إفرايم هليفي: رجل في الظل
تنبع أهمية كتاب "رجل في الظل" من أن كاتبه إفرايم هليفي، خدم في الموساد الإسرائيلي ما يقارب أربعين عاما، وعمل رئيسا للموساد في الفترة من 1998-2002م، وعاش الصراع الإسرائيلي الفلسطيني طوال خدمته الأمنية.
وقد وضع هليفي تصورا خاصا وفريدا من نوعه للصراع في الشرق الأوسط، لكونه شريكا في مفاوضات عدة ذات أهمية كرجل موساد لخمسة رؤساء وزراء (شامير ورابين ونتنياهو، وباراك وشارون) في وقت تصاعدت فيه قوة مايسمى بـ"الإرهاب" الإسلامي.
يتحدث ليفي في كتابه عن الأزمة التي أعقبت محاولة اغتيال خالد مشعل، وعن "الهجمات الإرهابية" و"الحركات الإرهابية"، وعن أسلحة الدمار الشامل، وعن اتفاق شارون وبوش، وعن خارطة الطريق، وعن حرب العراق.يرى هليفي أن نهاية حرب العراق وإيران كانت بداية النهاية لنظام صدام حسين في العراق، موضحا أن صدام الذي دافع عن العرب السنة في الخليج العربي وعن مصالح أميركا في الشرق الأوسط أمام المد الشيعي من إيران لأكثر من ثمان سنوات، أصبح رجلا شريرا ومطلوبا أميركا.
فقد خرج صدام حسين من الحرب التي استنزفت خيرات بلاده، ولم يعترف له العرب بالجميل في دحر الشيعة، و كانت أميركا قد تعهدت بدعمه ولم تدعمه، حتى أن "صديقي الملك حسين"، استغرب من تنكر أميركا لصدام حسين.
وبعدها وفي سنة 1990 احتل العراق الكويت، وفي يوم واحد انقلب الموازين، وتحول حليف الأمس إلى عدو اليوم، "مع أني اعلم" والحديث لهليفي أن نوري السعيد، رئيس العراق في سنة 1958، وقبل الانقلاب عليه قال: "إن مشكلة الكويت تبحث الآن في لندن"، مشيرا إلى أن الأردن في ذلك الوقت حافظ على علاقة جيدة مع العراق من جانب وعلى علاقة سرية مع إسرائيل من جانب آخر.
ويكشف هليفي أن الملك حسين حاول في ربيع سنة 1990، وقبل أن تحتل الكويت أن يصلح بين العرب والعراق، وكانت أيضا لديه قناعة بأن الفلسطينيين مستعدون للاعتراف بإسرائيل، وبأن على إسرائيل أن تمد لهم يدها.
وأشار إلى أن الملك حذر من المد الإسلامي الذي سيقضي على الحركات الوطنية، كما يحدث في هذه الأيام، وكأن أقواله نبوءة، مشيرا أن الطيران العراقي في الأردن قام بمناورات مشتركة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، الأمر الذي أثار ذعر إسرائيل.
وزادت مخاوفها أكثر عندما دخلت العراق إلى الكويت في صيف عام 1990، مما أدى إلى أن تطلب بريطانيا الملك حسين لتوصله رسالة تحذير من إسرائيل، بل إن إسرائيل نفسها وضعت سيناريوهات عديدة منها ضرب الطيران الأردني، ولكنها في نفس الوقت خافت على نظام الملك حسين من الانهيار.
وأشار هليفي إلى أن حرب الخليج التي قامت بمشاركة أكثر من ثلاثين دولة عربية وأجنبية في ائتلاف يضم دولا عربية وأجنبية ما عدا إسرائيل، لحساسية وضعها، ولأنه ليس من المنطق أن تقاتل إسرائيل دولة عربية في ائتلاف يضم دولا عربية، أن ذلك من شأنه أن يسيء إلى إسرائيل ويضعف التحالف، ومع ذلك سقط على إسرائيل خلال الحرب 39 صاروخا.
وكشف هليفي أنه وجد بعد التحذير الموجه للأردن أنه آن الأوان أن يقترح لقاء بين شامير والملك حسين، اللذين وافقا بتحفظ، مشيرا إلى أنه كان خائفا من نتائج فشل هذا اللقاء.
وقبل اندلاع الحرب في العراق بأيام توجه شامير إلى لندن مع حاشيته، ومعهم إيهود باراك نائب رئيس هيئة الأركان والملك حسين مع مساعديه زيد بن شاكر وعدنان أبو عوده والكولونيل علي شكري.
وعقد شامير والملك حسين اجتماعا موسعا أعقبه اجتماع منفرد، واتفقوا على كتابة بروتوكول، وكان اليوم يوم سبت فرفض سكرتير الحكومة يومها إلياكم روبنشتاين الكتابة، ولكن شامير أخبره أن عليه أن يكتب هذا البروتوكول لأنه أهم من حرمة السبت.
وأهم بنود ذلك البروتوكول كانت:
1- أن لا تستخدم العراق الأردن لمهاجمة إسرائيل في المستقبل.
2- طلبت إسرائيل من الأردن أن تتفهمها إذا اضطرت لاستخدام مجالها الجوي، ولكن الملك حسين رفض وقال إن الأردن ستحمي مجالها الجوي حتى ولو أدى الأمر إلى الحرب مع إسرائيل، منوها بأن إسرائيل أيضا كانت مستعدة لإسقاط الملك إذا استخدمت العراق المجال الجوي للأردن ضد إسرائيل.ويقول هليفى إن إسرائيل بعد بداية الحرب كان عندها رأيان متضادان، الأول هو وجوب الرد على العراق في حال تعرض إسرائيل لهجوم.
والثاني هو ضبط النفس، لذلك أرسلت أميركا إلى القدس مساعد سكرتير الدولة لورنس إيجلبرجر من أجل الحفاظ على ضبط النفس.
وانتهت الحرب وعادت الكويت وبقي صدام حسين في الحكم، وكان في نظر الكثيرين هو المنتصر، وبالأخص الشعوب العربية والإسلامية، مشيرا إلى أنه حينها قال إن قوة إسرائيل على الردع اهتزت وأصيبت في نظر الدول المجاورة بسبب عدم ردها ومشاركتها في الحرب.
الأردن عانت من مقاطعة عربية بسبب دعمها للعراق، وكان الخاسر الوحيد الفلسطينيين الذين وقفوا بجانب العراق وكسبوا عداء العرب والغرب وقطع الدعم عنهم.
ويرى هليفي أن ياسر عرفات ذو شخصية كبيرة التأثير في سنوات 1990، إذ غير مبادئ منظمة التحرير بعد رحلة طويلة شملت حروبا عدة بين العرب وإسرائيل، كحرب 1967 و1973 و1982 التي لم تجلب للشعب الفلسطيني إلا مزيدا من التشرد والشتات والاحتلال.
ويضيف: "لم ألتق بياسر عرفات، وفي بداية 2001 التقيت بشخصية عربية في أوروبا، قالت لي إن عرفات كذاب ولا يؤمن جانبه، وفعلا وفي نفس السنة وقعت عملية في تل أبيب وبعدها تم قتل وزير إسرائيلي هو رحبعام رئيفي في القدس، ليخرج علينا عرفات ويتهم الموساد بالعمليتين.
اكتشفت بعدها أن عرفات كذب على كلينتون في كامب ديفد التي اندلعت بعدها الانتفاضة، وكذب على الأميركان والأوروبيين بقوله "لن نهرب سلاحا للمناطق"، وفي سنة 2002 ألقت إسرائيل القبض على سفينة (كارين A) المحملة بالسلاح من إيران، ومع طاقمها وجدت وثيقة موقعة من عرفات.
حينها كنت على قناعة أننا أخطأنا بتوقيع اتفاقية سلام مع هذا الرجل، إلى أن حانت الفرصة لحصاره في رام الله بعد علمية في عيد الفصح كانت نتيجتها اجتياح المناطق وحصار عرفات إلى أن مات في باريس بعد مرضه واستمر حصاره ثلاث سنوات".
ويشير هليفي إلى أنه في سنة 2002 استطاع شارون أن يقنع الإدارة الأميركية بإصدار إعلان مشترك ينص على أنه عندما تصبح للشعب الفلسطيني قيادة بديلة ومؤسسات أمنية ومدنية جديدة تكون أميركا جاهزة لدعم إقامة دولة فلسطينية لها حدود ونوع من السيادة المؤقتة حتى يتفق الطرفان على الحل النهائي على مبادئ الأمم المتحدة 242 و338.
وعلينا حل المشاكل المتعلقة بالقدس واللاجئين والسلام مع سوريا ولبنان ومحاربة الإرهاب.
ويرى هليفي أن هذا الإعلان كان إنجازا بالنسبة لإسرائيل، لعدم تحديد مواعيد زمنية بسبب فقد الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في عهد عرفات.ومن أجل ترجمة إعلان بوش عمليا، أعلن في شهر مايو/أيار 2003 عن خارطة الطريق التي شملت نفس المبادئ مع التركيز على حل مشكلة القدس عبر المفاوضات، وحددت موعدا زمنيا حتى نهاية 2005، بعد أن رضخ ياسر عرفات للضغط العالمي والغربي وأعطى صلاحيات لرئيس وزرائه أبو مازن.
ويعتقد هليفي أن سنة 2003 كانت ميزتها أن أميركا أصبحت لاعبا أساسيا في الشرق الأوسط، ليس فقط عبر سفاراتها من البيت الأبيض، وإنما بوجودها العسكري في العراق وأفغانستان حيث لها ما يقارب مائتي ألف جندي.
ويقول هليفي إن من الأمور التي أثرت على عملية السلام في الشرق الأوسط: دعم إسرائيل لصربيا في يوغوسلافيا وفتح قناة محادثات إسرائيلية كورية (مع كوريا الشمالية).
إسرائيل تنازلت عن دعمها لصربيا وكوريا مقابل حماية أميركا لها من الصواريخ، وفي المقابل التزمت بتوقيع اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين، وهذا يدلنا على أن أي حدث مهما كان صغيرا في العالم علينا متابعته ومعرفة أدق تفاصيله لأن له غالبا تأثيرا كبيرا وبصمة مميزة على العالم.
يتحدث هليفي في كتابه عن محاولة اغتيال خالد مشعل عضو المكتب السياسي لحركة حماس فيقول: "كنت سفيرا لإسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي، فاتصل بي السكرتير العسكري لنتنياهو شمعون شبيرا وطلب مني أن أحضر إلى إسرائيل بسرعة بعد أن أخذ تصريحا من وزير الخارجية ديفد ليفي، وأخبرني أن القضية تتعلق بمجموعة من رجال الموساد الذين حاولوا اغتيال عضو المكتب السياسي لحماس في الأردن خالد مشعل وعلقوا هناك أربعة منهم اختبأوا في السفارة الإسرائيلية في عمان واثنان ألقي القبض عليهما لدى أجهزة الأمن الأردنية".
وأردف: "الملك حسين لم يستوعب الأمر ورفض لقاء أي مسؤول إسرائيلي، فاتصل نتنياهو بي شخصيا، وأخبرني أن الأمر خطير وأنه يجب علينا التصرف، وطرحت حلول كثيرة للخروج من الأزمة، وطرحت أنا حلا مضمونه إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين، ولكن أعضاء الحكومة كلهم رفضوا ذلك وقالوا إننا لم نطلق سراحه في 1994م مقابل الجندي المختطف حينها نحشون فاكسمان".
وأضاف أنه في اليوم التالي اتصل به رئيس الوزراء نتنياهو وقال له إنه "موافق على مقترحاتك، سافر إلى الأردن وأخبر الملك بذلك"، وفعلا يقول "سافرت إلى الأردن مباشرة وأرسل رئيس الوزراء أيضا إلى الأردن طبيبا معه مضاد السم الذي حقن به مشعل وتم إعطاؤه لمشعل".
التقيت في الأردن بالأمير حسن والجنرال بطيخي واقترحت عليهم الأمر، الأمير حسين أبدى موافقته ولكن الجنرال بطيخي رفض واعتبر ذلك إهانة للأردن، وفي نهاية الأمر وافق الملك حسين والأمير حسن على ذلك وتمت الصفقة ورجع رجال الموساد الستة إلى إسرائيل، وأطلق سراح الشيخ أحمد ياسين وعدد من الأسرى الأردنيين.
بعدها أصبحت رئيسا للموساد، ولكن الشيخ أحمد ياسين قاد المقاومة الفلسطينية ضدنا، أما الأزمة بيننا وبين الأردن فقد انتهت.
عندما سئلت لماذا اقترحت هذا الاقتراح أجبت أنه علينا في الأزمات إيجاد حلول ترضي جميع الأطراف، وهنا أرضينا الحكومة الأردنية وحركة حماس وخرجنا بأقل الخسائر والضرر.
أحداث 1998 وتدمير السفارات الأميركية وأحداث 11-9-2001م وتدمير برجي التجارة العالمية كانت بمثابة إعلان الحرب من قبل العالم الثالث على أميركا، فدخلت أميركا أفغانستان والعراق ولكن الحرب لم تنته، وأنا أتوقع أن تستمر هذه الحرب أجيالا حتى تصل إلى نهايتها.
وفي حديثه عن خطر الحركات الإسلامية على إسرائيل يقول هليفي: لا يمكننا أن نقلل من خطر الإرهاب الإسلامي ونتائجه السياسية الاقتصادية والاجتماعية على صعيد منطقتنا والعالم. والحل ضد الإرهاب يجب أن يتم قبل أن يضرب الإرهاب ضربته، ويجب على العالم أن يقوم بالتخطيط لذلك بإتباع ما يلي:
1- عمل مسح لكل المواقع في العالم التي تعد أهدافا للإرهابيين وتحصينها أمنيا.
2- كل دولة تعطي ملجأ للإرهابيين يجب مقاطعتها ومعاقبتها دوليا.
3- وضع خطة مشتركة لكل الدول التي تعد هدفا للإرهاب.
ويقسم هليفي المجموعات الإرهابية إلى قسمين:
القسم الأول: يضم تنظيم القاعدة ومن غير الممكن المهادنة أو التفاهم معه لأن تنظيم القاعدة صاحب إستراتيجية تدميرية ضد الغرب والدول الموالية للغرب.
القسم الثاني: يضم تنظيمات مثل حماس وحزب الله، وهذه التنظيمات ذات طابع سياسي عسكري اجتماعي من الممكن أن تهيأ الأجواء في المستقبل للحوار معها، مع أنها تنظيمات همجية وصعبة.
ولكن بعد صراع مرير، استطاعت حماس، بالرغم من اعتراض الولايات المتحدة عليها أن تفوز في الانتخابات الفلسطينية بأغلبية ساحقة، وهي لها مصالحها وتريد أن تحافظ عليها.
وفي الختام كل ما ورد من أزمات ومشاكل علينا أن ندرسه دراسة واضحة متفحصة ومن أجل أن ننتصر علينا أن نتطلع إلى ما هو أبعد من النجوم.
وما دامت الدبلوماسية هي فن الممكن، فإن العمل الأمني الاستخباري هو فن غير الممكن، ونحن أحوج اليوم إلى فن غير الممكن لأن الحياة صارت شبه مستحيلة في ظل المعادلات العالمية الجديدة.
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد