تحليل واستقراء رسالة أولمرت إلى سورية: الجولان مقابل السلام

الجمل: أفادت مصادر سورية عليمة، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قد أبلغ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن استعداد إسرائيل للانسحاب الكامل من الجولان مقابل السلام الشامل مع سوريا، هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة التركية قد ظلت لفترة تقوم بنقل الرسائل بين دمشق وتل أبيب.
* العرض الإسرائيلي: النطاق وردود الأفعال:
أوردت المواقع الإلكترونية والصحف اليومية السورية خبر العرض الإسرائيلي، وأيضاً نشرته الصحف الإسرائيلية الرئيسية، ولكن نقلاً عن المصادر السورية، وعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الصادرة صباح اليوم الخبر نقلاً عن المصادر السورية، وما كان لافتاً للنظر أن التقرير الإخباري الذي أعدته الصحيفة لم يتضمن أي تصريح يؤكد أو ينفي أو يرفض الرد من جانب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أو أي مسؤول رسمي إسرائيلي آخر.
أما بالنسبة لصحيفة هاآرتس فقد نشرت الخبر ضمن تقرير أعده الصحفي الإسرائيلي يواف شتيرن نقلاً عن المصادر السورية، وقد كان التقرير معداً على غرار نموذج تقرير يديعوت أحرونوت وبمقارنة التقريرين نلاحظ أنهما:
• تطابقا لجهة العنوان، فعنوان تقرير يديعوت أحرونوت هو «تقرير سوري: أولمرت يوافق على تسليم كامل مرتفعات الجولان»، أما تقرير صحيفة هاآرتس «تقرير: أولمرت يخبر الأسد بأن إسرائيل سوف تسلم كامل الجولان مقابل السلام»
• تطابقا لجهة عدم الرجوع لأي مسؤول إسرائيلي، أو حتى لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل التأكيد على المعلومات.
• أشارا إلى دور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في القيام بنقل الرسائل بين دمشق وتل أبيب خلال الفترة الماضية.
التشابه والتطابق بين التقارير الصحفية الإسرائيلية هو نادر الحدوث إلا في حالة الأخبار التي تخضع لعملية الرقابة، وكانت أخبار وتقارير الغارة الإسرائيلية على سوريا هي آخر ما تعرض للرقابة والتشديد الإسرائيلي. كذلك درجت الصحافة الإسرائيلية في تقاريرها الإخبارية إلى الرجوع إلى المصادر الإسرائيلية كمكتب رئيس الوزراء أو المتحدث الرسمي باسم الكنيست أو مكتب وزير الدفاع وغيرها من أجل إضفاء المصداقية على تقاريرها، إلا في هذه المرة، حيث لا توجد إشارة إلى قيام الصحافة الإسرائيلية بالاتصال بالجهات الرسمية وهذا لا يعني أن الأمر قد حدث صدفة، بل من المؤكد أن الصحف الإسرائيلية قد سارعت للاتصال بالجهات الرسمية ولكن هذه الجهات امتنعت عن الرد وعن تزويدها بالمعلومات وقد درجت الصحف الإسرائيلية على الإشارة في مثل هذه الحالات إلى امتناع المصادر الرسمية عن التعليق والإجابة، ولكن حتى هذه النقطة لم تشر إليها الصحافة الإسرائيلية ومعنى ذلك أن الجهات الرسمية، أو بالأحرى الرقابة الإسرائيلية فرضت ستاراً حديدياً على نشر المعلومات والتقارير حول هذا الموضوع.
هذا، وبالنسبة للصحف الأمريكية الرئيسية كنيويورك تايمز والواشنطن بوست، إضافة إلى الصحف العالمية الأخرى مثل آسيا تايمز وغيرها فلم تورد الخبر، الشيء نفسه بالنسبة للصحف التركية الرئيسية مثل زمان اليوم وتيركيش ديلي نيوز وتيركيش ويكلي.
* توقيت العرض الإسرائيلي:
جاء العرض الإسرائيلي ضمن شروط إسرائيلية داخلية وإقليمية شرق أوسطية ودولية بالغة التعقيد، ويمكن استعراض ذلك على النحو الآتي:
• داخل إسرائيل: تزايد حجم المخاطر التي تواجه إسرائيل بسبب عمليات المقاومة الفلسطينية المتزايدة، ولم تعد العمليات المسلحة تتمثل في الصواريخ التي تنطلق من داخل قطاع غزة، أو في العمليات التعرضية للقوات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية بتقسيماتها الثلاثة، وإنما حدثت المزيد من عمليات الاختراق ونجاح المقاومة المسلحة الفلسطينية في التغلغل إلى داخل العمق الإسرائيلي وتوجيه الضربات في مناطق مثل ديمونة وبئر سبع وإيلات وغيرها. الأمر الذي ترتب عليه انخفاض مؤشر الأمن الإسرائيلي بما أربك كل حسابات وخطط جهاز الشين بيت المعني بحماية الأمن الداخلي الإسرائيلي، كذلك بدا واضحاً أن الجيش الإسرائيلي يواجه حالة عجز كاملة عن القيام بتنفيذ عملية اقتحام قطاع غزة، وهي العملية التي ظل صقور الحكومة الإسرائيلية ينتظرونها طويلاً.
أما بالنسبة للحكومة الإسرائيلية فهي في مواجهة بعض الخلافات والمشاكل المترتبة على الآتي:
* مشكلة مفاوضات أنابوليس مع الفلسطينيين.
* تداعيات تقرير فينوغراد.
* انقسام الرأي العام الإسرائيلي إلى المزيد من التكتلات السياسية.
* خلافات ومطامع أولمرت، إيهود باراك – تسيبي ليفني.
* مواقف الأحزاب الإسرائيلية الصغيرة إزاء الائتلاف ضمن تحالف الليكود.
• في منطقة الشرق الأوسط: فشلت الضغوط الإسرائيلية – الأمريكية وجهود تجمع المعتدلين العرب في إفشال مؤتمر قمة دمشق وعزل سوريا، وإخماد المقاومة الفلسطينية وانتخاب الرئيس اللبناني الذي تريده قوى 14 آذار وإخماد المقاومة العراقية.
كذلك استطاع حزب العدالة والتنمية توطيد حضوره في أوساط الرأي العام التركي وحتى الآن ما تزال إيران ماضية قدماً بخطى حثيثة في برنامجها النووي، وكان لافتاً للنظر زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى ليبيا، وقيام الولايات المتحدة بدعم بعض الفعاليات السياسية الإقليمية الشرق أوسطية التي دارت وقائعها في البحرين وقطر والكويت، بدلاًَ من القاهرة، كذلك تشير المعلومات إلى فشل انعقاد قمة شرم الشيخ برغم جهود وزير الخارجية المصري وخطابه الذي ألقاه أمام الكونغرس الأمريكي.
• في الساحة الدولية: اتسع نطاق الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا حول توسيع الناتو، وتزايدت وتائر الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة بسبب أحداث إقليم التبت الصيني، كذلك وما هو أهم ما تجري وقائعه حالياً داخل الساحة الأمريكية:
* احتدام الصراع بين أوباما وهيلاري كلينتون من أجل الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة.
* انفراد المرشح الموالي لإسرائيلي جون ماكين بترشيح الحزب الجمهوري.
وقد بدا واضحاً أن الديمقراطيين هم الأكثر حظاً في احتمالات الفوز بالرئاسة الأمريكية بسبب انخفاض شعبية الحزب الجمهوري.
* ما هي مصداقية العرض الإسرائيلي لسوريا؟
نلاحظ بأن المسؤولين الإسرائيليين لم يتطرقوا حتى الآن للنفي أو التأكيد، أو حتى مجرد القيام بإعلان امتناعهم عن الإجابة وقد أدى ذلك إلى المزيد من التساؤلات حول طبيعة ومدى مصداقية العرض الإسرائيلي.
• هل جاء العرض الإسرائيلي على خلفية توافق إسرائيلي سياسي داخلي بين الكتل الإسرائيلية المتنافرة؟
• هل جاء العرض الإسرائيلي على خلفية تردي الوضع الأمني الداخلي وعجز الإسرائيليين عن السيطرة عليه؟
• هل جاء العرض الإسرائيلي بعد التقارير والمعلومات التي أشارت إلى إدراك الحكومة الإسرائيلية إلى عدم كفاية وفعالية قدراتها العسكرية في خوض أية مواجهة جديدة في المنطقة وعلى وجه الخصوص المعلومات والتسريبات المتعلقة بالنتائج غير المرضية التي حققتها المناورات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة؟
• هل جاء العرض الإسرائيلي ضمن مناورة إسرائيلية – أمريكية تهدف إلى تبديل ما عرف داخل أروقة محور تل أبيب – واشنطن باسم سياسة سوريا القائمة على فرض الضغوط ووضع سوريا تحت تأثير التهديد والمقاطعة وحملات بناء الذرائع، بما يؤدي إلى ترهيبها ودفعها إلى التخلي عن حلفائها: إيران، حزب الله، حركة حماس، ثم الانخراط في تجمع ما عرف بـ"المعتدلين العرب".
• هل جاء العرض الإسرائيلي ضمن مناورة إسرائيلية – أمريكية تهدف إلى ترغيب سوريا عن طريق التلويح لها بإمكانية استرداد الجولان بما يفسح المجال لنشوء خلافات سورية – إيرانية، تؤثر سلباً على حزب الله اللبناني، بما يمهد إما لقيام إسرائيل بضرب حزب الله أو قيام أمريكا وإسرائيل بضرب إيران؟
• هل الإدارة الأمريكية بعيدة عن هذا العرض الأمريكي؟ وعلى خلفية العلاقات الخاصة الأمريكية – الإسرائيلية، ما هو الدور الذي لعبته أمريكا في هذا العرض؟
• هل يخدم العرض الإسرائيلي توجهات أمريكا إزاء سوريا؟

* العرض الإسرائيلي والعامل الأمريكي:
استطاع الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر من خلال تحركاته الدبلوماسية الأخيرة في الشرق الأوسط أن يحقق اختراقاً كبيراً للدبلوماسية العامة الأمريكية غير الرسمية وقد أدت تحركاته إلى:
• إضعاف الخطاب الدبلوماسي الأمريكي الخاص بسياسة الشرق الأوسط.
• التأكيد للرأي العام الأمريكي والدولي إمكانية تحقيق السلام عن طريق التفاوض.
• إضعاف ذريعة "دعم الإرهاب" التي تتخندق وراءها أمريكا وإسرائيل.
• تقويض أبرز محددات سياسة مجلس الأمن القومي الأمريكي التي ظلت تشدد على عدم التفاوض مع سوريا وإيران وحزب الله وحركة حماس.
التكهنات والتوقعات يمكن أن تذهب أبعد من ذلك، فمن الممكن على سبيل المثال أن يكون العرض الإسرائيلي يهدف إلى ترتيب توجهات السياسة الخارجية الإسرائيلية المتطابقة حالياً مع توجهات البيت الأبيض الأمريكي – الجمهوري، وذلك تحسباً وبما يتلاءم مع توجهات البيت الأبيض الديمقراطي القادم.
بكلمات أخرى، يدرك الإسرائيليون بأن الجمهوريين والديمقراطيين يعتمدون مبدأ التدخل لصالح إسرائيل، ولكن الفرق يكمن في أن الجمهوريين أكثر ميلاً لاعتماد الوسائل العسكرية، عن الديمقراطيين الذين يميلون لاستخدام الوسائل الدبلوماسية.
وبالنسبة لسوريا فقد بادرت زعيمة الديمقراطيين ورئيسة الكونغرس الحالي نانسي بيلوزي بزيارة سوريا، وبالتأكيد في حالة قدوم رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض فإن انخراط أمريكا في التعامل الدبلوماسي مع سوريا سيكون أمراً واقعاً لا محالة فهل يريد الإسرائيليون بهذا العرض الانخراط في عملية دبلوماسية تفاوضية سريعة مع سوريا وإفشالها بما يؤدي إلى توجيه ضربة استباقية إسرائيلية لدبلوماسية الديمقراطيين قبل قدوم الرئيس الديمقراطي المرتقب للبيت الأبيض، بحيث يجد هذا الرئيس بأن الخيار الدبلوماسي قد فشل، وليس أمامه سوى المضي قدماً مع الإسرائيليين ضمن المسارات والخيارات الأخرى الأكثر تشدداً والتي لن تقبل إسرائيل بأن تكون أقل من "الإبقاء على سياسة بوش المطبقة ضد سوريا" باعتبارها أمراً واقعاً!!
ماذا عن تركيا، ولماذا قرر الإسرائيليون اختيار أردوغان لتقديم هذا العرض، علماً بأن الخارجية الأمريكية ووزيرتها الناشطة في الشرق الأوسط كانت ستكسب كثيراً من جراء القيام بتقديم هذا العرض لسوريا ولو عن طريق طرف ثالث من المعتدلين العرب.
هل تهدف إسرائيل إلى دفع أردوغان للانشغال بملفات سلام الشرق الأوسط طمعاً في تحقيق النصر الدبلوماسي العالمي الباهر، وفي نفس الوقت ينشغل عن الاهتمام بالأزمة القانونية – الدستورية التي باتت تهدد حزب العدالة والتنمية ومستقبله السياسي بالاحتراق على صفحات قرار المحكمة الدستورية التركية الذي تقول التكهنات بأنه لن يكون في مصلحة حزب العدالة والتنمية.
كثيرة هي التساؤلات والشكوك ويتمنى الجميع إعادة الجولان السوري إلى سوريا بسلام كما يتمنى الجميع أن لا تقوم إسرائيل باستخدام هذا العرض ضمن عملية تضليل استخبارية عسكرية لتتحرك تحت غطائها لشن مغامرة عدوانية جديدة ضد سوريا أو إيران، لأن مثل هذه المغامرة ستكلف الإسرائيليين ثمناً باهظاً للغاية إضافة إلى أنها ستكشف للعالم مدى زيف وعدم مصداقية السياسة الإسرائيلية خاصة وأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سوف يكون هو الشاهد الرئيسي الذي سوف يؤكد للعالم بأنه قد استلم فعلاً هذا العرض من الإسرائيليين.
إن كشف العرض الإسرائيلي في هذا الوقت، يعتبر عملاً وإجراءاً سياسياً مثالياً، لجهة قطع الطريق على الإسرائيليين لاسيما في استخدام العرض ضمن المناورة الخارجية وعمليات الخداع التكتيكي، وحالياً أصبح أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يؤكد تقديمه لهذا العرض ويصبح مسؤولاً أمام الرأي العام العالمي إزاء القيام بتنفيذ هذا العرض أو أن ينفي قيامه بتقديم العرض وفي هذه الحالة عليه أن يواجه شهادة الرئيس التركي أو أن يلتزم الرئيس الإسرائيلي بالصمت وفي هذه الحالة ستكشف الإجراءات العدوانية الإسرائيلية القادمة المحتملة ضد سوريا وإيران بأن العرض الإسرائيلي كان مجرد غطاء دبلوماسي لعملية عسكرية إسرائيلية – أمريكية تستهدف بعض أو جميع الأطراف الشرق أوسطية الرافضة للمشروع الإسرائيلي – الأمريكي.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة