ما هي أجندة سورية ولبنان في جولة جورج بوش الأوروبية؟
الجمل: سوف يقوم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بجولة أوروبية هذا الاسبوع، تهدف إلى عقد عدة اجتماعات مع القادة الأوربيين، بغرض الوصول إلى توافق أمريكي- أوروبي، إزاء الملفات الشرق أوسطية العالقة هذا الأيام.
الخلافات الأوروبية- الأمريكية في أجندة علاقات عبر الأطلنطي ليست أمراً جديداً، وذلك بسبب المواقف الأوروبية التي تبتعد حيناً وتقترب حيناً آخر مع الموقع الأمريكي.
• نطاق الجولة الأوروبية:
يبدأ بوش بزيارة جمهورية تشيكيا، وسوف يلقي خطاباً في عاصمتها مدينة براغ، أمام مؤتمر ترقية الديمقراطية، والذي يتم تنظيمه برعاية فاسلاف هافال الرئيس التشيكي السابق، وناتان شارانيسكي نائب رئيس الوزراء الاسباني السابق.
الخطوة الثانية في زيارة بوش سوف تكون مدينة هاليغيندال الألمانية، (سوف يلتقي برؤساء بريطانيا، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، وروسيا. وذلك في قمة اجتماع الثمانية.
الخطوة الثالثة سوف يواصل الرئيس بوش جولته الأوروبية فيها بحيث يقوم بزيارة: بولندا، إيطاليا، ألبانيا، وبلغاريا.
• أجندة جولة بوش:
سوف تركز جولة بوش ولقاءاته على التباحث مع الأطراف الأوروبية حول أربعة أنواع من المسائل، وهي:
- مسألة نشر شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكي في شرق أوروبا.
- مسألة توحيد سياسات عبر الأطلنطي المشتركة.
- مسألة ترقية الديمقراطية.
- مسألة دور حلف الناتو في الحرب ضد الإرهاب
وبرغم التباين الظاهري لهذه المسائل إلا أنها تعبّر في النهاية على مستوى العمق عن شيء واحد، هو السياسة الخارجية الأمريكية التدخلية في الشرق الأوسط، وذلك بسبب الآتي:
- ارتباط نشر شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكي في شرق أوروبا بالشرق الأوسط، أصبح أكثر وضوحاً، فالمزاعم الأمريكية الرسمية تقول بأن نشر هذه الصواريخ لا يستهدف روسيا، بل يستهدف حماية أوروبا وأمريكا من خطر الصواريخ الإيرانية البالستية المحتمل.. ويرى بعض المحللين أن نشر هذه الصواريخ يستهدف روسيا بالفعل، ولكن لماذا؟ وكيف؟ والإجابة تقول: إن الهجوم الأمريكي على روسيا غير وارد لأن روسيا يمكن أن تستهدف أمريكا عبر القطب الشمالي، أو عبر ألاسكا حيث المسافة بين أمريكا وروسيا أقرب من المسافة بين أمريكا وفنزويلا.. كما أن روسيا لا تخطط لمهاجمة أوروبا، وذلك لأنها تسعى لبناء التعاون الاقتصادي الاستراتيجي مع أوروبا عبر تمديد خطوط أنابيب النفط والغاز من روسيا إلى أوروبا.. وبالتالي يكون المقصود من نشر الصواريخ هو ردع روسيا عن القيام بأي رد فعل يعرقل التدخل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والشرق الأدنى.
- ارتباط سياسة عبر الاطلنطي المشتركة بين أمريكا والأوروبيين الغربيين بقضايا الشرق الأوسط ظل دائماً البند الرئيسي في أجندة كل اجتماعات الشراكة الأوروبية- الأمريكية، وقد ظلت كل القضايا الأخرى موضع اتفاق بين الشركاء، ما عدا قضايا الشرق الأوسط، وبالتالي فإن بوش سوف يركز على محاولة الضغط على الأوروبيين من أجل التخلي عن نزعاتهم الاستقلالية (النسبية نوعاً) وتبني المواقف التي تتطابق وتندمج تماماَ ضمن الموقف الأمريكي.
- ارتباط ترقية الديمقراطية بالتوجهات التدخلية الأمريكية في الشرق الأوسط ظل يمثل الجانب الآخر في سياسة الإدارة الأمريكية إزاء الشرق الأوسط، وحالياً ليس لدى الإدارة الأمريكية سوى نوعين من السياسات الخارجية التدخلية، الاولى تتمثل في التدخل العسكري، والثانية تتمثل في التدخل تحت غطاء ترقية الديمقراطية.. وتجدر الإشارة إلى أن برامج الإدارة الأمريكية الهادفة إلى ترقية الديمقراطية، برغم مزاعم إدارة بوش القائلة بأنها تهدف إلى نشر الديمقراطية في كافة أرجاء العالم، إلا أن التجربة العملية أثبتت وأكدت بأنها برامج تهدف إلى ترقية التدخل الأمريكي حصراً في منطقة الشرق الأوسط دون غيره عن الكثرة من مناطق العالم الأخرى التي تعتبر دول الشرق الأوسط أكثر ديمقراطية منها.
- ارتباط دول حلف الناتو في الحرب ضد الإرهاب، هو ارتباط يهدف إلى دفع حلف الناتو ليقوم بدور الـ(بروكسي) الذي يقوم بشن حرب أمريكية بالوكالة وحصراً في منطقة الشرق الأوسط.
إذاً، مضمون جولة بوش، يتعلق بإعطاء دفعة للبلدان الأوروبية من أجل التحالف الكامل مع الإدارة الأمريكية الحالية في توجهاتها التدخلية في الشرق الأوسط خلال فترة الـ18 شهراً القادمة، والتي تعتبر فترة حاسمة في حياة ومستقبل الحزب الجمهوري الأمريكي.
إذا تساءلنا: ما الذي تنوي إدارة بوش القيام به في الشرق الأوسط، خلال فترة الـ18 شهراً المقبلة، وما الذي يريده بالضبط من الحلفاء الأوروبيين الغربيين؟..
الإجابة المفضلة والمختصرة على هذين السؤالين تشير إلى الآتي:
- بالنسبة لإيران: تريد إدارة بوش إصدار مجلس الأمن الدولي لعقوبات أكثر تشدداً في مواجهة إيران، وعلى وجه السرعة، وذلك حتى يكون أمام الإدارة الأمريكية فسحة من الوقت، بحيث تستمر العقوبات لبضعة أشهر، ثم تقوم إدارة بوش بمطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ الضربة العسكرية، على خلفية التذرع بأن الأساليب الدبلوماسية والعقوبات لم تجد نفعاً في مواجهة إيران، وبالتالي سوف يكون المجتمع الدولي أمام أحد خيارين: إما ضرب إيران، أو سوف تقوم أمريكا ببناء تحالف دولي يضم فرنسا وبريطانيا وغيرها.. لضرب إيران، والمطلوب من الحلفاء الأوروبيين حالياً هو دعم مشروع العقوبات الدولية الشاملة ضد إيران على وجه السرعة.
- بالنسبة للعراق: تريد إدارة بوش ثني الدول المشاركة في القوات المتعددة الجنسيات الموجودة حالياً في العراق، لا عن عدم الانسحاب وحسب، بل وزيادة عدد قواتهم الموجودة.. وتهدف إدارة بوش من ذلك لا إلى توريط حلفائها في حرب العراق فقط، وإنما توريطهم في المخططات الأمريكية القادمة الهادفة إلى استخدام فرضية الدفاع عن أمن واستقرار العراق كذريعة لاستهداف دول الجوار الإقليمي العراقي.
- بالنسبة للفلسطينيين: تريد إدارة بوش ثني الدول الأوروبية عن دعم الفلسطينيين والتأييد الكامل لخيارات السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وقضايا المفاوضات ومبادرة السلام العربية، وجهود عملية سلام الشرق الأوسط التي تقوم بها كوندوليزا رايس، وتهدف الإدارة الأمريكية من وراء ذلك حصر الأوروبيين جانباً، والقضاء على دور الاتحاد الأوروبي وإضعاف اللجنة الرباعية في الصراع العربي- الإسرائيلي، على النحو الذي يجعل هذا الملف حصراً تحت تصرف الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، تمهيداً لتصعيد التوترات وإشعال حرب أهلية فلسطينية- فلسطينية، وفلسطينية- إسرائيلية توفر الذريعة والخلفية للتدخل العسكري الشامل الذي تخطط له الحكومة الإسرائيلية في كل المناطق الفلسطينية.
- بالنسبة للبنان: تريد إدارة بوش في هذه المرحلة إقناع الأوروبيين بتقديم الدعم السياسية فقط لحكومة السنيورة، والاكتفاء بتقديم الوعود بالدعم الاقتصادي على غرار سيناريو مؤتمرات باريس للمانحين.. وبكلمات أخرى: تقديم وعود الدعم المالي والاقتصادي المشروط بتنفيذ القرارات الدولية، أي نزع سلاح حزب الله، وإعطاء القوات الدولية صلاحيات أكبر لمساعدة الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب وضبط الحدود السورية من أجل منع عمليات تهريب السلاح.
- بالنسبة لسوريا: سوريا هي الهدف الرئيسي لسياسة إدارة بوش الشرق أوسطية، وقد سعت الإدارة الأمريكية إلى محاولة ربط سوريا بكل الملفات الشرق أوسطية الساخنة، وذلك عن طريق تحميل سوريا جزءاً من المسؤولية عن الملفات الساخنة الآتية.
* ملف النزاعات داخل الأراضي الفلسطينية، بين الفلسطينيين، وبين الفلسطينيين والإسرائيليين.
* ملف استقرار وسيادة لبنان، وهو الـ(ملف المصنوع) بتخطيط مسبق أمريكي- إسرائيلي، وتنفيذ لبناني- أمريكي- إسرائيلي، والذي تقدم العمل فيه متجاوزاً العديد من المراحل بدءاً من مؤتمر باريس الأول للمانحين، واغتيال الحريري، وسلسلة الاغتيالات الأخرى.
* ملف المحكمة الدولية: والذي تسعى الإدارة الأمريكية لاستخدامه ضمن دور مزدوج الأول (معلن) ويستهدف سوريا، والثاني (غير معلن) ويستهدف لبنان.
* ملف التمرد العراقي: وذلك عن طريق اتهام سوريا بدعم المسلحين الذين يقومون بشن الهجمات المسلحة ضد قوات الاحتلال الامريكي الموجودة في العراق.
* ملف مبادرة السلام والمفاوضات مع إسرائيل: وذلك عن طريق اتهام سوريا باعتبارها المسؤولة عن تشدد الموقف العربي في المفاوضات مع إسرائيل، وعدم قبول الأطراف العربية لإجراء التعديلات المطلوبة بواسطة إسرائيل.
تهدف إدارة بوش من أجل إنجاز كل هذه الأهداف الشرق أوسطية المعقدة، خلال فترة الثمانية عشر شهراً القادمة وذلك على النحو الذي يتيح لأمريكا ضمان السيطرة الكاملة على الشرق الأوسط، وهو أمر سوف يتيح تعزيز قدرة الحزب الجمهوري في السيطرة على أمريكا نفسها، وذلك لأنه سوف يجد الدعم الكامل من الأطراف والقوى التي تلعب دوراً رئيسياً في حسم نتيجة صراع السلطة والثروة داخل أمريكا، ومن أبرزها:
- المجمع الصناعي- العسكري: وهو الكيان الذي يمثل قاطرة الاقتصاد الأمريكي الحالية، ويرتبط انتعاش الاقتصاد الامريكي بانتعاش هذا المجمع.. ولما كان انتعاش هذا المجمع يتم حصراً بتزايد مبيعات السلام، فإنه لابد من توسيع الحرب ورفع معدلات ووتائر سباق التسلح في العالم.. بما يضمن تزايد مبيعات سلع ومنتجات هذا المجمع في الأسواق العالمية.
- المجمع النفطي: وقد ثبت بالدليل القاطع أن هذا المجمع ينفق المزيد من الأموال الطائلة من أجل دفع الإدارة الأمريكية لفرض سيطرتها الكاملة على منابع النفط العالمي بما يضمن للشركات الأمريكية الاحتكار الكامل لهذه السلعة في الأسواق العالمية.
- اللوبي الإسرائيلي: ويتمثل في حوالي 500 منظمة تنتشر فروعها في سائر أنحاء الولايات المتحدة، وتمتلك الكثير من الأموال، إضافة إلى سيطرتها على شبكة إعلامية هائلة تتميز بقدرتها الفائقة في التأثير على الرأي العام الأمريكي والعالمي.
- وتجدر الإشارة إلى أن هذه الكيانات الثلاثة لا تنفصل عن بعضها، بل تتميز بالتكامل الرأسي والأفقي عن طريق دورة رأس المال البنكي والمصرفي.. إضافة إلى أن الأطراف المالكية لهذه المنشآت تمثل في نهاية الأمر شيئاً واحداً، وق أثبتت كل التجارب أن مساندة هذه الكيانات تعتبر كبيرة التأثير على مستقبل السياسة الأمريكية، وحالياً تلعب اللوبيات وجماعات الضغط التابعة لهذه الكيانات دوراً هاماً في ثني الديمقراطيين عن توجهاتهم المعادية لسياسة بوش.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد