الشام حلم «القاعدة».. العدناني فشل والجولاني نجح! و«جبهة النصرة» تروي نشأتها وخلافها مع «داعش»
الشام هي حلمُ تنظيم «القاعدة» الذي فشل مراراً في الوصول إليه خلال العقدين الماضيين، لكن غطاء «الربيع العربي» شقّ أمامه الطريق للمرة الأولى لملامسة حلمِه وتحويله إلى واقع فعلي. وأبو محمد الجولاني دخل إلى العراق قبل الاحتلال الأميركي في عام 2003. وبعد اكتسابه خبرة «جهادية»، طرح منذ عام 2005 مشروعه تأسيس فرع «القاعدة» في الشام، لكن هذا المشروع لم يرَ النور إلا بعد عام 2011، والمفارقةُ أن الانطلاق به تحت قيادة «دولة العراق الإسلامية» كان السبب في اندلاع أكبر فتنة «جهادية» عرفها تاريخ التنظيمات الاسلامية في العصر الحديث.
هذه المعلومات، وغيرها من المعلومات التي بقيت طيّ الكتمان طوال السنوات الماضية، أفصح عن جزء منها أبو عبد الله الشامي في كتاب لم ينشر بعد.
لكننا حصلنا على النسخة الكاملة من الكتاب الذي يفترض أن يكون عنوانه «في ظلال دوحة الجهاد»، وهو من تأليف أبي عبد الله الشامي عبد الرحيم عطون الذي تمّ تعيينه مؤخراً، في منصب «الشرعي العام» لـ «جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) خلفاً للأردني سامي محمود.
الشام حلم «القاعدة» ومشروع الزرقاوي
كشف أبو عبد الله الشامي في كتابه أن الشام (وهو تعبير يقصد به سوريا الكبرى، أي سوريا الحالية والأردن ولبنان وفلسطين) كانت بمثابة «الحلم الكبير» الذي طالما انتظره تنظيم «القاعدة» وحاول الوصول إليه طوال العقود الماضية. وقد اقترب من حلمه أكثر من اي وقت مضى مع الغزو الأميركي للعراق، وقيام أبي مصعب الزرقاوي بتأسيس أول جماعة «جهادية» هناك. ويؤكد المؤلف أن المشروع الحقيقي للزرقاوي كان الانتقال إلى الشام بعد توطيد العمل في العراق. وبالفعل، أنشأ الزرقاوي فرعاً سرياً له في سوريا و «دعمه بالأموال استعداداً لبداية المشروع» إلا أنه سرعان ما قُتل بعد ذلك، وتعرض فرع التنظيم في سوريا إلى «ضربات أمنية متتالية جعلت قيادات التنظيم بين قتيل أو اسير بين عامي 2005-2008». لكن ذلك لم يوقف طموحات «القاعدة»، ففي عام 2008 أرسل أسامة بن لادن مندوباً عنه إلى الشام، من أهل الشام، لتأسيس فرعٍ للتنظيم، ولإعادة دراسة المسألة، لكن المندوب وقع في الاعتقال، مشيراً إلى أنه خرج من المعتقل بعد سنوات عديدة.
في غمار ذلك، أراد أبو محمد الجولاني الادلاء بدلوه في هذا الصدد. وبما أنه يدرك حلم «القاعدة» بالشام الذي هو حلمه الشخصي أيضاً، والذي لأجله ذهب إلى العراق لاكتساب الخبرة اللازمة لتحقيقه، فقد أخرج مخططاً كان أعدّه منذ عام 2005 بخصوص تأسيس فرعٍ في الشام، وجدد عرضه على قيادي كبير في «دولة العراق الاسلامية»، طالباً منه أن تتولى «دولة العراق» تنفيذ المشروع في حال أصيب هو بأي مكروه.
وينطلق المؤلف من هذه الحقائق ليبسط وجهة نظر تنظيمه في أهمية الشام الاستراتيجية وضرورة النفير إليها ومواصلة القتال، معتبراً أن «جهاد أهل الشام هو الحلقة الرابطة الجامعة لجهاد الأمة السابق والحاضر في مختلف الأمصار والبلاد».
تأسيس «جبهة النصرة»
من المعلومات الجديدة التي وردت في الكتاب، أن أبا محمد الجولاني ذهب إلى العراق قبل الاحتلال الأميركي في عام 2003. وهذه المعلومة لها دلالة كبيرة، خصوصاً في ظل المعلومات التي تؤكد أن الزرقاوي نفسه وصل إلى العراق قبل الاحتلال، ما يعني أن العراق كان في صميم خطة «القاعدة» قبل تعرضه للاحتلال، ولا تخفى هنا أدوار أجهزة الاستخبارات في تسهيل حركة التنظيم وانتقال كوادره إلى العراق، تمهيداً لتهيئة الأرضية المناسبة لتحقيق أجندات الدول بذريعة محاربة التنظيم.
وهنا كشف المؤلف، للمرة الاولى، أن البغدادي سبق له تكليف أبي محمد العدناني الذي كان يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم «داعش» قبل مقتله منذ أشهر عديدة، بتأسيس فرع لـ «دولة العراق الاسلامية» في الشام، لكن العدناني لم يفلح بحسب المؤلف الذي لم يذكر في أي عام تمّ ذلك، لكن من المؤكد أنه بعد عام 2010، تاريخ خروج العدناني من السجن.
وذكر المؤلف أن «الجولاني خرج من سجنه في العراق قبل بداية الثورة، حيث بقي في «شمال العراق» عند القيادي الذي طرح عليه في 2008 مشروع «الشام»، الذي كان قد تسلم منصب «مسؤول الشمال» في حينه. وعرض عليه القيادي (الذي لا يسميه الكتاب) أن يحلّ محله في منصبه، لكن الجولاني رفض، وأعاد طرح مشروع «الشام» على صاحبه، فأعجب الرجل بالفكرة وطلب من الجولاني أن يكتب فيها للبغدادي (أي أبو بكر زعيم «دولة العراق الاسلامية»).
وكتب الجولاني الملامح العامة للمشروع الذي سماه «جبهة النصرة لأهل الشام من مجاهدي أهل الشام». وأشار المؤلف إلى أن الجولاني كان له مأرب من وراء تأكيد «مجاهدي أهل الشام». كما شدد الجولاني على ضرورة التمييز بين مشروع «الشام» وبين التجربة العراقية لاعتبارات عديدة أهمها: أن تجربة «الجهاد» في العراق قامت بعد احتلال (وهو ما يناقض وصوله إلى العراق قبل الاحتلال)، وأن عشائر العراق أقوى من عشائر الشام، ومنها أيضاً أن الاخوان المسلمين في الشام أضعف منهم في العراق، وكذلك أن النصيرية في الشام أقلية، ولا دعوة لهم إلى مذهبهم بخلاف الرافضة «الشيعة» في العراق.
وجاء رد البغدادي على المشروع حرفياً «أوافق على كل حرف كتب في هذا الكتاب.. إن صاحب هذا الكتاب لم يدع في مشروعه مجالاً لأن يُنْقد .. إن نقل واقع العراق إلى الشام يعد انتحاراً».
بعد موافقة البغدادي، دخل الجولاني إلى الشام ومعه بعض المال وأفرادٌ قليلون لا يتجاوزون أصابع اليد. وبدأ الجولاني بتأسيس «جبهة النصرة» انطلاقاً من دمشق، وتوزعت مجموعات «الجبهة» في عموم المحافظات بعد دمشق، كدرعا وحمص وحماه وإدلب وحلب والرقة وديرالزور.
رواية الخلاف بين الجولاني والعدناني
يعزو أبو عبد الله الشامي مؤلف الكتاب، سبب الخلاف بين الجولاني والبغدادي إلى طموحات العدناني وجشعه ومنافسته غير الشريفة مع الجولاني.
فبعد انطلاق «جبهة النصرة»، وصل أبو محمد العدناني إلى سوريا قبل معركة مطار تفتناز في ريف إدلب، حيث ولاّه الجولاني «إمارة الشمال». وقد ذكرنا جزءاً كبيراً من هذه الحقائق منذ عامين في مقالة (الظواهري ينقلب على بن لادن.. ونفسه» .
ولأسباب عديدة، منها أن العدناني بدأ بأخذ البيعات باسم «دولة العراق الاسلامية» كما دخل في مشاحنات مع أمراء كل من حلب وإدلب وحماه ممن يعملون تحت إمرته باعتباره «أمير الشمال»، قام الجولاني بعزل العدناني من منصبه، «وبهذا العزل بدأت المشكلة»، ثم ولاه الجولاني مسؤولية الحدود والمهاجرين والمعسكر المركزي لاستقبال المهاجرين، ولم يفلح كذلك. فتعاظمت عنده المشكلة وبدأ بالكتابة إلى قيادة «دولة العراق» حيث كتب تقريراً مؤلفاً من 25 صفحة، وحاول ابتزاز الجولاني قبل إرسال تقريره ليعيده إلى إمارة الشمال، «لكن الجولاني رفض».
على إثر وصول التقرير، طلب البغدادي من الجولاني الحضور إلى العراق، وهو ما قام به الجولاني بعدما أناب عنه لقيادة «النصرة» حاج غانم، عضو مجلس الشورى وعراقي الجنسية. ووسط محاولات لحل المشكلة بين الطرفين، قرر البغدادي تعيين العدناني نائباً للجولاني، لكن بعد تخطئته في ما نسبه إلى الجولاني من أفعال في تقريره!
ثم أرسل البغدادي مشرفاً عاماً على الشام هو أبو علي الأنباري، وذلك بعدما ذكر العدناني في أحد تقاريره أن الجولاني ينوي الانشقاق عن «دولة العراق». وبالرغم من أن الأنباري بعد تجواله في أغلب معاقل «جبهة النصرة» لم يجد اي دليل على وجود نية الانشقاق، زادت قيادة «دولة العراق» من ضغوطها على قيادات «جبهة النصرة» من خلال تكبيلها وتقييد صلاحياتها، وكان أشهر أسلوب لذلك هو تعيين مشرف فوق أي مسؤول أو نائب تحته. ورغم ضيق قيادات «النصرة» من هذا الأسلوب، استطاعوا تحمله والتكيف معه، مؤقتاً، إلى أن وصل إلى الشام أبو بكر البغدادي بنفسه، وذلك في الشهر الأول من عام 2003.
الخلاف مع البغدادي والفتنة الجهادية
زعم المؤلف أن وصول البغدادي تزامن مع اجتماع لقيادة «النصرة» بكافة أفرعها في المحافظات السورية من أجل إطلاق معركة كبيرة في العاصمة دمشق. وكان أول قرار للبغدادي هو عزل القائد الموضوع لقيادة معركة دمشق دون سبب واضح سوى تصفية حسابات.
ورغم كثرة النمائم التي وصلت إلى البغدادي ضد الجولاني، أشار المؤلف إلى «انعقاد جلسة طويلة لقيادات «النصرة» مع البغدادي استمرت لثلاثة ايام من 10 إلى 13 شهر آذار عام 2003، تمّ خلالها إعادة تشكيل مجلس الشورى، كما تمّت حلحلة بعض المشاكل بحسب ما بدا لنا».
غير أن أسلوب التعامل القديم من قبل «دولة العراق» مع قادة «جبهة النصرة» لم يتغير بعد هذه الجلسة الطويلة، بل زادت وتيرة الأعمال السيئة، «ومن ذلك أنهم هددوا القيادات العراقية تحديداً بالاغتيال». وكان من المفترض أن تعقد جلسة جديدة في بداية الشهر الرابع لاستكمال الترتيبات، لكن الأحداث الكثيرة التي حصلت خلال اسبوعين كانت كفيلة بإلغاء تلك الجلسة.
ثم يكشف المؤلف أن «جبهة النصرة» استأذنت البغدادي في مخاطبة زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري لحل هذه المشاكل، إلا أن «مؤسسة الفرقان» التي كانت هي صلة الوصل لتمرير الرسائل إلى الظواهري قامت بتزوير رسائل عديدة، ما دفع «النصرة» إلى توجيه رسالة إلى الظواهري عبر طريق خاص لا يمر من خلال «دولة العراق».
وهنا، عندما علم البغدادي والأنباري برسالة «الشكوى» إلى الظواهري خططا لقطع الطريق على «النصرة» والشيخ الظواهري في آن معاً، فقاما بإلغاء «دولة العراق الاسلامية» وإلغاء «جبهة النصرة» وإعلان تأسيس «الدولة الاسلامية في العراق والشام»، حيث حصل الخلاف الشهير مع الجولاني الذي سارع إلى رفض هذا القرار والابقاء على مسمى «جبهة النصرة».
بعد ذلك لا يذكر المؤلف اي أحداث غير معروفة، سوى تأكيده أن البغدادي عزم على الرحيل عن الشام بعد وصول رسالة الظواهري التي تضمنت الحكم في قضية الخلاف بين الطرفين، لكنّ الأنباري وآخرين ثنوه عن ذلك واقنعوه بالبقاء في الشام، وهو ما حدث فعلاً وأعقبته الأحداث المعروفة بعد ذلك.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد