سورية: حرب الناتو "الإنسانية"التالية (2)
الجمل ـ ميشيل تشوسودوفسكي ـ ترجمة: مالك سلمان:
تشير التطورات الأخيرة في سورية إلى تمرد مسلح شامل احتضنه "مقاتلو الحرية" الإسلامويون
الذين تدعمهم وتدربهم وتسلحهم القوى الغربية بشكل سري.
كيف اشتعلت الأزمة في سورية؟
لم تكن الأزمة نتيجة شروخات سياسية داخلية, بل جاءت كنتيجة لخطة متعمدة رسمها تحالف الولايات المتحدة والناتو لإشعال فتيل الفوضى الاجتماعية بهدف تشويه سمعة حكومة بشار الأسد وزعزعة استقرار سورية كدولة قومية.
فمنذ منتصف آذار/مارس 2011, قامت المجموعات المسلحة الإسلاموية – بدعم سري من أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية – بهجمات إرهابية على المباني الحكومية وإحراق المنشآت.
وتبين الوثائق الكثيرة أن مسلحين وقناصين مدربين, من بينهم مرتزقة, قاموا باستهداف رجال الشرطة والقوات المسلحة والمدنيين الأبرياء.
الهدف من هذا التمرد المسلح هو استفزاز القوى الأمنية والقوات المسلحة للرد, بما في ذلك نشر الدبابات والعربات المصفحة من أجل تبرير تدخل عسكري "إنساني", تحت تفويض الناتو ب "مسؤولية الحماية".
طبيعة النظام السياسي السوري
هناك بالتأكيد أسباب للاضطراب الاجتماعي والاحتجاجات الجماهيرية في سورية: فقد تزايدت نسبة البطالة في السنوات الأخيرة, كما تدهورت الأوضاع الاجتماعية, وخاصة منذ تبني الإصلاحات الاقتصادية الجارفة في سنة 2006 بتوجيه من "صندوق النقد الدولي". وشملت هذه الأخيرة على إجراءات تقشفية, وتجميد الأجور, وانفلات النظام المالي, والإصلاح التجاري, والخصخصة.
وفوق ذلك, هناك انقسامات خطيرة داخل الحكومة والجيش. فقد تم القضاء على إطار السياسة الشعبية لحزب البعث بشكل كبير. كما تبنى فصيل داخل المؤسسة السياسية الحاكمة الأجندة الليبرالية الجديدة. ومن جهة أخرى, عمل تبني "الدواء الاقتصادي" ل "صندوق النقد الدولي" على إثراء النخبة الاقتصادية الحاكمة. كما نشأت المجموعات المؤيدة للولايات المتحدة داخل الصفوف العليا للجيش و الأمن السوريين.
لكن الحركة "المؤيدة للديمقراطية" التي ضَمَها الإسلامويون ودعمها الناتو و "المجتمع الدولي" لم تنشأ من قلب المجتمع المدني السوري.
تمثل موجة الاحتجاجات العنيفة جزأ صغيراً جداً من الرأي العام السوري. إذ لا تتعدى كونها أعمالاً إرهابية ذات طبيعة طائفية. فهي لا تتناول, بأية طريقة, المسائل العريضة المتعلقة بالتفاوت الاجتماعي, والحقوق المدنية, والبطالة.
لا تدعم غالبية الشعب السوري (بما في ذلك معارضي حكومة الأسد) "حركة الاحتجاج" التي تتميز بالعنف المسلح. في الحقيقة, الأمر على العكس من ذلك تماماً.
من باب المفارقة, على الرغم من الطبيعة السلطوية لحكومة الرئيس بشار الأسد إلا أنها تتمتع بدعم شعبي كبير تجلى في المسيرات الشعبية الضخمة المؤيدة للحكومة.
تشكل سورية الدولة العلمانية المستقلة الوحيدة (المتبقية) في العالم العربي. فقد ورثت قاعدتها الشعبية العلمانية المعادية للإمبريالية من حزب البعث المهيمن, الذي يضم المسلمين والمسيحيين والدروز. كما أنها تدعم كفاحَ الشعب الفلسطيني.
يهدف تحالف الولايات المتحدة والناتو إلى زعزعة وتدمير الدولة العلمانية السورية, والإطاحة بالنخب الاقتصادية الوطنية أو إعادة تركيبها, وفي النهاية استبدال الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد بمشيخة عربية, بجمهورية إسلامية مؤيدة للولايات المتحدة, أو ب "ديمقراطية" متواطئة مع الولايات المتحدة.
لا تأتي وسائل الإعلام الغربية على ذكر دور التحالف العسكري المكون من الولايات المتحدة والناتو وإسرائيل في إطلاق شرارة التمرد المسلح. وفوق ذلك,قبِلَ العديد من "الأصوات التقدمية" "إجماعَ الناتو" بشكله الظاهري: "احتجاج سلمي" يتعرض "للقمع العنيف على يد الأمن السوري والقوات المسلحة السورية".
الإرهابيون يحتضنون التمرد المسلح
تؤكد "الجزيرة" والصحافة الإسرائيلية واللبنانية أن "المحتجين" قد أحرقوا قيادة فرع حزب البعث والقصر العدلي في درعا في أواسط آذار/مارس, بينما تزعم في الوقت نفسه أن المظاهرات "سلمية".
تسرب الإرهابيون إلى صفوف حركة الاحتجاج الشعبية. وقد تمت عمليات إحراق مماثلة في أواخر تموز/يوليو في حماة. كما تم إحراق أبنية عامة بما في ذلك القصر العدلي والمصرف الزراعي.
هذا التمرد العنيف موجه ضد الدولة العلمانية. وهدفه النهائي هو زعزعة الاستقرار السياسي وتغيير النظام. كما أن فرق القتلة من المسلحين متورطون في أعمال إرهابية موجهة ضد القوات السورية والمدنيين على حدٍ سواء.
يتعرض المدنيون المؤيدون للحكومة للتهديدات والاستفزازات. كما أنهم عرضة للاغتيالات الموجهة من قبل المسلحين:
ففي الكرك, وهي قرية بالقرب من درعا, أرغم السلفيون القرويين على الانضمام إلى المظاهرات المناوئة للحكومة وإزالة صور الرئيس الأسد من منازلهم. وقد أفاد شهود أن شاباً مسلماً رفض إزالة الصورة وجد مشنوقاً أمام باب بيته في الصباح التالي.
"يريد الناس الخروج والمطالبة السلمية ببعض التغييرات, لكن المجموعات الإسلامية السلفية تتسلل بأهدافها, وهي عدم إدخال التغييرات من أجل سورية أفضل, بل للسيطرة على البلد بالأجندة الخاصة بهم." ("انترناشنل كريستيان كونسيرن", 4 أيار/مايو 2011)
في أواخر تموز/يوليو, هاجم الإرهابيون قطاراً مسافراً بين حلب ودمشق:
"كان القطار يحمل 480 مسافراً ... قام الإرهابيون بتفكيك السكة مما تسبب بالحادث ... تم حرق العربة الرئيسية ... كما خرجت العربات الأخرى عن السكة وانقلبت على جانبها ..." كان معظم المسافرين على القطار "من الأطفال والنساء والمرضى الذين كانوا مسافرين للخضوع لعمليات جراحية."
تجنيد المجاهدين: الناتو وتركيا
يحمل التمرد المسلح في سورية ملامح العنف الذي حصل في ليبيا: فقد تم احتضانه من قبل الفصائل شبه العسكرية المرتبطة بالقاعدة. وتشير التطورات الأخيرة إلى تمرد مسلح شامل تم احتضانه من قبل "مقاتلي الحرية" الإسلامويين الذين يتلقون التدريب والدعم من الناتو و "القيادة العليا" التركية.
وتبعاً لمصادر استخباراتية إسرائيلية:
تعمل قيادة الناتو في بروكسل والقيادة العليا التركية على رسم الخطط لخطوتهم العسكرية الأولى في سورية, وتتمثل في تزويد المتمردين بالأسلحة لمواجهة الدبابات والحوامات التي تشكل رأس الحربة في ضرب نظام الأسد للتمرد. وبدلاً عن تكرار النموذج الليبي المتمثل في الضربات الجوية, يفكر مخططو الناتو الاستراتيجيون في إدخال كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات ومدافع الهاون والرشاشات الثقيلة إلى مراكز الاحتجاج لمواجهة القوات المسلحة الحكومية.
إن خطة التدخل بقيادة الناتو جاهزة. وتبعاً لمصادر عسكرية واستخباراتية, ناقش الناتو والسعودية وتركيا "الشكل الذي سيأخذه هذا التدخل."
تبديل في بُنى القيادة العسكرية التركية
في أواخر تموز/يوليو, استقال قائد الجيش ورئيس هيئة الأركان المشتركة, الجنرال إيسيك كوسانر, مع قائدي سلاح البحرية والجو. كان الجنرال كوسانر يمثل خطاً علمانياً عريضاً داخل القوات المسلحة.
وقد تم تعيين الجنرال نجدت أوزيل بدلاً عنه كقائد للجيش ورئيس هيئة الأركان المشتركة.
تحمل هذه التطورات أهمية بالغة. إذ تشير إلى تبدلٍ داخل القيادة العليا العسكرية التركية لصالح الإخوان المسلمين, بما في ذلك الدعم القوي للتمرد المسلح في شمال سورية.
كما تؤكد المصادر العسكرية أن المتمردين السوريين "يتلقون التدريب على استعمال الأسلحة الجديدة على يد الضباط العسكريين الأتراك في منشآت مؤقتة في القواعد التركية المجاورة للحدود السورية." (ملفات "ديبكا", "الناتو يزود المتمردين بأسلحة مضادة للدبابات", 14 آب/أغسطس 2011)
يتم تسليم الأسلحة إلى المتمردين "عن طريق البر, أي عبر تركيا وتحت حماية الجيش التركي. ... البديل الآخر هو إدخال الأسلحة بالشاحنات إلى سورية تحت حراسة الجيش التركي ومن ثم نقلها إلى قادة المتمردين في مواقع يتم الاتفاق عليها مسبقاً." (المصدر السابق)
تشير هذه التطورات المختلفة إلى احتمال التدخل المباشر للقوات التركية في النزاع, مما يمكن أن يؤدي إلى عملية أوسع للمواجهة العسكرية بين تركيا وسورية, وكذلك التورط المباشر للقوات التركية داخل سورية.
إن حرباً برية تشارك فيها القوات التركية سوف تعني إرسال قوات إلى شمال سورية و "اقتطاع جيبٍ عسكري يتم من خلاله تزويد المتمردين السوريين بالدعم العسكري واللوجستي والطبي."
كما في حالة ليبيا, يتم تزويد المتمردين السوريين بالدعم المالي من قبل السعودية. "سوف تزود أنقرة والرياض الحركات المناهضة للأسد بكميات ضخمة من الأسلحة والمال يتم تهريبها إلى داخل سورية."
كما يتم التفكير بنشر القوات السعودية وقوات "مجلس التعاون الخليجي" في جنوب سورية بالتنسيق مع تركيا.
تجنيد الآلاف من الجهاديين
يفكر الناتو و "القيادة العليا" التركية أيضاً تطير جهادٍ قائم على تجنيد الآلاف من "مقاتلي الحرية", مما يذكر بتطويع "المجاهدين" لشن جهاد "سي آي إي" (حربها المقدسة) في أوج الحرب السوفييتية-الأفغانية.
وتبعاً لمصادرنا, هناك نقاش في بروكسل وأنقرة لإقامة حملة لتجنيد الآلاف من المتطوعين الإسلاميين في الدول الشرق أوسطية والعالم الإسلامي للقتال إلى جانب المتمردين السوريين. يتولى الجيش التركي إيواءَ هؤلاء المتطوعين وتدريبهم وتأمين عبورهم إلى الأراضي السورية. (المصدر السابق)
هذا التجنيد ل "المجاهدين" لخوض حروب الناتو الإنسانية (بما في ذلك ليبيا وسورية) جارٍ على قدم وساق. فقد تم إرسال حوالي 1500 جهادي من أفغانستان, تم تدريبهم من قبل "سي آي إي", للقتال إلى جانب المتمردين "المؤيدين للديمقراطية" تحت إمرة القائد "السابق" ل "المجموعة المقاتلة الإسلامية الليبية", عبد الحكيم بلحاج. ...
لقد تم اتخاذ القرار بتطبيق النموذج الليبي لقوات المتمردين المُدمَجين في صفوف الفصائل الإسلاموية بالإضافة إلى قوات الناتو, في سورية حيث تم نشر المقاتلين الإسلامويين المدعومين من أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية.
إشعال الانقسامات الزمرية داخل المجتمع السوري
سورية دولة علمانية تقاسمَ فيها المسلمون والمسيحيون إرثاً مشتركاً من بدايات الفترة المسيحية وعاشوا سوية لقرون طويلة.
يتم تقديم الدعم السري للمقاتلين الجهاديين الذين يتحملون, بدورهم, المسؤولية عن أعمال العنف الطائفي الموجه ضد العلويين والمسيحيين والدروز. ففي أوائل أيار/مايو, كجزء من "حركة الاحتجاج" المناهضة للحكومة, قام مسلحون بمهاجمة منازل المسيحيين في درعا في جنوب سورية:
فقد نقل شهود عيان في قرية مسيحية خارج درعا, في جنوب سورية, أن عشرين رجلاً ملثماً على موتوسيكلات فتحوا النارَ على منزل مسيحي وهم يشتمون المسيحيين بعبارات بذيئة في الشارع. وتبعاً لمصدر آخر في سورية, تلقت الكنائسُ رسائلَ تهديد خلال عطلة عيد الفصح تطلب من المسيحيين الانضمام إلى الاحتجاجات أو الرحيل.
خلال الأسبوع الأخير في دوما, وهو حي من أحياء دمشق, كان السلفيون يهتفون: "العلوية عالتابوت...المسيحية عبيروت!" تبعاً لمصادر في سورية ولبنان. إن المسيحيين في سورية قلقون من أن أجندة العديد من المسلمين المتشددين في سورية, بما في ذلك السلفيين, تهدف إلى الاستيلاء على الحكومة وطرد المسيحيين من البلد. وتبعاً لمصدر قيادي مسيحي, "في حال امتلاك السلفيين للتأثير السياسي, سوف يعملون على محو آثار المسيحية في سورية."
"نريد تحسين الحياة والحقوق في سورية في ظل هذا الرئيس, لكننا لا نريد الإرهاب. سيكون المسيحيون أولَ من يدفع ثمنَ الإرهاب. ...ما يطالب به المسيحيون هو أنه عند حدوث التغييرات, يجب ألا تحدث تبعاً لأجندات معينة أو لصالح أشخاص معينين, وإنما لشعب سورية بطريقة سلمية بقيادة الحكومة الحالية," قال آيدان كلي, المدير الإقليمي ل "المؤسسة المسيحية الدولية" في الشرق الأوسط. "فعلى العكس من مصر, حيث ساندَ المسيحيون الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك, سعى المسيحيون السوريون إلى السلام كما طالبوا بحريات أكبر تحت قيادة الحكومة الحالية. يعتقد المسيحيون أن الفوضى وسفك الدماء سوف تحل في حال تحقيق أهداف السلفيين. نحث حكومة الولايات المتحدة للتصرف بحكمة وحذر عند رسم سياسات لها انعكاسات عميقة على الأقليات السورية من خلال الإحجام عن الدعم غير المباشر لقوى يستخدمها السلفيون لتنفيذ أجندتهم المتطرفة."
تذكرنا الهجمات على المسيحيين السوريين بعمليات القتل التي تنفذها فرق الموت ضد المسيحيين الكلدانيين في العراق.
نحو حكومة سورية في المنفى:
تشكيل "مجلس إنقاذ وطني" على غرار "المجلس الانتقالي" الليبي
تم اتخاذ الخطوة الأولى نحو تأسيس حكومة مؤقتة في المنفى في ما يسمى ب "مؤتمر الإنقاذ الوطني" في اسطنبول (تموز/يوليو 2011) الذي ضمَ حوالي 300 سوري في المنفى. وقد أدى هذا المؤتمر إلى تشكيل "مجلس إنقاذ وطني" مشكل من 25 عضواً على غرار "المجلس الانتقالي" في ليبيا.
"اتفق الحاضرون أخيراً على مبادرة تقوم باختيار 25 عضواً من ال 300 الحاضرين في اسطنبول و 50 آخرين من داخل سورية, مما يؤدي إلى تشكيل مجلس من 75 عضواً يمثلون الانتفاضة الحالية. وسوف يعمل هذا المجلس المكون من 75 عضواً من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية بمقدورها توجيه سورية في مرحلة انتقالية, في حال سقوط النظام. وسوف تسعى هذه المرحلة الانتقالية إلى وضع خارطة طريق تعيد تركيب الدولة السورية من دكتاتورية, من خلال تفكيك الدولة البوليسية, إلى ديمقراطية تمثيلية. لكن الحاضرين رفضوا فكرة تشكيل حكومة ظل في هذا الوقت ..."
وقد توصل "مجلس الإنقاذ الوطني" إلى فكرة تشكيل "مجلس" مكون من 11 عضواً بمقدوره أن يقوم بدور الحكومة المؤقتة في حال "انهيار النظام". ويقع "مجلس الإنقاذ الوطني" تحت هيمنة الإخوان المسلمين السوريين المحظورين وبعض الليبراليين من السوريين في المنفى.
الدور المركزي للجنرال ديفيد بترايوس:
الرئيس الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية المعيَن من قبل الرئيس أوباما
تم اختيار الرئيس الجديد ل "سي آي إي", الذي قاد برنامج "مكافحة التمرد المسلح" في بغداد في سنة 2004 بالتنسيق مع السفير جون نيغروبونتي, ليلعبَ دوراً استخباراتياً مفتاحيا في الأزمة السوريةً – بما في ذلك الدعم السري لقوات المعارضة و "مقاتلي الحرية", واختراق الأمن السوري والقوات المسلحة, إلخ. وسوف يتم تنفيذ هذه المهمات بالتنسيق مع السفير روبرت س. فورد. وقد عمل الرجلان معاً في العراق, حيث كانا جزأ من فريق نيغروبونتي الموسع في بغداد بين 2004 و 2005.
وتبعاً للتقارير, فقد سافر الجنرال بترايوس إلى تركيا في منتصف تموز/يوليو للقاء أعضاء "مجلس الإنقاذ الوطني". وقد جرى الاجتماع, الذي نظمه وزير الخارجية التركي داوود أوغلو, بُعَيدَ "مؤتمر الإنقاذ الوطني" (16-18 تموز/يوليو 2011): "ذكر المصدر أن بترايوس أكد, خلال اللقاء, على دعمه لفكرة تأسيس حكومة منفى, حكومة يقودها الإخوان المسلمون وحلفاؤهم بمساعدة المسؤولين العسكريين الأمريكيين ..." (راجع: "المعارضة السورية وال ‘سي آي إي’ – دليل آخر على الخيانة" – "يوتيوب").
بينما تزامنت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية, هيلاري كلينتون, إلى تركيا مع انعقاد "مؤتمر الإنقاذ الوطني", لم يكن هناك تأكيد أن كلينتون قد التقت مع أعضاء من "المؤتمر". وبشكل رسمي, التقت هيلاري كلينتون بأعضاء من المعارضة السورية "للمرة الأولى" في الثاني من آب/أغسطس.
دور وسائل الإعلام الغربية
لعبت وسائل الإعلام الغربية دوراً مركزياً في التعتيم على طبيعة التدخل الأجنبي في سورية, بما في ذلك الدعم الخارجي للمسلحين. فقد وصفت وسائل الإعلام, بشكل متناغم, الأحداث الأخيرة في سورية على أنها "حركة احتجاج سلمي" موجهة ضد حكومة بشار الأسد, في حين أن هناك دلائلَ كثيرة تشير إلى تورط المجموعات شبه العسكرية الإسلاموية في أعمال إرهابية. وقد تسللت هذه المجموعات الإسلاموية نفسُها إلى صفوف التظاهرات الاحتجاجية.
هناك الكثير من الأمثلة على عمليات التشويه التي قامت بها وسائل الإعلام الغربية. حيث تم تقديم المسيرات الضخمة "المؤيدة للحكومة" (بما في ذلك الصور), وبشكل عَرَضي, على أنها "دليل" على احتجاج جماهيري مناوىء للحكومة. كما أن التقارير حول الإصابات مبنية على "تقارير شهود عيان" غير مؤكدة أو على مصادر المعارضة السورية في المنفى.
فعلى سبيل المثال, يتم الاقتباس المتكرر عن "شام نيوز" و "المرصد السوري لحقوق الإنسان" المتواجد في لندن من قبل وسائل الإعلام الغربية بصفتها "مصادرَ موثوقة" مع التنصل المعتاد من المسؤولية.
بينما تعترف المصادر الإخبارية الإسرائيلية "ديبكا", مع أنها تتجنب موضوع التمرد المسلح, بشكل ضمني أن القوات السورية تواجه قوات منظمة محترفة شبهَ عسكرية:
"تواجه [القوات السورية] الآن مقاومة كبيرة: إذ تجد بانتظارها أفخاخ مضادة للدبابات وحواجز محصنة يقبع وراءها متظاهرون مسلحون برشاشات ثقيلة." (ملف "ديبكا")
منذ متى يكون المتظاهرون المدنيون السلميون مسلحين ب "رشاشات ثقيلة" "وأفخاخ مضادة للدبابات"؟ إن ما نتعامل معهم هم مجموعات شبه عسكرية مدربة.
يتم الاقتباس عن "شام نيوز" كمصدر لتقارير وصور "أسوشييتد برس", لكن "شام نيوز" ليست وكالة أنباء معترف بها. إذ تصف نفسَها على أنها "مجموعة من الشباب السوريين الوطنيين النشطاء الذين يطالبون بالحرية والكرامة للشعب السوري ..." تدير صفحات على "فيسبوك" و "تويتر".
تشير صورة نشرتها "أسوشييتد برس" لتظاهرة جماهيرية ضخمة في حماة إلى التنصل التالي من المسؤولية:
ليس بمقدور ‘أسوشييتد برس’ التأكيد المستقل على صدقية, أو مضمون, أو مكان, أو تاريخ هذه الصورة.
ومع ذلك يتم نشر هذه الصور غير المؤكدة وبشكل كثيف في وسائل الإعلام الرسمية.
لكن غياب المعلومات المؤكدة لم يمنع وسائلَ الإعلام الغربية من نشر "أرقام موثوقة" لعدد الضحايا: "أكثر من 1,600 قتيل, و 2,000 جريح ("الجزيرة", 27 تموز/يوليو) و اختفاء حوالي 3,000 شخص ("سي إن إن", 28 تموز/يوليو)."
ما هي مصادر هذه المعلومات؟ ومن هو المسؤول عن هذه الضحايا؟
صرح السفير الأمريكي روبرت س. فورد في جلسة استماع "لجنة الكونغرس" أن: "أخطر سلاح شاهدته كان عبارة عن ‘نقيفة,".
وقد تم اقتباس عبارة "النقيفة" هذه, التي لا تتعدى كونها كذبة وقحة, بشكل كثيف لتصوير الطبيعة السلمية لحركة الاحتجاج, بالإضافة إلى تقديم "وجه إنساني" للسفير روبرت س. فورد الذي, كيلا ننسى, كان جزأ من خطة نيغروبونتي القاضية بتشكيل فرق موت في العراق على غرار نموذج السلفادور وهندوراس.
والكذبة تتحول إلى حقيقة.
مسؤولية الحكومة السورية
تتحمل الحكومة السورية, وقواتها العسكرية والأمنية, جزأ من المسؤولية عن الطريقة التي قابلت فيها التمرد والتي ذهب ضحيتها مدنيون وعناصر من الأمن. لكن لا يمكن مناقشة هذه المسألة بشكل مفيد وذات معنى دون تحليل الكيفية التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها بدعم وتمويل انتفاضة مسلحة قامت المجموعات شبه العسكرية وفرق الموت الإسلاموية باحتوائها.
تقع المسؤولية الرئيسة عن موت المدنيين على عاتق واشنطن وبروكسل وأنقرة, التي دعمت تشكيلَ وتمردَ "مقاتلي الحرية" الإسلامويين. كما قامت بتسهيل تمويل المسلحين وإمدادهم بالسلاح.
بما أن حكومات الناتو ووسائل الإعلام الغربية لا تعترف بوجود انتفاضة مسلحة (مدعومة من القوى الأجنبية), يتم تحميل القوات الحكومية المسؤولية عن موت المدنيين, دون أي شرح أو توضيح, هذه القوات التي "تطلق النار على المدنيين العُزَل" أو القوات الحكومية التي تطلق النار على عناصر الأمن المنشقين.
مفترق الطرق الخطير: نحو حرب أوسع في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى
التصعيد جزء لا يتجزأ من الأجندة العسكرية. وزعزعة استقرار الدول السيادية عبر "تغيير النظام" منسق بشكل وثيق مع التخطيط العسكري. هناك خارطة طريق عسكرية تتميز بسلسلة متعاقبة من الساحات الحربية التي أعدتها الولايات المتحدة والناتو.
كانت التحضيرات الحربية للهجوم على إيران وسورية في "حالة متقدمة من الجاهزية" منذ عدة سنوات.
قام المخططون العسكريون في الولايات المتحدة والناتو وإسرائيل برسم الخطوط العريضة لحملة عسكرية "إنسانية" تلعب فيها تركيا (ثاني أكبر قوة عسكرية داخل الناتو) دوراً مركزياً.
في تطورات أخيرة, نوهت تركيا إلى أن أنقرة تفكر بالقيام بعمل عسكري ضد سورية إن لم توقف حكومة الأسد "على الفور ودون شروط" عملياتها ضد "المتظاهرين". وفي مفارقة مريرة, فإن المقاتلين الإسلامويين الذين يرهبون المدنيين السوريين يتلقون التدريبَ والتمويل من قبل حكومة إيردوغان التركية.
وتشير هذه التهديدات المحجبة إلى تورط محتمل للقوات التركية داخل سورية, مما يمكن أن يتطورَ إلى تدخل عسكري "إنساني" شامل من قبل الناتو.
نحن الآن على مفترق طرق خطير. ففي حال إطلاق عملية عسكرية بقيادة الولايات المتحدة والناتو ضد سورية, سوف تغرق المنطقة الأوسع للشرق الأوسط وآسيا الوسطى, التي تمتد من شمال أفريقيا وشرق المتوسط إلى الحدود الأفغانية الباكستانية مع الصين, في أتون حرب إقليمية ممتدة.
هناك في الوقت الحاضر أربعة مسارح حربية مختلفة: أفغانستان-باكستان, العراق, فلسطين, وليبيا.
إن الهجوم على سورية سوف يعمل على ضَم هذه المسارح الحربية, مما يؤدي في النهاية إلى حرب أوسع تطال الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
الطريق إلى طهران تمر عبر دمشق. إن حرباً ترعاها الولايات المتحدة والناتو على إيران سوف تشمل, كخطوة أولى, حملى لزعزعة الاستقرار ("تغيير النظام") بما في ذلك العمليات الاستخباراتية السرية لدعم قوات المتمردين والموجهة ضد الحكومة السورية.
يمكن لحرب على سورية أن تقود إلى حملة للولايات المتحدة والناتو موجهة ضد إيران تشارك فيها تركيا وإسرائيل بشكل مباشر. كما أنها ستساهم في زعزعة استقرار لبنان.
من الضروري تعميم هذه الحقائق و تعطيل قنوات التضليل الإعلامي.
كما من الأهمية بمكان تشكيل فهمٍ نقدي وموضوعي لما يحدث في سورية بهدف مقاومة التصعيد العسكري الذي يمكن أن يقود إلى حرب إقليمية أوسع.
تُرجم عن: ("غلوبل ريسيرتش", 2 أيلول/سبتمبر 2011)
الجمل- قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد