سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (4)
الجمل - مهدي داريوس ناظم رؤايا - ترجمة: مالك سلمان:
يتم استخدام مكافىء الخطاب الدبلوماسي والعام, الذي تم استخدامه ضد الجماهيرية العربية الليبية, ضد دمشق. ففي جنيف تضغط نفس ما تسمى بمجموعات حقوق الإنسان من أجل فرض الرقابة على الجمهورية العربية السورية. وبالتناغم معها, تحركت "الجامعة العربية" لاستبدال الحكومة السورية وتقديم اعترافها الدبلوماسي بمعارضة سورية بالنيابة. وليس من قبيل المصادفة أيضاً أن "المجلس الانتقالي" في ليبيا كان أولَ من اعترف ﺑ "المجلس الوطني السوري" بصفته الحكومة السورية الشرعية في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2011.
وأكثر من أي وقت مضى, يجب التشكيك الجدي في المؤسسات الدولية وحياديتها. فالولايات المتحدة وحلفاؤها يتخذون خطوات ضد دمشق مشابهة تماماً لما فعلوه مع طرابلس. ويتضمن ذلك الدعوات إلى إحالة المسؤولين السوريين إلى "محكمة الجنايات الدولية" وإلى إقامة "منطقة عازلة إنسانية" تفرضها تركيا في شمال سورية, وهي منطقة مكافئة لمنطقة حظر جوي.
ماذا حدث لليبيا في الأمم المتحدة في جنيف ؟
كان "المنظمة الليبية لحقوق الإنسان" أحد المصادر الرئيسية لاتهام القذافي بقتل شعبه. وقد لعبت هذه المنظمة دوراً محورياً في حَث "بعثة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة" على تعليق عضوية ليبيا وتشجيع "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" في مدينة نيويورك لفرض العقوبات على ليبيا. كما أن هذه المنظمة عضو في "الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان" الموجود في فرنسا والمرتبط ﺑ "المنحة الوطنية من أجل الديمقراطية".
في 21 شباط/فبراير 2011, دفعت "المنظمة الليبية لحقوق الإنسان" 70 منظمة غير حكومية أخرى لإرسال رسائلَ إلى الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس أوباما وكاثرين آشتون تطالب بالتدخل الدولي في ليبيا. وتم تنظيم الحملة التالية على ليبيا من قبل "مرصد الأمم المتحدة", وهو منظمة غير حكومية تعمل بدأب لحماية وخدمة المصالح الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك, أكد 25 عضو فقط من هذا الائتلاف ضد طرابلس أن لهم علاقة بمنظمات حقوق الإنسان. وبناءً على رسائلهم ودون أي دليل أو برهان على اتهامات "المنظمة الليبية" بأن القذافي قتل 600 مدني ليبي, عملت واشنطن وحلفاؤها على استغلال "مجلس الأمن" لإقامة منطقة حظر جوي. وسوف تستخدم الولايات المتحدة والناتو ذلك لاحقاً كذريعة وغطاء لشن حرب عدوانية سوف تنتهي, بشكل غير قانوني, بتغيير النظام في طرابلس ونتيجة لذلك بجريمة قتل معمر القذافي في مدينة سيرت.
كان السفير الهندي إلى الولايات المتحدة محقاً في إشارته إلى أن الأمم المتحدة تقوم بإصدار قرارات ضد ليبيا دون أي دليل وأن ذلك تطور مقلق. وهناك محاولات لفعل الشيء نفسه مع سورية. ولاحقاً, عندما طلب من "المنظمة الليبية" ورئيسها تقديم أدلة على الاتهامات المقدمة بأن القذافي يقتل شعبَه, فشلوا في تقديم أي دليل وقالوا بصراحة وقحة إنهم لا يملكون هكذا دليل. وقد اعترف الدكتور سليمان بوشويقر, رئيس "المنظمة الليبية" ومواطن سويسري, أن محمود جبريل هو مصدر هذه الاتهامات. سوف يشكل جبريل لاحقاً "المجلس الانتقالي" في بنغازي ويصبحَ رئيس وزرائه.
ما لا يعرفه الكثيرون هو أن محمود جبريل, العضو في مجلس الشعب في حكومة الجماهيرية, كان صديقَ سليمان بوشويقر لسنوات طويلة. كما أن خمسة أشخاص, سيصبحون فيما بعد وزراءَ في "المجلس الانتقالي, كانوا أعضاءَ أيضاً في "المنظمة الليبية" وأصدقاءَ لبوشويقر, بما في ذلك علي ترهوني. وهذا صراع على المصالح لا يتجاهله أي شخص جاد. فعندما سئل الدكتور بوشويقر في مقابلة معه عن كيفية إقناعه للمنظمات غير الحكومية الأخرى بقبول مزاعم منظمته, قال إن ذلك حصل بناءً على علاقات شخصية.
خلال نفس الفترة التي ظهرت فيها هذه الاتهامات, كان آلف أبو زكوك وهؤلاء الأشخاص يعيدون التفاوض حول العقود الليبية النفطية بشروط تفضيلية لصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمرحلة ما بعد تغيير النظام في طرابلس. وسوف يتم تكليف علي ترهوني, وهو بروفسور في الإقتصاد في الولايات المتحدة ينادي بالليبرالية الجديدة الاقتصادية, بالمسؤولية عن قطاعي الطاقة والتمويل الهامين في منصب وزاري غريب. وسيبدو هذا غريباً بالنسبة إلى منصب وزير إلا إذا فهم المرء أهدافَ الترهوني. فقد أرسلته واشنطن لفتح أبواب ليبيا أمام السرقات الأجنبية. وسوف يُسارع علي ترهوني, بصفته وزيراً لقطاعي النفط والمالية, إلى خصخصة قطاعي الطاقة والمال الليبيين كأول عمل يقوم به. كل هذا بينما يقوم وهو والمتآمرون معه بتقديم وعود لداعميهم بأن ليبيا سوف تتحول إلى دُبَي جديدة.
كانت هذه الادعاءات الباطلة, مدعومة بأكاذيب وسائل الإعلام حول المرتزقة الأفارقة في ليبيا, والتي صورت الليبيين السود على أنهم أجانب غير ليبيين, والمزاعم الكاذبة حول المقاتلات الليبية التي تقصف المتظاهرين المدنيين العُزَل, هي التي تم استخدامها لتوريط ليبيا وفتح باب الحرب أمام الناتو. وسوف تتم مكافأة بوشويقر لاحقاً لدوره في المؤامرة في جنيف من خلال تعيينه سفيرَ ليبيا الجديد في سويسرا في بيرن.
استبدال الحكومة السورية ﺑ "المجلس الوطني السوري"
على غرار ليبيا, وضعت "الجامعة العربية" الإطار للاعتراف غير القانوني ﺑ "المجلس الوطني السوري". فقد تم تعليق عضوية ليبيا من قبل "الجامعة العربية" قبل أن يشن الناتو الحرب عليها, وقد فعلت "الجامعة" الشيءَ نفسَه مع سورية. لكن "الجامعة" خطت خطوتين أكثر. فقد قررت إعطاءَ كرسيَ سورية في "الجامعة" ﻠ "المجلس الوطني السوري". وهذه المرة قامت "الجامعة" أيضاً بخرق ميثاقها بشكل وقح وبلا حياء. كان القرار بحاجة إلى إجماع للتصديق واكتساب القانونية, لكن ذلك لم يحصل. فبالإضافة إلى سورية, صوتت لبنان واليمن ضد القرار. كما امتنعت العراق عن التصويت. وتم الضغط على الجزائر والسودان من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومشيخات العربان للتصويت على تعليق عضوية سورية.
سوف يتم الآن استخدام "بعثة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة" في محاولة لاستبدال الجمهورية العربية السورية ﺑ "المجلس الوطني السوري", وهو استنساخ عن "المجلس الانتقالي" الذي حل محل حكومة الجماهيرية الليبية. ومرة أخرى, يقود "مرصد الأمم المتحدة" الاتهامات وينظم المنظمات غير الحكومية في جنيف. وهي تقوم بذلك بالتعاون مع "الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان" و "المنحة الدولية من أجل الديمقراطية" والعديد من المنظمات السورية المكافئة ﻠ "المنظمة الليبية لحقوق الإنسان", ومن بينها "مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان" المرتبط ﺑ "الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان".
يعمل "مركز دمشق" ورئيسُه, الدكتور رضوان زياده, نفسَ الدور الذي لعبته "المنظمة الليبية"حتى أن زياده كان متواجداً في نفس المنابر التي ارتادها قادة "المجلس الانتقالي" الليبي. وفوق ذلك, لدى بوشويقر ارتباطات مع المصالح الإسرائيلية عبر مشرفه الأكاديمي وأطروحة الدكتوراه التي كتبها حول منع العرب من استخدام النفط كورقة للمساومة. ويبدو أن الدكتور زياده يتبع نفس الطريق كعميل أجنبي. فقد رفض زياده ومجموعته الإجابة على سؤال إن كانوا سيعترفون بإسرائيل في حال تمكنوا من تشكيل حكومة في سورية. وقد رفضوا الإجابة على هذا السؤال بسبب ولاءاتهم. فقد تجنبوا موضوعَ الجولان المحتل من قبل إسرائيل ولم يبدوا أي نوع من العدائية تجاه تل أبيب, بينما عبروا عن عداوتهم لإيران وروسيا والصين.
الذي سيحصل هو أن "المجلس الوطني السوري" سينال الاعتراف, بشكل غير شرعي ينطوي على خرق للقانون الدولي, بصفته الحكومة السورية من قبل مشيخات النفط العربانية وتركيا. وفي حال نجاح هذه المحاولة, سوف تفعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الشيءَ نفسَه في مرحلة ما أو أخرى. وسوف يتم تقديم السفارات السورية لهم, أو أن "المجلس الوطني السوري" سوف ينتزعها, مما يؤدي إلى تكثيف الحرب الدبلوماسية ضد سورية. وبالتوازي مع ذلك, سوف تبدأ وسائل الإعلام الرسمية المهيمنة ومنظمات حقوق الإنسان بالدعوة إلى التدخل في سورية, بينما يتم الضغط على إيران وروسيا والصين وآخرين للتخلي عن السوريين.
تُرجم عن: "غلوبل ريسيرتش", 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2011
الجمل- قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد