نظام أوباما/كيري/هاغل: بيع الموت وشراء القتلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (1)
الجمل - بروفسور جيمز بيتراس- ترجمة: د. مالك سلمان:
مقدمة
مع دخول أوباما فترته الرئاسية الثانية بحكومة جديدة, يخيم إرث السياسة الخارجية في السنوات الأربع الأخيرة على القرارات الإستراتيجية والجهود المبذولة لبناء الإمبراطورية. ولتحليل الفترة القادمة, علينا تقويم السياسات السابقة وخاصة في المناطق التي بددت فيها واشنطن مواردَها المالية والعسكرية, أي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشمال أفريقيا.
سوف ننطلق من تحليل إنجازات وإخفاقات نظام أوباما/كلينتون. ومن ثم سننتقل إلى الجهود السياسية القائمة لدعم مشروع بناء الإمبراطورية. وسوف نقوم بتوصيف القيود والفرص التي تحدد المعايير الناتجة عن الطموحات العسكرية الإمبريالية, والدور الإسرائيلي – الصهيوني في تشكيل السياسة, والصراع الدائر ضد الإمبريالية. ومن ثم سوف نختتم بتحليل السياسات والنتائج المرجحة التي تفرزها الإستراتيجيات الراهنة.
إرث كلينتون/أوباما الإمبريالي: الإنجازات
تجلى النجاح الأكبر لإرث أوباما/كلينتون الإمبريالي في تقويض المعارضة الداخلية المنظمة المناهضة للحرب, واختفاء حركة السلام, واحتواء كامل القيادة "التقدمية" في الولايات المتحدة – مع زيادة عدد الحروب بالوكالة, والعمليات العسكرية السرية والعلنية, وميزانية "الدفاع". ونتيجة لذلك, تحول الطيف السياسي برمته نحو اليمين باتجاه مزيد من العسكرة في الخارج وتعزيز إجراءات الدولة الأمنية في الداخل.
لدى مواجهتها ثورات شعبية ضخمة وانهيار أنظمة قديمة موالية لها في مصر وتونس واليمن, تحركت إدارة أوباما/كلينتون بسرعة لتشكيل أنظمة جديدة موالية مع محافظتها على أجهزة الدولة – العسكرية والاستخباراتية والأمنية والبيروقراطية القضائية والمدنية. عملت الإمبراطورية على دفن الأنظمة المتداعية من أجل إنقاذ الدولة القمعية التي تشكل الضامن الرئيس للمصالح الإستراتيجية الأمريكية. وقد ذكرت واشنطن زبائنها الحكام أنه "ليس هناك تحالفات دائمة, بل هناك فقط مصالح إمبريالية دائمة." وقد نجحت واشنطن في هندسة حلف سياسي بين القادة والأحزاب الإسلاموية المحافظة والنخب العسكرية القديمة.
وافقت الكتل السياسية الجديدة في مصر على ضم إسرائيل لفلسطين, والحصار الضاري على غزة, والنظام الاقتصادي الليبرالي الجديد. وقد كررت واشنطن "إعادة تشكيل الزبائن" في اليمن وتونس. وقد أجهض تدخل أوباما/كلينتون, بشكل مؤقت, الثورة الشعبية المطالبة بالديمقراطية, المناهضة للصهيونية, والمناهضة للفساد. إذ ضمنت سياسات أوباما/كلينتون فترة مؤقتة من الراحة, لكن جهود مصر التالية في ضمان قرض من "صندوق النقد الدولي" قادت إلى مرحلة من الجمود وسط تردي الأوضاع الاقتصادية وتنامي الاحتجاجات السياسية. وقد أشار الفرض الناجح لأنظمة زبانية جديدة مؤيدة للهيمنة الأمريكية في مصر وتونس واليمن, في وجه الثورات الشعبية, إلى بداية سلسلة من النتائج السياسية – العسكرية المفضلة في المنطقة بالنسبة إلى نظام أوباما/كلينتون.
على الرغم من ضَم إسرائيل لمناطق متزايدة من الأراضي الفلسطينية وانتهاء أي تظاهر ﺑ "مفاوضات السلام", إلا أن واشنطن استمرت في تزويد إسرائيل بالمساعدات العسكرية الضخمة, وأنظمة الأسلحة المتطورة, والدعم السياسي غير المشروط في الأمم المتحدة. فمن خلال الخضوع لإسرائيل, نجح نظام أوباما/كلينتون في استعادة الدعم السياسي لمجموعة القوى الصهيونية المحلية. كما دعم نظام أوباما/كلينتون منظمة التحرير الفلسطينية التابعة عبر تقديم المعونات الاقتصادية, حيث قامت هذه الأخيرة بحراسة الضفة الغربية نيابة عن إسرائيل. وعلى الرغم من خسارتها للتصويت على منح الفلسطينيين عضوية المراقب في الأمم المتحدة, نجحت واشنطن في عرقلة العضوية الكاملة. لقد نجح نظام أوباما/كلينتون في تنفيذ دوره كخادمة لإسرائيل, على الرغم من معارضة الأغلبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة.
نجح نظام أوباما/كلينتون في تشديد العقوبات على إيران, من خلال ضمان دعم روسيا والصين وجامعة الدول العربية, دون إثارة حرب مدمرة. وقد تم تصميم وتنفيذ سياسة العقوبات الأمريكية على إيران من قبل شخصيات صهيونية كبيرة في "الخزانة" (ستيوارت ليفي, سابقاً, والآن ديفيد كوهن) وفي "الكونغرس", من قبل مشرعين اشترتهم ووجهتهم "لجنة الشؤون السياسية الأمريكية – الإسرائيلية" ("إيباك") النافذة.
قامت الولايات المتحدة, بقيادة أوباما/كلينتون, بتدمير حكومة القذافي الوطنية المستقلة عبر حرب مشتركة مع الاتحاد الأوروبي وحاولت تنصيب نظام زبانية. وبالمقابل, أصبحت ليبيا منصة تجنيد رئيسية للمرتزقة الإسلامويين الدمويين الذين يغزون سوريا, وخزان أسلحة لدعم الإرهابيين الإسلامويين. كان نجاح نظام أوباما/كلينتون العسكري في ليبيا جزأَ من إستراتيجية عامة لتسريع توسيع العمليات العسكرية الأوروبية والأمريكية في أفريقيا. ويتضمن ذلك إنشاء قواعد للطائرات الآلية (بلا طيار) ودعم جيوش المرتزقة الأفارقة من أوغندة وكينيا وإثيوبيا بهدف توسيع الهيمنة الإمبريالية في الصومال و مالي وأماكن أخرى.
في منطقة الخليج, نجحت الولايات المتحدة في دعم الملكية البحرينية الأوتوقراطية في قتلها وسجنها للمعارضين ونزعها للشرعية عن الحركة الاجتماعية الشعبية المطالبة بالديمقراطية في صفوف أبناء الأكثرية الشيعية المضطهدة. كما نجح نظام أوباما/كلينتون في ضمان تمويل الدول الخليجية للحرب على ليبيا وسوريا.
وفي العراق, نجحت الولايات المتحدة في تقسيم الأمة المدمرة إلى شراذم من الإقطاعيات المتحاربة الشيعة, والسنية, والكردية, ومجموعات منقسمة عن كل منها. فقد نجحت في تدمير مجتمع كان فيما مضى علمانياً وعصرياً, واقتصاد متقدم, ونظام قومي مستقل. أملَ نظام أوباما/كلينتون في البداية في تأسيس موقع موال في العراق يمكن من خلاله حماية زبانية واشنطن النفطيين الأثرياء في الخليج, وخاصة بين الدكتاتوريات المتوارثة في المملكة السعودية وقطر والبحرين والكويت والإمارات المتحدة.
نجحت واشنطن, من خلال التحالف مع قوى الناتو الأخرى وزبانيتها في دول الخليج, في تحويل حركة احتجاج مدنية سلمية في سوريا إلى حرب أهلية شاملة وغزو عسكري, يهيمن عليه بشكل متزايد "أمميو" القاعدة المسلحون. فقد قام تحالف الولايات المتحدة-الاتحاد الأوروبي-دول الخليج-تركيا-إسرائيل بتسليح وتمويل وتدريب وتوجيه الإرهابيين الإسلامويين والمرتزقة بهدف تدمير الدولة السورية والمجتمع السوري والاقتصاد السوري, مما أدى إلى تدمير وتهجير مليون شخص عبر الحدود, وقتل وجرح مئات الآلاف. فقد أضعف الغزو الأمريكي لسوريا إحدى آخر الحكومات المدافعة عن الفلسطينيين, والمعارضة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية, والتي كانت تشكل ملجأً آمناً للقادة الفلسطينيين الملاحقين.
ومن خلال تدمير الدولة السورية عمل نظام أوباما/كلينتون على دق إسفين بين "حزب الله", القوة الوطنية الرئيسية في لبنان, وحليفته إيران, مع تشديد الحصار على طهران وممارسة الضغوط, عبر الحدود, على العراق. ويهدف نظام أوباما/كلينتون إلى إحلال نظام إسلاموي متوحش في سوريا محلَ الدولة العلمانية مع احتمال التطهير العرقي الواسع ضد الأقليات, وخاصة المسيحيين والعلويين.
نجح أوباما وكلينتون في توسيع برنامج الاغتيالات بواسطة الطائرات الآلية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا, حيث تم قتل مدنيين غير مقاتلين يفوق عددهم بكثير الأعداء المشبوهين وخاصة في باكستان وأفغانستان واليمن.
نجح نظام أوباما/كلينتون في فرض العقيدة الرئاسية التي تقضي بقتل المواطنين الأمريكيين بواسطة الطائرات الآلية مع دعم أو تواطؤ الكونغرس الأمريكي, والقضاء, ومعظم وسائل الإعلام الجماهيرية, ودون أي محاكمة قضائية كانت. وبالإضافة إلى رخصة اغتيال المدنيين بواسطة الطائرات الآلية, وسع أوباما/كلينتون استخدامَ فرق الموت من قبل "العمليات الخاصة", حيث تم إرسالها إلى سبعين بلداً بهدف اغتيال الخصوم السياسيين, وزعزعة الحكومات المستقلة, ودعم أنظمة الزبانية.
أنفق نظام أوباما/كلينتون مليارات الدولارات ونجح في بناء جيش مرتزقة من 35,000 مقاتلاً في أفغانستان للدفاع عن المصالح الإستراتيجية الأمريكية, وحماية قواعدها العسكرية, وتدمير المعارضة الوطنية-الإسلامية ("طالبان"). كان نظام أوباما/كلينتون يأمل بتغطية انسحاب واشنطن من جبهة القتال. فعلى الرغم من الحشد العسكري وفي وجه الوضع العسكري المتردي جداً في أفغانستان, فإن نظام أوباما/كلينتون يتفاوض مع بعض الأجنحة السياسية من "طالبان", للتخلص من الحاكم الزبانية كرزاي و "إعادة تشكيل النظام بهدف إنقاذ الدولة", أملاً في تتنصيب نظام عسكري-إسلامي ائتلافي-متعاون, كما حدث في مصر وتونس واليمن.
---------------------------------------------------------------
يلي (الجزء الثاني: نقاط الضعف والفشل في إرث أوباما/كلينتون)
تُرجم عن: ("غلوبل ريسيرتش", 23 آذار/مارس 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد