سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (6)
الجمل - فينيان كنينغهام- ترجمة: مالك سلمان:
إنها مؤامرة تلائم مكائدَ الكولونيالية الكلاسيكية في القرون الماضية, مثل تقطيع سايكس-بيكو لأراضي المشرق العربي في الشرق الأوسط, أو خيانة العرب بعد الحرب العالمية الأولى, أو سرقة الرأسماليين البريطانيين لنفط بلاد الرافدين.
لكن في هذه المرة, العرب هم من يساعدون القوى الكولونيالية الجديدة على خداع وإخضاع العرب الآخرين. وهنا يأتي دور ‘الجامعة العربية’.
في السنة الأخيرة, ظهرت المنظمة المكونة من 22 عضواً بصفتها غطاءً خداعاً مفيداً للقوى الغربية في سعيها لإعادة رسم ملامح العالم العربي وما بعده بما يخدم مصالحها الإستراتيجية الخاصة.
قامت القوى الإمبريالية الغربية باحتواء واستغلال الانتفاضات الشعبية القوية التي انطلقت في بدايات 2011 عبر العالم العربي بهدف تقليص المكاسب الديمقراطية وإعادة رسم الخارطة السياسية لمصالحها المستمرة. إنه لإنجاز عظيم إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه القوى نفسها دعمت, طيلة عقود, الأنظمة القمعية التي جلبت البؤسَ والمعاناة لشعوبها.
الذريعة المتكررة للتدخل الغربي هي "مسؤولية الحماية"؛ فكرة أن هذه القوى مدفوعة باهتمامها بحقوق الإنسان وحماية حياة المدنيين. ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول الناتو الأخرى قد شنت حروباً عدوانية خلال العقد الأخير على بلدان إسلامية, متسببة بمقتل أكثر من مليون شخص وإصابة عدة ملايين, نرى أن هذه القوى قد واجهت مشكلة في مصداقيتها عندما حاولت تلفيقَ الذرائع للتدخل في الانتفاضات العربية.
ما هو أفضل من تغطية الأجندة الغربية للتدخل في القضايا الغربية من مظهر الدعم العربي؟ وقد لعبت ‘جامعة الدول العربية’ هذا الدور. فمنذ تأسيسها في سنة 1945, لم تعلق عضوية سوى دولتين. الأولى كانت ليبيا في آذار/مارس 2011؛ والثانية سورية, التي تم تعليق عضويتها بعد ذلك بثمانية أشهر في تشرين الثاني/نوفمبر.
ظاهرياً, قامت ‘الجامعة العربية’ باتخاذ مثل هذه الإجراءات لأنها, حسب زعمها, تشارك واشنطن وباريس ولندن قلقها حول سلامة المدنيين الذين يتعرضون للقمع العنيف من قبل حكامهم. فمن دون مباركة ‘الجامعة العربية’, سوف يبدو تدخل القوى الغربية فارغاً وتفوح منه رائحة الكولونيالية التقليدية. وهذا ما هو عليه, في الحقيقة, إلا أن إضافة الأصوات العربية إلى الكورس الغربي المنافق يعطي إيحاءً هاماً بالتضامن الدولي.
السيناريو يسير بهذه الطريقة: أطلق شرارة العنف والفوضى داخل البلد الذي تختاره, ثم سلح المجموعات المتمردة, وقم بتوجيه هذه المجموعات نفسها بواسطة القوات الخاصة السرية؛ وعندما تتحرك القوات الحكومية لقمع التمرد, عندها وَجه إليها تهمة خرق حقوق الإنسان. بعد ذلك تقوم ‘الجامعة العربية’ بتعليق عضوية ذلك البلد مما يُسَهل على المجتمع الدولي التعاطي معه بصفته بلداً مارقاً, مما يؤدي – بدوره – إلى إيجاد ذريعة للقوى الغربية لتنفيذ ضربات عسكرية, حيث ترتكب الجرائمَ الوحشية باسم "مسؤولية الحماية" وتعمل على هندسة تغيير النظام بما يخدم المصالح الغربية. إنها الكولونيالية الجديدة في الأراضي العربية, بمساعدة دول عربية أخرى.
يمكن النظر إلى ليبيا بوصفها بروفة لهذه الخطة الروتينية التي يتم تطبيقها بشكل محموم الآن في سورية. تذكروا أن تعليق عضوية ليبيا من قبل أعضاء ‘الجامعة’ في آذار/مارس كان الخطوة التي سبقت قصفَ الناتو الجوي لليبيا, الذي دام 7 أشهر وأودى بحياة الآلاف من المدنيين, وهي جريمة لم يدرك العالم حجمَها الحقيقي بعد بسبب التعتيم الذي تقوم به وسائل الإعلام الغربية الرسمية, لكنها تبقى جريمة بشعة تلطخت فيها أيادٍ عربية بالدم.
يبدو أن ‘الجامعة العربية’ تلعب الآن دوراً أكثر بروزاً وعلنية مع تطور هذا السيناريو الروتيني. من الواضح أن ما يحدث في سورية هو عبارة عن تمرد تم إشعاله وتسليحه من قبل حكومات أجنبية, حيث تلعب تركيا والسعودية دوراً رئيساً في تسليح ما يسمى ‘الجيش السوري الحر’ ضد قوات حكومة الرئيس بشار الأسد.
وكانت ‘الجامعة العربية’ هي التي طرحت المشروع, الأسبوع الماضي, في مجلس الأمن في الأمم المتحدة الذي يهدف إلى تقييد حكومة الأسد وتحضيرها للتدخل العسكري من قبل الناتو على الطريقة الليبية. نجح الڤيتو الروسي-الصيني حتى الآن في إجهاض الخطة. ومن المؤكد أن روسيا والصين قد حفظتا درسَ ليبيا جيداً حيث استغلت القوى الغربية تفويضاً مماثلاً من قبل مجلس الأمن لشن حربٍ وحشية على ذلك البلد, وباسم مبدأ "مسؤولية الحماية" المخادع.
يمكن أن نرى الدورَ المشبوه ﻠ ‘الجامعة العربية’, بصفتها كلبَ الصيد عند الغرب, من خلال تعليق وزير الخارجية البريطانية, وليم هيغ, بُعيدَ الڤيتو الروسي-الصيني في الأمم المتحدة.
قال هيغ: "واجهت روسيا والصين خياراً بسيطاً اليوم: هل يدعمون الشعب السوري و ‘الجامعة العربية’ أم لا؟ وقد قررتا عدم تقديم هذا الدعم, وعوضاً عن ذلك وقفتا إلى جانب النظام السوري وقمعه الوحشي للشعب السوري بما يخدم مصالحهما القومية."
هذا التفاف بريطاني على الحقيقة في أفضل حالاته. أولاً, قررت روسيا والصين الوقوفَ إلى جانب "النظام السوري" لأن حكومة الأسد – على الرغم من التغطية المنحازة التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية – تحظى بدعم الشعب السوري, ولذلك فإنها تحافظ على شرعيتها واستقلالها. كما أن "القمع الوحشي" الذي يتحدث عنه السيد المبجَل هيغ مرتبط بالعنف الذي أشعلته الدول الغربية والعربية الأخرى في سورية, كما فعلوا في ليبيا.
ثانياً, تتماشى المعارضة الروسية والصينية مع معارضة بعثة المراقبين في سورية التابعة ﻠ ‘الجامعة العربية’ نفسها. فقد نقلت البعثة أن معظم أعمال العنف يأتي من "كيان مسلح" و "مجموعات معارضة مسلحة" متورطة في قتل المدنيين, مما يناقض بشكل فاقع تصويرَ وسائل الإعلام الغربية الرسمية للعنف الذي تعزوه للدولة فقط. وفي الحقيقة, قامت أمانة ‘الجامعة’, فيما بعد, بإلغاء بعثة المراقبين بسبب فضح البعثة للتضليل الإعلامي الغربي. ولذلك فإن روسيا والصين لم تعارضا ‘الجامعة العربية’, كما ادعى وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ, بل كان موقفهما متناسقاً مع موقف بعثة المراقبين التابعة ﻠ ‘الجامعة’. إن السلطة التنفيذية ﻠﻠ ‘الجامعة’ هي التي لم تدعم مراقبيها أنفسهم على الأرض فيما يتعلق بالتوصيف الدقيق لما يحدث في سورية.
ثالثاً, لاحظوا الطريقة التي يشدد فيها وزير الخارجية البريطانية على أن روسيا والصين "لم تدعما ‘الجامعة العربية’ " في سعيها لفرض العقوبات على سورية. هذه الكلمات القليلة تزيل الغطاء عن الهدف الحقيقي ﻠ ‘الجامعة العربية’.
إن ‘الجامعة العربية’ هي التي تسبغ الشرعية الأخلاقية والسياسية على العدوان الغربي في سورية كما فعلت في ليبيا من قبل. وتعمل واشنطن ولندن وقوى غربية أخرى على تمويه إستراتيجيتها الكولونيالية الجديدة تحت غطاء عربي من الاهتمام الإنساني, وتقوم دول ‘الجامعة العربية’ بتقديم هذا الغطاء خدمة لمصالحها الأنانية.
الصورة الأكبر هنا تتمثل في محاولة الغرب لاستغلال الجماهير العربية الغاضبة بهدف تغيير النظام حيث يتم اعتبار الحكومة القائمة غير مناسبة للمصالح الإستراتيجية الغربية. تأتي سورية كجائزة كبرى من حيث أن دعمها للحقوق الفلسطينية ضد العدوان الإسرائيلي المدعوم من قبل الغرب ليس إلا واحداً من إزعاجات عديدة. كما أن دعمها لمقاومة حزب الله ضد الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط إزعاج آخر. الاهتمام الأكبر والفوري لواشنطن وحلفائها يكمن فيما وراء سورية نفسها؛ أي, تحالفها الطويل مع جمهورية إيران الإسلامية. وهناك رغبة عارمة عند الولايات المتحدة وحلفائها في تغيير النظام في طهران. لذلك فإن إسقاط سورية بقيادة الأسد خارطة طريق فكر فيها الغرب لفترة طويلة كخطوة باتجاه إسقاط إيران. لقد تقرر قدرُ سوريا الحالي في أن تقعَ في شبكة المصالح الغربية عندما رفضت اقتراحَ واشنطن بعقد صفقة ضد إيران في شباط/فبراير 2010.
لكن خارطة الطريق العسكرية الغربية والأمريكية تتعدى إعادة تقسيم الشرق الأوسط. فكما يوضح ميشيل تشوسودوفسكي في كتابه الجديد "نحو سيناريو للحرب العالمية الثالثة", تهدف خارطة الطريق العسكرية لواشنطن إلى الهيمنة الكونية حيث تكتسب السيطرة على مناطق الطاقة الشاسعة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أهمية كبيرة في تهميش الخصمين الكبيرين, روسيا والصين. والتحالف بين هاتين الأخيرتين مع سورية وإيران يعطي هذه الأهداف الحالية دفعاً إضافياً من أجل تغيير الغرب للنظام.
بالعودة إلى الدور الغدار ﻠ ‘الجامعة العربية, في خدمة أجندة القوى الغربية, من المؤكد أن المفارقة المريرة تكمن في أن أحد الأهداف التي تأسست من أجلها ‘الجامعة’ يتمثل في "الدفاع عن استقلال وسيادة" أعضائها. إن سورية, التي كانت أحد المؤسسين الأصليين السبعة ﻠ ‘الجامعة’ في سنة 1945, تعرضت للطعن من الخلف من قبل أعضاء ‘الجامعة’ الآخرين بهدف تعريض استقلالها وسيادتها للهجوم. كما أن كتلة الدول الخليجية في هذه المنظمة هي التي تكشفت عن الخيانة الكبرى. فقد كانت السعودية وقطر, بالإضافة إلى دول ‘مجلس التعاون الخليجي’ الأخرى من الكويت إلى البحرين والإمارات العربية المتحدة وعُمان, أكثرَ الدولَ التي أمعَنَت في التحريض على التبرؤ العربي من ليبيا وسورية وخلق الذريعة للعدوان الغربي.
ومع ذلك فإن الاتكاءَ على هؤلاء العرب المخادعين هو الذي كشف عن الادعاءات الغربية بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان. حيث إن ملوك وأمراء الخليج الفارسي كانوا الأكثرَ قمعاً لأية تحركات شعبية مطالبة بالديمقراطية داخل بلدانهم نفسها. فهذه الدول, التي يتم وصفها بمسميات مختلفة مثل الملكيات أو المشيخيات أو الإمارات أو السلطنات, محكومة كلها بقضبان حديدية من قبل عائلات حاكمة تتحكم بشعوبها كما يتحكم السادة بالعبيد. فالأمر يبعث على السخرية, بالتأكيد, عندما يطالبُ الحكام الاستبداديون المطلقون في السعودية وقطر, بشكل خاص, سورية بإجراء إصلاحات سياسية أكبر في الوقت الذي لا تحتمل فيه هذه الدول أي نوع من أنواع المعارضة وحيث يُعتَبَر توجيهُ أي انتقاد علني للحكام الملكيين جريمة يعاقب عليها القانون.
قامت السعودية, خلال السنة الأخيرة, بقمع وحشي للمتظاهرين السلميين داخل حدودها. كما كانت السعودية – حيث تُعاقَب النساء بالجلد لقيادة السيارات دون مرافقة, وحيث تُنَفَذ عقوبات قطع الرأس العلنية كل سنة – هي التي قادت القوات الغازية ﻠ ‘مجلس التعاون الخليجي’ إلى داخل البحرين الربيع الماضي من أجل سحق المظاهرات السلمية المطالبة بالديمقراطية بشكل وحشي. ففي البحرين, تستمر القوات الخليجية بقيادة السعودية, وبدعم من واشنطن ولندن, في قتل النساء والأطفال في الشوارع والبيوت.
المكافأة التي يتلقاها هؤلاء المستبدون العرب تتمثل في التمتع بالرعاية الغربية والدعم الغربي في قمع شعوبهم. وإضافة إلى ذلك, يشارك الملوك السنة الغربيين في الأجندة الهادفة إلى تدمير التحالف السوري-الإيراني الذي يتمتع باحترام وتأثير إقليميين شعبيين يفوقان بكثير أي احترام أو تأثير يتمتع بهما أي من هؤلاء المستبدين في الخليج الفارسي.
يتم التعتيم على التدخل الغربي غير الشرعي في الشؤون السورية وأماكن أخرى, وعلى التحالف المرئي مع الدول العربية القمعية للمضي قدماً في هذه الأجندة, نتيجة للتعامي المتعمد من قبل وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الشركات والمؤسسات عن هذا الخداع. ولذلك فإن أي تقييم صادق للاعبين الأساسيين – الحكومات الغربية المجرمة وحلفائها من المستبدين العرب – لا يتجاوز كونه, ولنقلها بالفم الملآن, ضرباً من الدعابة المريضة.
الجمل- قسم الترجمة
التعليقات
وهل كان لهذه الجامعة منذ تأسيسها إلا هدف وحيد"تكريس الفرقة
إضافة تعليق جديد