كوكتيل الهوية والأسئلة العويصة
الجمل ـ بشار بشير: الجغرافيا هي الواقع الذي لا يمكن القفز من فوقه ولا يمكن تغييره , وقدر سورية مرتبط بالجغرافيا وتحديداً بموقعها الجغرافي . لكي نبدأ يجب أن نُعرّف سورية جغرافياً . ماهو الحيز الذي تشغله سورية , هل تقع ضمن حدودها السياسية الحالية التي رسمتها إتفاقية سايكس بيكو ؟ أم تشمل الشام ؟ وهي سورية وفلسطين كما أورد محمد كرد علي دون أن يخطر بباله ذكر لبنان والأردن من ضمن بلاد الشام لأنهما لم يكونا موجودين و القول بأن بقعتهما الجغرافية هي من ضمن الشام مجرد تحصيل حاصل . إذا عدنا للتاريخ يمكننا مد الحدود التي ذكرها محمد كردعلي شرقاً إلى دجلة على الأقل وفي الجنوب الغربي يجب ضم سيناء إلى سورية (في التاريخ الديني اليهود بعد أن خرجوا من مصر تاهو في سيناء أي أن سيناء ليست من أرض مصر , رغم أني أتحفظ على إعتبار مصر المذكورة في التاريخ الديني هي نفس مصر الحالية ) . هل يمكننا أن نكون طماعين ونعتبر سورية هي البقعة الجغرافية التي تشتمل على ماحكمته وتحكمت به دمشق إبان الإمبراطورية الأموية ؟
السؤال المهم الثاني الذي يُطرح ماهي هوية سورية ؟ من الغريب طرح مثل هذا السؤال لكن الأزمات الكبرى تطرح أسئلة عويصة وتتطلب أجوبة أو حلول صعبة . نحن في سورية حسمنا منذ زمن خيارنا وحددنا هويتنا لكن هل تحديد الهوية هو فعل ذاتي أم مرتبط بالمحيط ؟ نحن قررنا أن سورية عربية وهي جزء من الأمة العربية , ولكن ماذا عن " الأمة العربية " هل هي عربية ؟! وهل تريد أن تكون ونكون جزءاً منها . مثلاً هل لبنان عربي أم هو خليط من الغربي والإسلامي والعربي والفرنكوفوني وبعض الهويات المحلية القطرية الأخرى . هل الأردن عربي أم خليط من الإسلامي ( لنتذكر أن بعض الطروحات الإسلامية الحالية تقول بالإسلام كهوية قومية بدل العروبة) و العربي والعشائري و" الأنكلو ساكسوني " وأقليات أخرى . وهل السعودية عربية ؟ هذا سؤال مشروع أن يُطرح بعد أن تنصلت السعودية من العروبة لأنها تأكدت أنها لا تستطيع أن تكون رائدة أو قائدة فيها بوجود مصر سابقاً وسورية سابقاً وحالياً واستعاضت عنها بالإسلام في محاولة لتكون قائدة في العالم الإسلامي ( هل هو عالم إسلامي أم دول إسلامية أم أمة إسلامية ) بما أنها لا تستطيع أن تكون كذلك في العالم العربي ( أو الأمة العربية ) . للسعودية مشكلة مزمنة مع القيادة فهي تسعى لها عبر تصغير أو تدمير منافسيها لا عبر تكبير مقدراتها وإمكاناتها ,عندما أرادت أن تكون قائدة للعرب تآمرت على منافسيها مصر وسورية ولم تنجح وعندما قررت أن تكون قائدة للمسلمين تآمرت على إيران ولا يبدو أنها ستنجح . مصر حسمت خيارها منذ زمن طويل في موضوع العروبة هذا إذا اعتبرنا أنه بقي لها خيار منذ حكمها السادات حتى اليوم . بالطبع لا داعي للحديث عن العراق الذي يعيش أزمة هوية عميقة إجتماعياً وجغرافياً , وهل يمكن اعتبار أن المغرب وتونس يرسخان عروبتهما وما بالكم بليبيا .
نعود لسورية وأزمتها – حربها الكبرى الحالية فسورية هي عقدة العبور التاريخية لكل الحضارات ولكل الجيوش التي تحركت على سطح البسيطة عبر التاريخ وهي البقعة الجغرافية الإجتماعية المعجزة بمرونتها و بإمكانيتها إمتصاص كل ما يصيبها والمضي في حياتها. ربما تكون الهجمة الحالية على سورية هي الأشرس والأخطر في تاريخها فهي لا تستهدف مكون واحد من مكوناتها بل تستهدف كل مكوناتها دفعة واحدة , فهذه الهجمة تحاول تفتيت المجتمع السوري و اقتطاع أو تقسيم الجغرافيا السورية و نهب الإقتصاد و قتل الناس وإستلاب القرار السياسي و تدمير التاريخ و إسقاط الإعتراف بسورية كدولة . هذه هجمة ندر مثيلها في تاريخ البشرية , وقد نجحت سورية حتى الآن في مواجهتها ولكن هل ستستطيع إمتصاص نتائجها كما أعتادت تاريخياً وهل يمكن ترك الأمور للزمن لكي يُحَيد النتائج ويميعها كما أظنه حصل في الهجمات الأخرى التي تعرضت لها سورية من هجمة الحثيين في التاريخ القديم إلى المقدونيين والرومان والعرب إلى غارات المغول والتتار ثم الغزو الصليبي وبعده العثماني التركي حتى الإحتلال الفرنسي . هذه خضة كبرى تحتاج لعلاجات على قياسها , هذه هجمة طرحت بشكل فج أسئلة لابد من الإجابة عليها وأثارت أفكاراً كان النقاش حولها مؤجلاً, صحيح أننا لازلنا في خضم الأزمة و هذا ليس الوقت المناسب لتغييرات كبرى ولكن هذا لا يمنع أن نبدا برسم ملامح استرتيجيتنا وآيديولوجيتنا للأيام القادمة عبر إيجاد أجوبة لأسئلة مثل :
*ما مصير فكرة العروبة والأمة العربية وما موقفنا منها
*كيف ستكون علاقة المجتمع والدولة بالإسلام في ضوء الإختلاط مابين الإسلام الديني والإسلام السياسي و الإختلاط مابين النسخة المدنية الحضارية من الإسلام والنسخة الرجعية القتالية منه .
*هل عدونا الوجودي هو فقط إسرائيل وبقية أعدائنا حدوديين , وماذا عن السعودية وفرنسا وغيرهم أليسوا تهديداً وجودياً لسورية بقدر إسرائيل ؟
*هل نحن بحاجة لعقد إجتماعي سوري جديد .
بعض هذه الأسئلة شائك ويترتب على أجوبته مسؤوليات كبرى. فمثلاً هل من مصلحتنا توسيع قائمة الأعداء الدائمين (الوجوديين) التي تحتوي على إسرائيل فقط لتضم السعودية ودول أخرى .
هل يمكن إعتبار سورية كلها بكل مكوناتها عربية أم أننا سنبدأ بسماع إعتراضات من البعض بأنه سوري وليس عربي .
هل سيستمر الوضع الديني – الإجتماعي على ماهو عليه أم هل هناك تغيرات ستمليها هذه الأزمة - الحرب التي تداخل فيها العامل الديني بشكل كبير . وهل التغييرات ستكون بخيارات وأفكار سورية ( إن كان هناك شيء منها ) أم عبر الإستفادة من تجارب مناطق أخرى كالإستفادة مثلاً من التجربة الأوروبية في تحييد العامل الديني .
أسئلة مصيرية كبرى طرحتها هذه الأزمة - الحرب على سورية والمشكلة ليست بالأزمة فقط , المشكلة كما آراها هي في قلة عدد المشتغلين على صياغة أجوبة , المشكلة في غياب قسم من النخبة الفكرية السورية وإنشغال القسم الآخر, وفي غياب مصانع الأفكار التي تستطيع صياغة أجوبة وخيارات تأخذ الدولة ( القيادة ) والمجتمع بأنسبها . يبدوا أن الجميع اختاروا إلقاء العبء على شخص واحد هو الرئيس الأسد وهذا إن دل على ثقة كبيرة في جزء منه إلا أنه في جزء آخر هو على شاكلة اذهب أنت وربك فقاتلا. القيادة السياسية والعسكرية امتصت الصدمة وصمدت ثم صاغت خطة الهجوم ونفذتها وأصبحت الآن في مرحلة حصد النتائج والإنتصارات , ماذا عن النخبة الثقافية والفكرية ماذا عن أدمغة تصنيع القوالب القومية والإجتماعية التي يجب أن تنشط الآن بعد أن تحطمت القوالب القديمة , تحطمت رغماً عنا وأنا هنا لا أقرر هل هي جيدة أم سيئة وهل لا زالت مناسبة أم تجاوزها الزمن , ما حصل أنها تحطمت بفعل حرب لم توفر شيء . الجيد في الأزمة السورية أن مشكلاتها لم تصبح بنيوية في المجتمع السوري فهذا المجتمع لازال منيعاً على الطائفية وعلى الإنحلال الوطني , والسئ في الأزمة أن الطبقة التي يجب أن تعالج ما أصاب المجتمع وتصيغ نظريات نهوضه بعد الأزمة قد أرتضى قسم كبير منها أن يبيع أفكاره ومسؤولياته بثلاثين ريال هذه المرة وليس بثلاثين فضة . ما بعد الحرب على سورية ليس كما قبلها على الإطلاق , هل سنترك صياغة شكلنا شعباً ووطناً وأفكاراً للعشوائية والزمن والآخرين , هل سننتظر حتى يداهمنا الوقت فنسلق أجوبة وأفكارعلى عجل , أم هل ستستيقظ بذرة الحضارة الأبدية الموجودة فينا والتي صمدت على مدى كل ما مر بهذا البلد وهو ليس بقليل .
إضافة تعليق جديد