ماذا تطبخ قمة الثمانية للعرب عامة وسوريا خاصة
الجمل: بحلول فجر أمس الجمعة، بدا واضحاً أن منطقة الشرق الأوسط قد أصبحت هدفاً لعملية استهداف أمريكي ـ أوروبي غربي جديدة، وعلى وجه الخصوص سوريا وليبيا وإيران والسودان، وبقية خصوم أمريكا الشرق أوسطيين، فمن جهة عقدت قمة مجموعة الثمانية اجتماعها في العاصمة الفرنسية باريس، الذي اهتم بملف الشرق الأوسط وخصوصا سوريا، ومن الجهة الأخرى عقد خبراء اللوبي الإسرائيلي فعاليات منتدى تطرق إلى ملف الشرق الأوسط، وركز على سوريا: فما هي حقيقة الفعاليات الجارية حالياً بخصوص الشرق الأوسط وليبيا، وما مدى العلاقة الارتباطية بين هذه الفعاليات. ومن يملك القدرة على توجيه الآخر، اللوبي الإسرائيلي أم مجموعة الثمانية. وهل ستستطيع الفعاليات الخارجية تكييف منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص سوريا لصالح الإرادة الخارجية، أم سيبقى الشرق الأوسط وسوريا عصياً على كل محاولات فرض الإرادة الخارجية؟
* الفعاليات الخارجية واستهداف سوريا والشرق الأوسط: توصيف المعلومات الجارية
تحدثت التقارير الجارية عن حدوث المزيد من التطورات الجديدة المتعلقة بمستقبل إدارة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في سوريا وبقية دول المنطقة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الفعاليات التي حدثت بشكل متزامن في منتجع دنفيل الفرنسي وفي العاصمة الأمريكية واشنطن، وذلك على النحو الآتي:
• قمة مجموعة الثمانية: شهد منتجع دنفيل الفرنسي أول أمس الخميس انعقاد فعاليات قمة مجموعة الثمانية (أمريكا ـ فرنسا ـ بريطانيا ـ كندا ـ روسيا ـ اليابان ـ إيطاليا ـ ألمانيا)، والذي تطرق إلى التفاهم حول جدول أعمال، كان موضوع التطورات الشرق أوسطية الجارية الأقوى حضوراً في فعاليات القمة، وفي هذا الخصوص توصلت القمة إلى الآتي:
ـ التأكيد على اعتماد مشروع نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط بنفس صيغته التي سبق أن وضعتها جماعات اللوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد، وتبنتها إدارة الرئيس الأمريكي الجمهوري السابق جورج بوش، وعينت الخبير اليهودي إيليوت أبراهام مساعداً لمستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي معنياً بشؤون ملف نشر الديمقراطية الأمريكي في سائر أنحاء العالم، وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط، وإيران وكوريا الشمالية، إضافة إلى الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي وبقية بلدان شرق أوروبا.
ـ تخصيص مبلغ 20 مليار دولار، من أجل تمويل فعاليات دعم مصر وتونس، إضافة إلى تعزيز فعاليات نشر الديمقراطية في بلدان منطقة الشرق الأوسط الأخرى.
ـ التأكيد على استهداف نظام الزعيم الليبي معمر القذافي.
ـ إطلاق التصريحات التي تستهدف خصوم أمريكا الشرق أوسطيين، وفي نفس الوقت تتحدث بالمزيد من الليونة إزاء التطورات إزاء التطورات الدامية الجارية في اليمن والبحرين.
ـ السعي لابتزاز روسيا من خلال تصعيد ملف نشر شبكات بطاريات الدفاع الصاروخي في شرق ووسط أوروبا، بما يجعل موسكو أمام أحد خيارين: الوقوف إلى جانب مثلث واشنطن ـ لندن ـ باريس في الملفات الشرق أوسطية، أو مواجهة مخاطر شبكات الدفاع الصاروخي.
هذا، وقد صدر البيان الختامي الخاص باجتماع قمة الثمانية مؤكداً على هذه الحقائق، إضافة إلى حقائق أخرى.
• منتدى اللوبي الإسرائيلي: شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن، انعقاد فعاليات منتدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، التي تطرقت لمناقشة التفاعلات الجارية بين أطراف مثلث الإدارة الأمريكية ـ حركة الاحتجاجات الشرق أوسطية ـ عملية سلام الشرق الأوسط، هذا وتجدر الإشارة إلى أن فعاليات منتدى واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قد تضمنت مداخلات تم تقديمها بواسطة ثلاثة من اليهود الأمريكيين، هم:
ـ الخبير جيه سكوت كاربنتر، مسؤول اللوبي الإسرائيلي لشؤون برامج نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.
ـ الخبير روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، والحائز على كرسي الأستاذية في شؤون الشرق الأوسط.
ـ الخبير أندرو تابلر، مسؤول الشؤون السورية بمعهد واشنطن (والذي قضى في سوريا بضعة سنوات، عمل خلالها مراسلاً صحفياً لإحدى المؤسسات الصحفية الغربية).
هذا، ويمكن الإشارة إلى النقاط الأساسية الواردة في هذه المداخلات على النحو الآتي:
• سكوت كاربنتر: سعى لمقاربة الشرق الأوسط على ضوء النقاط الآتية:
ـ شكل خطاب الرئيس الأمريكي أوباما نقلة نوعية جديدة في علاقة الإدارة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط، وذلك على أساس اعتبارات أن واشنطن قد ظلت خلال العامين الماضيين أكثر اهتماماً بتفادي الاحتكاكات والمواجهات مع خصوم إسرائيل الشرق أوسطيين، ولكنها وبعد هذا الخطاب، سوف تسعى إلى تصعيد هذه المواجهات مع هؤلاء الخصوم.
ـ سوف تتغير بنود جدول أعمال السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية، خلال الفترة القادمة، بحيث يصبح بند عملية نشر الديموقراطية في المنطقة هو الأول، وبعده يأتي بند تحقيق الأمن، ثم بند تنفيذ عملية سلام الشرق الأوسط.
ـ اهتمام واشنطن خلال الفترة القادمة بعملية نشر الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط، سوف يواجه المزيد من التحديات والمصاعب، ومن أبرزها كيفية حماية النظام السعودي وبقية الأنظمة الخليجية، والنظام الملكي المغربي، والملكي الأردني من مخاطر التغيير، وبالتالي يتوجب على واشنطن البحث عن طريقة لاستثناء هذه البلدان من مخاطر عملية نشر الديموقراطية.
ـ يتوجب على الإدارة الأمريكية تغيير موقفها إزاء دمشق، وذلك عن طريق بناء حملة الذرائع التي تسعى للتأكيد بأن دمشق لم تسعى لإجراء الإصلاحات الضرورية، الأمر الذي يمكن أن يخلق المبرر لجهة القيام باستهداف دمشق بشكل مباشر.
• روبرت ساتلوف: سعى لمقاربة الشرق الأوسط على ضوء النقاط الآتية:
ـ أمد خطاب الرئيس أوباما الأخير نفس مواقف واشنطن السابقة المتمثلة في: ضرورة استمرار فعاليات عملية سلام الشرق الأوسط ـ توجيه الانتقاد ضد حركة حماس الفلسطينية ـ مطالبة إسرائيل بعدم التوسع في الأنشطة الاستيطانية ـ تحذير الفلسطينيين من مغبة رفع ملف الدولة الفلسطينية للأمم المتحدة.
ـ الموضوعات الجديدة الواردة في الخطاب تضمنت، ملف حدود عام 1967 ـ التأكيد على أولوية موضوع الحدود ـ موضوع الأمن في ملف الدولة الفلسطينية مع إمكانية تبادل ومقايضة الأراضي ـ التأكيد على انسحاب القوات الإسرائيلية الممرحل من الأراضي الفلسطينية.
ـ تحدث الرئيس أوباما عن ضرورة دعم الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية باعتبارها وسيلة نشر الديموقراطية إضافة إلى ضرورة دعم التحولات الديموقراطية التي حدثت في مصر وتونس. ولكنه لم يتطرق إلى ما الذي سيحدث لأمن إسرائيل بفعل انهيار نظام الرئيس المصري حسني مبارك.
ـ يتوجب على واشنطن عدم السعي لدعم القاهرة إلا بعد التأكد من أن الدعم الأمريكي سوف يعزز دور القاهرة في دعم أمن إسرائيل.
• أندرو تابلر: سعى لمقاربة الشرق الأوسط من خلال التركيز على سوريا، ويمكن الإشارة إلى ذلك من خلال النقاط الآتية:
ـ حديث الرئيس الأمريكي في خطابه عن دمشق، انطوى على نقطة تحول جديدة هامة في مستقبل العلاقات السورية الأمريكية، وذلك من خلال وضع دمشق أمام خيار التعاون مع واشنطن عن طريق إجراء الإصلاحات التي يريدها البيت الأبيض الأمريكي. أو عدم التعاون وبالتالي المواجهة مع واشنطن في حالة عدم القيام بالإصلاحات التي يريدها البيت الأبيض الأمريكي.
ـ تحذير إيران من مغبة القيام بالتعاون مع دمشق، وتحذير دمشق من مغبة التعاون مع إيران، وذلك على أساس اعتبارات أن واشنطن تنظر لتعاون دمشق ـ إيران، باعتباره مهدداً لأمن إسرائيل ولأمن حلفاء واشنطن في المنطقة.
ـ في الفترات السابقة ظلت واشنطن أكثر اهتماماً بعدم توجيه الانتقادات لدمشق وذلك خوفاً من أن تتخلى دمشق عن خيارات السلام مع إسرائيل، والآن فقد غيرت واشنطن موقفها إزاء دمشق بعد أن اقنتعت واشنطن بأن دمشق لا تريد السلام مع إسرائيل، وفي نفس الوقت سعي دمشق إلى دعم خصوم إسرائيل في المنطقة وعلى وجه الخصوص حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية إضافة إلى بقية الحركات المسلحة الفلسطينية الساعية إلى تدمير إسرائيل.
ـ يتوجب على الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا السعي إلى بناء الإجماع مع تركيا، بما يؤدي إلى تشديد فعاليات الضغط ضد دمشق، بما يمنع دمشق من تحقيق أي نجاح في عملية احتواء الاحتجاجات السياسية الجارية حالياً.
ـ يتوجب على واشنطن وباريس ولندن، بث إشارة واضحة لدمشق مفادها أن القيام بإجراء الإصلاحات السورية الداخلية يرتبط أولاً وقبل كل شيء بمدى نجاح دمشق في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وبالتالي فإن الخطوة الأولى التي سوف تقود إلى الإصلاحات الحقيقية في سوريا هي قيام دمشق بتغيير سلوكها الإقليمي عن طريق التخلي عن طهران وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية وحركة الجهاد الإسلامي وغيرها من الحركات المسلحة الفلسطينية، ثم القيام بتحقيق السلام مع إسرائيل، وبعدها سوف يتحقق النجاح في الإصلاحات السورية الداخلية.
ـ إن إفشال جهود دمشق في احتواء الاحتجاجات السياسية السورية هو الخطوة الأكثر أهمية في هذا الوقت، وذلك لأن إرغام دمشق على تغيير سلوكها الإقليمي بما يجعلها تتخلى عن طهران وحزب الله وحركة حماس وغيرهم، والقبول بالسلام مع إسرائيل هو إرغام لا يمكن أن يحدث إلا إذا تم وضع دمشق تحت استمرار الضغط الداخلي الذي تشكله هذه الاحتجاجات وبالتالي يتوجب على واشنطن وباريس ولندن دعم فعاليات هذه الاحتجاجات وفي نفس الوقت تهديد دمشق بضرورة عدم قمع هذه الاحتجاجات.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن فعاليات قمة مجموعة الثمانية، سوف تنتقل لاحقاً لجهة التأثير على فعاليات قمة العشرين، والتي تضم تركيا، وبكلمات أخرى فإن الخطوة القادمة تتضمن السعي لإلزام تركيا ببنود قرار قمة العشرين. وإضافة لذلك فمن المتوقع استمرار فعاليات جماعات اللوبي الإسرائيلي لجهة وضع المخططات والتوصيات الضاغطة على الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي من أجل تعزيز فعاليات مخطط استهداف منطقة الشرق الأوسط وفق بنود مشروع نشر الديموقراطية الأمريكي الذي اعتمدته قمة مجموعة الثمانية الأخيرة.
* انقلاب دمشق على مشروع قمة الثمانية: فرص دمشق ومخاطر واشنطن
تحدث الخبير الأمريكي ستيفن كوك، والمحلل السياسي المختص بالشؤون الشرق أوسطية، مطالباً واشنطن بضرورة السعي لجهة القيام بإنفاذ مشروع نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن بشرط الانتباه وممارسة القدر الكبير من الحذر والحيطة، وعدم الاستهانة بدمشق، لأنها تستطيع وبكل سهولة الانقلاب على مخطط نشر الديموقراطية الأمريكي الذي تسعى واشنطن لجهة تنفيذه في المنطقة، وفي هذا الخصوص أشار الخبير ستيفن كوك إلى احتمالات نشوء المخاطر الآتية:
• السعي لإنفاذ مشروع نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط سوف يؤدي بالضرورة إلى تصعيد فعاليات الاحتجاجات السياسية الجارية في البحرين والسعودية وبلدان الخليج، وبالتالي، فإن أنظمة الخليج إذا تعرضت لمثل هذه الضغوط فسوف تسعى بالضرورة إلى استعادة روابطها مع دمشق. وربما طهران.
• السعي لدعم القاهرة سوف يتيح للنظام الجديد في قاهرة ما بعد حسني مبارك الاستقرار، وبالتالي فإن هذا الدعم يتوجب عدم تقديمه إلا إذا تأكدت واشنطن بأن القاهرة لن تقوم بتهديد أمن إسرائيل وحسب وإنما لن تقوم أيضاً ببناء الروابط مع دمشق.
هذا، وأشار الخبير ستيفن كوك إلى أن دمشق قد اكتسبت مهارة كبيرة لجهة كيفية القيام باحتواء الضغوط الدبلوماسية الأمريكية ثم الانقلاب عليها. وبالتالي، فإن احتمالات أن تسعى دمشق لقلب طاولة مشروع نشر الديموقراطية الشرق أوسطي هو أمر ممكن، إذا لم تسعى واشنطن لجهة التعاون مع إسرائيل وباريس ولندن من أجل إبطال فعاليات حدوث مثل هذا الانقلاب.
حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى احتمالات نجاح مخطط واشنطن ـ باريس ـ لندن إزاء سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، ويبدو أن الأمر سوف يرتبط إلى حد كبير بما سوف يحدث خلال الشهر القادم في ليبيا وفي العراق وفي اليمن، وربما في البحرين، وبرغم جهود خبراء اللوبي الإسرائيلي في صناعة مخططات نظرية المؤامرة الإسرائيلية وتحويلها لتأخذ شكل مؤامرة أمريكية، فإن نقطة الانكشاف الرئيسية سوف تظل متمثلة في مدى قدرة واشنطن وباريس ولندن لجهة إرغام شعوب الشرق الأوسط والسوريين والفلسطينيين على التنازل عن حقوقهم والقبول بمبدأ السلام مقابل السلام، وليس الأرض مقابل السلام.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
أين عزمي بشارة من ذلك
إضافة تعليق جديد