المساعدات العسكرية المشروطة وخيارات دول المنطقة
الجمل: التأثير على ملف التوازن الاستراتيجي الإقليمي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط، أحد البنود الأساسية في الأجندة الفائقة الحساسية المدرجة على طاولة مجلس الأمن القومي الأمريكي، وقد ظل هذا المجلس يصوغ ويشكل مذهبية الأمن القومي الأمريكي بالاستناد إلى التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وتؤكد هذه الحقيقة كل مبدئيات الأمن القومي الأمريكي السابقة: مبدأ ايزنهاور ومبدأ جونسون، ومبدأ فورد، وكارتر، وريغان، وبوش الأب، وكلنتون وآخرها مبدأ بوش الذي يعتمد على مبدأ الضربة الاستباقية كأساس لحماية الأمن القومي الأمريكي.. وهي ضربة لم يتم تطبيقها إلا في منطقة الشرق الأوسط، وتحدياً ضد العراق، وهناك احتمالات لتطبيقها لاحقاً على إيران.
المعطيات الاقتصادية: والسياسية والعسكرية والأمنية القائمة في منطقة الشرق الأوسط، أصبحت (على خلفية التحركات الناشطة للسياسة الخارجية الأمريكية، والحيادية السلبية الروسية والصينية) باتجاه التغيير، وإعادة تشكيل توازنات البيئة الإقليمية الشرق أوسطية ضمن معادلة جديدة، تجمع بين مذهبية (توازن القوى) ومذهبية (الاحتواء).
أبرز المعطيات الشرق أوسطية الجديدة التي ظهرت في الفترة الأخيرة يتمثل في الآتي:
- إبراز حزب الله اللبناني لقوة الردع العربي عن طريق مذهبية الحرب اللامتماثلة التي أصبحت نموذجاً اكتسب مصداقيته بعد هزيمة إسرائيل في حرب الصيف الماضي.
- التواجد العسكري الأمريكي والغربي المكثف عن طريق القواعد العسكرية وحشود الأساطيل البحرية في منطقة الخليج العربي.
- قيام تجمع المعتدلين العرب الذي يضم الأردن، مصر، السلطة الفلسطينية، حكومة السنيورة، قوى 14 آذار.
- نجاح إسرائيل في القيام باختراق سياسي أمني في البيئة السياسية والأمنية الداخلية العربية، ذلك بفضل مساعدات المعتدلين العرب، وعلى وجه الخصوص عن طريق الاجتماعات واللقاءات التي ظلت تتم بشكل سري وعلني في إسرائيل، والعقبة الأردنية وشرم الشيخ المصرية تحت إشراف ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية.
- صياغة مذهبية أمنية شرق أوسطية تجمع بين إسرائيل والمعتدلين العرب ودول الخليج، تقوم على أساس اعتبارات أن إيران هي العدو المشترك الذي يشكل خطر مهدداً لأمن واستقرار المنطقة.
- تزايد العمليات السرية التي يتم التخطيط لها والإشراف عليها بواسطة الموساد الإسرائيلي، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وتدعم تنفيذها اجهزة أمن المعتدلين العرب، وقوى 14 آذار وحركة فتح.
- ترافق التصعيد العسكري بواسطة الحركات الإسلامية والشيعية بصعود سياسي عبر الانتخابات الديمقراطية للأحزاب والقوى السياسية الإسلامية، ففي الأراضي الفلسطينية فازت حركة حماس، وفي تركيا فاز حزب العدالة والتنمية, وفي العراق ظلت التحالفات والتكتلات الإسلامية السنية والشيعية تهيمن على العملية السياسية. أما في الأردن ومصر، فقد نجحت السلطات في إعاقة وعرقلة فوز الإسلاميين برغم دعم الرأي العام لهم، وذلك عن طريق تزوير الانتخابات واستخدام وسائل القمع والعنف السياسي الرسمي.
- دخول الملف الكردي مرحلة جديدة، بحيث أصبح عاملاً مؤثراً على الأوضاع الداخلية العراقية والتركية، والإقليمية بين دول المنطقة، والعلاقات الدولية عبر التأثير في ملف الشراكة التركية- الإسرائيلية- الأمريكية.
- الإعلان عن برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية لدول المتدلين العرب، وإعلان أمريكا عن التزامها بالحفاظ على تفوق إسرائيل في معادلة ميزان القوى الشرق أوسطي على كل دول المنطقة مجتمعة.
- استيلاء حماس بالقوة على قطاع غزة، على النحو الذي جعل الأراضي الفلسطينية منقسمة بين إرادتين، الأولى أصولية إسلامية في قطاع غزة، والثانية علمانية في الضفة الغربية.
- فشل المشروع الأمريكي في العراق، بسبب ضغوط المقاومة العراقية، والكونغرس الأمريكي، والرأي العام العربي والأمريكي والعالمي.
- تزايد الضغوط على قوات حلف الناتو في أفغانستان بعد أن نجحت أمريكا في تحقيق الانسحاب غير المعلن، وتوريط حلف الناتو في القيام بمهمة السيطرة على أفغانستان نيابة عنها.
- تصاعد المعارضة لنظام الجنرال برويز مشرف على يد الإسلاميين في باكستان.
- فشل القوات الأثيوبية في شن حرب بالوكالة عن أمريكا ضد الصومال، وانفلات حالة العنف السياسي الداخلي الصومالي.
التطورات والوقائع التي أشرنا إليها، أثرت في التوازن الاستراتيجي الشرق أوسطي على النحو الآتي:
• البعد الهيكلي البنائي:
انقسم البنيان الشرق أوسطي إلى مجموعة من التجمعات، أبرزها:
- تجمع المعتدلين العرب: ويتكون من الأردن، مصر، السلطة الفلسطينية، حكومة السنيورة، قوى14 آذار، ودول الخليج، مع ملاحظة تردد السعودية الحالي في المضي قدماً ضمن هذا التجمع.
- تجمع الدول المستقلة وحركات المقاومة، ويتكون من سورية، إيران، السودان، إضافة إلى قوى وحركات المقاومة المتمثلة في حزب الله اللبناني، حركات المقاومة العراقية، حركة حماس الفلسطينية.
كذلك نشير إلى الكثير من دول المنطقة الأخرى، التي لم يرد ذكرها تتواطأ سراً مع تجمع المعتدلين العرب، وعلى وجه الخصوص: المغرب، وتونس.
• البعد القيمي:
تغيرت الكثير من القيم المتعلقة بالحقوق المبدئية العربية الثابتة، وذلك بسبب تبني دول المعتدلين العرب، والقوى السياسية المتحالفة معهم إلى أجندة أكثر ذرائعية وبراغماتية في تغليب مصالح الأنظمة على المصالح الوطنية والقضايا القومية المصيرية.. بحيث أصبح هناك نسقاً قيمياً جديداً يسيطر على توجهات هذا التجمع، وأصبح الخطاب السياسي لتجمع المعتدلين العرب مفارقاً للواقع، وذلك بتأثير نموذج التحالف (المثالي) الذي تسعى الولايات المتحدة من أجل فرضه على الكيانات السياسية الشرق أوسطية الواقعة تحت دائرة النفوذ الأمريكي، وهو نموذج يهدف إلى إدماج إسرائيل في المنطقة عن طريق الترغيب والترهيب الامريكي..
• البعد التفاعلي:
حركة التفاعل السياسي تشير على الصعيد الداخلي إلى تماسك الوحدة الوطنية في الكيانات السياسية التي مازالت تمسك بالثوابت القومية والحقوق الوطنية العادلة، والرفض للهيمنة الأمريكية والمشروع الإسرائيلي في المنطقة، هذه من جهة، ومن الجهة الأخرى تعاني الوحدة الوطنية في تجمع كيانات المعتدلين العرب الكثير من التفكك وعدم استقرار العلاقة بين الشعب والسلطة، وذلك بسبب انهيار مصداقية هذه الأنظمة في إقناع شعوبها بجدوى فائدة بناء الروابط مع إسرائيل، والتحالف مع أمريكا.
كذلك بدأت الكثير من التوترات والخصومات تظهر في العلاقات البينية العربية والشرق أوسطية، وذلك على النحو الذي أصبحت فيه المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات، بما فيها أنشطة ودور الجامعة العربية لا تجدي نفعاً في معالجة التصدعات والخلافات.
دوائر صنع واتخاذ القرار في تجمع المعتدلين العرب، أصبحت فاقدة لاستقلاليتها، وذلك لأن الاندماج ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية، أدى إلى الاندماج ضمن أجندة المشروع الإسرائيلي، وبالتالي لم تعد عملية صنع واتخاذ القرار تتم على أساس اعتبارات متغير المصلحة الوطنية والقومية، وإنما على أساس اعتبارات ما تريده أمريكا.
وعموماً، على خلفية صفقات السلاح التي تم الإعلان عنها ضمن برنامج المساعدات الأمريكية للأعوام القادمة، وما صاحب ذلك من انتقادات سورية وإيرانية وألمانية وروسية وصينية لهذه الصفقة يتوقع حدوث الآتي:
- تزايد سباق التسلح بين دول المنطقة خلال السنوات الخمس الأولى من فترة السنوات العشرة، وذلك لأن كل طرف سوف لن ينتظر إنتهاء السنوات العشرة لإكمال بناء قدراته العسكرية، وإنما سوف يحاول بناءها بأسرع ما يمكن، وخلال نصف الفترة على الأقل.
- المساعدات العسكرية الأمريكية، سوف لن تخلو من الشروط، لأن أمريكا سوف تلجأ لتقديم هذه المساعدات على جرعات، وعلى غرار المثل القائل (مع كل حركة بركة)، فإن الإدارة الأمريكية سوف ستطلب المعتدلين العرب بمجموعة شروط وكلما نجح الواحد منهم في الإيفاء بتنفيذ شرط يتم إعطاؤه جزءا يسيراً من المساعدات المرفقة بما هو مطلوب منه القيام به في الفترة القادمة.
- سوف يتطور تعاون المعتدلين العرب مع إسرائيل، بحيث ينتقل من تبادل المعلومات والتنسيق الأمني والسياسي الجاري حالياً إلى التعاون الاقتصادي والعسكري الكامل، وقد تشهد الفترة القادمة تبادل الخبراء العسكريين مع إسرائيل، وإقامة المناورات العسكرية المشتركة.
- العدوان العسكري الإسرائيلي- الأمريكي،المتوقع حدوثه في الفترة القادمة، ومن الوارد جداً اشتراك المعتدلون العرب فيه، كما من الوارد استخدام الأسلحة التي قدمتها أمريكا في هذا العدوان. ومن يدري ربما يكون هدف المساعدات العسكرية الأمريكية التي تم الإعلان عنها (تعويض) دول المعتدلين العرب عن الأسلحة والقدرات العسكرية التي سوف تخسرها في المواجهة المحتملة ضد إيران.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد