ما هو سعر الأكراد في سوق القوى العظمى: أسرار "هاليبورتون"
الجمل ـ صونير يالتشين ـ ترجمها عن التركية محمد سلطان:
ملاحظة: بسبب استمرار تجاهل الرؤى اليسارية في تحليل الأحداث من وجهة نظر الإقتصاد السياسي, تم استبعاد ذوي اللحى (ماركس و أنجلز) من مناهج التعليم في الجامعات التركية، حيث تسبب الأمر في عدم فهمنا للأحداث الأساسية بشكل منطقي، إذ نقوم بتحليل الأحداث اليومية عبر نظام تحليلي أحادي الأبعاد فرضته علينا فترة الحرب الباردة.
وبسبب هذه النظرة السطحية يصعب عليّ فهم ما يحكونه عن داعش على شاشات التلفزيون. رغم أن خلاصة الفهم تكون كالتالي: سيطرت داعش على عاصمة النفط (الموصل). أي باستحواذها على 17% من النفط العراقي أصبح هذا التنظيم أغنى منظمة إرهابية في العالم. أي أن القضية لها بعد اقتصادي. عندما تتواجد الثروات تتواجد القوى الكونية. تعالوا لنناقش الموضوع من وجهة نظر لم يقف عندها أحد.
هل سمعتم سابقاً باسم إيرل ب.هاليبورتون؟ ماذا تعرفون عن تجمع شركات هاليبورتون Halliburton التي تجري فعاليات في 100 دولة مختلفة ودخلها السنوي يساوي 24.8 مليار دولار؟ (هذه الشركة تبحث وتستخرج النفط والغاز الطبيعي وتنفذ مشاريع مد أنابيب النفط والغاز وتصنع تأسيسات نفطية وكيميائية).
هل سمعتم باسم Brown & Root Service (BRS) التي تعمل كفرع لدى شركة هاليبورتون؟ ماذا عن الفعاليات التي تجريها في مجال الخدمات العسكرية والتي تعتبر الأكبر ضمن مجالها؟
أينما ذهب الجيش الأميركي تتواجد شركة "BRS"؛ في أفغانستان والعراق وألبانيا والبوسنة وكرواتيا والصومال وأوزباكستان والكويت وكوسوفو وزائير. طبعاً لم يذهب هذا الجيش المأجور/الشركة الأمنية إلى هذه البلدان خدمةً لله أو كعمل خيري. فإن دخله السنوي يساوي 6 مليار دولار.
أي أنه هناك شركة عالمية تعمل في المجالات النفطية والإنشائية وتملك هذه الشركة جيش مأجور تابع لها. فلنعد إلى البداية لنفهم القصة.
شركة هاليبورتون "Halliburton" وجيش "BRS" المأجور:
ولد إيرل ب.هاليبورتون عام 1892 في ولاية تينسي الأميركية. عمل كمهندس في الأسطول الأميركي فترة الحرب العالمية الأولى. عندما أعيد رسم خارطة الشرق الأوسط عام 1919 بموجب اتفاقية سلام كان هاليبورتون يؤسس شركة صب اسمنت آبار النفط "New Method Oil Well Cementing Company".
قام الأخوين جورج وهرمان براون من ولاية تكساس بمساعدة مادية من صهرهم هاليبورتون بتأسيس شركة "Brown & Root" للخدمات الإنشائية والهندسية.
كبرت هاتين الشركتين خلال خمسين عاماً بشكل كبير بفضل برنامج الانفتاح الأميركي خلف المحيط (المخطط الإمبريالي). إن اكتشاف أكبر وأغنى تخوت النفط في بحر الشمال وفي الشرق الأوسط, جعل شركة هاليبورتون الأكبر ضمن مجال فتح آبار النفط.
توفي هاليبورتون عام 1957 ولكن استمرت شركته بالنمو. اشترت شركة هاليبورتون عام 1963 شركة براون آند رووت للخدمات الإنشائية والهندسية, والتي كانت تعتبر الأولى عالمياً ضمن مجالها.
قامت شركة هاليبورتون بتأسيس قواعد وطرق ومطارات عسكرية في فيتنام أثناء الحرب هناك. ولكن مع بدء الأزمة الاقتصادية عام 1970 ومع ركود سوق النفط, تعرضت المئات من الشركات التي تجري فعاليات مشتركة مع هاليبورتون للإفلاس مما أدى إلى تأثرها هي أيضاً ومواجهتها لخطر الإفلاس.
قام صدام حسين بنجدتها بعد احتلاله للكويت، فمع بدء حرب الخليج قامت شركة براون آند روت بإعادة اعمار جميع المباني العمومية المتضررة في الكويت. وتكفلت شركة هاليبورتون بالسيطرة على النيران التي اشتعلت في 320. وبذلك تمكنت شركة هاليبورتون من النجاة من خطر الانهيار الاقتصادي.
يا للصدفة؛ فترة حرب الخليج عندما خسر حزب ديك تشيني الجمهوري الانتخابات الرئاسية في أميركا, عيّن عام 1995 رئيساً للجنة الإدارة المركزية لشركة هاليبورتون.
ويا للصدفة أيضاً؛ عندما ربح الجمهوريون الانتخابات الرئاسية عام 2000, ترك تشيني منصب الإدارة المركزية لهاليبورتون وتم تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية. بعدها تم اجتياح أفغانستان والعراق.
لا تتفاجئوا! دعوني أفتح اقتباسا لأقول:
عين ليندون ب.جونسون من تكساس عام 1934 عندما كان في السادسة والعشرين من العمر في عضوية ممثلي وسائل الإعلام. وأصبح عام 1948 سيناتوراً من تكساس. وبطلب من جون ف.كندي رشح نفسه لمنصب نائب رئيس الجمهورية. فربحوا الانتخابات. لم يعط الرئيس كندي صلاحيات كبيرة لجونسون. بقي جونسون خلال فترة رئاسة كندي خلف الكواليس. ولكن عندما تم اغتيال كندي في 22 تشرين الثاني عام 1963 وجد جونسون نفسه فجأة على كرسي الرئاسة. كانت خلفه قوة كبيرة تدعمه. كانت هاليبورتون الراعي الرسمي لجونسون خلال فترة مسيرته السياسية. أما من قتل كندي؟... انتهى الاقتباس.
الأكراد خارج لعبة المصالح:
هناك من يطلب من تركيا بتسليح الأكراد (حزب العمال الكردستاني) لمواجهة تنظيم داعش. ولكن الأمور لا يتم حسابها بهذا الشكل. ما هو سعر الأكراد في سوق القوى العظمى؟ أقصد أن الأكراد لهم قضية بعيدة كل البعد عن غاية الربح. ولا يدركون حجم اللعبة التي تدور. فلا تعير القوى العظمى اهتماماً لهم. دعوني أشرح كيف:
حصل ركود في سوق النفط عام 1990 ولكن رغم هذا الركود كان أداء شركة هاليبورتون الاقتصادي جيد جداً. كبرت هاليبورتون في المجال النفطي كثيراً قياساً بالشركات المشابهة بنسبة 20%. وسبب هذا النجاح كان عقد اتفاقيات/صفقات مربحة جداً. فانقسام يوغوسلافيا كان في خضم هذه الاتفاقية. لا تستغربوا...
لأول مرة يبرم الجيش الأميركي اتفاقية مع جيش مأجور لإجراء فعاليات دعم عسكري واسعة في بلاد البالقان ضمن إطار "برنامج زيادة الخدمات اللوجستية المدنية". وهذا الجيش لم يكن سوى شركة "BRS" التابعة لعملاق الطاقة هاليبورتون. فالمال الذي ربحته شركة "BRS" فقط من البوسنة 405 مليون دولار. كانت بنود الاتفاقية طويلة. فبموجبها كانت الفاتورة التي أبرزتها شركة "BRS" فقط لقاء تقديم خدمات الدعم للجيش الأميركي الذي سيتحرك من القاعدة العسكرية في آفيانو في إيطاليا تساوي 6.3 مليون دولار.
ذهب 5 آلاف مقاتل مأجور من الشركة إلى البوسنة. كما أرسلت الشركة جنودها إلى كرواتيا ومقدونيا وأفغانستان والعراق والصومال إلخ.
انظروا ما أجمل هذه التجارة. يرسلون جنودهم المأجورين مقابل المال إلى أمرة الدول وعلى رأسهم أميركا. إضافةً إلى ذلك يضعون يدهم على النفط في الدول التي يذهبون إليها. ولم يكتفو بذلك بل يقومون بإعادة اعمار الدول التي دمروها مقابل النقود.
على سبيل المثال؛ أرسلت "BRS" جنودها إلى كوسوفو للمحاربة هناك, ثم قامت بإنشاء الطرق والمباني و192 ثكنة عسكرية. مثال آخر؛ بعد احتلال أفغانستان تحت مسمى "عملية الحرية المستمرة", قامت شركة "BRS" بإنشاء معسكر غونتنامو كمركز إعتقال وتعذيب مقابل 45 مليون دولار. وللتوضيح أكثر أريد أن أعطي مثالاً عن البعد المادي للقضية:
إن المال الذي دفعته أميركا للجيش المأجور في شركة هاليبورتون مقابل خدماته في العراق يبلغ ثلاثة أضعاف ما صرفته على حرب الخليج عام 1991 (بداية عام 2007 وصل هذا الرقم إلى 151 مليار دولار). عندما ظهرت هذه الأرقام لدى الرأي العام, توجهت الأعين على ديك تشيني بصفته نائب رئيس اللجنة المركزية لشركة هاليبورتون. ولكن مهما كان, فالجميع يعرف أن هاليبورتون تملك الحصانة في الولايات المتحدة الأميركية.
بحسب تقرير وزارة الدفاع الأميركية فإن تعداد الجيش الأميركي في العراق عام 2007 كان 160 ألف جندياً, في حين كان تعداد الجنود المأجورين في ذلك التاريخ 180 ألف مقاتل. ويقال أن عدد مقاتلي "SAS" (الخدمات الجوية الإنكليزية الخاصة) القدامى أكبر من عدد "SAS" في الجيش الإنكليزي الذين يخدمون في العراق. أما عدد الجيوش المأجورة التي شاركت في حرب العراق وعدد القتلى منهم, فذلك مازال يخيم عليه الغموض. ولكن دائماً كان يذكر أسماء هذه الجيوش المأجورة (الشركات الأمنية) عندما كان يذكر اسم معتقل أبو غريب المظلم.
(أريد التنويه إلى أن شركة "BRS" كانت الوحيدة في هذا المجال حتى عام 1997. وأجرت الفعاليات المشتركة مع عدة شركات). لهذا السبب قلت «ما هو سعر الأكراد في سوق القوى العظمى؟».
مصالح الجيوش المأجورة في اليمين واليسار, في أفريقيا وآسيا:
ماذا يوجد في يد داعش؟ النفط. وماذا يوجد في يد سييرا ليون في أفريقيا؟ الألماس.
بعد سيطرة الجبهة الثورية المتحدة, التي رفعت راية التمرد ضد الاستعماريين, على مناجم الألماس, تغير لون وطعم النضال. فهزمت الجبهة الثورية عام 2002 خلال أشهر قليلة. وعرف فيما بعد أن شركات الألماس الأجنبية اتفقت مع الجيش المأجور "Executive Outcomes" العنصري الذي تشكل في أفريقيا.
من يوجد في هذا الجيش برأيكم: (عساكر القبعات الخضراء الأميركيون القدامى, فيلق الفرنسيون الأجانب, أعضاء مظليو "الشمس أفريقية" طيارون أوكرانيون متقاعدون, مقاتلو جورخا النيبالي...).
ولفهم لعبة المصالح أكثر؛ نرى أن شركة "Ango-Segu" إسرائيلية المركز قامت بدعم الحكومة اليسارية في أنغولا بسبب غنى هذا البلد بالنفط والألماس. وفي الجانب الآخر, قامت شركة "Levdan" إسرائيلية المركز أيضاً بإسقاط حكومة موبوتو اليسارية في كونغو والتي تعتبر ثالث أضخم دولة مستخرجة لمعدن النحاس.
كما أنه عندما تتحارب دولتان يتم الاستعانة بالجيوش المأجورة. فمثلاً؛ انتصرت أثيوبيا على جارتها ارتريا عن طريق عملية تدعى "عملية غياب الشمس". كما منعت حكومة ساحل العاج الإنقلاب العسكري الذي حضر ضدها مستعينةً بالجيوش المأجورة.
عندما يتم توقيع (العقد/الاتفاقية/الصفقة) مهما كانت التسمية, يتم التركيز على مادتين رئيسيتين:
- الأولى: بلا شك ربح المال. مثالٌ على ذلك؛ قدم دعم لحكومة سييرا ليون بمقدار 10 مليون دولار. في المقابل استخرجوا كتعويض لهم من المناجم ألماس بمقدار 200 مليون دولار (في مثل هذه الحالات الإمبريالية يطلق عليها العالم المهني مسمى "استثمارات مبادلة الديون الخارجية").
- ثانياً: مهما ظهر أن غايتهم هي اقتطاف حصّة نفطية أو الحصول على حصة من الألماس أو المعادن أو الثروات الباطنية, فإن الجيوش المأجورة (ليس بمقدورها) إبرام صفقات أو توقيع اتفاقيات مع حكومات البلدان التي تتعارض سياساتها مع مصالح السياسة الخارجية الأميركية. على سبيل المثال؛ عندما عرف أن شركة "BRS" قامت ببيع السلاح عن طريق شركة أخرى لمعمر القذافي عام 1995 فترة العقوبات الاقتصادية على ليبيا, تم معاقبة الشركة وتغريمها بـ3.8 مليون دولار. ولكن ذلك لا يعني أنهم لا يقومون بأعمال من تحت الطاولة. فمثلاً عرف أن عرّابي تجارة المخدرات في كولومبيا والمكسيك كانوا يتعاملون مع الجيوش المأجورة.
بقينا على الجيوش المأجورة في حماية الأراضي المقدسة:
سأعود إلى موضوع داعش ولكن هناك ما سأضيفه.
من يقوم بحماية الأراضي المقدسة؟
يتواجد الجنود المأجورين في كافة أنحاء العالم. ولكن أكثر المناطق التي ينشطون فيها هي منطقة الخليج.
إن القوة العسكرية السعودية تقع تحت رقابة مصانع القوى العسكرية الخاصة. ويعمل في السعودية 1500 ضابط أميركي متقاعد من القوات الخاصة الأميركية (U.S Special force) تحت اسم شركة "Vinnell" بموجب عقد مقابل 800 مليون دولار سنوياً. كذلك تقوم شركة "BDM" الأميركية بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي والتدريب العسكري للجيش السعودي. وضمن نفس الإطار تقوم شركة "Cable and Wireless" بتدريب القوى الأمنية السعودية على مكافحة الإرهاب. وتقوم شركة "Booz-Allen Hamilton" بتدريب الأكاديمية الحربية السعودية. أما شركة "O'Gara" فهي مسؤولة عن أمن وحماية العائلة الملكية السعودية. (تقوم شركة "Dyn Corp" الأميركية بحماية الرئيس الأفغاني حامد كرزاي).
تذكروا معي عندما كان بعض الجهلة يقيمون العالم ويقعدوه بقولهم «لن يضع الجيش الأميركي قدمه في الأراضي المقدسة في مكة والمدينة». تلك الفترة كانت حرب الخليج مستمرة. ألم يدرك أولئك الجهلة أنهم يخدمون المصالح الإمبريالية في هذه الجغرافيا منذ 200 عاماً؟
دعونا من ذلك. المهم... لنسأل الأسئلة المصيرية التالية: هل تقوم هذه الشركات بدعم المنظمات الأصولية والمتشددة دينياً؟
- ألن تفعل ذلك؟
- أين تعلم عناصر داعش القتال؟
- من دربهم؟
- نشاهد في حكايات الإعلام أن أحدهم وهو جالس في منزله فجأةً يقرر الالتحاق بتنظيم داعش. أي عقل وأي منطق يقبل هذه الخرافة؟
- ألم تقم شركة "Sakina Security" الإنكليزية وشركة "Trans Global Security International" بتدريب هؤلاء المتدينين على الجهاد؟
- ألم تقم أميركا بتدريب هؤلاء المتدينين على أساليب القتال وتقنيات حرب العصابات وطرق صنع المتفجرات في المعسكرات التي أنشأتها لهذا الغرض في بنسلفانيا؟
- ما هذه الصدفة أن نجد أن أغلب عناصر داعش يلتحقون من كوسوفو والبوسنة ومقدونيا وألبانيا وغيرها من البلدان التي قامت فيها
إن الجيوش المأجورة التي جاءت نتاجا للعولمة تبحث عن مجالات (أسواق) جديدة لها. ومن أجل ذلك تقوم بألعاب كبيرة وتجري الفعاليات المعقدة. فلنكمل...
لا تنسوا اسم هذا الرجل:
ذكرت أن ديك تشيني الذي كان وزير دفاع فترة رئاسة بوش الأب ونائب رئيس جمهورية فترة رئاسة بوش الابن شغل مهمة رئاسة لجنة الإدارة المركزية لشركة هاليبورتون التي تملك جيشاً مأجوراً "BRS".
ماذا يخطر على بالكم عند ذكر اسم ديك تشيني؟ بلا شك حرب الخليج التي شارك فيها عام 1991 بصفته وزير دفاع وحرب العراق التي دخلها عام 2003 بصفته نائب رئيس جمهورية.
حسناً, إن ما يشغل الإعلام العالمي, وبطبيعة الحال التركي أيضاً, هو موضوع داعش والعراق.
إذاً, هل تعرفون من يكن السفير الأميركي الجديد في تركيا جون ر.بيس؟
لنعرّفه بجملة واحدة: كان مستشارا لديك تشيني! وترأس موضوع إعادة إعمار العراق لفترة من الزمن.
بالنظر إلى هذه الحالة يمكننا التوقع أن موضوع داعش سوف يستمر في إشغال الإعلام العالمي لفترة من الزمن.
كتبنا بما فيه الكفاية عن الشركات الكونية والجيوش المأجورة التي تملكها والحروب الخاصة التي تجريها. هنا أفتح اقتباس:
نسمع في الإعلام التركي مؤخراً أقوال مثل: (أنا لم أرسل ابني إلى الجيش كي يقشر البطاطس) أو (أنا لم أرسل ولدي إلى الجيش كي يقوم بخدمة الباشا). هذه الأقاويل تساعد في تهميش سيادة الجيش. تقوم بعض القوى في تركيا بمحاولة النيل من مؤسسة الجيش القومي والأكاديمية الحربية عن طريق جملة من الاتهامات المفبركة وجملة من الترتيبات مثل قضايا أركنكون وباليوظ وبويرازكوي والتي اعتقل فيها عدد كبير من ضباط الجيش التركي التقدميين بتهم التخطيط للانقلاب على الحكومة, ومازالوا في السجون. هنا الغاية واضحة. لاحظوا كيف تقوم جماعة فتح الله كولن باستخدام الإعلام والمسلسلات التلفزيونية لإظهار عناصر الجيش التركي أنهم يقومون بأعمال قذرة وغير شرعية. الغاية هنا هي تهيئة الرأي العام على فكرة خصخصة الجيش التركي. هذا ما يدعى "الهزيمة دون قتال". سيتم استبدال الجيش الشعبي بالجيوش المأجورة كما هو الحال في السعودية. وسيقع الجيش التركي في أيادي "السوق العسكرية الحرة".
هذا هو الأسلوب الجديد لاحتلال الدول.
لأنه لا توجد أي شركة جيوش مأجورة في العالم مستقلة وذات تأسيس مستقل. بل هي "شركات وهمية" تستخدمها الدول التي تريد أن تفرض حكمها في جميع أنحاء العالم مثل أميركا وإنكلترا وإسرائيل. على سبيل المثال؛ شركة "Air American", شركة "Civil Air Transport", شركة "Intermountain", شركة "Air Asia", وشركة "Southern Air Transport". عرف فيما بعد أن هذه الشركات (هناك الكثير غيرها) تم تأسيسها من قبل جهاز الاستخبارات الأميركي الـCIA.
لنعود إلى موضوعنا الرئيسي. من أسس تنظيم داعش؟
الحرب المخصخصة :
كان المقاتلون المأجورين جزء لا يتجزأ من مرحلة العصور الوسطى. دائماً كنت أكتب وأقول أننا نعيش في العصور الوسطى. الجنود المأجورين الآن هم نتاج الصناعة الكونية الجديدة. تم العمل على تأسيسهم منذ عام 1990 مع انتهاء الحرب الباردة.
توسع هذا السوق العسكري كثيراً بشكل ملحوظ منذ القرن السابع عشر. وباتت الشركات الأمنية عبارة عن مجال اقتصادي مستقل مسجل نموا غير مسبوق ولا مثيل له في العالم مقارنةً مع مجالات أخرى.
هل داعش هي نتاج هذا السوق؟
نستطيع القول أن أغلب الشركات التابعة للمعامل العسكرية الخاصة تكون مصطنعة وغير شفافة. فلا تملك القوة الدائمة في يدها. فهي تعمل مع القوى الباطنية. لا تترك السلاح والعتاد في مستودعاتها. فعند الحاجة تقوم هذه الشركات باستئجار السلاح أو شرائه من الأسواق الدولية من تحت الطاولة.
يتم جمع المقاتلين المأجورين من جميع أنحاء العالم من خلال الوسط الإلكتروني. أي أنهم عناصر متعددي الجنسيات.
عند قراءتي للمعلومات المتعلقة بإرهابيي داعش, مثل تجمعهم من جميع أنحاء العالم وحصولهم على رواتب, يخطر على بالي المقاتلون المأجورون في الجيوش المأجورة/ الشركات الأمنية.
هناك خصائص رئيسية للمقاتل المأجور:
- أولاً: يكون غريباً عن المنطقة التي يقاتل فيها.
- ثانياً: غايته من القتال هي المال فقط.
- ثالثاً: يتم استقطاب المقاتلين المأجورين بطرق متعرجة وغير مباشرة كي لا تكسب مهمتهم الشرعية.
- رابعاً: تكون وحدات المقاتلين المأجورين عبارة عن مجموعات عسكرية تجمعت في تلك الفترة فقط من أجل تلك الغاية. وعندما تنتهي مهمتهم يتفرقوا.
-خامساً: يعرف أن المقاتلين المأجورين الذين يتحركون بشكل فردي بعيداً عن التنظيم, يصب تركيزهم على خدمة زبونهم فقط.
إذاً, من هو زبون/زبائن داعش؟ بلا شك لديكم توقع. نحن واثقون من غاياتهم. نرى من تصرفاتهم أنهم ينادون أميركا ويقولون لها "تعالي تعالي". وإلا ماذا يمكن أن يكون سبب انتشار صور قطع الرؤوس في جميع أنحاء العالم بهذه السرعة وهذه الضجة العارمة؟
حكومة الظل:
هناك 74 دولة في العالم تجري فيها حروب أهلية. لماذا فقط تنظيم داعش يظهر في الإعلام العالمي كالمتمرد الوحيد؟
بلا شك بسبب الثروات الباطنية التي يسيطر عليها هذا التنظيم في هذه الجغرافيا. قلنا أنه عندما تتواجد الثروات تتواجد القوى الكونية. لهذا السبب هناك تساؤل على ألسنة الجميع: من يوجد خلف داعش؟
عند البحث عن الجواب لا يجوز تجاهل التركيبة "الاقتصادية والسياسية" الممزقة للولايات المتحدة الأميركية. على سبيل المثال؛ هل يتفق أوباما وديك تشيني على السياسة الأميركية المتبعة في العراق وفي الشرق الأوسط؟
يعرف أنه يترأس "الدولة العميقة" في أميركا أقوى رجل في تاريخ السياسة الأميركية. إنه وزير الدفاع السابق ونائب رئيس الجمهورية السابق ديك تشيني. أظهر ذلك الكاتب يوركن الساسير بشكل واضح في كتابه "حكومة الظل".
قام تشيني ورجاله (تماماً مثل كولن وجماعته في تركيا) بإحياء برنامج إرهابي بشكل سري دون علم الكونغرس.
ولم يعد خافٍ على أحد أن طاقم المحافظين الجدد "Neocon" على علاقة وثيقة مع حزب الليكود الإسرائيلي. هذا "الاتفاق المقدس" هو من أراد فتح الحرب على إيران.
إن الدولة العميقة في أميركا (الدولة الموازية) كانت تنظر إلى ثنائي أوباما وكلينتون على أنهم مفشلو مخططاهم. أفرغ أوباما فتن ديك تشيني ومخططاته من مضمونها بإغلاق ملف الحرب على سوريا وإيران.
نعم هذا هو السؤال: هل داعش هي لعبة المحافظين الجدد/الدولة العميقة/الدولة الموازية؟
هل غايتهم هي إعادة ملئ صناديق هاليبورتون بالدولارات؟
سنتابع ونرى...
الجمل : عن ( صحيفة: سوزجو)
إضافة تعليق جديد