قرار تركي «ائتلافي» بـ«الجهاد» ضد العلويين وبداية أفغنة المسألة السورية
تتسع المعارك في ريف اللاذقية بين الجيش السوري وكتلة من الكتائب الإسلامية «الجهادية»، في ساحة تحفل بمخاطر سياسية وعسكرية، تعد منعطفاً كبيراً للحرب التي تشهدها سوريا منذ أكثر من عامين.
وللمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة، دخلت الحرب السورية ساحة الهجوم الطائفي المعلن، على منطقة تقطنها غالبية من العلويين. وتنحو الحرب منحى طائفياً مكشوفاً، بوضعها أكثر الجماعات «الجهادية» في سوريا، وكتلة المقاتلين الأجانب في «كتيبة المهاجرين» و«كتيبة الليبيين» وتنظيم «القاعدة»، على مدارج المعقل الرئيس للعلوية السورية.
ولم تتوقف هذه الكتلة خلال الأشهر الماضية عن الدعوة إلى تحريك جبهة الساحل، وتطوير القتال إلى حرب مكشوفة ضد «النصيريين»، بعد تصريحات من أقطاب في الائتلاف السوري قادها الشيخ أنس عيروط، دعت إلى فتح «الجبهة العلوية» أسوة بالحرب التي تشهدها المناطق السنية.
وبدأت حملة «أحفاد عائشة أم المؤمنين» بدخولها منذ أمس الأول 10 قرى علوية، هي استربة، وبومكة، وبيت الشكوحي، وبلوطة، وبارودة، وعرامة، ودرج نباتا، ودرج تلا، والحمبوشي، وجبل دورين، فيما استعاد الجيش السوري نهارا بيت الشكوحي ومنع دخول المسلحين إلى كفريا.
ونقلت مصادر إعلامية في المعارضة السورية عن «الجهاديين» قولهم إن 200 رجل وامرأة من سكان القرى العلوية وقعوا بيد مقاتلين ينتمون إلى «القاعدة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» وتحالف يضم مقاتلين من أكثر الجماعات «الجهادية» حماسة لشن الحرب على سكان المنطقة العلويين، مثل «جبهة النصرة»، و«أحرار الشام»، و«كتيبة المهاجرين»، و«صقور الشام»، و«صقور العز»، و«كتيبة الليبيين» التي فقدت أحد أبرز قادتها محمد السعيد (أبو معاذ الليبي)، وهو أحد قدامى «المجاهدين» في أفغانستان، وأبرز قادة الكتيبة التي حشدت 200 ليبي في المنطقة.
وقالت المصادر إن الجماعات المقاتلة في المنطقة تتكتم على مصير هؤلاء المفقودين، الذين وقعوا في قبضة المهاجمين، ومن بينهم الشيخ بدر غزال أحد رجال الدين العلويين، الذي ظهر جريحا في صور وزعت على مواقع التواصل الاجتماعي. ولجأ إلى الجبال العشرات من سكان القرى التي تعرضت لهجوم مفاجئ، فيما كانت الحصيلة الأولى تتحدث عن 136 مدنيا قتلوا في موجات الهجوم الأولى، من بينهم أطفال ونساء، وسقوط العشرات من الجرحى.
ويتخوف كثيرون من اكتشاف مذبحة، عندما يعود الأهالي إلى القرى التي أخذت على حين غرة، نظرا لاعتبار الكثيرين حتى الآن في عداد المفقودين، إذا ما تمكن الجيش من استعادتها. وحسم «الائتلاف الوطني السوري» المعارض موقفه من هجوم يخاطر بتحويل الصراع السوري إلى صراع طائفي مكشوف ورحب «الائتلافيون»، على صفحتهم، بالعملية العسكرية التي لا وجود فيها لـ«الجيش الحر» باستثناء «جماعة أحرار الشام».
وتبنى «الائتلاف» ما يجري باعتباره عملية «تحرير» للساحل السوري، بالرغم من أنها تجري في منطقة يقل فيها مؤيدو المعارضة في الكتلة السكانية الكبرى، ويكثر فيها النازحون من حلب وادلب وحمص ودمشق، ورغم أن نتيجتها الفورية كانت عملية تطهير طائفي موصوف بحق القرى التي تعرض سكانها للقتل والتهجير والخطف لانتمائهم العلوي. وكانت كتائب مسلحة كثيرة قد وجهت رسائل إلى «الائتلاف» تنتقد التأخر في تسليحها، وتعتبر التأخير في الهجوم على الساحل قراراً بتأخير إسقاط النظام.
وقال رئيس «المجلس الوطني السوري» جورج صبرا إن «الانتصارات التي تحققت في جبل التركمان وريف اللاذقية، إضافة إلى التقدم العسكري في ريف دمشق مؤشرات تؤكد أن سقوط النظام عسكريا بات قريبا».
والحال أن «الائتلافيين» لا يملكون إلا تغطية العملية سياسياً، بعد قرار تركي بإحداث اختراق في جبهة هادئة منذ أشهر، والمخاطرة بتعميم الانفجار السوري، ومد الصراع ضد الأقليات في الشمال والغرب السوري وبالأدوات ذاتها، وتحت راية «النصرة» و«الدولة الإسلامية»، التي تشن بدعم تركي، حرباً واسعة في الوقت ذاته على مناطق أقلية أخرى، تستعصي على الأتراك والسعوديين، هي الأقلية الكردية.
وفي تغريدة على «تويتر» كشف الداعية السلفي الكويتي شافي العجمي، الذي يقوم بتمويل «أحرار الشام»، أن الحرب على ريف اللاذقية قررت قبل شهرين. وقال إن 40 فصيلا تشاوروا على شنها، وان 26 منهم اختاروا «أحرار الشام» لقيادتها. وكان الناطق باسم «الدولة الإسلامية» أبو محمد العدناني قد أعلن التحول في مسار الحرب في سوريا ضد العلويين، عندما قال قبل أسبوع انتهاء مرحلة «هدم الأسوار» التي بدأت مع رمضان العام الماضي، واختتمت بهروب سجناء «القاعدة» من سجن أبو غريب في بغداد، وافتتاح «حصاد الاحناد» بتفجير وتهجير سكان قرية عقرب العلوية في ريف حماه.
وعسكريا تؤشر معارك ريف اللاذقية إلى رهانات كبرى، قد تغير اتجاهات الحرب، إذ يخوض الطرفان معارك ضارية، تدخل فيها الطيران، منذ اندلاعها، للسيطرة على خمسة من المراصد الجبلية الاستراتيجية إلى الشمال من اللاذقية تحدد مستقبل الحرب في الساحل. ولا يزال الجيش السوري يحتفظ بقمة النبي يونس الاستراتيجية، الأعلى والأهم من بين جميع مراصد المنطقة، رغم محاولات تحالف الكتائب الإسلامية، و«الكتيبة الليبية» و«الدولة الإسلامية»، التقدم نحوها. وحشدت المعارضة المسلحة من أجل المعركة المئات من المقاتلين الذين استقدمت بعضهم من جبهات أخرى في حماة وادلب، بحسب عبد الله علي، الخبير السوري في الجماعات «الجهادية».
ويقول عبدالله علي إن «الهدف من المعارك التي تخوضها الجماعات الجهادية في ريف اللاذقية هو قطع خطوط الإمداد بين ريفي إدلب واللاذقية، بعد نجاح الجيش السوري في السيطرة على منطقة بسنقول، وفتح الاوتوستراد بين أريحا في ادلب واللاذقية».
وشهدت قمة النبي يونس واحدة من أشرس معارك ريف اللاذقية، لسيطرتها على بقية الممرات الجبلية، بين ادلب واللاذقية، وخط طويل من قرى المنطقة.
وبدأ الطرفان إرسال تعزيزات لخوض معركة المراصد الإستراتيجية. وبدأت كتائب إضافية تصل من جبل التركمان، نحو جبل سلمى لمساعدة «الجهاديين»، فيما يتجه إلى المنطقة المئات من مقاتلي كتائب «البعث»، وقوات الدفاع الوطني، واللجان الشعبية، ووحدات من مشاة الجيش السوري.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد