اللقاء الإسرائيلي- السعودي على خارطة الخارجية الأمريكية
الجمل: بعد أن تحدثت كوندوليزا رايس وزير الخارجية الأمريكية قبل خمسة عشر يوماً بالتقريب، مشيدة بدور سوريا في حماية وتأمين الأمريكيين في عملية صد الهجوم الأخير الذي استهدف السفارة الأمريكية.. عادت وزيرة الخارجية بالأمس لتقول شيئاً مختلفاً هذه المرة، ولكنه أكثر انسجاماً مع التوجهات الحقيقية للسياسة الخارجية الأمريكية.
تعمدت كوندوليزا رايس هذه أن ترسم بشكل مسبق، خارطة الشرق الأوسط، المحددة افتراضياً بوساطة جماعة المحافظين الجدد، على أساس اعتبارات أنها تمثل التشكيل والصياغة الأمثل للفضاء الجيوبوليتيكي الشرق أوسطي.
قالت كوندوليزا رايس في بداية حديثها:
(أعتقد أن بإمكاننا أن نمضي مباشرة نحو الأسئلة، وفقط سوف أوضح نقطة واحدة، فأنا أعتقد أن هذا الصيف في الشرق الأوسط، الذي احتدمت فيه أحداث لبنان، وعلى نحو ما، فإن ما يحدث حقيقة في الشرق الأوسط، هو نوع من الاحتدام المتزايد بين قوى متطرفة، وقوى معتدلة، وما سوف يكون مثيراً للاهتمام يتمثل في الكيفية التي تتم بها اللعبة في الفترة القادمة.. والآن، ربما تمتد هذه الفترة إلى عدة سنوات.
من ناحية تتمثل الدول العربية المعتدلة بوضوح في: السعودية، مصر، الأردن.. والضعفاء لكنهم ديمقراطيين معتدلين: العراق، لبنان.. وأعني بالضعفاء: المالكي، السنيورة، وأبو مازن في الأراضي الفلسطينية.
ومن الناحية الأخرى: حزب الله، حماس، والمدعومين حقيقة بوساطة النفوذ الإيراني.. ومساعدات المعبر السوري.. أعتقد بأن ذلك سوف يقود حقيقة إلى نوع من الاحتدام.. هذا التناقض بين القوى المتطرفة والقوى المعتدلة..).
وقد أشارت كوندليزا رايس في إجاباتها على الأسئلة إلى العديد من الجوانب، وذلك على النحو الذي يجعل من حديثها بمثابة الرؤية الأمريكية الكاملة، لمنطقة الشرق الأوسط الكاملة، وقد غطى حديثها الأوضاع على الأرض في المناطق الآتية:
- الأوضاع في منطقة شرق المتوسط (سورية، لبنان، فلسطين المحتلة).
- الأوضاع في منطقة الخليج العربي (السعودية، وبقية دول الخليج).
- الأوضاع في العراق.
- الأوضاع في إيران.
- الأوضاع في السودان.
تقول كوندوليزا رايس: إن الإدارة الأمريكية سوف تعمل على توجيه وتفعيل خارطة توزيع القوى السياسية في المنطقة، وذكرت بوضوح أن الفترة القادمة سوف تشهد كيف أن الإدارة الأمريكية سوف تحول رؤيتها لهذه الخارطة، إلى برنامج عمل تقوم بموجبه بدعم وتعزيز القوى المعتدلة.
وقد وصفت الوضع في لبنان بأنه وصل إلى نقطة الجمود السياسي قبل هجوم حزب الله، ولكنه بعد الحرب، بدأت الأشياء تتحرك، بعضها على الجانب، والبعض الآخر إلى الأمام.. كذلك قالت الوزيرة بأنها لا تعتقد أن هناك شيئاً يعود للوراء.
حددت وزيرة الخارجية الأمريكية بأن الفترة القادمة سوف تشهد صدور المزيد من القوانين بوساطة الكونغرس، وذلك على النحو الذي يحدد الإطار المؤسسي الذي يمكن للإدارة الأمريكية أن نتعامل ضمنه من أجل معالجة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
أبرز المعطيات الميدانية، التي يمكن أن تشكل الخلفية التي على ضوئها يمكن ما قالته كوندوليزا رايس للصحفيين، تتمثل في الآتي:
• تأكيد الإسرائيليين للقاء الإسرائيلي- السعودي الذي جمع الأمير السعودي بندر بن سطان، وايهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبرغم إنكار ونفي السعوديين لهذا اللقاء، فقد تعمّد الإسرائيليون –كالعادة- إحراجهم بأن أكدت الصحف والدوائر الرسمية في تل أبيب صحة هذا اللقاء.. وهو تعمد مقصور، وعلى ما يبدو، وضع السعوديين في مواجهة الأمر الواقع، وهو ضرورة دفعهم من أجل المضي قدماً وبشكل علني في مسيرة (العلاقة السرية) السعودية- الإسرائيلية.. والتي أصبح يريد لها الإسرائيليون حاليا: أن تكون أمام الملأ، بحيث يأخذ السعوديون دورهم في تنفيذ المخطط الأمريكي- الإسرائيلي الذي تحدّث عنه دينس روس من قبل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
• الوساطة (التجارية- السياسية) التي أصبح يقوم بها الـ(بروكسي) الأردني، والهادفة إلى ضبط التفاعلات في منطقة شرق المتوسط، بما يعزز التوجهات الإسرائيلية ويدعم قدرة تل أبيب في الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة على كامل المنطقة، والجدير ذكره أن المملكة الأردنية الهاشمية، أصبحت حالياً تقوم بنفس دور نظام حسني مبارك في مصر، وعلى ما يبدو أن عمان سوف تقوم بدور (مقسم الاتصالات الإسرائيلية- العربية المعلنة وغير المعلنة).. وهو دور لم تحصل عليه الأردن من فراغ، وإنما مهدت له مسيرة تاريخية طويلة من (التجارة الإسرائيلية- العربية المشتركة المعلنة وغير المعلنة).. وذلك على النحو الذي تلعب فيه الأردن دور البورصة، والممر لانتقال وتدفق حركة السلع والخدمات بين بعض أصحاب العلاقة في الأسواق العربية الخليجية والأسواق الإسرائيلي.
• تصاعد الدور الجديد الذي تحاول (حكومة بوش- كوندوليزا رايس العراقية) بقيادة جلال الطالباني ونوري المالكي، أن تقوم به، وذلك عن طريق تحويل الدور الوظيفي لهذه الحكومة، عن طريق ترك ملفات الأمن الوطني العراقي للقوات الأمريكية للاهتمام بها، والتحول نحو معالجة الملفات الإقليمية، ومن أبرز ما يدل على ذلك:
- تصريح جلال طالباني الهادف لتهديد سورية وإيران، وأيضاً تركيا.
- مطالبة نوري المالكي برفع عدد القوات الأمريكية وتمديد فترة بقائها:
- زيارة الرئيس جورج بوش للمنطقة والمتوقع حدوثها الأسبوع القادم وعلى الأغلب سوف تشمل: إسرائيل، الأردن، السعودية، العراق، باكستان، أفغانستان وربما تركيا.
أما أبرز السيناريوهات التي يتضمنها المشهد التفاعلي القادم، والتي تتوقع الإدارة الأمريكية حدوثها، يتمثل في التوقعات التي تتحسب الإدارة الأمريكية لحدوثها.
• الانقسام السني- الشيعي في العراق، وتحقيق المزيد من اكتمال نموه، وذلك في الاتجاه الذي يساعد في عملية تقسيم العراق.
• الانقسام الشيعي- الشيعي في لبنان، وقد لمحت الوزيرة الأمريكية في حديثها أن هذا الانقسام ممكن الحدوث في لبنان، وطالما أن هناك خلافات بين حركة أمل وحزب الله.
• الانقسام داخل حماس: وذلك على أساس أن تؤدي الضغوط الحالية إلى انقسام حماس ضمن تيارين: أحدهما إسلامي ذرائعي يتحالف مع منظمة التحرير، والآخر إسلامي أصولي يتم حذفه وإقصاءه خارج مسرح عملية سلام الشرق الأوسط.
• الضغوط على سورية على النحو الذي يؤدي إلى تغييرات هيكلية، وتغييرات وظيفية، بحيث تتضمن (التغييرات الهيكلية) إضعاف سورية اقتصادياً، اجتماعياً، تكنولوجياً، وسياسياً، على النحو الذي يؤدي إلى (تغييرات وظيفية) تتمثل في عزل وإعاقة قدرة سورية في القيام بأي دور ضمن عملية سلام الشرق الأوسط، وأيضاً عدم إعاقة عمليات بناء الشرق الأوسط الجديد الذي أصبحت بعض الأطراف العربية (المملكة الأردنية، مصر، السعودية، حكومة تيار المستقبل اللبنانية، المملكة المغربية، تونس) تقبل بقيادة إسرائيل.
• محاولة فرض المزيد من الضغط على سورية، عن طريق قيام الإدارة الأمريكية بتشكيل تحالف دولي يؤيد ويتبنى عملية فرض العقوبات الدولية المتعددة الأطراف ضد سورية (اليوم طالبت بريطانيا بضرورة تحالف دول العالم من أجل معاقبة سورية).. وهذا التحالف سوف يبدأ كالعادة بوساطة أمريكا، وسوف تتبعها بريطانيا وفرنسا، وبعض الدول الغربية، إضافة إلى استراليا... وعلى ما يبدو أن هذا التحالف المتعدد الأطراف سوف يعمل في مرحلة لاحقة لاستخدام دول الجوار الإقليمي في توجيه الضغوط ضد سورية، وعلى سبيل المثال، إذا نجحت أمريكا في تمرير قرار دولي بفرض العقوبات ضد سورية، فإن الضغط سوف يكون باتجاه دول الجوار الإقليمي لكي تقوم بـ(التعاون الكامل) في عملية فرض العقوبات ضد سورية، وعلى الأغلب أن أمريكا وحلفاءها سوف يتكتلون في مجلس الأمن استناداً إلى ذريعة عدم تطبيق القرار 1559، وتحميل سورية مسؤولية عدم نزع سلاح حزب الله، وغير ذلك.
أخيراً نقول: الحديث الطويل الذي أدلت به كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، يكشف الأزمة التي أصبحت تواجه الإدارة الأمريكية، والتي تتمثل في:
- أزمة عدم السيطرة على العراق.
- أزمة السيطرة على أفغانستان.
- أزمة ارتفاع أسعار النفط.
- أزمة عدم القدرة على ضبط فنزويلا وكوبا.
- أزمة عدم القدرة على ردع كوريا الشمالية.
- أزمة عدم القدرة على التدخل في دافور.
وكل هذه الأزمات أصبحت تصب في طاحونة انتخابات الكونغرس الأمريكي خلال تشرين الثاني القادم.. وبنظرة عامة يمكن القول: إن السيطرة على التفاعلات وضبط الأزمات المشار إليها، أمر ليس في قدرة الإدارة الأمريكية، ليس لضخامة هذه الأزمات، وإنما لأن الإدارة الأمريكية هي التي لعبت دوراً كبيراً في صنع هذه الأزمات.. وعندما شبت عن الطوق، وأفلتت منها، أصبحت تدعي أمام العالم اليوم وأمام مواطنيها، بأنها سوف تعمل من أجل معالجتها، والقضاء عليها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد