ألف صحافي عربي وأجنبي يغطون قمة دمشق
كُثر... ربما بالمئات، تحلقوا حول شاشات تلفزيونية خمس موزعة داخل قاعة المركز الإعلامي الملحق بالقمة العربية، التي تنعقد دورتها العشرين في دمشق، اليوم وغداً.
وخصصت الحكومة السورية مدينة المعارض، التي تبعد نحو نصف ساعة بالسيارة عن دمشق، ونحو عشر دقائق عن مقر انعقاد القمة في فندق «ايبلا الشام»، للإعلاميين والصحافيين السوريين والعرب والأجانب الموفدين لتغطية القمة، واضعةً تحت تصرّفهم نحو 200 جهاز كومبيوتر. وقدّمت لهم بطاقات هاتفية بالمجان. كما زودت المركز بخدمة الإنترنت السريع... بمعنى آخر، كل ما قد تتمناه، لزوم عملك، متوفر هناك.
على الطريق المؤدي إلى مقر القمة، جميع الدول العربية حضرت... بالأعلام، بما في ذلك الدول التي قلّصت حضورها في القمة إلى مستوى مندوب أو ممثل عن الرئيس أو وزير دولة، «التزاماً منها بالعروبة»، كما قال إعلامي سوري، معرباً عن استيائه «الذي يفوق استياء حكومتنا»، من «مواقف الدول العربية ذات الثقل»، كمصر والسعودية. ويضيف مازحاً، وفي طرفته مرارة، «نحن لم نقتطع من العلم السعودي، بأن نصبنا نصفه فقط على جميع الطرقات في العاصمة وضواحيها». وكلامه ينطبق على العلم اللبناني الذي لم يغب هو أيضاً عن دمشق.
الساحات المحيطة بالمركز الإعلامي توحي بأنها حديقة عامة، أشجار ومقاعد خشبية ونوافير مياه ومصابيح إنارة. مشهد بدا مناسباً للإعلاميين التلفزيونيين، الذين اتخذت كل مجموعة منهم ركناً لتصوير تقريرها الإخباري الخاص بفاعليات القمة.
هنا في المركز، بات لتعبير «الضجة الإعلامية» تفسير حرفي. فثمة إعلاميون تابعون لوكالة أجنبية، أنهوا عملهم على ما يبدو، يلقون النكات. غير بعيد عنهم، سيدة مصرية، كما عُلم من لهجتها، منكبة على كتابة تقريرها، تلتفت نحو جيرانها تسألهم بعض الهدوء. وأمام أحدى الشاشات التلفزيونية الخمس المنتشرة في القاعة ثمة صحافي سوري يشرح لـ«زميل» بريطاني ما كان يقوله الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في مؤتمره الصحافي المشترك مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم (أمس الأول).
نحو ألف صحافي، عربي وأجنبي وسوري، يغطون القمة العربية. من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإيطاليا وأسبانيا والصين واليابان وأندونيسا والجزائر ومصر وتونس والمغرب والإمارات والبحرين وإيران ولبنان... وغيرها، قدموا.
لا يهم أن تكون آتياً من دولة «متخاصمة» مع سوريا أو «صديقة» لها، فولاء الإعلامي غالباً ما يكون للمادة التي يصنعها، وإن كانت سياسة بلاده تصبغ حديثه، ولا سيما في أوساط العرب منهم.
أمران لافتان عند قراءة لوائح الإعلاميين المتواجدين في المركز. فعدد الصحافيين الأميركيين (نحو 13) قريب جداً من عدد «زملائهم» الإيرانيين (نحو 19)، فيما لم يتم رصد اسم أي صحافي سعودي، وهو امر لم يستغربه إعلامي قطري، موضحاً بالتساؤل «ولمَ سيحضر سعودي لتغطية قمة لم تكترث لها الرياض؟».
ما لا يقوله العرب إلا همساً، يقوله الأجانب مجاهرةً. إذ يكاد يجزم صحافي ياباني أن تخفيض مستوى التمثيل لبعض الدول العربية «المعتدلة» يأتي «إذعاناً لأمر أميركي مباشر»، بهدف «عزل سوريا»، معتبراً ان «سبب انعقاد هذه القمة هو التناحر الأميركي الإيراني». وبهذا المعنى، فإن «حل المشاكل العربية العربية المعقّدة والمتداخلة لن يكون سهلاً في المستقبل القريب»، وهو ما ينذر بأن «يكون العرب هم الخاسرون إن لم يتّحدوا».
وإذا كان الصحافي الياباني، الذي رفض كشف اسمه لأنه ليس مسموحاً له بذلك، يرى ان «العلاقات بين الشعبين اللبناني والسوري صافية وأخوية مئة في المئة، ولا علاقة لها بالعلاقات المتناحرة على المستوى السياسي»، فإن الصحافي الأميركي بورزو داراقاهي، من صحيفة «لوس انجلس تايمز»، يعتبر ان «العلاقات على المستوى الشعبي تأثرت بالعلاقات السياسية بين البلدين». ويروي كيف قال له سوري ديموقراطي إنه لن يزور لبنان بعد الآن «بسبب الواقع المؤسف القائم بين البلدين، وسوء الفهم القائم بين الشعبين».
ويأسف داراقاهي لأن تُختزل القمة إلى «صراع حول مَن سيحضرها ومَن سيقاطعها أو يخفض تمثيله فيها»، معتبراً أن «التباس الحضور في القمة يهدف إلى عزل سوريا لأنها تتبع سياسة خارجية مختلفة عن تلك المهيمنة على المنطقة»، متسائلاً «كيف بإمكان السعودية، مثلاً، عزل سوريا من دون ان تتوقف عن ضخّ اموالها فيها». ثم يضحك هازئاً، قبل ان يختم «لن تنجح محاولاتهم».
أما الصحافي الروسي اليكسي كوشوليف فيفضّل، أن يستخدم تعبير «تجاهل» لوصف موقف العرب «الموالين لواشنطن» حيال قمة دمشق، وهو موقف «خاطئ، معتبراً أن «الرياض لا تريد حل المشاكل القائمة في ما يتعلق بلبنان» قبل ان يستدرك ويضيف «تحت المظلة السورية». وعن قرار لبنان مقاطعة القمة، فيقول إن رئيس الوزراء فؤاد السنيورة «قرر عدم الحضور لأن ثمة من قال له ألا يفعل». ومَن قال له ذلك؟، يجيب كوشوليف «ربما واشنطن أو السعودي... مَن يدري».
الحديث مع الصحافيين العرب المتحدرين من دول «معتدلة»، مثل مصر، مفعم بالعتب، إذ يتساءل أحدهم «أليس لبنان مهماً بالنسبة لكم (وهو يشير إلى صحيفة «السفير») لتتخذوا موقفاً من الدول التي قاطعت (وهو يعني الدول التي خفّضت تمثيلها للقمة) مساندةً للبنان». تذكّره بفلسطين وما يجري فيها وتنكيل وقصف وحصار، فيعيد الحديث إلى لبنان. عبثية الحوار تشي بنهايته، إلا أن هذا الصحافي المصري يقرر اختتام حديثه بـ»التمني لسوريا بأن تنجح في دحض المؤامرة الأميركية ضدها، ولمّ شمل العرب!».
بهدوء أكبر، يحاول الصحافي في صحيفة «الأخبار» المصرية بدر الدين صالح أدهم أن يشرح كيف ان «تخفيض تمثيل بعض الدول لا يهدف إلى إفشالها». ويقول» انه «بصرف النظر عمَن يحضر القمة فهو يمثل بلده، وهو ملزم بتطبيق كل القرارات التي تتخذها هذه القمة، فالدول تُمثَّل بأسمائها وليس بأشخاصها»، ما يعني أن «لا غياب سياسياً عن قمة دمشق».
أما الصحافي القطري جاسم محمد حسين، فيرى في قمة دمشق «أهمية خاصة لأنها تنعقد في ظروف صعبة تمر بها الأمة العربية»، ويسمّي «أزمات العراق والصومال ولبنان وإيران». ويضيف أن «الشعوب العربية تعيش هذه الأزمات وتشعر بها، على عكس حكامها، وما التذبذب الذي شاب تمثيل الدول في القمة الدمشقية سوى دليل على ذلك»، واضعاً تساؤلاً برسم «حكام الدول التي تأثرت بالضغط الأميركي ولم تحضر (على مستوى الرؤساء أو الملوك): ماذا ستقولون لشعوبكم... بشأن أزمات تؤلمهم؟».
جنان جمعاوي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد