ربيع المسرح السوري قفزة نوعية في القطاع الأهلي
إذا كانت الجهات الحكومية في سوريا قد أخذت على عاتقها منذ عقود إقامة المهرجانات المسرحية كمهرجان المسرح العمالي ومهرجان دمشق المسرحي, فمن الظواهر الثقافية الحديثة العهد دخول القطاع الأهلي إلى هذه الساحة. فخلال السنوات الثلاث الأخيرة انبثق ما لا يقل عن أربعة مهرجانات مسرحية سنوية تُقام بجهود تجمعات أهلية, هي: مهرجان الكوميديا ومهرجان المونودراما ومهرجان الهواة ومهرجان فرح الأطفال, ومن الملاحظ أن هذه المهرجانات تسعى لان تتطور وتتسع باتجاه مهرجان دولي, يجتذب إليه فرقا سورية رسمية وخصوصا فرقا عربية وأجنبية, كما ان اثنين من هذه المهرجانات هما الأولان من نوعهما على الصعيد المحلي, والتحقيق الآتي يلقي الضوء عليهما من حيث النشأة والجهات المنظمة.
قبل عامين من التاريخ الحالي قام المخرج لؤي شانا بتأسيس «تجمع القباني للفنون المسرحية والموسيقية» في مدينة اللاذقية, وهو تجمّع خاص يعنى بكل أشكال الفن, ويضم في إطاره معهدا لتعليم الفنون المسرحية من قبل أساتذة أكاديميين, ومنذ تأسيسه قام التجمّع بإنتاج مسرحية «شمس الأطفال» وهي عبارة عن عرض ارتجالي قدمه طلاب المعهد, وقد انبثق عن أغنية للسيدة فيروز بالعنوان نفسه, أيضا قام التجمّع العام الماضي بإطلاق مهرجان سينما الأطفال, وقد عُرضت خلاله أفلام كرتون عالمية وأفلام للأطفال حائزة على الأوسكار.
وخلال العام الحالي وفي الفترة الممتدة ما بين 23 و31 آذار /مارس وبالتزامن مع احتفالية يوم المسرح العالمي, أطلق تجمّع القباني مهرجان الكوميديا المسرحي, وهو تظاهرة مسرحية سنوية أولى من نوعها في سوريا, وربما في العالم العربي, وافتُتحت الدورة الأولى من المهرجان في صالة سعد الله ونوس بدار الأسد في اللاذقية مع فرقة المعهد العالي للفنون المسرحية وعرض «الجزيرة القرمزية» تأليف ميخائيل بولفادوف وإخراج عجاج سليم, تبعتها ثمانية عروض في صالة أسعد فضة بالمركز الثقافي, حيث شاركت فرقة نقابة الفنانين في حماة بمسرحية «اللص الشريف» تأليف داريوند إخراج مولود داوود, ومن دمشق قدمت فرقة أورنينا الخاصة عرض «غبرة الباربويين» تأليف موليير وإخراج أمل عمران ورأفت الزاقوت, ومن تركيا قدمت فرقة حصاد عرض «هكذا يحدث» باللغة العربية تأليف سيدات دوغان وإخراج مصطفى وجدي كوتشاك, وعرضت فرقة البيت العربي الخاصة «بكرا ع بكرا» تأليف بسام جنيد وإخراج سليم بركات وبسام جنيد, وعرض مسرح طرطوس القومي «القرية عالم صغير» تأليف جماعي إخراج دانيال الخطيب, وقدمت فرقة عرين الأردنية عرض «غافل الكيماوي» تأليف يوسف العمري وإخراج حسن طبيشات, وقدمت فرقة الرصيف الخاصة «حلم ليلة عيد» تأليف وإخراج حكيم مرزوقي, واختتم المهرجان فعالياته بفرقة مسرح اللاذقية القومي وعرض «أنت لست غارا» تأليف عزيز نيسين إخراج لؤي شانا, مع الإشارة إلى تغيّب العرض اللبناني بسبب الظروف, كما أُقيمت ندوة حول الكوميديا في المسرح بإدارة أمجد طعمة, شارك فيها: د.عجاج سليم وعبد الفتاح قلعجي ونجم الدين سمان.
ماذا عن فكرة مهرجان الكوميديا؟ كيف وُلدت وكيف تم تنفيذها؟ وكم بلغت التكلفة الإجمالية؟ ومن تحمّل أعباءها؟ وماذا عن الدورات المقبلة؟ توجهنا بهذه الأسئلة إلى المخرج المسرحي لؤي شانا مدير فرقة المسرح القومي في اللاذقية ومؤسس تجمع القباني ومدير المهرجان, فقال: وُلدت فكرة المهرجان في ذهني العام 2003 بعد حصول مسرحيتي «موت موظف» على خمس جوائز من المهرجان الدولي لفن الكوميديا في أصفهان, لكن الفكرة لم تدخل حيز التنفيذ إلا قبل شهرين من انطلاق الدورة الأولى, وتم المهرجان برعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقى, وبلغت التكلفة الإجمالية بعد ضغط النفقات إلى الحد الأدنى حوالى ثمانمئة ألف ليرة سورية, تسعون بالمئة منها وقعت على عاتق تجمّع القباني, والباقي توزعته البلدية ونقابة المقاولين, وتكفّلت بعض الفنادق باستضافة الفرق مجانيا, ولا أخفيك أنني اضطررت كي أستدين حتى ينجح المشروع, لكن وزير الثقافة د.رياض نعسان الآغا وعد بحالة نجاح الدورة الأولى أن تتبنى الوزارة الدورات المقبلة.
وأضاف شانا: بدأ المهرجان دوليا, ولكن على مستوى ضيق, وفي الدورات المقبلة سوف ترتفع نسبة المشاركة الدولية, ونحن نتواصل مع إدارة مهرجان الكوميديا في إيران, وسيتم الإعلان عن توأمة بين المهرجانين, حيث سوف نتبادل العروض الجيدة, وسوف نعلن عن مسابقة للعروض في العام المقبل, واللجنة الدولية المحكمة في إيران, سوف تكون ذاتها التي تحكّم في سوريا.
واستطرد قائلا: لقد نجحنا إلى حد ما في الدورة الأولى من المهرجان مقارنة بالإمكانات المادية المتاحة, فلم نقدم عرضا يشبه الآخر, وكانت مفاجأة المهرجان السارة هي الحضور الجماهيري الكثيف واللافت لتلك العروض, فقد كانت صالة المسرح تكتظ بالجالسين والواقفين في الممرات, وكان عدد العائدين الذين لم تُتح لهم فرصة الدخول يقارب عدد الحضور, وقد كان من مهمة المهرجان التعريف بكل الأساليب المتبعة في فن الكوميديا, لكننا خرجنا بنتيجة أنه ليس من الضروري كل ما يُضحك هو كوميديا, وكل ما يُحزن هو تراجيديا, فكم من الأعمال الكوميدية خرج الجمهور منها بغصة والعكس صحيح, فهناك الكوميديا السوداء وكوميديا الموقف والفارس... هناك معايير أكاديمية وعالمية سوف نعتمدها عند اختيار العروض في الدورات اللاحقة, بحيث يتم تكريس الأساليب المميزة فقط والراقية على المستوى الفني, ونحن نتطلع في المنظور البعيد إلى أن يتمخض المهرجان عن دراسات وورشات عمل, وكتجمع فإننا نحضّر منذ الآن لعمل مسرحي إضافة إلى مشاهد منفصلة يؤديها طلاب معهدنا تمثّل كافة الأساليب الكوميدية المتبعة, وهذه المشاهد سوف تترافق مع ندوة الدورة المقبلة التي سوف تتمحور حول نفس الموضوع.
في السنين العشر الأخيرة تضاعفت عروض المونودراما في المسرح السوري, واجتذبت إليها العديد من المسرحيين الجدد والمخضرمين على حد سواء, وقبل ثلاثة أعوام تُوجت هذه الظاهرة بانبثاق الدورة الأولى من مهرجان المونودراما في اللاذقية, بجهود معهد «البيت العربي للموسيقى والرسم» وتحت إشراف وإدارة الفنان زيناتي قدسية, ومن المعروف أن الفنان قدسية هو أحد المسرحيين الأوائل الذين أخلصوا لفن المونودراما, ووهبوها مساحة كبيرة من تجربتهم المسرحية.
فعاليات الدورة الثالثة التي أُقيمت هذا العام ما بين السابع والعاشر من شهر نيسان في صالة المسرح القومي باللاذقية, شملت ثمانية عروض مونودرامية, هي: «التصريح الأخير لشهريار» نص وإخراج فرحان خليل, وعرضين للمخرج محمد بري العواني: الأول «محاكمة فرحان بلبل» والثاني «الرقصة الأخيرة» عن نص ميشيل دوغيلدروث, «كأس سقراط الأخير» تأليف موفق مسعود تمثيل وإخراج زيناتي قدسية, و«الجمجمة» نص حسين رحيم وإخراج عباس عبد الغني, مونودراما «فصل في الجحيم» عن نص لرامبو إخراج أمل عمران, و«محاكمة هيروسترات» نص غريغوري غورين وإخراج عبد الناصر مرقبى, وأخيرا «حكايات ملونة» نص نضال أحمد وإخراج ياسر دريباتي.
أيضا شملت فعاليات مهرجان المونودراما افتتاح معرض فن تشكيلي بعنوان «أصدقاء هيشون» في صالة سيتي هول, وانعقاد ندوة حول دور السينوغرافيا في العرض المسرحي بمشاركة جوان جان, احمد قشقارة, وجورج ماهر.
بوصفه أخصائي أكاديمي في شؤون المسرح ومتابع لمهرجان المونودراما, سألنا المخرج لؤي شانا عن رأيه بهذه التظاهرة المسرحية فقال: «المونودراما لا تعبّر عن روح المسرح, فكما هو معروف المسرح طقس احتفالي جماعي, والمونودراما أسلوب مُحدث على فن المسرح, وأُعيد سبب انتشار هذا الأسلوب إلى الأنانية المفرطة التي يحملها بعض الممثلين, والتي تدفعهم لأن يكونوا على الخشبة من دون الآخرين, وأن يستعرضوا ذواتهم فقط على مدى ساعة أمام الجمهور, فالمسرحية الدرامية تحتوي على المونولوج, وهو شكل مونودرامي, فما الداعي لأن نكرّس المونولوج في عمل مستقل, بذلك نكون قد خرجنا عن الطقس الجماعي, ولكي أكون منصفا هناك ممثل واحد من بين كل مئة يستطيع أن يقوم بأداء شخصية واحدة, ويستقطب اهتمام الجمهور على مدار ساعة كاملة, ولكن هذا استثناء نجده في لبنان عند رفيق علي أحمد, وفي تونس عند محمد ادريس, ولا يمكن تكريس هذا الأسلوب لنرى بعض الهواة ينجزون أعمالا مسرحية باسم المونودراما, لا تخلق التواصل المطلوب, ولا تحقق المستوى الفني الجيد, لكني في المقابل مع أي ظاهرة تدعو إلى اجتماع جمهرة من الناس, لأن التلاقي بين البشر يفرز علاقات حضارية, ويولّد أفكارا جديدة, ويحرّك الساكن, ومن هذه الزاوية فقط أرحب بهذا المهرجان.
مهرجان الهواة المسرحي ليس بالتظاهرة الجديدة على المستوى السوري, فمنذ سبعينيات القرن العشرين أطلقت وزارة الثقافة هذا المهرجان, ثم تولى إدارته في الثمانينيات اتحاد شبيبة الثورة إلى أن توقف في التسعينيات, لتعيد إحياءه العام الفائت شركة «العين» للإنتاج الفني, وهي شركة خاصة, وفي العام الحالي أُقيمت الدورة الثانية من المهرجان برعاية وزير الثقافة د.رياض نعسان آغا, وضمنَ الفعالياتِ الثقافية لمجموعة «ماس الاقتصادية», ما بين 15 و26 من شهر نيسان /ابريل على مسرح القباني بدمشق, وبمشاركة أحد عشر عرضا, ثمانية منها جاءت من مختلف المناطق السورية, وهي: عرض الافتتاح «رجال محترمون» نص وإخراج نضال صواف وقصي قدسية, ومن حماة «اللص الشريف» إخراج مولود داود, ومن جامعة تشرين في اللاذقية «صدى» عن نص عبد المنعم العمايري وإخراج نضال سيجري, ومن القامشلي «كائنات تحت السطر», إخراج وليد العمر, ومن دير الزور «سقوط المتادور» إخراج ضرام سفان, ومن القنيطرة «الغليظ» إخراج زهير البقاعي, ومن دمشق «الخادمات» نص جان جينيه وإخراج قصي قدسية, ثم «فرسان عباد الشمس» إخراج كميل أبو صعب, ومن الدول العربية شاركت الأردن بمسرحية «ليل المدينة» إخراج علي عليان, وشاركت العراق بمسرحية «حظر تجوال» نص وإخراج مهند الهادي, ومن فلسطين «حفار القبور» إخراج فتحي عبد الرحمن.
ولم تقتصر فعاليات الدورة الثانية على العروض المسرحية فقط, بل شملت مسابقة المهرجان, وتألفت لجنة التحكيم من: الناقد د.نبيل حفار, د.ماري الياس, الفنان فايز قزق, مدير المسارح د.عجاج سليم, المخرج نجدت أنزور, الفنان سلوم حداد, المخرج د.تامر العربيد, الكاتب عبد الفتاح قلعجي, د.حمدي موصللي, وآخرين.
أيضا شملت الفعاليات العديد من التكريمات: تكريم د.رياض نعسان آغا ود.عدنان عربش والسيد فراس طلاس (رعاة المهرجان), إضافة إلى تكريم الفنانين: أيمن زيدان, بسام كوسا, تيسير إدريس, سمير حبال, عدنان شعبو وميشيل جبور "عامل في مسرح الحمراء".
ازداد اهتمام الجهات الرسمية بمسرح الطفل في السنين العشر الأخيرة, بحيث انفصلت عروض الأطفال عن إدارة المسرح القومي, وتكونت هيئة مستقلة بها, وارتفع عدد العروض السنوية من عرض واحد إلى أربعة عروض تقريبا, وأعلنت وزارة الثقافة عن مسابقة لكتاب النصوص, وانطلق مهرجان ربيع الطفل, لكن اللافت في هذا العام انتقال هذا الاهتمام إلى الجهات الخاصة, حيث أعلنت جمعية أسرة الطفل, وهي جمعية خاصة تأسست في مدينة اللاذقية أوائل العام الماضي بإدارة الفنان هاني محمد, أعلنت الجمعية عن إقامة مهرجان فرح الأطفال المسرحي, ما بين الأول والثامن من شهر تموز /يوليو المقبل, بمشاركة ثمانية عروض مسرحية من سوريا والدول العربية, وقد صرّح لنا مدير الجمعية ان: المهرجان سوف يبدأ بكرنفال احتفالي يضم عددا كبيرا من الأطفال الذين سوف يجولون في شوارع المدينة وصولا إلى دار الأسد, حيث تُفتتح الفعاليات بعرض «مدرسة العجائب» بطولة حسن دكاك, وأضاف السيد محمد: سوف يرافق المهرجان ورشة رسم للأطفال في المتحف الوطني, تتمخض عن معرض فني, إضافة إلى رحلات للمعالم الأثرية, كما سوف يتم الإعلان عن مسابقة لنصوص الأطفال.
تهامة الجندي
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد