سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (13)
الجمل - بروفسور ميشيل تشوسودوفسكي-ترجمة: مالك سلمان:
يشكل تجنيد فرق الموت جزأ من أجندة استخباراتية – عسكرية أمريكية قائمة منذ زمن. فهناك تاريخ أمريكي طويل وبشع من التمويل والدعم السريين للألوية الإرهابية وفرق الاغتيال يعود إلى حرب فيتنام.
مع استمرار القوات الحكومية بمواجهة ما يسمى ‘الجيش السوري الحر’, يجب الكشف بشكل كامل عن الجذور التاريخية لحرب الغرب السرية على سوريا التي تجلت في العديد من الجرائم والأعمال الوحشية.
منذ البداية في آذار/مارس 2011, قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بدعم تشكيل فرق موت والألوية الإرهابية في خطة محكمة.
لقد تم تجنيد وتدريب الألوية الإرهابية في العراق وسوريا على نموذج "خيار السلفادور", وهو "نموذج إرهابي" قائم على القتل الجماعي من قبل فرق الموت المدعومة من الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى. وقد تم تطبيقه للمرة الأولى في السلفادور, في ذروة المقاومة ضد الدكتاتورية العسكرية, مما أدى إلى مقتل حوالي 75,000 إنسان.
يقوم تشكيل فرق الموت في سوريا على تاريخ وتجربة الألوية الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة في العراق, ضمن برنامج البنتاغون "مكافحة التمرد".
تشكيل فرق الموت في العراق
تم تجنيد فرق الموت المدعومة من قبل الولايات المتحدة في العراق منذ 2004 – 2005 في مبادرة تم إطلاقها برعاية السفير الأمريكي جون نيغروبونتي (الصورة) الذي أوفدته وزارة الخارجية الأمريكية إلى بغداد في حزيران/يونيو 2004.
كان نيغروبونتي "الرجل المناسب لهذا العمل". فعندما كان سفيراً لأمريكا في هندوراس من 1981 إلى 1985. وقد لعب نيغروبونتي دوراً مفتاحياً في دعم قوات ‘الكونترا’ النيكاراغوية في هندوراس بالإضافة إلى الإشراف على نشاطات فرق الموت العسكرية الهندوراسية.
"تحت حكم الجنرال غوستاڤو ألڤاريز مارتينيز, كانت حكومة هندوراس العسكرية حليفاً قوياً لإدارة ريغان وكانت تعمل على ‘إخفاء’ العشرات من المعارضين السياسيين على طريقة فرق الموت الكلاسيكية."
في كانون الثاني 2005, أكد البنتاغون أنه يدرس:
"تشكيل فرق اغتيال من المقاتلين الأكراد والشيعة لاستهداف قادة التمرد [المقاومة] العراقيين في نقلة استراتيجية مستعارة من الصراع الأمريكي ضد العصابات اليسارية في أمريكا الوسطى قبل 20 سنة."
تحت ما يسمى "خيار السلفادور", سوف يتم إرسال قوات أمريكية وعراقية لقتل أو اختطاف قادة التمرد,حتى في سوريا حيث يحتمي بعضهم.
وبما أن فرق الاغتيال إشكالية, يجب الإبقاء عليها بشكل سري.
تبقى تجربة ما يسمى "فرق الموت" في أمريكا الوسطى فجة وغير ملائمة ساهمت في تشويه سمعة الولايات المتحدة في المنطقة.
في ذلك الوقت, قامت إدارة ريغان بتمويل وتدريب فرق من القوات الوطنية لتحييد قادة التمرد السلفادوريين والمتعاطفين معهم.
كان جون نيغروبونتي, السفير الأمريكي إلى بغداد, يحتل أحد مقاعد الصدارة في ذلك الوقت بصفته سفيراً في هندوراس 1981 – 1985. كانت فرق الموت أحد الملامح الوحشية للسياسة في أمريكا اللاتينية في ذلك الوقت.
في بداية الثمانينيات من القرن الماضي, أسست إدارة ريغان قوات ‘الكونترا’ النيكاراغوية المتمركزة في هندوراس وساعدت في تدريبها بهدف إسقاط نظام ‘ساندنستا’ في نيكاراغوا. كانت قوات ‘الكونترا’ تتلقى التمويل من مبيعات الأسلحة الأمريكية غير القانونية لإيران, مما سبب فضيحة كادت أن تطيحَ بالسيد ريغان.
يتمحور اقتراح البنتاغون في العراق حول اتباع ذلك النموذج.
ليس واضحاً إن كان الهدف الرئيسي للبعثة اغتيال المتمردين أم اختطافهم للتحقيق معهم. إن أية مهمة في سورية من المرجح أن تقوم على تنفيذها القوات الأمريكية الخاصة.
كما أنه ليس من الواضح من سيتحمل المسؤولية عن مثل هذا البرنامج – البنتاغون أم وكالة الاستخبارات المركزية. كانت تتم إدارة مثل هذه العمليات السرية, في العادة, من قبل ‘سي آي إيه’ بعيداً عن الإدارة الموجودة في السلطة, مما يمنح المسؤولين الأمريكيين القدرة على إنكار معرفتهم بها. ("نشر ‘فرق الموت’ المبنية على النموذج السلفادوري من قبل الولايات المتحدة ضد المتمردين العراقيين", "تايم أونلاين", 10 كانون الثاني/يناير 2005)
بينما كان الهدف المعلن ﻠ "خيار السلفادور العراقي" يتمثل في "مهاجمة المتمردين", عملت الولايات المتحدة بشكل فعلي على رعاية الألوية الإرهابية التي كانت تقتل المدنيين بشكل روتيني بهدف إشعال العنف الطائفي. وبدورها, كانت "سي آي إيه" و "إم آي 6" تشرفان على وحدات "القاعدة في العراق" المتورطة في الاغتيالات التي تستهدف السكان الشيعة. ومن المهم أن نعرف أن فرق الموت هذه كانت تعمل تحت رعاية ونصح القوات الخاصة الأمريكية التي تعمل تحت بشكل سري.
كان روبرت ستيفن فورد – الذي تم تعيينه لاحقاً سفيراً إلى سورية – جزأ من فريق نيغروبونتي في بغداد 2004 – 2005. وفي كانون الثاني/يناير 2004 تم إرساله بصفته ممثل الولايات المتحدة في مدينة النجف الشيعية التي كانت معقلَ جيش المهدي, الذي أجرى معه اتصالات أولية.
في كانون الثاني/يناير 2005, تم تعيين روبرت س. فورد "وزيراً مستشاراً للشؤون السياسية" في السفارة الأمريكية تحت إمرة السفير جون نيغروبونتي. ولم يكن فقط جزأ من الفريق, بل كان أيضاً شريكَ نيغروبونتي في تأسيس "خيار السلفادور". وقد تم تأسيس بعض الأعمال على الأرض في النجف قبل نقل فورد إلى بغداد.
تم تكليف جون نيغروبونتي وروبرت فورد بتجنيد فرق الموت العراقية. فبينما قام نيغروبونتي بالتنسيق من مكتبه في السفارة الأمريكية, تم توكيل روبرت س. فورد – الذي يتقن العربية والتركية – بمهمة بناء علاقات استراتيجية مع مجموعات الميليشيات الشيعية والكردية خارج "المنطقة الخضراء".
كما لعب مسؤولان آخران في السفارة الأمريكية – هنري إنشر (مساعد فورد) ومسؤول شاب في القسم السياسي, جيفري بيلز – دوراً هاماً في الفريق حيث كانا "يتحدثان إلى طيف واسع من العراقيين, بما في ذلك المتطرفين". (راجع "النيويوركر", 26 آذار/مارس 2007). كما كان هناك شخص هام آخر في فريق نيغروبونتي هو جيمز فرانكلين جيفري, سفير الولايات المتحدة إلى ألبانيا (2002 – 2004). في سنة 2010 تم تعيين جيفري سفيراً للولايات المتحدة إلى العراق (2010 – 2012).
كما جلب نيغروبونتي إلى الفريق أحدَ مساعديه السابقين من الفترة التي قضاها في هندوراس, العقيد جيمز ستيل (متقاعد):
في ظل "خيار السلفادور", "تلقى نيغروبونتي المساعدة من زميله من أيام وجوده في أمريكا الوسطى خلال الثمانينيات من القرن الماضي, العقيد المتقاعد جيمز ستيل. قام ستيل, الذي كان لقبه في بغداد ‘مستشار قوات الأمن العراقية’, بالإشراف على انتقاء وتدريب أعضاء ‘منظمة بدر’ و ‘جيش المهدي’, الميليشيتان الشيعيتان الأكبر في العراق, لاستهداف قيادة وشبكة دعم المقاومة السنية. وسواء كان مخططاً أم لا, سرعان ما خرجت فرق الموت هذه عن السيطرة لتصبح السبب الرئيسي للموت في العراق.
وسواء كان ذلك مقصوداً أم لا, فإن العشرات من الجثث المعذبة والمشوهة التي كانت تظهر مرمية في شوارع بغداد كل يوم كانت ضحية لفرق الموت المدعومة من جون نيغروبونتي. وهذا العنف الطائفي المدعوم من قبل الولايات المتحدة هو الذي قاد العراق إلى الجحيم الذي يعيش فيه اليوم.
"كان العقيد ستيل مسؤولاً, تبعاً للجمهوري كوتشينيك, عن تنفيذ ‘خطة في السلفادور ’اختفى’ نتيجتها آلاف السلفادوريون أو تم اغتيالهم, بما في ذلك الآرتشبيشوب آوسكار روميرو وأربع راهبات أمريكيات.’"
بعد تعيينه في بغداد, تم تعيين العقيد ستيل في وحدة مكافحة التمرد تعرف باسم "فرقة البوليس الخاصة" بإشراف وزير الداخلية العراقي.
وتؤكد التقارير أن "الجيش الأمريكي سلمَ العديد من السجناء إلى وولف بريغيد [لواء الذئاب], وهو الفصيلة الثانية المرعبة من القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية" التي كانت تحت إشراف العقيد ستيل:
"كان الجنود الأمريكيون, والمشرفون الأمريكيون يقفون على الحياد ولا يفعلون شيئاً, بينما كان عناصر وولف بريغيد يضربون السجناء ويعذبونهم. احتلت القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية المكتبة العامة في السامراء وحولتها إلى مركز اعتقال," كما قال. وقال: "أثناء مقابلة أجرتها نيويورك تايمز في 2005 في مركز الاعتقال هذا, بوجود المشرف العسكري الأمريكي على وولف بريغيد العقيد جيمز ستيل, كانت تسمع صرخات الرعب التي يطلقها سجين في الخارج. وهناك معلومات تشير إلى استخدام ستيل سابقاً كمستشار للمساعدة على إخماد تمرد في السلفادور."
هناك شخصية أخرى سيئة السمعة لعبت دوراً في برنامج مكافحة التمرد العراقي, مفوض شرطة نيويورك السابق بيرني كيريك الذي تمت إدانته في 2007 في محكمة فدرالية ﺑ 16 تهمة جنائية.
كان قد تم تعيين كيريك من قبل إدارة بوش في بداية الاحتلال في 2003 لتنظيم وتدريب قوات الشرطة العراقية. وخلال مهمته القصيرة في سنة 2003 عمل بيرني كيريك – الذي احتل منصب وزير الخارجية المؤقت – على تنظيم وحدات رعب داخل قوات الشرطة العراقية: "وبعد إرساله إلى العراق لتنظيم وتأهيل قوات الأمن العراقية, أطلق كيريك على نفسه اسم ‘وزير داخلية العراق المؤقت’. وقد أطلق مستشارو الشرطة البريطانيون اسم ‘تيرمينيتر بغداد’."
تحت رعاية نيغروبونتي في السفارة الأمريكية في بغداد تم إطلاق موجة من عمليات القتل السرية الموجهة ضد المدنيين, بالإضافة إلى الاغتيالات الموجهة. كما تم استهداف المهندسين والأطباء والعلماء والمثقفين.
وقد قام المؤلف والمحلل الجيو – سياسي ماكس فوللر بتوثيق تفصيلي للجرائم المرتكبة بناءً على برنامج مكافحة التمرد الذي ترعاه الولايات المتحدة.
"تم للمرة الأولى تسليط الضوء على ظهور فرق الموت في أيار/مايو من هذه السنة [2005], ... وقد عثر على عشرات الجثث المرمية ... في أماكن مهجورة حول بغداد. وقد تم تقييد كافة الضحايا وتطميشها وقتلها في الرأس كما أظهر العديد منها علامات التعذيب الوحشي. ...
كانت الدلائل قوية بما فيه الكفاية بالنسبة إلى ‘هيئة علماء المسلمين’ – وهي منظمة سنية رائدة – لإصدار بيانات علنية اتهمت فيها قوات الأمن الملحقة بوزارة الداخلية و ‘لواء بدر’, الجناح المسلح السابق ﻠ ‘الهيئة العليا للثورة الإسلامية في العراق’, بالمسؤولية عن عمليات القتل. كما اتهمت وزارة الداخلية بإدارة إرهاب الدولة." ("فاينانشل تايمز")
كان برنامج مكافحة التمرد الأمريكي يشرف على "كوماندوس الشرطة" و "وولف بريغيد" في وزارة الداخلية العراقية:
" تم تشكيل ‘كوماندوس الشرطة’ برعاية وإشراف مقاتلي برنامج مكافحة التمرد الأميركي المتمرسين, وقد قاموا منذ البداية بتنفيذ عمليات مشتركة مع وحدات قوات خاصة أمريكية سرية للغاية ونخبوية ("رويترز", "ناشنل ريڤيو أنلاين").
... لعبَ جيمز ستيل دوراً مفتاحياً في تطوير ‘قوات الشرطة الخاصة’ وهو عنصر سابق في القوات الخاصة في الجيش الأمريكي حارب في فيتنام قبل الانتقال إلى إدارة البعثة العسكرية الأمريكية في السلفادور في ذروة الحرب الأهلية في ذلك البلد. ...
وكان هناك مساهم آخر هو ستيڤن كاستيل, الذي كان المستشار الأعلى الأمريكي في وزارة الداخلية والذي نجح في التهرب من اتهامات جدية وقائمة على دلائل مادية بارتكاب خروقات مرعبة لحقوق الإنسان بوصفها مجرد ‘إشاعات مغرضة’. وعلى غرار ستيل, اكتسب كاستيل خبرة كبيرة في أمريكا اللاتينية, حيث شارك في مطاردة زعيم الكوكايين بابلو إسكوبار في حروب المخدرات في كولومبيا في التسعينيات من القرن الماضي. ...
إن خلفية كاستيل هامة لأن هذا النوع من دعم جمع المعلومات وإنتاج لوائح الموت يميزان تورط الولايات المتحدة في برامج مكافحة التمرد ويشكلان الخيط السري لما يمكن أن يبدو مجرد عمليات قتل عشوائية ومتفرقة.
وتتوافق عمليات الإبادة المخططة مركزياً هذه بشكل تام مع ما يحدث في العراق اليوم [2005] ... كما تتوافق مع القليل الذي نعرفه عن ‘قوات الشرطة الخاصة’ التي تم تصميمها لتزويد وزارة الداخلية بقوة ضاربة من الوحدات الخاصة (وزارة الدفاع الأمريكية). وتناغماً مع هذا الدور, أصبح مقر ‘قوات الشرطة الخاصة’ مركزاً للقيادة والسيطرة والاتصالات ومركز عمليات الاستخبارات والكمبيوتر على مستوى البلد كله بدعم من الولايات المتحدة." (ماكس فوللر)
تم تنفيذ العمل المبدئي على الأرض الذي تم تأسيسه بإشراف نيغروبونتي في سنة 2005 تحت إشراف خليفته, السفير زلمان خليلزاد. وقد ضمنَ روبرت فورد استمرارية المشروع قبل تعيينه سفيراً للولايات المتحدة إلى الجزائر في سنة 2006, وكذلك عند عودته إلى بغداد بصفته نائبَ رئيس للبعثة في سنة 2008.
عملية "الكونترا السورية": التعلم من التجربة العراقية
أصبحت النسخة العراقية الدموية من "خيار السلفادور" برعاية السفير جون نيغروبونتي "نموذجاً يُقتدى به" لتأسيس قوات كونترا "الجيش السوري الحر". ومما لا شك فيه أن روبرت فورد متورطاً في تنفيذ مشروع قوات الكونترا السورية, وذلك بعد إعادة تعيينه في بغداد بصفته نائب رئيس البعثة في سنة 2008.
كان الهدف في سوريا خلق انقسامات زمرية بين السنة والعلويين والشيعة والأكراد والدروز والمسيحييين. ومع أن السياق السوري مختلف تماماً عن السياق العراقي, إلا أن هناك تشابهات قوية فيما يتعلق بالإجراءات المرتبطة بالقتل والعمليات الوحشية.
يؤكد تقرير نشرته "دير شبيغل" حول الجرائم الوحشية المرتكبة في مدينة حمص السورية عملية طائفية منظمة من جرائم القتل الجماعي وعمليات القتل غير القانونية مشابهة للجرائم التي ارتكبتها فرق الموت في العراق بإشراف الولايات المتحدة.
تم تصنيف الناس في حمص بشكل روتيني بصفتهم "سجناء" (شيعة, وعلويين) و "خونة". و "الخونة" ["العواينية"] هم مدنيون سنة داخل المناطق المدينية المحتلة من قبل المتمردين يعبرون عن رفضهم أو معارضتهم لحكم الرعب في ظل "الجيش السوري الحر":
"منذ الصيف الماضي [2011], قمنا بإعدام حوالي 150 رجلاً, أي حوالي 20% من سجنائنا," يقول أبو رامي. ...لكن جلادي حمص كانوا مشغولين بالخونة بين صفوفهم أكثرَ مما كانوا معنيين بسجناء الحرب. "إذا أمسكنا سنياً يتجسس, أو إذا خانَ أحد المدنيين الثورة, نقتله بسرعة," يقول المقاتل. وتبعاً لأبي رامي, قام لواء حسين للدفن بقتل 200 – 250 خائناً منذ بداية الانتفاضة." ("دير شبيغل", 30 آذار/مارس 2012)
كان المشروع يتطلب برنامجَ تجنيد وتدريب للمرتزقة. وقد دخلت فرق موت تشمل وحدات سلفية لبنانية وأردنية عبر الحدود السورية الجنوبية مع الأردن في أواسط آذار/مارس 2011. وقد كان كل شيء جاهزاً على الأرض تقريباً قبل وصول روبرت فورد إلى دمشق في كانون الثاني/يناير 2011.
تم الإعلان عن تعيين فور سفيراً لدى سوريا في مطلع 2010. كانت العلاقات الدبلوماسية قد قطعت في سنة 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري, حيث وجهت واشنطن أصابع الاتهام إلى سوريا. وقد وصل فورد إلى دمشق قبل شهرين من بداية التمرد المسلح.
"الجيش السوري الحر"
قامت واشنطن وحلفاؤها باستنساخ الملامح الرئيسة ﻠ "خيار السلفادور العراقي" في سوريا, مما أدى إلى تشكيل "الجيش السوري الحر" وفصائله الإرهابية المختلفة, بما في ذلك ألوية "النصرة" المرتبطة بالقاعدة.
مع أنه تم الإعلان عن تشكيل "الجيش السوري الحر" في حزيران/يونيو 2011, إلا أن تجنيد وتدريب المرتزقة الأجانب كان قد بدأ قبل ذلك.
من نواحي عديدة, "الجيش السوري الحر" عبارة عن ستارة دخانية. وينظر الغرب إلى هذا التشكيل على أنه كيان عسكري حقيقي نشأ نتيجة الانشقاقات الضخمة عن القوات الحكومية. لكن عدد المنشقين لم يكن بتلك الضخامة أو الأهمية لتأسيس بنية عسكرية متناسقة تؤمن وظائف القيادة والسيطرة.
"الجيش السوري الحر" ليس كياناً عسكرياً محترفاً, بل شبكة متراخية من الألوية الإرهابية المنفصلة المكونة بدورها من الخلايا المتنوعة شبه العسكرية التي تعمل في مناطق مختلفة من البلاد.
تعمل كل من هذه المنظمات الإرهابية بشكل مستقل. ولا يمارس "الجيش السوري الحر" وظائف القيادة والسيطرة, بما في ذلك التواصل مع هذه الكيانات شبه العسكرية المتباينة. حيث تخضع هذه الكيانات لسيطرة القوات الخاصة والعناصر الاستخباراتية المدعومة من قبل الولايات المتحدة والناتو والمتواجدة بين صفوف التشكيلات الإرهابية المختارة.
وهناك اتصال دائم وروتيني بين هذه القوات الخاصة (عالية التدريب) على الأرض (حيث أن العديد من عناصرها موظفون في شركات أمنية خاصة) ووحدات القيادة الاستخباراتية/العسكرية التابعة للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو (بما في ذلك تركيا). كما أن هذه القوات الخاصة متورطة, بلا أدنى شك, في التفجيرات المخططة بعناية ضد الأبنية الحكومية والمنشآت العسكرية, إلخ.
تتكون فرق الموت من مرتزقة مدربين ومجندين من قبل الولايات المتحدة والناتو ودول مجلس التعاون الخليجي وتركيا. كما يتم الإشراف عليها من قبل قوات الحلفاء والقوات الخاصة (بما في ذلك قوات "إس إيه إس" البريطانية وقوات المظليين الفرنسية), بالإضافة إلى شركات أمنية خاصة متعاقدة مع الناتو والبنتاغون. وفي هذا الخصوص, تؤكد التقارير أن القوات السورية الحكومية قد ألقت القبض على 200 – 300 من موظفي الشركات الأمنية الخاصة الذين تغلغلوا في صفوف المتمردين.
"جبهة النصرة"
توصَف "جبهة النصرة" – المرتبطة بالقاعدة – بأنها المجموعة المقاتلة "المعارضة" الأقوى, التي كانت مسؤولة عن العديد من التفجيرات الضخمة. وعلى الرغم من تصويرها كعدو لأمريكا (على لائحة المنظمات الإرهابية في وزارة الخارجية الأمريكية), إلا أن عمليات "النصرة" تحمل بصمات التدريب شبه العسكري, وتكتيك الرعب, وأنظمة الأسلحة الأمريكية. وتشبه الجرائم الوحشية المرتكبة ضد المدنيين من قبل "النصرة" (التي يتم تمويلها بشكل سري من قبل الولايات المتحدة والناتو) تلك الجرائم التي ارتكبتها فرق الموت العراقية المدعومة من الولايات المتحدة.
وبكلمات قائد "النصرة" في حلب, أبو عماد: "تضم جبهة النصرة المقاتلينَ السوريين السابقين في العراق من بين عناصرها, حيث يأتون بخبراتهم – خاصة تصنيع العبوات الناسفة – إلى قوات الجبهة العاملة في سوريا."
وكما في العراق, تم الترويج للعنف الزمري والتطهير العرقي. ففي سوريا, تم استهداف المجتمعات العلوية والشيعية والمسيحية من قبل فرق الموت المدعومة من قبل الولايات المتحدة والناتو. وتشكل المجتمعات العلوية والمسيحية الأهداف الرئيسة لبرنامج الاغتيالات. فقد أكدت "شبكة أنباء الڤاتيكان":
"المسيحيون في حلب ضحايا للموت والدمار نتيجة الاقتتال الذي أحاق بالمدينة لعدة أشهر. وقد تم استهداف الأحياء المسيحية في الآونة الأخيرة من قبل قوات المتمردين التي تحارب الجيش النظامي, مما أدى إلى هجرة المدنيين."
تقوم بعض المجموعات المعارضة, بما فيها المجموعات الجهادية, "بإطلاق النار على المنازل والمباني المسيحية لإرغام ساكنيها على الفرار ومن ثم السيطرة عليها [التطهير العرقي]." ("شبكة أنباء الفاتيكان", 19 تشرين الأول/أكتوبر 2012)
"يقول المطران إن المسلحين السلفيين السنة مستمرون في ارتكاب الجرائم ضد المدنيين وتجنيد المقاتلين بالقوة. إن المتطرفين السنة المتعصبين يخوضون حرباً مقدسة بشيء من الفخر, وخاصة ضد العلويين. فعندما يريد الإرهابيون التأكد من الهوية الدينية لشخص مشتبه به, فإنهم يطلبون منه ذكر سلسلة النسب التي تعود إلى موسى. كما يطلبون منه تلاوة صلاة حذفها العلويون. ولا يعود أمام العلويين أي فرصة للنجاة أحياء." (المصدر السابق, 4 حزيران/يونيو 2012)
تؤكد التقارير تدفق السلفيين وفرق الموت المرتبطة بالقاعدة, وكذلك الألوية المدعومة من قبل الإخوان المسلمين, إلى سوريا منذ بداية التمرد المسلح في آذار/مارس 2011.
وفوق ذلك, وعلى غرار تطويع "المجاهدين" لشن حرب "سي آي إيه" الجهادية في ذروة الحرب السوفييتية – الأفغانية, قامت قوات الناتو و "القيادة العليا" التركية – تبعاً لمصادر استخباراتية إسرائيلية – بإطلاق
"حملة لتجنيد الآلاف من المتطوعين المسلمين في بلدان الشرق الأوسط والعالم الإسلامي للقتال إلى جانب المتمردين السوريين. ويقوم الجيش التركي بإيواء هؤلاء المتطوعين وتدريبهم وتأمين ممرات آمنة لهم إلى سوريا." ("دبكا فايل", "الناتو يزود المتمردين بأسلحة مضادة للدروع", 14 آب/أغسطس 2011)
الشركات الأمنية الخاصة وتجنيد المرتزقة
تبعاً للتقارير, فإن الشركات الأمنية الخاصة التي تعمل انطلاقاً من دول الخليج متورطة في تجنيد وتدريب المرتزقة.
وعلى الرغم من أن مهام هذه الشركات لا تشمل تجنيد المرتزقة ضد سوريا, إلا أن التقارير تشير إلى إنشاء معسكرات تدريب في قطر والإمارات العربية المتحدة.
ففي "مدينة زايد العسكرية", "يتم تشكيل جيش سري" تشرف عليه شركة "خدمات إكس إي", "بلاكووتر" سابقاً. وقد تم توقيع صفقة مع الإمارات العربية المتحدة لإنشاء معسكر عسكري لتدريب المرتزقة في تموز/يوليو 2010, قبل شن الحرب على ليبيا وسوريا بتسعة أشهر.
وفي تطورات أخيرة, تعمل الشركات الأمنية المتعاقدة مع الناتو والبنتاغون بتدريب فرق الموت "المعارضة" على استخدام الأسلحة الكيماوية:
"تستخدم الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين المقاولينَ العسكريين لتدريب المتمردين السوريين على كيفية حماية مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا, كما قال مسؤول أمريكي رفيع وبعض الدبلوماسيين الرفيعين ﻠ ‘سي إن إن’ يوم الأحد." ("تقرير ‘سي إن إن’", 9 كانون الأول/ديسمبر 2012) لم يتم الكشف عن أسماء هذه الشركات.
خلف أبواب مغلقة في وزارة الخارجية الأمريكية
كان روبرت ستيفن فورد جزأ من فريق صغير في وزارة الخارجية الأمريكية أشرفَ على تجنيد وتدريب الألوية الإرهابية, مع ديريك كوليه و فريدريك سي. هوف, وهو شريك عمل سابق لريتشارد آرميتاج الذي خدمَ بصفة " منسق [واشنطن] الخاص حول سوريا". وقد تم تعيين ديريك كوليه مؤخراً في منصب "مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن القومي".
وقد عمل هذا الفريق تحت إمرة جفري فلتمان, مساعد وزيرة الخارجية (السابق) لشؤون الشرق الأدنى.
كان فريق فلتمان على اتصال وثيق مع عملية تجنيد وتدريب المرتزقة في تركيا وقطر والسعودية وليبيا (بالتعاون مع نظام مابعد القذافي, الذي أرسلَ 600 من عناصر "المجموعة المقاتلة الإسلامية الليبية" إلى سوريا عن طريق تركيا خلال الأشهر التي تلت انهيارَ حكومة القذافي في أيلول/سبتمبر 2011).
كان مساعد وزيرة الخارجية, فلتمان, على اتصال مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل, ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم. كما كان مسؤولاً عن مكتب الدوحة ﻠ "تنسيق الأمن الخاص" فيما يتعلق بسوريا, والذي ضمَ ممثلينَ عن وكالات الاستخبارات الغربية والخليجية, بالإضافة إلى ممثل عن ليبيا. كما كان الأمير بندر بن سلطان, وهو عضو بارز وإشكالي في الاستخبارات السعودية, جزأ من هذا الفريق. (راجع "محطة برس التلفزيونية", 12 أيار/مايو 2012)
في شهر حزيران/يونيو 2012, تم تعيين جفري فلتمان "مساعداً للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية", وهو منصب استراتيجي تتركز مهمته – عملياً – على رسم أجندة الولايات المتحدة (بالنيابة عن واشنطن) فيما يخص القضايا المتعلقة ﺑ "حَل النزاعات" في "مناطق سياسية ساخنة" عديدة حول العالم (بما في ذلك الصومال ولبنان وليبيا وسوريا واليمن ومالي). وفي مفارقة مريرة, إن الدول المدرَجة على برنامج الأمم المتحدة, "حل النزاعات", هي نفس الدول التي تستهدفها العمليات الأمريكية السرية.
إن فلتمان – المرتبط مع وزارة الخارجية الأمريكية, والناتو, وعملائه في "مجلس التعاون الخليجي" في الدوحة والرياض – هو رجلُ واشنطن الذي يقف خلف "مبادرة السلام" التي يقوم بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي.
وبينما تدعم الولايات المتحدة والناتو مبادرة سلام الأمم المتحدة بالكلام, إلا أنها عملت على تسريع عملية تجنيد وتدريب المرتزقة تشجيعاً للأضرار الكبيرة التي تسببت بها قوات المتمردين "المعارضة".
لا تتمثل "نهاية اللعبة" في سوريا التي ترعاها الولايات المتحدة في تغيير النظام, وإنما في تدمير سوريا بصفتها دولة قومية.
إن نشر فرق الموت "المعارضة" بتفويض لقتل المدنيين جزء من هذا المشروع الإجرامي.
تدعم "هيئة حقوق الإنسان" في الأمم المتحدة مشروعَ "الإرهاب بوجه إنساني", وتؤدي هذه الهيئة دور المتحدث باسم "التدخلات الإنسانية" للناتو تحت عقيدة "مسؤولية الحماية".
يتم تحميل حكومة بشار الأسد المسؤولية عن الجرائم التي ترتكبها فرق الموت المدعومة من قبل الولايات المتحدة والناتو. فتبعاً للمفوضة العليا ﻠ "هيئة حقوق الإنسان" في الأمم المتحدة, ناڤي بيلاي:
"كان من الممكن تجنُب عمليات القتل الكبيرة هذه لو أن الحكومة السورية قد اختارت طريقاً آخرَ بدلاً من القمع الوحشي لما بدأ على شكل احتجاجات شرعية سلمية قام بها مدنيون عُزَل." (مقتبَس في مقالة ستيفن لندمان "تقرير الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في سوريا: تمويه المجازر المدعومة من الولايات المتحدة والناتو", "غلوبل ريسيرتش", 3 كانون الثاني 2012)
يهدف "مشروع [واشنطن] السري" إلى تقسيم سوريا كدولة قومية مستقلة – استناداً إلى خطوط إثنية ودينية – إلى كيانات سياسية "مستقلة" متعددة ومنفصلة.
تُرجم عن: (‘غلوبل ريسيرتش’, 4 كانون الثاني 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد