نظام أوباما/كيري/هاغل: بيع الموت وشراء القتلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (3)
الجمل- قسم الترجمة- بروفسور جيمز بيتراس- ترجمة: د. مالك سلمان:
نتائج وآفاق: حقبة أوباما/كيري/هاغل
ليس لدى نظام أوباما/كيري/هاغل الكثير من الأصول الإمبراطورية ليواجه بها السنوات الأربع القادمة من بناء الإمبراطورية, كما أنه يواجه قيوداً قوية تحد من قدرته على التجديد الإستراتيجي أو حتى التقدم التكتيكي بهدف الحد من خسائر الولايات المتحدة.
إن العقبة الأكثر أهمية في وجه أي نقلة من بناء الإمبراطورية العسكري المكلف وغير الفعال إلى السياسات الموجهة دبلوماسياً واقتصادياً هي تأثير مجموعة القوى الصهيونية على هذا الثلاثي (أوباما/كيري/هاغل) وعلى الكونغرس. حتى أن نظام الائتلاف الإسرائيلي الجديد أكثر تطرفاً وعسكرة, كما يشير الوجود القوي لحزب متطرف استيطاني-استعماري مصر على ضم ما تبقى من الضفة الغربية الفلسطينية بالقوة والعنف. ويتم فرض الفيتو الإسرائيلي القوي على السياسة الأمريكية الخارجية في الشرق الأوسط من قبل رؤساء المنظمات الأمريكية-اليهودية الكبرى (ممثلة في أكثر من 50 مجموعة صهيونية قوية) الذين يجعلون من المستحيل على نظام هذا الثلاثي حتى لصق ورقة تين صغيرة في مشروع "عملية السلام" على الاحتلال الإسرائيلي المتسارع للأراضي الفلسطينية. كما أن هذا النظام لن يحاول أبداً, تحت تأثير المنظمات الصهيونية المذكورة, الدخول في أية مفاوضات عقلانية ومفيدة مع إيران.
إن هذا النظام ملتزم علناً بالدخول في حرب بالنيابة عن إسرائيل, في حال قررت الدولة اليهودية مهاجمة إيران. فزيارة أوباما إلى إسرائيل, و "تشاوره" القسري مع القادة اليهود-الصهاينة قبل الزيارة, كانت مصممة "لتحديد" أجندة البيت الأبيض: التنسيق مع سياسة نتنياهو في خلق جو يسمح بشن الحرب على إيران, وضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية. حتى أن الصهاينة قاموا بإملاء لغة أوباما الجسدية تجاه نتنياهو: لا مشاحنات علنية, بل ابتسامات ومصافحات فقط, وقد وافق كلب البودل الأمريكي على ذلك. بل إن هذا النظام سيكون أكثر خنوعاً للمطالب الإسرائيلية في السنوات الأربع القادمة لأن الكونغرس المحتل من قبل الصهاينة قد "أطلق يد" إسرائيل في تقرير السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط, بما في ذلك توقيت الحروب وطبيعة المفاوضات.
إن وزير الخارجية الجديد, جون كيري, ووزير الخزانة, جاك لو, صهيونيان بامتياز منذ زمن طويل ومن المتوقع أن يفرضا عقوبات اقتصادية أكبر على إيران بهدف خنق اقتصادها وتحضير الساحة للمواجهة العسكرية.
مع الأخذ بعين الاعتبار التزام واشنطن المكلف بخطط إسرائيل الحربية وقيود الحد من الميزانية الأمريكية, سوف يحاول نظام أوباما/كيري/هاغل "تنسيق" السياسات مع قوى الناتو الأخرى, بما في ذلك تقاسم الموارد المادية ورسم الإستراتيجيات المكملة في عمليات مكافحة التمرد في أفريقيا, وعمليات المرتزقة الإسلامويين في سوريا, وإدارة الأنظمة "النيوليبرالية-الإسلامية" في تونس ومصر وليبيا. وقد صممت زيارة كيري لأوروبا لتعزيز الجهود الإمبراطورية المشتركة وخاصة لدعم السياسات الحربية الإمبراطورية للرئيس "الاشتراكي" أولاند في مالي والنيجر والجهود الفرنسية-السعودية ضد سوريا.
تحت ضغط الجيش "السوري" الدمية المرتزقة الذي يغزو سوريا, سوف يعمل رئيس الوزراء البريطاني, كاميرون, والرئيس الفرنسي, أولاند, ونظام الثلاثي الأمريكي على زيادة تدفق الأسلحة الأمريكية في محاولة لتنصيب الإرهابيين الإسلامويين الوهابيين الذين يسيطرون الآن على بعض المناطق في سوريا بدعم من المملكة السعودية وقطر ودكتاتوريات النفط الخليجية الأخرى. والخوف الأكبر في واشنطن هو أن أسلحتها الحديثة لن تساهم فقط في إسقاط نظام الأسد القومي العلماني بل ستوصل إلى السلطة نظاماً على نمط القاعدة على حدود الحكام الزبانية الأكثر ضعفاً في الأردن ولبنان.
يمكن لسوريا أصولية إسلاموية أن تلعب دور "المركز الرئيسي" للهجمات عبر الحدود على القواعد الأمريكية في المنطقة كلها. وسوف تضم إسرائيل أخيراً "مرتفعات الجولان" السورية الإستراتيجية, التي تحتلها منذ 1967, بذريعة حماية نفسها من الإسلامويين الذين عملت جاهدة على إيصالهم إلى السلطة. كما سيحاول الأكراد السيطرة على بعض المناطق في شمال سوريا كجزء من "كردستان الكبرى", مما سيثير رعب أنقرة. وسوف تعمل تركيا على تصدير نسختها "الألطف" من "القومية الإسلامية". ولن تتمكن واشنطن ولندن وباريس من تنصيب زبانيتهم المغتربين في لندن على كرسي الحكم في دمشق. يمكن لنظام الثلاثي الأمريكي أن يزيح بشار الأسد القومي العلماني, لكنه سيحصد بالتأكيد إعصار النزاع الدموي الطويل الذي ستنخرط فيه القوى الإقليمية, والزبانية المتنافسون, وإرهابيو القاعدة, الذين سيسعون إلى نهب سوريا التي دمرتها الحرب.
إن نظام الثلاثي الأمريكي الذي يواجه احتمالات معقدة في سوريا, والعاجز عن عقد صفقة مع طالبان في أفغانستان, وغير القادر على استرجاع تأثيره على العراق الشيعية, سوف يحاول تعزيز الأنظمة العسكرية-الإسلاموية في مصر وتونس من خلال التحالف مع قطاعات مختارة من المعارضة العلمانية الليبرالية. ولن تكون هذه بالمهمة السهلة إذا أخذنا بعين الاعتبار الاستقطابات الاجتماعية-السياسية المتنامية. وسوف يتم اختبار قدرات واشنطن على تأسيس مجموعة جديدة من الأنظمة الزبانية من خلال دعمها لشروط "صندوق النقد الدولي" الوحشية على مرسي لإنهاء المساعدات الغذائية والنفطية الشعبية – وهي سياسة ستؤدي بالتأكيد إلى أعمال شغب واسعة النطاق بين صفوف المصريين الفقراء, وحتى احتمال قيام انتفاضة جماهيرية وطنية توحد اليساريين العلمانيين والمسلمين الفقراء. والقلق الرئيسي في واشنطن يتمثل في أن إسقاط زبونها الإسلامي مرسي يمكن أن يهدد الاتفاقية المصرية الخانعة مع إسرائيل والتي تقضي بفرض الحصار الاقتصادي على ملايين الفلسطينيين في غزة وقبول سيطرة الدولة اليهودية على أراض أكثر في الضفة الغربية.
اعتمد نظام أوباما/كيري/هاغل حتى الآن على السلطة القمعية المشتركة لجيش وشرطة وأمن مبارك في تعزيز زبونه مرسي. ولكن إذا سقط مرسي, من المحتمل أن تحاول الولايات المتحدة إعادة خلط الأوراق والبحث عن مجموعة جديدة من الزبانية السياسيين "الليبراليين" أو فرض دكتاتورية عسكرية مباشرة على المصريين.
في مساعي أوباما الدائمة لتحقيق المصالح الإسرائيلية, قام وزير خارجيته الجديد, جون كيري, بمهاجمة رئيس الوزراء إيردوغان بشكل مباشر لمساواته بين الصهيونية والفاشية فور هبوطه في تركيا.
فعلى الرغم من فشله في تحقيق مصالحة تركية-إسرائيلية, أقنع أوباما إيردوغان بقبول اعتذار شكلي من نتنياهو. وعلى إيردوغان الآن أن يواجه الواقع السياسي الذي يشير إلى معارضة 90% من الشعب التركي للقمع الإسرائيلي للفلسطينيين. وفي هذه الأثناء, كانت العاصمة التركية المستفيدَ الرئيس من "تقسيم" العراق الذي تم فرضه عسكرياً.
يهيمن التجار والمضاربون النفطيون الأتراك على السوق في "كردستان" العراق. ويمكن أن تكون الولايات المتحدة قد هدرت مئات مليارات الدولارات في الغزو لكن الأتراك جنوا الملايين من حرب لم يدعموها, حرب زادت من تأثير تركيا الإقليمي. ليس بمقدور نظام الثلاثي الأمريكي أن يفعل أي شيء بخصوص تركيا, التي عارضت غزو واشنطن للعراق, والتي تجني الأرباح الطائلة من ذلك الاستثمار المقدر ﺑأكثر من 2 تريليون دولار من الثروة والدماء الأمريكية. ويمكن أن يكون هذا النظام قد أمنَ دعمَ إيردوغان للإطاحة العنيفة بنظام الأسد في سوريا, لكن ذلك سيصب في مصلحة الهيمنة التركية. فاهتمام إيردوغان بإسقاط الأسد القومي-العلماني مبني على مخططاته لتأسيس نظام زبانية إسلاموي متعاون في دمشق وسوق يهيمن عليه رجال الأعمال وصناع القرار الأتراك. لقد أخذ إيردوغان صفحة من كتاب التسلية الإسرائيلي حول استغلال الآلة العسكرية الأمريكية لتحقيق مصالحه وأرباحه الإقليمية.
سوف تستمر واشنطن في الاعتماد على التمويل السعودي والقطري لجيوش المرتزقة والإرهابيين الإسلامويين بهدف زعزعة وغزو الأنظمة المناهضة للإمبريالية ولكن مع التحذير بأن هؤلاء المقاتلين المرتزقة هم أصوليون متعصبون أيضاً – أي أنهم معادون للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
إن مليارات قطر النفطية أشبه بمرض تناسلي, "هنا, وهناك, وفي كل مكان", يصيب المنطقة بالعدوى من خلال تمويل وتسليح الإرهابيين الإسلامويين, المدعومين بصواريخ وقنابل الناتو, لتدمير دولة القذافي الوطنية الثرية في ليبيا, وتدمير الحكومة المستقلة العلمانية في سوريا, وتقديم مليارات الدولارات لتعزيز أنظمة الدمى الإسلاموية في مصر وتونس ("فاينانشل تايمز", 19 آذار/مارس 2013, ص 7). تقوم الملكية الأوتوقراطية القطرية بإثراء العائلة الحاكمة الممتدة وحماتها الإمبراطوريين الأجانب – الولايات المتحدة وبريطانيا – مقابل شراء وتوزيع الأسلحة للمرتزقة الإسلامويين الذين يهاجمون الأنظمة الوطنية المستقلة.
سوف يحافظ نظام الثلاثي الأمريكي على تواجد أسطوله البحري في الخليج وبعثاته التدريبية وقواعده العسكرية من اجل تعزيز ودعم دكتاتوريات الخليج النفطية العفنة. ومع ذلك فإن المجمع الخليجي-الأمريكي بأكمله يمكن أن يصبح ساحة لحريق عسكري ضخم في حال قرر النظام الإسرائيلي المتطرف القيام بتوجيه ضربة استباقية إلى إيران وإشعال حرب إقليمية واسعة. ففي الوضع الحالي, يرتبط استقرار التحالف النفطي الأمريكي-الخليجي برمته بنزوات طرف ثالث (إسرائيل) و "طابوره الخامس" المتأصل في الكونغرس الأمريكي والفرع التنفيذي.
خاتمة
تعتمد ولاية أوباما الثانية على مجموعة متقلقلة من التحالفات يتوقف مصيرها على قرارات قوة أجنبية متعصبة عسكرية (إسرائيل) وخاضعة لمدٍ متزايد من الحركات المطالبة بالديمقراطية في قوس يمتد من تونس ومصر واليمن وصولاً إلى باكستان.
وعلاوة على ذلك, فإن الكثير من النتائج الهامة يقع خارج نطاق سيطرة البيت الأبيض الأمريكي. فنظام أوباما/كيري/هاغل لا يسيطر على الحركات الجماهيرية في شمال أفريقيا والإسلامويين, كما أن المرتزقة الذين يغزون سوريا في الوقت الراهن هم أعداء مريرون لواشنطن ودمشق معاً. يمكن لواشنطن, ضمن حدود الميزانية المتقلصة وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي, أن تمتلك القدرة على تدمير الأنظمة المستقلة بشكل وحشي. ولكن, من خلال هذه العملية يمكن أن تمزق نسيج المجتمعات المعقدة وتدمر اقتصاداتها بحيث تقوض قدرتها هي على جني الأرباح الاقتصادية للغزو الإمبراطوري. إذ إن "الغنيمة" الوحيدة الناتجة عن حروب واشنطن الإمبراطورية خرجت من الخزينة الأمريكية, مع قيام المقاولين النهمين والسياسيين الفاسدين والمسؤولين العسكريين الأمريكيين بنهب مليارات الدولارات من دافعي الضرائب الأمريكيين على صيغة "برامج مساعدات وإعادة بناء" لمصالحهم الشخصية.
قدرَ تقرير صدر في 2011 عن "لجنة المقاولات الحربية في العراق وأفغانستان" أن مقاولي الدفاع قد بددوا أو خسروا بسبب أعمال الاحتيال قرابة 60 مليار دولار – أو 12 مليون دولار في اليوم الواحد منذ 2011 ("فاينانشل تايمز", 19 آذار/مارس 2013, ص 4). إن شركة المقاولات العسكرية الأضخم (39.5 مليار دولار) هي "كيللوغ, براون وروت", وهي شركة تابعة لشركة "هاليبيرتون" – التي كان يديرها سابقاً نائب جورج و. بوش, ديك تشيني. وقد كان تشيني أحد مهندسي الحرب على العراق بالإضافة إلى الصهيونيين في البنتاغون بول وولفويتز ودوغلاس فيث. وقد تحالف تجار الحرب الفاسدون و "الطابور الخامس الصهيوني" (العامل لصالح إسرائيل) في نهب الخزينة الأمريكية ودعم ما يسميه أوباما التفوق العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
إن إرث نظام بوش وولاية أوباما الأولى مكون مجموعة من "الانتصارات البيروسية" [انتصارات يتم تحقيقها بثمن باهظ جداً]: عراق تمزقه حروب طائفية مع القضاء على نصف قرن من التقدم الاجتماعي-الاقتصادي والتعليمي والعلمي في ظل حكومة وطنية علمانية. ولا يستطيع نظام الثلاثي الأمريكي فك الروابط المتنامية بين العراق وإيران. كما ليس بمقدوره تحطيم الروابط المتنامية في مجال التجارة والغاز والطاقة بين إيران وباكستان. وقد ضمنت الولايات المتحدة روابط عسكرية إسرائيلية أقوى مع الناتو والاتحاد الأوروبي, لكن هناك مقاطعة شعبية متزايدة في أوروبا وأمريكا الشمالية للبضائع والاستثمارات الإسرائيلية بدأت تلقي بظلالها على الدولة اليهودية. وليس هناك أي مؤشر على أن نظام الثلاثي الأمريكي هذا يتخلى, ولو جزئياً, عن السياسة المكلفة ﻠ "الإمبريالية العسكرية" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلاوة على ذلك, فهو يفتقر إلى الموارد الاقتصادية لدعم زبائنه الجدد في شمال أفريقيا. فبينما يحاول هذا النظام جاهداً تمويلَ الحرب الوحشية القائمة ضد سوريا, عليه أن يحضرَ لحروب جديدة ضد لبنان وإيران. وسوف يكون على هذا النظام الاعتماد على حرب المرتزقة, ضئيلة الكلفة وعالية الخطورة, في سوريا. كما سيحاول اقتطاع حدود دفاعية حول قطاعاته النفطية والسياسية في ليبيا. كما أن عليه التنازل عن دور أكبر اقتصادي وإيديولوجي إسلاموي لتركيا. وفوق ذلك كله, سوف يحتاج إلى التغاضي عن ضم الدولة اليهودية للضفة الغربية, بضغط من تجمع القوى الصهيونية في الولايات المتحدة!
قامت "شركة فكتور آر. سي. إيه" بتسويق أجهزة "فكتورولا", وهي مسجلات فونوغراف قديمة مزودة بمكبرات صوت ضخمة تشبه القرون, على هيئة كلب متأهب يجلس أمام الآلة بانتظار "صوت سيده". وتذكر زيارة أوباما الأخيرة إلى إسرائيل بهذه الصورة. فقد تضمن خطاب أوباما أمام الطلبة اليهود في القدس مديحاً حماسياً لكل ماهو إسرائيلي أو يهودي بحيث تفوق على أي إعلان دعائي تقوم به منظمة "إيباك", وفاقَ كل فبركات نتنياهو, كما زركشَ (إلى درجة كاريكاتورية تقريباً) كل أسطورة عرقية حول التفوق اليهودي.
فقد أثنى على إسرائيل بصفتها "أرض السلام والديمقراطية" في وجه 45 سنة من الحكم العسكري الوحشي ومصادرة 60% من أراضي الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة. وقد تحدث عن "المفاوضات بشروط", وهي إشارة إلى إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. كما أطنبَ في مديح إبداع إسرائيل وجرأتها في تأسيس "الدولة اليهودية", متجاهلاً التطهير العرقي العنيف وطرد أكثر من 850,000 مسلم ومسيحي عربي فلسطيني. كما تحدث عن العبقرية التكنولوجية الإسرائيلية, متناسياً أن صادرات إسرائيل الرئيسية هي أسلحة الدمار الشامل.
لم يقم قائد أمريكي, في الماضي أو الحاضر (أو أي حاكم إمبراطوري آخر), بتكرار أو تزويق أكاذيب قوة كولونيالية دموية من هذا النوع و "طابورها الخامس" المتجذر في الولايات المتحدة بحماس يفوق جهدَ أوباما المذل الهادف إلى إرضاء أسياده الصهاينة في واشنطن. فقد تجاوز أداؤه كل توقعاتهم في إذلال الولايات المتحدة. فمن حيث الأسلوب والمضمون, حقق أوباما مطالبهم بخضوع الولايات المتحدة للدولة اليهودية, بل بالغ في ذلك حتى. وفي الحقيقة, يمكن للمرء أن يعتقد أنه بذلك قد وضع معياراً جديداً للعق الأحذية والزحف على البطن المألوفين لكل مراقب لأداء خدم إسرائيل في الكونغرس الأمريكي. ولا داع للقول إن الجهاز الدعائي الصهيوني بأكمله, من المحافظين الجدد إلى الليبراليين, قد أصيب بنشوة غامرة. فهاهو صهيوني يبز حتى أعتى الصهاينة في تعصبهم الصهيوني.
سوف يتذكر الناسُ اليومَ الذي تحدث فيه أوباما في القدس بصفته يومَ عارٍ على جميع الأمريكيين الذين يؤمنون بالحرية والكرامة والسلام والعدالة الاجتماعية. فالاستماع إلى رئيس الولايات المتحدة وهو يتذلل أمام قوة عنصرية استعمارية شيء مذل ومعيب. كما أنه كان يومَ غضب بالنسبة إلى مليارات العالم الخمس الذين حطموا قيودَ القمع العرقي الكولونيالي. لقد اختار أوباما: وعلى إدارته أن تتعايش مع خياره هذا في السنوات الأربع القادمة.
إن محاولة نظام أوباما/كيري/هاغل اختراق أفريقيا بواسطة البعثات العسكرية ودعم القوات المرتزقة الأفريقية ستتطلب احتواءً للعسكرة الإمبراطورية الفرنسية المتنامية. كما سيكون عليها الاعتراف التفوق الصيني الاقتصادي المتزايد في قطاعات الاستخراج الأفريقية والبنية التحتية والتجارة. إذ إن "الدوران نحو آسيا" الذي قام به هذا النظام - والذي يتضمن اتفاقيات تجارة حرة عبر الباسيفيك تستبعد الصين, والقواعد العسكرية التي تطوق بكين وتحرض اليابان على استفزازها حول مناطق متنازع عليها – لم يؤثر على اقتصاد الصين المتنامي وعلاقاتها التجارية المزدهرة. إذ تفوق التجارة الصينية مع آسيا الآن تجارتها مع الولايات المتحدة. كما أن تدفق الاستثمارات من الصين وإليها يفوق بكثير أرباح هذا النظام من الحروب التي خاضها خارج حدوده. فقد فشل "تمحور" هذا النظام حول آسيا في إنتاج أية مكافأة اقتصادية إمبراطورية لقادة واشنطن. ومع ذلك, فقد أثار توتراً عسكرياً أكبر بين اليابان والصين وبين كوريا الشمالية والجنوبية. ويحدث هذا كله في الوقت الذي يواجه فيه البنتاغون تخفيضات كبيرة في الميزانية ويحاول وزير الخزانة الأمريكية ليو التشجيع على تجارة أكبر مع الصين.
باختصار, إن الالتزامات العسكرية السابقة, والروابط مع إسرائيل, وإرث الفشل السياسي في العراق وأفغانستان, وهشاشة الحكام الزبانية الجدد, تعني أن نظام أوباما/كيري/هاغل سوف يلعب دوراً اقتصادياً هامشياً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الجنوبية. وسوف تفعل ترويكا أوباما/كيري/هاغل كل ما بوسعها لإنقاذ القواعد العسكرية والتأثير السياسي بين الدول النفطية الأوتوقراطية في الخليج.
تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 23 آذار/مارس 2013)
الجمل: قسم الترجمة
التعليقات
كلفة الحفاظ على الامبراطورية
إضافة تعليق جديد