأثير الإيراني في المنطقة؟
أجاب ألترمان قائلاً، بأن دمشق وإن كانت تمثل الحليف الرئيسي لطهران في الشرق الأوسط، فإن هناك في المنطقة حلفاء آخرين لطهران، وهم: حزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية إضافة إلى بقية فصائل المقاومة الفلسطينية، وبالتالي، فإن تأثير طهران سوف يظل موجوداً في كل الأحوال، وإذا انهارت دمشق وصعد حلفاء طهران الآخرين، فإن التأثير الإيراني سوف يكون هائلاً وأكثر خطورة.
* المقاربة الخامسة: تقوم الإدارة الأمريكية بانتقاد دمشق وفي نفس الوقت تسعى لحث دمشق على الإصلاحات.
تحدث ألترمان، قائلاً، بأن إدارة أوباما الديموقراطية، ظلت تكافح لجهة تحسس خطواتها في المنطقة، وفي هذا الخصوص، أشار ألترمان إلى الآتي:
• سعت واشنطن إلى حث حليفها الرئيس المصري السابق حسني مبارك بالتنحي عن السلطة، ولكن حلفاء واشنطن العرب (السعودية، الأردن، وبلدان الخليج العربي) تجاهلوا موقف الإدارة الأمريكية. ولاحقاً وبفعل الضغوط اضطر حسني مبارك إلى الاستجابة لموقف واشنطن.
• سعت واشنطن إلى حث خصمها الزعيم الليبي معمر القذافي إلى التنحي والمغادرة. وإضافة لذلك سعى حلفاء واشنطن العرب إلى دعم موقف واشنطن، وبرغم ذلك، فقد سعى الزعيم الليبي إلى استخدام وتوظيف توجهات واشنطن في بناء التعبئة الداخلية وتصعيد العداء لواشنطن.
أما بالنسبة لسوريا، يقول ألترمان، لقد ظل موقف واشنطن واضحاً لجهة الجمع بين المطالبة بعدم استخدام العنف ضد الاحتجاجات والمطالبة بضرورة إجراء الإصلاحات اللازمة، ويفسر ألترمان موقف الإدارة الأمريكية على أساس النقاط الآتية:
• إدراك واشنطن المتزايد لمدى خطورة تدهور الأوضاع في سوريا.
• إدراك حلفاء واشنطن المجاورين لسوريا لمدى خطورة الثمن الذي سوف يدفعونه إذا تدهورت الأوضاع في سوريا.
• عدم قدرة الإسرائيليين على وضع تصور واضح لشكل السيناريو الخطير المحتمل في المنطقة إذا تدهورت الأوضاع في سوريا.
واختتم ألترمان حديثه قائلاً بأنه سبق وأن عمل لفترة طويلة في قسم الشؤون الشرق أوسطية بالخارجية الأمريكية، وبأنه يدرك جيداً مدى عجز خبراء الإدارة الأمريكية المعنيين بالشأن الشرق أوسطي على القيام بوضع إجابة تتمتع بالمصداقية إزاء أي من خيارات السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية المتعلقة بسوريا، وأضاف قائلاً، بأنه قد أصبح عادياً أن يرى هؤلاء الخبراء، وهم أكثر حرصاً على تفادي التعامل بـ(اليقين القاطع)، إزاء ملفات البنية السياسية السورية، وذلك لإدراكهم القاطع بأن واشنطن إذا تمادت أكثر فأكثر فإنها سوف تقع في "ورطة سوريا". والتي يدرك هؤلاء الخبراء بأنها سوف تكون أكثر خطورة من "ورطة العراق".
* المقاربة السادسة: السيناريو الأسوأ بالنسبة لإسرائيل والسعودية وتركيا
تحدث جون بي ألترمان، بكل وضوح، قائلاً بأن السيناريو الأكثر سوءاً، والمرعب بالنسبة لأطراف مثلث حلفاء أمريكا في المنطقة: إسرائيل ـ السعودية ـ تركيا، يتمثل في إدراكهم المتزايد لحقيقة أن تدهور الأوضاع في سوريا سوف يؤدي إلى الآتي:
• الانتشار الواسع لشبكات الجماعات الجهادية المختلفة الأنواع والتوجهات والارتباطات.
• الانتشار الواسع لفعاليات العنف السياسي والإثني والطائفي والقبلي.
• الانتشار الواسع لظاهرة حروب الوكالة التي سوف تندلع في المنطقة.
* المقاربة السابعة: على خلفية ما حدث في تونس ومصر، هل سيكتمل التحول في المنطقة خلال الستة أشهر القادمة؟
أجاب جون بي ألترمان، بشيء من التفصيل والتحديد قائلاً، بأن له تصوره الخاص بمستقبل التحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى النقاط الآتية:
• الحديث عن ستة أشهر هو أمر غير ممكن، وعلى الأقل تحتاج المنطقة إلى فترة ست سنوات قادمة لإكمال عمليات التحول الديموقراطي.
• حركات الاحتجاج التي حدثت في مصر وتونس، لن تستطيع إكمال أي تغييرات جوهرية في تونس ومصر، وذلك لأن التغيير يجب أن ينفذ إلى عمق المؤسسات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.. هذا بالنسبة لحركات الاحتجاجات الكبيرة، أما بالنسبة لحركات الاحتجاجات الصغيرة المحدودة، فعلينا أن نتحدث في ما بعد عام 2016م.
• التدخل الأمريكي في المنطقة، يمكن أن يتم عبر الخيار العسكري أو عبر الخيار الدبلوماسي الاقتصادي ـ السياسي، وحالياً، وعلى خلفية نتائج التدخل العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان، فإن واشنطن لم تعد راغبة في اعتماد الخيار التدخلي العسكري. وعلى الأغلب أن تكثف استخدام الخيار الدبلوماسي الاقتصادي ـ السياسي، وفي هذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أن واشنطن ظلت تتعامل مع حلفائها الشرق أوسطيين من جهة عن طريق الدعم الدبلوماسي الاقتصادي ـ السياسي (كما في حالة حسني مبارك) ومن الجهة الأخرى ظلت واشنطن في نفس الوقت تقوم بشن الحرب ضد الإسلام والمسلمين، الأمر الذي أدى إلى تغافل الرأي العام الشرق أوسطي عن الدعم الأمريكي الاقتصادي ـ السياسي والتركيز على أن كل ما حصلت عليه المنطقة من واشنطن هو العداء للإسلام والمسلمين.
هذا، واختتم الخبير الأمريكي جون ألترمان مقارباته قائلاً بأن واشنطن لن تستطيع السعي باتجاه إنفاذ برنامج نشر الديموقراطية في كامل منطقة الشرق الأوسط، وذلك لأن حلفاء أمريكا الرئيسيين في المنطقة (السعودية ـ دول الخليج العربي ـ المغرب ـ الأردن) سوف يكونون الأكثر تضرراً، إضافة إلى واشنطن التي سيكون أيضاً ضررها مضاعفا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
الكذب الاميركي وألسنته المتعددة
السياسة الأمريكية بين الجد و اللعب
تعقيب
العدو الأساسي للشعب السوري هو السياسة الأمريكية والقوى العظمى
إضافة تعليق جديد