كيف واجهت إسرائيل وحدة مصر وسورية

06-03-2008

كيف واجهت إسرائيل وحدة مصر وسورية

مضى نصف قرن على إعلان الوحدة بين مصر وسورية (22/2/1958)، وعلى رغم عدم استمرارها أكثر من أربع سنوات كان لها تأثير كبير في الصراع العربي – الإسرائيلي. وبالمقارنة بين الظروف التي عاشتها المنطقة فيشكري القوّتلي خمسينات القرن العشرين، والظروف التي تعيشها اليوم، نجد ان اسرائيل حققت مكاسب كثيرة في غياب الوحدة العربية، خلال السنوات التي تلت الانفصال، أهمها خروج مصر من الصراع، واستمرار احتلال اسرائيل أراضي سورية وفلسطينية ولبنانية، ودخول الوطن العربي حالاً من التشرذم والضعف والصراعات الداخلية لم يشهدها من قبل، قد تؤدي به الى مزيد من التجزئة والانقسامات، مثالها الأخير تجزئة الأراضي الفلسطينية بين سلطتي حركتي «فتح» في الضفة الغربية وحركة «حماس» في قطاع غزة.

ومن المعروف أن الوحدة بين مصر وسورية، تمت بعد أن شعرت الأخيرة بالأخطار الإسرائيلية والغربية، وتزايد الغارات على أراضيها، ومنها الهجوم الإسرائيلي على الأراضي السورية القريبة من بحيرة طبرية (الكرسي وأبو تايه) ليلة 11/12/1955، حيث قتلت 37 جندياً سورياً و12 مدنياً وأسرت 30 آخرين. ويبدو أن الشعور بالخطر المشترك على مصر وسورية من اسرائيل، ساهم في الإسراع في اقامة الوحدة. ولا نبالغ في القول إن اسرائيل بدأت خطتها للعدوان على مصر وسورية والأردن عام 1967، منذ حدوث الانفصال عام 1962، لكنها لم تكن لتجرؤ على مهاجمتها لو كانت الوحدة قائمة.

ولهذا، وبعد قيام الوحدة بين مصر وسورية، أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بن غوريون رسالة الى الرئيس الأميركي ايزنهاور حذر فيها من خطورة الوحدة على أمن اسرائيل وأبلغه العزم على العمل لإفشال الوحدة ومنع تكرار قيامها في المستقبل، لأن عوامل الوحدة العربية تنتشر بسرعة وقوة في الأوساط العربية، واذا نحجت فإن حصار اسرائيل يصبح كاملاً وتصبح جيوش الدول العربية قادرة على أن توجه اليها ضربات خطيرة من جهات متعددة. والواقع ان اسرائيل شعرت عند قيام الجمهورية العربية المتحدة، بأن وجودها أصبح في خطر، وأن تلك الوحدة وضعتها بين فكي كماشة مهددة مستقبلها ومصيرها.

وعمدت اسرائيل الى تعزيز قدراتها العسكرية وانتهاج طريق الردع الاستراتيجي عبر تطوير الأبحاث الذرية وامتلاك السلاح النووي الذي حصلت عليه بمساعدة فرنسا، وكذلك الى تطوير علاقاتها بالدول الأجنبية وبدول قريبة توجست هي الأخرى من الوحدة، كتركيا وايران. كما أعلنت تأيدها مشروع الهلال الخصيب، وطالبت بصراحة من بريطانيا أن تقدم الدعم للعراق ليحتل سورية والأردن والقسم الشمالي من الجزيرة العربية، وهددت بالتصدي لأي طوق عربي حولها وباحتلال الأردن اذا انضم الى الوحدة مع مصر وسورية. واعترف بن غوريون بعد سنتين على الوحدة بأن مصر أصبحت أقوى بكثير مما كانت عليه قبل أربع سنوات خلال العدوان الثلاثي عليها.

كما شجعت اسرائيل، على خط موازٍ، الهجرة اليهودية اليها، عبر التخويف من الخطر المحدق بها وطالبت بمضاعفة التبرعات من يهود العالم، وربطت بين أمنها وهجرة اليهود اليها. وعُقدت بعد سنتين على الوحدة، خمسة مؤتمرات صهيونية عالمية في اسرائيل ومؤتمران في نيويورك، بهدف هجرة اليهود وجمع التبرعات لإسرائيل. واتخذت قرارات على مختلف المستويات: السياسية (تحالفات) والأمنية (زيادة قوتها العسكرية) والبشرية (زيادة الهجرة اليهودية) رداً على الوحدة.

إلا أن الهجرة اليهودية تراجعت خلال الوحدة المصرية - السورية، خلاف ما سعت اليه اسرائيل، بسبب مخاوف اليهود من الهجرة، في ظل وجود دولة عربية قوية وموحدة تحيط بإسرائيل. وهبطت أعداد المهاجرين من 71 ألف يهودي عام 1957 (ما قبل الوحدة) الى 27 ألفاً خلال العام الأول للوحدة. ويلاحظ أن المعدل السنوي للهجرة الذي كان خلال السنوات الأربع السابقة للوحدة 1954 – 1957 (44660 مهاجراً) أصبح خلال سنوات الوحدة (29750 مهاجراً) أي أن معدل الهجرة هبط خلال سنوات الوحدة بنسبة 66 في المئة. 
وخفضت اسرائيل خلال فترة الوحدة من ممارساتها العدوانية ضد الدول العربية المجاورة. وكان عدد الاعتداءات على الحدود مع مصر قبل الوحدة، من عام 1949 الى عام 1954، 1735 اعتداء ومن عام 1955 الى عام 1958، 1707 اعتداءات. بينما لم يحدث خلال سنوات الوحدة الأربع سوى 193 اعتداء. كما انخفضت الاعتداءات الإسرائيلية على الحدود مع سورية من 3104 اعتداءات عام 1958 الى 824 اعتداء عام 1959. وبلغت الاعتداءات الإسرائيلية على كل الدول العربية عام 1960، 2250 اعتداء، وارتفعت عام 1965 (بعد الانفصال) لتصل إلى 6038 اعتداء. وبعد خمس سنوات على الانفصال تجرأت إسرائيل وشنت عدواناً على ثلاث دول عربية عام 1967، هي مصر وسورية والأردن، واحتلت أراضي في سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.

وأكثر من ذلك، تشجعت سورية خلال الوحدة مع مصر، وهاجمت قواتها مواقع إسرائيلية على الحدود المشتركة مرات عديدة، وكذلك قوارب الصيادين الإسرائيليين في بحيرة طبريا. (100 هجمة عام 1960 و25 هجمة عام 1961). وأصبح الخطاب السياسي السوري والمصري أكثر تشدداً ضد إسرائيل وأكثر ثقة بالقوة العربية الموحدة من خلال الوحدة.

وعلى الصعيد الفلسطيني نفذت عمليات فدائية عدة من قطاع غزة الذي كان خاضعاً للإدارة العسكرية المصرية، ضد المستوطنات الإسرائيلية القريبة من القطاع.

واعتبر الرئيس جمال عبد الناصر، أن أي عدوان إسرائيلي على الأراضي السورية يعتبر اعتداء على مصر ويمثل تهديداً للوحدة المصرية - السورية. كما اعتبر الوحدويون العرب والجماهير العربية التي ارتفعت معنوياتها بعد أن قامت الوحدة، أن التغلب على إسرائيل أصبح أمراً ممكناً. وحققت وحدة مصر وسورية بيئة وأجواء قومية ووطنية معادية للاستعمار في الشارع العربي ما ساعد في أحداث تحولات جذرية في الدول العربية الأخرى أدت إلى نشوء أنظمة وطنية فيها. فقامت الثورة في العراق عام 1958 ضد الملكية، وفي اليمن عام 1962 ضد الإمام، وانطلقت الثورة المسلحة في عدن ضد الاستعمار البريطاني، وساهمت الوحدة في تسريع نجاح الثورة في الجزائر واستقلالها عام 1962. وأصبح قيام جبهة عربية موحدة ضد إسرائيل أمراً ممكناً. وعلى رغم قصر سنوات الوحدة، خلقت الوحدة بيئة وحدوية بين بعض الأقطار العربية، كمشروع الوحدة بين مصر والعراق وسورية عام 1963 واتحاد الجمهوريات العربية عام 1971، ومشروع الوحدة المصرية الليبية عام 1973. وأثار ذلك إسرائيل، وأبدى وزير خارجيتها السابق قلقه من خطر قيام أي وحدة بين الدول العربية بعد الانفصال، وربط بقاء إسرائيل بتوافر شروط ثلاثة: استمرار المساعدات العسكرية الأميركية، واستمرار حماية الدول الكبرى للوضع الراهن في الشرق الأوسط، واستمرار الخلافات بين الدول العربية لأنها، كما يقول، لو اتحدت لما بقيت إسرائيل. وصرح شمعون بيريز في السياق نفسه بأن كل وحدة عربية هي معادية لإسرائيل فالوحدة العربية تحت ظل عبد الناصر لا يمكن إلا أن تكون وحدة سلبية موجهة ضد إسرائيل.

وأظهر تقرير أعدته وكالة الاستخبارات الأميركية C.I.A. بعد الانفصال خطورة الوحدة بين مصر وسورية على إسرائيل، وجاء فيه: «إن ضعف الاتجاه الوحدوي بين العرب، وخصوصاً انفصال الجمهورية العربية المتحدة، خفض خطر تعرض إسرائيل لاعتداءات متزامنة على جبهتين. وهذا يدعم الموقف الأمني الإسرائيلي، ونحن نعتقد بأن إسرائيل ستكون قادرة على الحفاظ على تفوقها العسكري أمام جيرانها العرب، تفوقاً يميزه العرب ويكون رادعاً لهم من مهاجمة إسرائيل». 
وحظيت سياسة عبد الناصر الوحدوية، بدعم جماهيري كبير في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لأنه رفع شعاري «الوحدة العربية»، و»العمل من أجل تحرير فلسطين». وأيقظ الأمل لدى الأمة العربية، بإمكان تحقيق الهدفين، وبأن تطلعاتهم على وشك الإنجاز، ما جعل إسرائيل تسعى إلى ضرب النظام المصري عامي 1956 و1967 لإضعافه أمام الجماهير العربية.

وفي الواقع فإن الحركة الصهيونية وإسرائيل حاربتا فكرة الوحدة العربية بين أي دولتين عربيتين أو أكثر، وليس وحدة مصر وسورية فقط، وحتى الوحدة التي اقترحها الأمير عبد الله لإقامة مملكة عربية في سورية الطبيعية رفضتها الحركة الصهيونية، وقال موشي شاريت (شرتوك) في رسالة الى الوكالة اليهودية: «حتى الآن لم يطرح مشروع الأمير عبدالله على بساط البحث، وهناك بعض السياسيين الصهاينة يبدون اهتماماً بالمشروع غير أن من الصعب على الحركة الصهيونية تقبله بسبب فكرة المملكة العربية. إن المملكة العربية تشكل عقبة بالنسبة الى إسرائيل لا تستطيع تقبلها».

كما وقفت إسرائيل، وما زالت، ضد كل أشكال التعاون بين الدول العربية، فقد عارضت قيام مجلس التعاون العربي، واتحاد المغرب العربي، ومجلس التعاون الخليجي. وأظهرت معارضتها للوحدة بين شطري اليمن في 30/11/1989. ولهذا فإن إسرائيل، التي قال رئيس استخباراتها العسكرية يهوشفاط هاركابي إن إذا فتحت مدرسة في جنوب السودان، فإن ذلك سوف يؤثر في أمن إسرائيل، ترى في قيام أي وحدة عربية خطراً كبيراً يهدد وجودها بطبيعة الحال.

ولم تكتف إسرائيل بمحاربة قيام أي وحدة بين الدول العربية، بل سعت إلى تجزئة الوطن العربي، لأن من مصلحتها التعامل مع دويلات صغيرة ضعيفة بدلاً من التعامل مع دول عربية موحدة داخلياً وقوية. وانعكس ذلك على موقفها من اتفاقات التسوية مع الفلسطينيين والعرب. فهي عملت على تجزئة الأراضي الفلسطينية المحتلة التي انسحبت منها، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهكذا قسم اتفاق أوسلو 2، أراضي الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق :

- «منطقة أ» وتشمل الانسحاب من ست مدن فلسطينية هي نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية ورام الله وبيت لحم والجزء الأكبر من مدينة الخليل، وتبلغ مساحتها ثلاثة في المئة من الضفة الغربية. وأصبحت بموجب الاتفاق خاضعة لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، وتتمتع بالصلاحيات والمسؤوليات المتعلقة بالأمن والنظام العام.

- «منطقة ب» التي يقيم فيها 68 في المئة من سكان الضفة الغربية وتشمل 27 في المئة من مساحة الضفة وتضم 450 قرية وبلدة فلسطينية. وهذه المنطقة تختلف عما تم الاتفاق عليه في المنطقة «أ»، إذ تحتفظ إسرائيل لنفسها في هذه المنطقة بالمسؤولية الأمنية العليا، بينما تتولى السلطة الفلسطينية بواسطة الشرطة الفلسطينية مسؤولية النظام العام.، إلى جانب المسؤوليات الإدارية والمدنية كما في المنطقة أ.

- «منطقة ج» وتشمل ما تــبقــى من أراضي الضفة الغربية غــــيــر المأهولة بكثافة سكانية، والتــي توجد فيها قواعد عسكرية للجيــش الإسرائيلي والمستوطنات، ولا تتمتع السلطة الفلسطينية بأي صلاحيات أو مسؤوليات أمنية فيها.

وأدخل قطاع غزة ضمن منطقة رابعة، والقدس الشرقية في منطقة خامسة، أي أن إسرائيل جزأت أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة إلى خمس مناطق، وهذا يدخل ضمن سياسة التجزئة وإضعاف كل ما له علاقة بالــعــرب. وانسحبت من قطاع غــزة وأبــقـــــت الضــفــة الغربية تحت احتلالـــها، كــما ساهمت من خلال الحصار الذي فرضته على قطاع غـــزة، بانفصاله سياسياً وحياتياً عن الضفة الغربية، وايجاد قيادتـــــيــن للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبحسب دراسة يائــير ايغـــرون أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، فإن الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلــية فــي مــرحلة السلام مع العرب، تتلخص بالنقاط التالية:
1- إن أكثر ما يخيف إسرائيل هو قيام تحالف عسكري يضم كل الدول العربية، وعلى رغم أن هذا الخطر تراجع بعد توقيع مصر على معاهدة السلام مع إسرائيل ما زالت الأخيرة تخشى إعادة قيام تحالف عسكري عربي ضدها.

2- أن تبقى نسبة التفوق العسكري الإسرائيلي مع الدول العربية بمعدل 2.1 – 2.8 لإسرائيل مقابل واحد للعرب.

3- إقناع الدول العربية بأنها غير قادرة على تدمير إسرائيل وبالتالي تصبح التسوية السياسية معها امراً لا بد منه.

4-سعي إسرائيل إلى عدم امتلاك الدول العربية السلاح النووي والتهديد باستعمال القوة النووية ضد الدول العربية لكي تمنعها من امتلاكه.

ولهذا فإن إسرائيل بنت استراتجيتها على التفوق العسكري على كل الجيوش العربية. وهي تتصرف على أساس أن القوة العسكرية العربية مجتمعة تشــكــل تهديداً لأمنها، وظلت تلك السياسة مدرجة في قاموس السياسة الإسرائيلية، حتى بعد أن توصلت إلى تسويات مع بعض الدول العربية. ونقلت بؤر الصراع من حدودها إلى داخل الدول العربية بهدف تجزئتها وتدميرها من الداخل لإقامة دويلات طائفية أو أثنية.

ولهذا لم يبق للدول العربية في ظل الظروف التي تعيشها في مطلع القرن الحادي والعشرين، سوى إعادة التذكير بما كان العرب عليه في منتصف القرن الماضي، لكي لا يأتي منتصف القرن الحالي،وتجد الدول نفسها وقـــد ازدادت عــــدداً... وضعفاً وتخلفاً، إذا لم تحاول أن تكرر تجربة الوحدة بين مصر وسورية ودول عربية أخرى.

أحمد سعيد نوفل

المصدر: الحياة

 

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...