التكسير الهيدروليكي يحرر أمريكا من حلفائها النفطيين القدامى
الجمل ـ ريتشارد سبنسر ـ ترجمة عبد المتين حميد:
حذر فاتح بيرول, وهو كبير الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية, منذ عدة سنوات من الضغط على إمدادات النفط الذي يسببه النمو الاقتصادي المدوّي في آسيا. لقد كان أول من نبّه, في مؤتمر عن تغير المناخ في العام 2007, على أنّ انبعاثات الصين من الغازات المسببة للاحتباس الحراري ستتجاوز مثيلاتها الأمريكية. وفي السنة الماضية أطلق توقّعاً خطيراً بخسوف مارد الطاقة, أي السعودية؛ فقد قال: "سوف تخسر السعودية عمّا قريب مركزها كأكبر منتج للنفط الخام لصالح أهم حلفائها و هي الولايات المتحدة... ففي حلول العام 2020 ستصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط... و النتيجة هي استمرار تناقص واردات أمريكا من النفط إلى الدرجة التي يصبح فيها شمال أمريكا مُصدّراً للنفط دون أي استيراد عام 2030... و هذا الأمر سينطبق على العديد من الدول المستوردة للنفط حالياً". في عالم مسكون بالخوف بسبب الأزمة المالية و البطالة و الحرب في سوريا و الجهاد الدولي يجب الاهتمام بالتوقعات الأكاديمية لأشخاص مثل السيد بيرول.
الاعتقاد بأن الاقتصاد العالمي و الأمن و الجغرافيا السياسية يخضعون لحاجة الولايات المتحدة من النفط هو أمرٌ مسلَّم به عالمياً. و عندما تصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط عندها سترسل خبراء التسويق إلى العالم لبيع النفط بدلاً من إرسال جنودها لحماية منابع النفط. و الفضل كلّه يعود إلى تقنية "التكسير الهيدروليكي" التي أحدثت ثورة في الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة. و تحاول دول عدة كالصين وروسيا والأرجنتين وغيرها نقل التجربة الأمريكية في "التكسير الهيدروليكي", لكنها متأخرة كثيراً عن النموذج الأمريكي. و قد لاحظَت أخيراً الدول المعنيّة و خصوصاً المنتمية إلى أوبِك الأثر الناتج عن تخفيض أمريكا من استيرادها للنفط. السعوديين مثلاً؛ فقد وجّه الوليد بن طلال رسالة مفتوحة إلى وزير النفط و عمّه الملك عبدالله في الصيف الفائت يحثّهما على الانتباه للخطر الداهم: "إنّ بلدنا تواجه تهديداً دائماً بسبب اعتمادها شبه الكلّي على النفط... و العالم من حولنا يقلّل بشكل متواصل من اعتماده على النفط الذي تنتجه بلدان أوبك بما فيهم المملكة".
في هذا الخريف و منذ الإعلان عن محادثات جديدة مع إيران حول برنامجها النووي, بدأت مثل هذه القضايا الحساسة تظهر في الصحافة السعودية التي تتجنّب عادةً هكذا مواضيع. و قد بدأ الكتّاب بالملاحظة بأنّ القضية ليست اقتصادية فقط بل لها أبعاد أخرى. و بات الجميع مدركاً إلى أنّ الولايات المتحدة بشكل عام و الرئيس أوباما بشكل خاص لم تعد تهتم كثيراً بتلطيف الأجواء مع السعودية الهائجة جداً بسبب تغيّر السياسات الإقليمية عما كانت هي معتادة عليه. مما حدا بالمملكة و على لسان المتحدث باسمها على إطلاق سلسلة متزايدة هائجة من التحذيرات من الخطر الذي يشكّله تقديم الولايات المتحدة للتنازلات لإيران و أيضاً عدم القيام بالتدخل العسكري في سوريا لتغيير النظام, الذي وصفه بأنّه أكبر تهديد للسلام في الشرق الأوسط.
أوضحت مجلة سعودي جازيت عبر مقالة لأحد محلليها في مجال الطاقة, و هو سيد رشيد حسين, بأنّ: "الجغرافيا السياسية للطاقة العالمية تشهد تحولاتٍ كبيرة, وهذا كان واضحاً من آخر التطورات السياسية في المنطقة. و في النهاية, فإنّ واشنطن لم تعد تعتمد على امدادات النفط الخام من الشرق الأوسط مثلما كانت عليه حتى سنوات قليلة مضت".
إنً الإعداد للمواجهة بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية كان جارياً منذ سنوات عديدة, لكنه تسارع في 2011 عندما سمح السيد أوباما للانتفاضة في شوارع القاهرة بالإطاحة بالرئيس حسني مبارك, الحليف القديم لكلا البلدين. لم تكن هذه القضية مثيرة للجدل في الولايات المتحدة, فالسيد أوباما قد ساهم عبر وسائل عديدة مساعدة مبارك. فمثلاً السيد أوباما طالب بإجراء إصلاح ديمقراطي في مصر في أول خطاب له في الشرق الأوسط في القاهرة في حزيران 2009. ولكنّ الرئيس مبارك لم يصغِ لهذا الطلب كما أنّه رفض سابقاً الرسالة الاصلاحية من قِبل إدارة بوش في العام 2005. أما في الرياض فقد اعتبروا قرار أوباما بالتخلي عن مبارك بمثابة خيانة شخصية لهم و لعقد الشرف بينهما, و بأنّه حماقة جيوسياسية خصوصاً بعدما تبع ذلك صعود الإخوان المسلمين و الإسلام السياسي. و بالنسبة للحكام السعوديين فإنهم يعتبرون منظمة الإخوان بمثابة تهديد حقيقي. على ما يبدو فإنّ السيد أوباما غير مبالٍ بالسعوديين, و ذهب إلى أبعد من ذلك – من وجهة نظر الدول العربية في الخليج – بالانفتاح على طهران و الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني.
عندما رفضت المملكة السعودية تسلّم مقعدها في مجلس الأمن, علّل قادتها بوضوح, و ملمحين بشكلٍ كبير تجاه الولايات المتحدة, بأنّ سبب رفضهم هو الفشل في الموضوع السوري و الموضوع الفلسطيني و اتفاقية "الحد من انتشار الأسلحة النووية" قاصدين بذلك البرنامج النووي الإيراني. مع إنّ المملكة قد عاشت بسعادة مع الردع النووي الإسرائيلي طوال هذه السنوات.
علانيّةً, لا يزال المسؤولون السعوديون متفائلين بصادراتهم النفطية و يقللون من أهمية تغيّر الموقف الأمريكي تجاه الطاقة, وهم يفضّلون تصوير المسألة على أنها نوع من الارتياب الأمريكي العالمي. أشار ليو درولاس, مدير مركز دراسات الطاقة العالمية (وهو مؤسسة بحثية تأسست أصلاً بتمويل من السعوديين), إلى أنّ صادرات المملكة السعودية من النفط لم تتأثر جرّاء تزايد استخدام تقنية "التكسير الهيدروليكي" في الولايات المتحدة؛ لأن النفط الذي ينتج عن استخدام "التكسير الهيدروليكي" هو من النوع الخفيف, فهو بالتالي يزاحم النفط الجزائري و النفط النيجيري و ليس النفط السعودي الثقيل. و أضاف: "إنّ المملكة السعودية نفسها كانت مستثمراً مشاركاً في النفط الأمريكي". بيد أنّه قال: "إنً النمو في الإنتاج الأمريكي قد ترك آثاراً على نطاق أوسع... حيث تراجعت المعدلات القصوى لاستخراج النفط بسبب انتشار الوعي في قطاع الصناعة النفطية".
إنّ تراجع الخوف من انقطاع الإمدادات العالميّة مقارنةً مع السنوات الماضية, جعلت العالم ينظر بطريقة مختلفة أكثر من مجرد تقليل الاعتماد على الصادرات السعودية. فبسبب تشديد العقوبات على إيران, انخفضت مبيعاتها النفطية بمقدار مليون برميل يومياً, و كان هذا سبباً رئيسياً في الأزمة الاقتصادية, مما أجبر الجميع على وضعه على طاولة المفاوضات. ويقول محللون إنّه لم يكن بالإمكان تحجيم الخسائر الكبيرة في السوق العالمية التي نتجت عن العقوبات على إيران بسبب ارتفاع الأسعار من دون وجود إمدادات إضافية إلى السوق.
برغم أنّ السعودية عملت على زيادة انتاجها النفطي إلى الحد الأقصى الذي لا يؤثر على الأسعار, و لكن و بسبب تطوير حقول جديدة في العراق و ازدياد أهميّة الغاز تراجعت حيوية الدور السعودي. يعتقد البعض بأنّ السعودية قد تُقدم على تخفيض انتاجها لرفع الأسعار العالمية, وذلك كإجراء انتقامي. ولكن حتى لو فعلت ذلك – برغم عدم وجود أي إشارة من هذا النوع– فسوف تكون هي أول ضحاياه. فالسعودية قد تتراخى في تخفيض حجم دخلها من النفط ولكن ليس كثيراً لأنها بحاجة للحفاظ على ميزانيتها السوداء.
بعد أن أصبحت أمريكا لا تدعم حلفائها القدماء بقوة ، غدا العرب في الشرق الأوسط مهتاجين و مذعورين. فالنخب العربية التي لطالما شجعت الناس بهستيريّة على معاداة الولايات المتحدة هي الآن تتهم أمريكا و بهستيرية بأنها تنسحب من المنطقة! على الرغم من أنّ "الشارع" مبتهج بهذا الانسحاب. في الولايات المتحدة، معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أن "الشارع الأميركي" يؤيّد الانسحاب من المنطقة التي شهدت انفاق مليارات الدولارات الأمريكية و ازهاق آلاف الأرواح. و لم يحصدوا في المقابل سوى الإهانة.
و لكن هل سيُترك الشرق الأوسط حقاً؟ ربما يجب أن نترك الكلمة الأخيرة للسيد بيرول و تقريره للعام 2013 الذي صدر هذا الشهر. حيث يلخّص بمايلي: "مركز ثقل الطلب على الطاقة يتحوّل بشكل حاسم نحو الاقتصاديات الناشئة... الصين تسيطر حالياً على المشهد في آسيا, قبل أن تقوم الهند في العام 2020 بالهيمنة على اعتبارها المحرك الرئيسي للنمو". الصين و منذ عدة سنوات هي أكبر مستثمر فى صناعة النفط والغاز في إيران. ولكن في آخر جولات ون جيا باو, رئيس الوزراء السابق قبل أن يتنحى في نهاية هذا العام, ذهب في جولة لم يسبق لها مثيل إلى "الجانب الآخر" أي إلى الحلفاء التاريخيين لأمريكا في الخليج: السعودية و قطر و الإمارات المتّحدة.
لم يكن في يوم من الأيام الارتباط ما بين النفط و الجيوسياسة ضعيفاً. هو فقط يغير مظهره من حين إلى آخر.
ريتشارد سبنسر – مراسل التيليغراف من الشرق الأوسط
http://www.telegraph.co.uk/earth/energy/oil/10476647/Fracking-boom-frees-the-US-from-old-oil-alliances.html
إضافة تعليق جديد