سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (12)
الجمل - ريك روزوف - ترجمة: مالك سلمان:
عَلقت "جامعة الدول العربية" عضوية سوريا في المنظمة في 12 تشرين الثاني/ كما فعلت مع ليبيا في 22 شباط/فبراير من هذه السنة. في حالة ليبيا, التي تمت إعادتها إلى الجامعة بعد أن عمل الناتو على تنصيب قواته بالوكالة في السلطة في أواخر آب/أغسطس, أشارت التقارير في ذلك الوقت أن دولاً أعضاءَ مثل الجزائر وليبيا كانت قد عارضت المشروع لكنها أذعنت تحت الضغط لتأمين إجماع مارسته الدول العربية الثماني التي تحكمها عائلات مالكة – البحرين, الأردن, الكويت, المغرب, عمان, قطر, السعودية, والإمارات العربية المتحدة, والتي تشكل الآن "الجامعة العربية", لمقاصد وغايات باتت معروفة الآن, حيث بقي الأعضاء الآخرون الشكليون إما ضحايا لعمليات تغيير النظام الأخيرة أو أهدافاً محتملة لقَدَر مماثل.
مع تكرار لحركة شباط/فبراير في نهاية الأسبوع الماضي, صوتت الجزائر ولبنان واليمن ضد تعليق عضوية سوريا مع امتناع العراق عن التصويت استناداً إلى مزيج من المعارضة المبدئية والمصالح الذاتية, بما أن هذه الدول الأربعة يمكن أن تكون التالية التي ستعاني من تعليق العضوية من قبل ملكيات "مجلس التعاون الخليجي" (البحرين, الكويت, عمان, قطر, السعودية, والإمارات العربية المتحدة) والأردن والمغرب (حيث تقدمت هاتان الأخيرتان بطلب العضوية على الرغم من أنهما لا تقعان في الخليج الفارسي, كما تتاخم المغرب المحيط الأطلسي), في حالة مطالبة الولايات المتحدة-الناتو-الملوك العرب بذلك.
تقوم واشنطن بالضغط على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للاستقالة في الوقت الذي تقوم فيه خطة "مجلس التعاون الخليجي" برسم طريقة تنحيه, بالإضافة إلى طلب الشيء نفسه من الرئيس السوري بشار الأسد. وفي الوقت نفسه قام "مجلس التعاون الخليجي" بنشر قواته في البحرين في آذار/مارس بهدف دعم حكومة عائلة آل خليفة المالكة.
زودت قطر والإمارات العربية المتحدة الناتو بالطائرات الحربية, كما زودت "المجلس الوطني الانتقالي" بالأسلحة والوحدات الخاصة طيلة مدة حصار وقصف ليبيا التي دامت 230 يوماً, كما انضمت الأردن والمغرب إلى هاتين الدولتين الخليجيتين في قمة باريس في 19 آذار/مارس التي أطلقت الحرب على ليبيا.
الدول العربية الأربع يربطها تحالف ثنائي قوي مع البنتاغون وأعضاء في برامج الشراكة بقيادة الناتو؛ "الحوار المتوسطي" في حالة الأردن والمغرب, و "مبادرة تعاون إسطنبول" فيما يخص قطر والإمارات العربية المتحدة. كما أن الأردن والإمارات العربية المتحدة هما الدولتان العربيتان, حتى الآن, في "الدول المساهمة بالقوات العربية" في "القوة المساعدة للسلام الدولي في أفغانستان" التابعة للناتو.
في 31 تشرين الأول/أكتوبر, بعد جريمة قتل رئيس الدولة السابق معمر القذافي بأحد عشر يوماً, طار الأمين العام لحلف الناتو, آندرس فوغ راسموسن, إلى طرابلس وعرضَ مساعدة الكتلة العسكرية الوحيدة في العالم لإعادة بناء قوات الأمن الداخلي والجيش في البلد المدمر, كما يفعل الناتو في العراق وأفغانستان من خلال "بعثة الناتو التدريبية-العراق" و "بعثة الناتو التدريبية-أفغانستان". والهدف هو إعادة بناء, وتحويل, وتحديث القوات المسلحة الليبية, كما هو الأمر في حالة الدولتين الأخريتين, لتحقيق معايير الناتو وشروط التعاون المشترك.
بعد ذلك بأسبوع قام إيڤو دالدر – وهو أحد مؤيدي ومهندسي "غلوبل ناتو" ["الناتو الكوني"] ويحمل تفويضاً الآن لتنفيذ خططه بصفته سفيرَ إدارة أوباما إلى التحالف العسكري – بتقديم الملحَق الحتمي لعَرض راسموسن في تكرار أن "الناتو جاهز, في حال طلب السلطات الليبية, لدراسة الطرق التي يمكن من خلالها مساعدة السلطات الليبية في مجال الدفاع والإصلاح الأمني."
وتبعاً لتقرير "أجانس فرانس برس" نفسه, "قال دالدر أيضاً إن بمقدور ليبيا تعزيز روابطها مع حلف الأطلسي من خلال الانضمام إلى ‘الحوار المتوسطي’ برعاية الناتو, وهي شراكة تتكون من المغرب ومصر وتونس والجزائر وموريتانيا والأردن وإسرائيل." (التزم النظامان الجديدان في مصر وتونس بالتزاماتهما العسكرية السابقة مع الولايات المتحدة والناتو).
إنه نفس السيناريو الذي حذرت منه مقالة في "أوقفوا الناتو" في 25 آذار/مارس, بعد أن شنت "قيادة أفريقيا الأمريكية" عملية "عملية فجر الأوديسة" بستة أيام وبداية حرب السبعة أشهر ضد ليبيا:
"إذا تم تكرار النموذج الليبي في سوريا, كما يتكشف بشكل متزايد, مع محاصرة لبنان بواسطة البوارج الحربية التابعة لدول الناتو منذ سنة 2006, وهو النموذج الأساسي الذي سوف يكرره الناتو قريباً بالقرب من السواحل الليبية, سوف يصبح البحر الأبيض المتوسط بأكمله تحت سيطرة الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
"قبرص هي العضو الوحيد في الاتحاد الأوروبي, وفي الحقيقة الدولة الأوروبية الوحيدة (باستثناء الدول الصغيرة جداً) التي ليست – الآن – عضواً في الناتو أو شريكاً له, وليبيا هي الدولة الإفريقية الوحيدة المحاذية للمتوسط والتي ليست عضواً في برنامج الشراكة "الحوار المتوسطي" التابع للناتو."
فإذا أصبحت سوريا ليبيا التالية وتمت إقامة نظام يمني جديد تحت سيطرة "مجلس التعاون الخليجي", فإن الدول الوحيدة المتبقية في هذه المنطقة الممتدة الواسعة المعروفة باسم "الشرق الأوسط الكبير", من موريتانيا على شاطىء الأطلسي إلى كزاخستان على الحدود الصينية والروسية, غير المرتبطة بالناتو من خلال شراكات متعددة الجنسية أو ثنائية, سوف تكون لبنان وإريتريا وإيران والسودان.
تستضيف جيبوتي آلافَ الجنود من الولايات المتحدة ودول الناتو الأعضاء. وقد نقلَ الناتو جواً عدة آلاف من الجنود الأوغنديين والبورونديين للقتال في حرب الوكالة في العاصمة الصومالية, بالإضافة إلى تأسيس رأس شاطئي في منطقة بونتلاند شبه المستقلة/المستقلة من البلاد من أجل نشر قواته البحرية في خليج عدن في سياق "عملية درع المحيط". تشكل دول "مجلس التعاون الخليجي" الست جزأ من"مبادرة تعاون اسطنبول", كما أن جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق أرمينيا وأذربيجان وجورجيا وكزاخستان وكيرغزستان وطاجكستان وتركمنستان وأوزبكستان أعضاء في "الشراكة من أجل السلام", وهو البرنامج الموضوع من أجل تهيئة 12 دولة أوروبية شرقية بشكل تدريجي لتكتسبَ عضوية كاملة في الناتو من 1999 إلى 2009. كما ترتبط أرمينيا وأذربيجان ﺑ "خطط عمل شراكة فردية" تابعة للناتو, وترتبط جورجيا ﺑ "برنامج سنوي" خاص بالإضافة إلى رابط ﻠ "التحالف" في عاصمتها ("سفارة نقطة الاتصال التابعة للناتو"). وقد أصبحت كزاخستان أول بلد غير أوروبي تُمنَح "خطة عمل شراكة فردية".
كما أن للناتو مكتب ارتباط في إثيوبيا يساعد في تطوير المكون الشرقي من "قوة التأهب الإفريقية", التي تم تأسيسها على نمط "قوة الرد" الكونية التابعة للناتو.
من خلال ربط هذه الشراكات في المتوسط وشمال إفريقيا والخليج الفارسي مع الشراكات في آسيا الوسطى والجنوبية (هناك قوات للناتو متمركزة في القواعد في أفغانستان وكرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان) و كذلك مع الهند و "اتحاد دول جنوب شرق آسيا" التي تضم 10 دول والتي ترتبط بشركاء "بلد الارتباط" التابعين للكتلة العسكرية أستراليا واليابان ونيوزيلندا وجنوب كوريا, تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الرئيسيون على تطويق نصف الكرة الشرقي برمته بمستعمرات عسكرية؛ أي, بلغة يستخدمها القادة الغربيون خلال فترة ما بعد الحرب الباردة, محور عسكري بقيادة الولايات المتحدة يمتد من ڤانكوڤر إلى ڤلاديڤوستوك (باتجاه الشرق).
قبل ثلاث سنوات, انضمت مالطا إلى "الشراكة من أجل السلام" لتزيد من عدد القواعد الموجودة في سردينيا وصقلية وكريت, والقواعد الموجودة في قبرص والتي بمقدور بريطانيا استخدامها لتزويد المقاتلات الحربية بالوقود, وتخزين الأسلحة, ونقطة انطلاق للعدوان العسكري في إفريقيا والشرق الأوسط.
لبنان وسوريا وقبرص وليبيا هي الدول المتوسطية الوحيدة التي ليست, في الوقت الراهن, عضوة في الناتو أو شريكة له, ولدى الولايات المتحدة وزملائها الأعضاء في الحلف خطط فيما يخص هذه الدول الأربع. فسوف يكمل انضمام ليبيا إلى "الحوار المتوسطي" شراكات "التحالف" في شمال إفريقيا من مصر إلى المغرب وسوف يعني تجنيد أسطوله البحري المبني من قبل الغرب في أنشطة المراقبة والرصد البحرية الموكلة إلى "عملية الجهد النشيط" للناتو على طول وعرض البحر الأبيض المتوسط, وهي عملية دخلت عامها الحادي عشر الآن.
ليست الحكومة السورية حليفَ إيران الرئيسي فقط بل الحليفَ الوحيد الموثوق من بين الدول اللاعبة في العالم العربي. وتستضيف مدينة طرطوس السورية الساحلية القاعدة الروسية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط. وسوف يؤدي تغيير النظام في دمشق, بأي شكل يتم, إلى إخراج الأساطيل الروسية والإيرانية من البحر من خلال إلغاء منشآت التحويض الصديقة الوحيدة في المنطقة.
كما أن نتائج إقامة حكومة موالية للغرب في سوريا سوف تؤثر أيضاً على لبنان المجاور, حيث سيكون لإسرائيل ورعاتها الغربيين الحرية لمهاجمة حزب الله وميليشيات الحزب الشيوعي في جنوب البلاد,وبالإضافة إلى جهود الولايات المتحدة لشراء الجيش الحكومي, استئصال كل أشكال المعارضة للهيمنة الغربية على البلاد, سواء كانت عسكرية أو سياسية.
ولن يكون مستقبل فلسطين أفضل حالاً. في شهر آب/أغسطس, قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس لأعضاء الكونغرس الذين زاروا فلسطين إن "أمنَ الدولة الفلسطينية المستقبلية سوف يكون بين يدي الناتو بقيادة الولايات المتحدة," تبعاً لأحد مساعديه, كما جاء في "وكالة معان الإخبارية".
يمكن لعباس أن يرى قوات الناتو والقوات الأمريكية متمركزة على أرض بلده, ولكن ليس بالشروط التي يعنيها.
لا شيء يحدث بشكل منفصل, وخاصة في عصر استخدام القوى الغربية لتعابيرَ مثل "القوة العسكرية العظمى الوحيدة في العالم" و "الناتو الكوني" ورسم المشاريع لتحقيق هذه الأهداف. ولا تشكل سوريا استثناءً.
تُرجم عن "غلوبل ريسيرتش", 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2011
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد