سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (32)
الجمل - شيموس كوك- ترجمة: د. مالك سلمان:
يجب ألا يأتي الإعلان الأخير بأن الولايات المتحدة ستزيد مساعداتها العسكرية "غير الفتاكة" إلى المتمردين في سوريا كمفاجأة لأحد. توقع البعض أن أوباما – بعد أن ثبت خطؤه بشكل متكرر حول استقرار الحكومة السورية – سوف يترك سوريا بذلٍ وصمت.
لكن الأمر ليس على هذه الحال. سوف يستمر تدمير المجتمع السوري, بل سيتزايد. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الخيارات غير العسكرية التي كان بمقدور إدارة أوباما أن تشتغل عليها, إلا أنه اختار الطريق الأكثر دموية. فقد تم تدمير حياة ملايين السوريين, والآن يمكن لعدة ملايين آخرين أن ينتظروا القدر نفسه.
قالت وسائل الإعلام الأمريكية إن المساعدات بمئات ملايين الدولارات التي قدمتها الولايات المتحدة للمتمردين السوريين هي على شكل مساعدات "غير فتاكة", لكن "نيويورك تايمز" اعترفت مؤخراً:
"رفض مسؤولون [حكوميون] أمريكيون الحديث عن برنامج سري جارٍ لتدريب المقاتلين المتمردين أو الدرجة التي سيؤثر فيها على ميدان المعركة."
ليس من المبالغ فيه القول إن أوباما يساعد في إدارة أكبر حملة إرهاب ترعاها الدولة منذ الإبادات الجماعية في حروب الكونغو ويوغوسلافيا. لقد تم إخفاء هذه الحقيقة تماماً عن الشعب الأمريكي, لكنها تبقى حقيقة مع ذلك.
فعلى سبيل المثال, تم تصنيف القوة المقاتلة الفعالة الوحيدة في صفوف المتمردين السوريين, "جبهة النصرة", كمنظمة إرهابية, حتى من قبل الولايات المتحدة. فقد ساعدت تفجيراتها الإرهابية المتكررة على تمزيق نسيج المجتمع السوري؛ فقد أودت السيارات المفخخة مؤخراً بحياة أكثر من 100 شخص, معظمهم من الأبرياء, في وسط دمشق, بما في ذلك العشرات من الأطفال وجرح مئات الآخرين.
أدانَ مبعوث الأمم المتحدة/الجامعة العربية لخضر الإبراهيمي الهجومَ الإرهابي الأخير بصفته "جريمة حرب". لكن مثل هذه التصنيفات لا ترتبط بحلفاء الولايات المتحدة. إن أوباما يتجاهل عشرات الهجمات المماثلة التي يشنها المتمردون السوريون الإرهابيون, مما يضمن ازدياد هذه الهجمات.
في الواقع, عرقل المسؤولون الأمريكيون قراراً تبنته روسيا في مجلس الأمن/ الأمم المتحدة يدين التفجيرات الإرهابية الأخيرة. إن أفعالاً كهذه تقلل من أهمية التفجيرات الإرهابية الاعتباطية وتشجع على المزيد منها.
حرص إعلان وزير الخارجية الأمريكية, جون كيري, الأخير حول تقديم المساعدة الأمريكية للمتمردين السوريين على ذكر أن المساعدات لن تذهب إلى "الإرهابيين" – وهو تصريح عبثي إذا أخذنا بالحسبان أن الإرهابيين في سوريا هم المسيطرون على الأرض من جهة المعارضة. وبالطبع سيتم نقل معظم هذه المساعدات إليهم, بغض النظر عمن سيستلمها في البداية.
تسعى إدارة أوباما باستمرار إلى البحث عن معارضة سورية لا يسيطر عليها الإرهابيون, لكنها تفشل وتعاود الكرة. في بادىء الأمر, لعب "المجلس الوطني السوري" دورَ المعارضة "الثورية" غير الإرهابية.
لكن هيلاري كلينتون واجهت الواقع فيما بعد وتخلصت من هذه المجموعة التي وصفتها, وهي محقة في ذلك, على أنها "مجموعة من المنفيين المُغَرَبين عن الواقع والذين يجب استبدالهم بمجموعة أكثر تمثيلاً للمقاتلين على الأرض."
وقد أشارت المقالة نفسها إلى "المجلس الوطني السوري" بصفته "متعاطفاً جداً مع الإرهابيين."
ومن ثم قام أوباما بإرسال كلينتون في جولة عالمية لتكتشف وتنظمَ معارضة سورية "شرعية" غير إرهابية وجديدة تماماً. وفي رحلتها اكتشفت كلينتون مجموعة أخرى من المنفيين السوريين الأثرياء المختارين بعناية الذين لم يطؤوا أرض بلدهم منذ عقود ولا يتمتعوا بأي اتصال مع الناس على الأرض, والأهم من ذلك أنهم يفتقدون إلى أي وجود عسكري على الأرض. وقد أعادت كلينتون تسمية المجموعة "الائتلاف الوطني للثورة السورية", ثم رفعت الحجابَ عن ذريتها الجديدة أمام وسائل الإعلام الأمريكية التي هللت للمولود الجديد. لكن طفلَ هيلاري الأخير وُلدَ مرة أخرى من الدخان والمرايا. جاء في "نيويورك تايمز":
" ... حاول الائتلاف جاهداً الاتفاق على مجموعة من القادة الذين سيوحدون هذه المنظمة المبعثرة ذات الولاءات المختلفة, حيث حاول نسجَ هيئات محلية ومنظمات منقسمة على بعضها ومجموعات معارضة متنافرة والموالين للوحدات المسلحة التي تقاتل قوات الرئيس بشار الأسد."
ينوي أوباما الآن شراءَ الشرعية لمعارضته السورية الجديدة, كجزء من المساعدات المعلن عنها مؤخراً. نقلت "نيويورك تايمز" بلا أي حياء:
"إن أحد أهداف المساعدة [الجديدة] التي تبلغ 60 مليون دولاراً يتمثل في مساعدة ‘الائتلاف الوطني للثورة السورية وقوى المعارضة’ في بناء مصداقيتها داخل البلاد ..."
يريد "أصدقاء سوريا" الجدد الذين صنعهم أوباما من الولايات المتحدة أن تدمر سوريا. إذ يطالب العديد من أعضاء هذه المنظمة بتدخل عسكري أمريكي مباشر لإسقاط الحكومة القائمة.
إن أي متابع للحروب على العراق وأفغانستان وليبيا يفهم أن تغيير النظام على النمط الأمريكي يعادل تدمير الأمة. فقد كانت البلدان الثلاثة المذكورة أعلاه فيما مضى حضارات مستقلة حية, لكنها مدمرة الآن اجتماعياً واقتصادياً, كما أنها مجزأة إلى مناطق يحكمها من يمتلك أكبر كمية من الأسلحة في كل منطقة.
مع تشريد ملايين السوريين داخل البلاد وخارجها وتدمير البلد, تختار إدارة أوباما – بشكل متعمد – عدم حل المشكلة بالطرق الدبلوماسية. فقد قدمت سوريا وروسيا عروضاً للتفاوض. ولكن من خلال رفض هذه العروض وتقديم المساعدة للمتمردين, يختار أوباما المزيد من القتل وسفك الدماء.
نقلت "رويترز":
" سوريا جاهزة للمحادثات مع المعارضين المسلحين, كما قال وزير الخارجية وليد المعلم يوم الاثنين, في العرض الأوضح حتى الآن للتفاوض مع المتمردين الذين يقاتلون الرئيس بشار الأسد."
ويأتي رَدُ إدارة أوباما على مفاوضات السلام:
" ... ولدَ عرض المفاوضات [المقدم من وزير الخارجية السوري] رداً سلبياً من وزير الخارجية الأمريكية جون كيري, الذي كان قد بدأ جولة إلى تسعة بلدان أوروبية وعربية من لندن [للمساعدة في تنظيم المتمردين السوريين مرة أخرى]."
لماذا يختار أوباما الحرب بدل السلام؟ لأن أوباما غير قادر على فرض شروطه الآن؛ فمعظم سوريا لا تزال تحت سيطرة الحكومة السورية التي لا تزال, بدورها, في موقع قوي يمكنها من المساومة, وهي حقيقة راسخة ومؤلمة.
وهكذا سيستمر أوباما في رعاية الجرائم الجماعية والتطهير العرقي والديني إلى أن يحققَ متمردوه المختارون سيطرة كافية على الأرض تمكنهم من التفاوض على سلام يضمن المصالح الأمريكية.
إن أيدي إدارة أوباما ملطخة بدماء الآلاف من السوريين الأبرياء, دماء تهدد بالجريان إلى لبنان ودول مجاورة أخرى مع زعزعة استقرار المنطقة على طول الخطوط الإثنية والدينية. فمنذ زقت طويل تم استبدال "الثورة الشعبية" في سوريا بإرهابيين مرتزقة أجانب ممولين من المملكة السعودية وقطر. وقد تغاضت إدارة أوباما عن هذا التحول بشكل كامل في خضم محاولتها النشطة لتنظيم "صورة عامة" محترمة للمتمردين.
إن الخطوات العريضة التي دخل بها أوباما إلى سورية تنتهي بخاتمة منطقية: التدخل العسكري المباشر الأمريكي. لا تزال التحضيرات جارية لإعداد المسرح, بانتظار الظروف الملائمة التي تسمح بهجوم جوي ضخم ينفذه الناتو والولايات المتحدة على النمط الليبي بهدف القضاء على الحكومة السورية. فمن وجهة نظر أوباما يستحق الأمر المآسي التي ستنتج عن مثل هذا الهجوم, بما أنه سيؤدي إلى إسقاط نظام غير متعاون, مما سيمهد الطريق بدوره للخطة طويلة الأمد لسَحق إيران.
تُرجم عن ("كاونتربنتش", 4 آذار/مارس 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد